يجتمع أكثر من 20 من قادة العالم في مدينة قازان الروسية، الثلاثاء المقبل، للمشاركة في قمة “بريكس بلس”، التي تعدّ الأكبر من نوعها على الأراضي الروسية منذ غزو أوكرانيا 2022.
ويسعى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عبرها لإظهار أن المحاولات الغربية لعزل موسكو “قد باءت بالفشل” بحسب ما ورد في تقرير لوكالة فرانس برس، الأحد.
ولأول مرة منذ عامين ونصف العام، تحدث الرئيس الصربي ألكسندر فوتشيتش الأحد إلى بوتين عبر الهاتف، بمناسبة الذكرى الـ80 لتحرير العاصمة بلغراد من النازيين في الحرب العالمية الثانية، وكان للجنود السوفييت دور بارز فيه.
وقال فوتشيتش في رسالة عبر الفيديو نُشرت على وسائل التواصل الاجتماعي: “شكرتُ الرئيس بوتين بشكل خاص على ضمان قيام روسيا بتوفير كميات كافية من الغاز لصربيا هذا الشتاء”.
وتلقى البلد المرشح لعضوية الاتحاد الأوروبي دعوة لحضور قمة مجموعة “بريكس” من روسيا إلا أنه لم يرد إلى الآن.
وقال فوتشيتش وقت سابق هذا الأسبوع “إذا قلت إنني ذاهب إلى قازان، سيكون ذلك بمثابة نهاية الطريق الأوروبي لصربيا. وإذا قلتُ شيئا آخر، سيزعمون أنّني خنت الروس”.
وسيُعلن قرار حضوره القمة السادسة عشرة بحلول يوم غد الاثنين، بحسب ما نقلت فرانس برس.
وكانت صربيا دانت انتهاك وحدة الأراضي الأوكرانية، وفي نفس الوقت رفضت المشاركة في فرض عقوبات على روسيا، وما زالت متمكسة بموقفها إلى اليوم.
من جانبه، أعلن الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، الأحد، أنه لن يحضر القمة في روسيا، بعد نصيحة طبية بتجنب الرحلات الطويلة مؤقتا.
وذكر قصر الرئاسة في بيان أن لولا سيشارك في اجتماع بريكس عبر دائرة تلفزيونية.
محمد بن سلمان لن يحضر قمة “بريكس” في روسيا
قال الكرملين إنه من غير المتوقع أن يحضر ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، قمة مجموعة بريكس التي تستضيفها روسيا، في وقت لاحق من أكتوبر الجاري، وأشار إلى أن أكبر دولة مصدرة للنفط في العالم سوف يمثلها وزير الخارجية.
قمة قازان
من المقرر كذلك، أن يشارك الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في القمة. وأكد مستشار الكرملين يوري يوشاكوف، مشاركة قادة كل الدول الأعضاء في “بريكس” بقمة قازان، باستثناء السعودية التي ستوفد وزير خارجيتها.
وستكون القمة في روسيا الأولى بوجود الأعضاء الجدد، لذلك أطلق على المجموعة “بريكس بلس” بحسب المعهد الأميركي لدراسات السلام.
في المقابل، يعتقد الغرب أن روسيا تستغل التكتل لتوسيع نفوذها والترويج لسرديّاتها الخاصة في ما يتّصل بالنزاع مع أوكرانيا.
وحذّر الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلنسكي لدى عرضه “خطة النصر” هذا الأسبوع، من أن أي انتصار لبوتين في النزاع مع أوكرانيا من شأنه أن يشجّع دولا أخرى على إطلاق حروبها الخاصة.
وأضاف “إذا حقق بوتين أهدافه الجنونية، الجيوسياسية والعسكرية والأيديولوجية والاقتصادية، فسيشيع ذلك انطباعا سائدا لدى معتدين محتملين آخرين خصوصا في الغرب ومنطقة المحيطين الهندي والهادئ وأفريقيا، بأن الحروب العدوانية يمكن أن تكون مفيدة لهم أيضا”.
وأبرز الملفات المطروحة على جدول أعمال القمة، مقترح بوتين إنشاء نظام دفع خاص لـ”بريكس” يفترض أن يكون منافسا لنظام “سويفت” الشبكة المالية العالمية التي استُبعدت منها روسيا بعد غزوها أوكرانيا 2022، إضافة إلى النزاع المتصاعد في الشرق الأوسط.
