يثير قرار ميليشيا “كتائب حزب الله” العراقية تعليق عملياتها ضد القوات الأميركية في المنطقة، بعد ساعات من إعلان الرئيس جو بايدن أنه قرر كيفية الرد على الهجوم الذي أسفر عن مقتل ثلاثة عسكريين أميركيين وإصابة 40 آخرين في الأردن، تساؤلات عن أسباب القرار وموقف واشنطن.
وقالت الميليشيا، الثلاثاء، في بيان إنها أوقفت كل الهجمات على القوات الأميركية لعدم رغبتها في إحراج الحكومة العراقية، وزعمت أن لديها خلافات مع طهران بشأن عملياتها.
وفي بيانها، قالت إن إيران وحلفاء آخرين “غالبا ما يعترضون على الضغط والتصعيد ضد قوات الاحتلال الأميركية”.
لكن الخبير الأردني في شؤون الجماعات الإرهابية، حسن أبو هنية، يرى في حديثه مع موقع “الحرة” أن كل الميليشيات التابعة للحشد الشعبي المنضوية تحت ما يسمى بـ”المقاومة الإسلامية في العراق” التي نشأت بعد الحرب في غزة، تؤكد أنها تعمل بشكل من الاستقلالية أو اللا مركزية، وكل هذا لتبرئة إيران حتى لا تتحمل مسؤولية أي فعل تقوم به، لكنها في الحقيقة كلها تأتمر بأمر خامنئي وتحت نفوذ مباشر لإسماعيل قاآني قائد فيلق القدس، الجناح الخارجي للحرس الثوري الإيراني الذي يدير كل ما يسمى بمحور المقاومة الممتد من العراق لسوريا ولبنان واليمن.
وقال: “نحن رأينا أكثر من 160 هجوما على القوات الأميركية في العراق وسوريا، لكن الرد الأميركي كان محسوبا ومتناسبا بمعنى أنه لم يؤد إلى مقتل قادة في هذه الميليشيات أو مراكزها الرئيسية”.
وأضاف: “بالتأكيد بعد ما حدث في شمال شرق الأردن ومقتل ثلاثة جنود أميركيين وإصابة 40 آخرين، رأينا تهديدات أميركية بالرد، لأن هذا الهجوم يعتبر تصعيدا كبيرا، ما جعل الأمور صعبة ومحرجة جدا للإدارة الأميركية، فبدأت مشاورات جدية حول طبيعة الرد القوي حتى أنه خرجت آراء تدعو إلى الرد داخل إيران نفسها”.
وأنهت عشرات الهجمات على القوات الأميركية في سوريا والعراق، نفذتها جماعة “المقاومة الإسلامية في العراق” التي ينضوي تحت لوائها فصائل مسلحة منها “كتائب حزب الله”، هدنة استمرت شهورا بين الفصائل والقوات الأميركية وزعزعت جهود الحكومة لتحقيق الاستقرار في البلاد بعد عقود من الصراع.
وفي ما يتعلق بما إذا كانت الولايات المتحدة ستمتنع عن الرد على هجوم الأردن وعدم توجيه ضربة لـ”كتائب حزب الله” بعد هذا الإعلان، قال المتحدث باسم البنتاغون بات رايدر لـ”الحرة”: “لقد رأيت هذا التصريح وليس لدي تعليق محدد أقدمه عدا القول أن الأفعال أقوى من الكلمات. كما تعلم كان هناك أكثر من 160 هجوما من أذرع إيران على القوات الأميركية في العراق وسوريا والأردن، ولسوء الحظ فإن هذا الهجوم الأخير على قواتنا على الحدود الأردنية مع سوريا قتل ثلاثة جنود وأصاب أكثر من 40 آخرين”.
وأضاف: “الرئيس ووزير الدفاع قالا إننا سنرد في الوقت والمكان اللذين سنختارهما وسنتخذ كل التدابير الضرورية لحماية القوات الأميركية”.
لماذا أعلنت “الكتائب” تعليق الهجمات؟
نقلت وكالة رويترز عن أربعة مصادر وبينهم سياسي شيعي ومسؤول عراقي وشخص اجتمع بفصائل مسلحة في الأيام القليلة الماضية، إن قتل جنود أميركيين في الأردن، الحليف الوثيق للولايات المتحدة، كان خطوة ذهبت بعيدا، بمعنى أنها تجاوزت الخط الأحمر.
وقالت المصادر إن طهران، خوفا من رد فعل أميركي واسع النطاق، قالت علنا إنها غير متورطة وبعثت رسائل غير معلنة إلى “كتائب حزب الله” للتوقف، وساعدت فصائل شيعية عراقية مشاركة في الحكومة في التوسط لإنهاء الهجمات.
وقال سياسي شيعي مطلع “يأتي هذا نتيجة لضغوط داخلية ولرغبة جارتنا (إيران) في وقف التصعيد”.
ويرى أبو هنية أن “من الواضح الآن أن هناك نوعا ما من التسوية بين إيران والولايات المتحدة، بمعنى أنه على الأقل إيقاف الهجمات على القوات الأميركية، وبالتالي تعرضت هذه الجماعات لضغوطات أو بمعنى أدق استقبلت أوامر من إيران لإيقاف هذه الهجمات مؤقتا”.
ويعتقد أن إعلان “كتائب حزب الله” العراقية جاء كمحاولة لتظهر أن الأميركيين حققوا نوعا من الردع، وفي الوقت يظهر أن إيران غير مسؤولة بشكل مباشر عن الهجوم في الأردن.
وقال: “كل ما يقال عن أن هناك خلافات بين فصائل المقاومة أو كتائب حزب الله العراقية وإيران غير صحيح، وهي فقط للتعمية على مسؤولية إيران عن هذه الهجمات”.
“لا نصدقهم”
وقال منسق الاتصالات الاستراتيجية في مجلس الأمن القومي الأميركي جون كيربي الأربعاء: “لا نصدق ما تقوله مجموعة مثل حزب الله العراقي”.
ويعتقد أبو هنية أن هناك مصلحة أميركية إيرانية في عدم الانزلاق إلى حرب إقليمية.
وأكد رايدر في