ويصف الكرملين القمة بأنها “انتصار دبلوماسي سيساعده في بناء تحالف قادر على تحدي الهيمنة الغربية” بحسب ما أوردت فرانس برس، بينما تعتبر الولايات المتحدة أن روسيا “غير قادرة على التحول إلى منافس جيوسياسي”.
وفي الوقت ذاته، لا تخفي واشنطن قلقها إزاء استعراض موسكو قوتها الدبلوماسية وسط احتدام النزاع في أوكرانيا.
وفي القمة التي سبقتها وانعقدت في جنوب أفريقيا، لم يتمكن بوتين من الحضور، حيث أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرة توقيف بحقه عام 2023 على خلفية ترحيل غير قانوني لأطفال من أوكرانيا.
الجزائر تعلن الانضمام إلى “بنك التنمية” التابع لمجموعة “بريكس”
أعلنت وزارة المالية الجزائرية أن مجلس محافظي البنك الجديد للتنمية التابع لمجموعة “بريكس” وافق في اجتماع، السبت، على انضمام الجزائر إلى هذه المؤسسة المالية.
ماذا نعرف عن بريكس؟
بريكس مجموعة من الدول كانت تضم في بداية تأسيسها عام 2006 البرازيل، وروسيا، والهند، والصين، نشأت بمبادرة من روسيا. لذلك فإن الاسم الأساسي كان “بريك” وهو تشكيلة الحروف الأولى من أسماء تلك الدول باللغة الإنجليزية، وفي 2010 بعد انضمام جنوب أفريقيا صارت “بريكس”، بحسب ما أورده موقعها الإلكتروني.
تقدمت دول عديدة للانضمام إلى بريكس، بعضها نال العضوية حديثاً خلال 2024، مثل إيران والإمارات وإثيوبيا ومصر بالإضافة للسعودية، بينما تراجعت الأرجنتين عن طلبها بعد تسلم الرئيس الحالي خافيير مايلي مهامه مبدياً تعارض الكثير من سياساته مع خلفه، بحسب ما نشرت وكالة “بلومبيرغ”، الأحد.
وذكرت أن ماليزيا وتايلاند وتركيا، من الدول التي لا تزال تسعى للانضمام.
ووفق تقرير نشره المعهد الأميركي لدراسات السلام الخميس الماضي، تقدمت أكثر من 30 دولة بطلب رسمي أو أبدت اهتماماً للانضمام إلى مجموعة بريكس”، وتشمل دول جنوب شرق آسيا مثل تايلاند وماليزيا وفيتنام، بالإضافة لتركيا وهي عضو في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، ودول منتجة للنفط والغاز الطبيعي مثل الجزائر، وأكبر دولة إسلامية وهي إندونيسيا، عدا عن نيجيريا التي تمتلك أكبر عدد سكان في أفريقيا، وبنغلاديش ثامن أكبر دولة من حيث التعداد السكاني عالمياً.
والسبب الأساسي الذي يدفع هذه الدول للانضمام بحسب المعهد الأميركي، اقتصادي. إذ أن الدول العشر التي تشكل “بريكس بلس” اليوم، تمثل 45% من تعداد سكان العالم، و28% من الناتج الاقتصادي العالمي، و47% من النفط الخام العالمي.
وجاء في بيان مشترك في اجتماع وزراء خارجية بريكس، في يونيو الماضي، تشجيع على “تعزيز استخدام العملات المحلية في التجارة والمعاملات المالية” بين الدول الأعضاء. كان هذا التوجه في ارتفاع منذ عام 2017 حتى عام 2022، حيث شهدت التجارة بين دول بريكس نمواً بنسبة 56% خلال تلك الفترة، وتسارع هذا النمو بعد العقوبات الغربية والأميركية على روسيا.
وستنعقد قمة بريكس هذا العام على وقع الصراعات الإقليمية في الشرق الأوسط وأفريقيا وحالة الاستقطاب المتزايدة تجاهها من مختلف الأطراف، التي تُضاف إلى الغزو الروسي المستمر لأوكرانيا.
وتبنت دول بريكس موقفا محايدا على نطاق واسع تجاه الغزو الروسي لأوكرانيا، بعضها اعتبره قضية إقليمية أكثر من كونها أزمة عالمية. ومع ذلك، غيرت الحرب علاقات روسيا مع مؤسسات البريكس، وسرعان ما جمد بنك التنمية الجديد المشروعات الروسية، ولم تتمكن موسكو من الوصول إلى الدولار عبر نظام العملات الأجنبية المشترك لدول البريكس.
وفي الأساس، مع تراكم العقوبات الأميركية، أعطت دول بريكس الأخرى الأولوية للوصول المستمر إلى النظام المالي القائم على الدولار على مساعدة روسيا، فيما تقترح موسكو الآن تغييرات في المدفوعات عبر الحدود بين دول البريكس، وهو نظام من شأنه أن يتحايل على النظام المالي العالمي ويساعد على حماية اقتصادها من العقوبات، بحسب “بلومبيرغ”.
وتشمل البدائل تطوير شبكة من البنوك التجارية التي يمكنها إجراء مثل هذه المعاملات بالعملات المحلية وكذلك إقامة روابط مباشرة بين البنوك المركزية، وفقا لتقرير أعدته وزارة المالية الروسية وبنك روسيا وشركة “ياكوف وشركاه” الاستشارية ومقرها موسكو.
في مجموعة بريكس ومن بين الدول الراغبة في عضويتها، هناك دول حليفة للولايات المتحدة والغرب، مثل السعودية والإمارات وتركيا وغيرها، والعديد منها لا تريد تقويض هذه العلاقة كما لا تجد تناقضاً بينها وبين التواجد في تكتل دولي تقوده روسيا والصين لخلق بديل عن الرأسمالية الأميركية والأوروبية التي تُدير اقتصاد العالم.
يشير المعهد الأميركي للسلام، أن المملكة العربية السعودية تتفاوض على صفقة مع الولايات المتحدة للحصول على ضمانات أمنية من واشنطن مقابل تطبيع العلاقات مع إسرائيل، فيما عمقت الهند علاقاتها الأمنية مع الولايات المتحدة بشكل كبير في السنوات الأخيرة، ووقعت فيتنام والولايات المتحدة اتفاق شراكة إستراتيجية شاملة العام الماضي 2023.
وتسعى كوبا للانضمام إلى “بريكس”، حيث قدمت طلباً رسمياً عبر رسالة لبوتين في هذا الشهر لإدراجها كدولة شريكة. وقال مندوبها الدائم لدى الأمم المتحدة إرنستو سوبرون غوزمان، في حديث مع وكالة “تاس” الروسية إن “بريكس قد تصبح بديلاً للمؤسسات المالية الدولية مثل البنك الدولي أو صندوق النقد الدولي، حيث أن بعض أكبر الاقتصادات في العالم من بين أعضائها”.
وأضاف، السبت، أن التكتل الدولي يلعب دوراً في الاقتصادي العالمي، إذ يوفر “توازناً في ما يتعلق بالقوى الكبرى التي لا تعمل دائما لصالح الدول النامية”، مشيراً إلى وجود “مصالح مشتركة وإمكانيات هائلة للتجارة الخارجية” بين أعضاء “بريكس”.
مسؤول إماراتي: انضمامنا لبريكس لن يضر بعلاقاتنا مع الغرب
قال وزير الاقتصاد الإماراتي، عبد الله بن طوق المري، إن انضمام الإمارات إلى كتلة البريكس للاقتصادات الناشئة لن يضر بعلاقاتها مع الدول الغربية، وسط مخاوف من قيام الصين وروسيا بتوسيع المجموعة لموازنة النفوذ الأمريكي والأوروبي.
اقتصاد متعثّر وعوائق
وبحسب تقرير للبنك الدولي نُشر عام 2019، فإن مجموعة دول “بريكس” تمثل أكبر اقتصادات متوسطة الدخل في العالم، وتمثل معاً أكثر من خُمس الاقتصاد العالمي.
في عام 2017 ، شكل قطاع الخدمات نصف إلى ثلثي اقتصاد كل بلد (الأعضاء الخمس)، فيما احتلت الصناعة ثاني أكبر قطاع فيها، بحيث تراوحت بين أقل من خُمس الاقتصاد في البرازيل وأكثر من خُمسَي الاقتصاد في الصين. في حين شكلت الزراعة كحصة من الناتج المحلي الإجمالي، أقل من 5% في البرازيل وروسيا وجنوب أفريقيا، وفي الصين 8% والهند 15%، وفق بيانات البنك الدولي.
ووفق “بلومبيرغ” كانت أبرز إنجازات بريكس، مالية. إذ اتفقت الدول على تجميع احتياطيات من العملات الأجنبية بقيمة 100 مليار دولار يمكنها إقراضها لبعضها البعض في حالات الطوارئ، وهو مرفق للسيولة بدأ العمل به في عام 2016.
أسست الدول أيضا “البنك الجديد للتنمية” وهي مؤسسة مستوحاة من البنك الدولي وافقت على قروض بنحو 33 مليار دولار، معظمها لمشاريع المياه والنقل والبنية التحتية الأخرى، منذ أن بدأ عملياته في عام 2015.
بالمقارنة، تعهد البنك الدولي بمبلغ 72.8 مليار دولار للدول المنضوية تحت لوائه في السنة المالية 2023.
تعليق أميركي على انضمام دول عربية لمجموعة بريكس
قال متحدث باسم الخارجية الأميركية في حديث لقناة “الحرة”، الخميس، إن الولايات المتحدة “تكرر إيمانها بأنه يمكن للدول اختيار الشركاء والتجمعات التي سترتبط بها”.
وعلى الرغم من اهتمام المستثمرين بالاقتصادات الناشئة في دول بريكس، إلّا أنها عموماً ليست في أحسن أحوالها، فالعقوبات الأوروبية والأميركية على روسيا أدت لإبعاد أغلب المستثمرين عنها.
كما فرضت عقوبات على بعض القطاعات في الصين – خاصة شركات التكنولوجيا – أو تواجه حظرا محتملا على الاستثمار. كما أن الصين اقتصاد ناضج، منفصل بشكل متزايد عن الأسواق الناشئة الأخرى ويواجه تباطؤا هيكليا.
بالنسبة للبرازيل، فقد تباطأ الاقتصاد البرازيلي بشكل ملحوظ بعد نهاية طفرة السلع العالمية قبل حوالي عقد من الزمان. أما اقتصاد جنوب أفريقيا فقد تعثر بسبب مشكلات لوجستية، على الرغم من أنه أحرز مؤخرا بعض التقدم المبدئي في معالجة هذه المشاكل.
وفي وقت تقارن بنوك استثمارية التجربة الهندية بتجربة الصين قبل نحو 15 عاماً، إلا أنه من غير الواضح إن كان بإمكانها اتباع النموذج الصيني في مجال التصنيع.
ورغم الوعود الكبيرة التي تصدّرها بريكس منذ نشأتها عام 2006 للدول الأعضاء ودول العالم الثالث، ورغم الإمكانات الكبيرة التي تمتلكها وتميزها لتحقيقها، إلا أن هناك عوائق عديدة ماثلة منذ سنوات، تحول حتى الآن دون خلق البديل المزعوم للاقتصاد الذي يتحكم في الأسواق العالمية.
من هذه العوائق بحسب خبراء وبيانات اقتصادية ووسائل إعلام محلية في روسيا والصين، التباين السياسي والثقافي والاقتصادي للدول الأعضاء، مما قد يعني تضارب المصالح بينها، مثل النزاعات الحدودية بين الصين والهند مثلاً، أو الفرق الكبير في النمو الاقتصادي بين الصين من جهة، وجنوب أفريقيا والبرازيل من جهة أخرى، مما يعني غياب التوازن في السلطة وصنع القرار بين دول بريكس.
إضافة لذلك، لا يمكن رؤية أجندة عمل واضحة لتحقيق الهدف المنشود بين أعضاء بريكس، بالتالي غياب إستراتيجية قوية متماسكة تجعل -بالضرورة- اتخاذ قرارات ومواقف حاسمة تجاه القضايا العالمية، أمراً معقداً.
كما أن هناك تأثيراً محدوداً حتى الآن لبريكس على المؤسسات والمنظمات العالمية والدولية، التي تقودها دول الغرب، مثل صندوق النقد.
واعتماد دول بريكس كذلك على التجارة العالمية، وأبرز نموذج على ذلك الصين، يجعلها عرضة للعقوبات الغربية وللتباطؤ في النمو الاقتصادي. ويُضاف إلى ذلك، قضية هامة ورد ذكرها آنفاً، وهي موقف دول بريكس غير الموحد من الصراعات السياسية الإقليمية والعالمية، نظراً لازدواجية التحالفات والمصالح، ومحاولة – أحياناً- البقاء على الحياد في ظل تغييرات إستراتيجية تؤثر على توازنات القوى حول العالم.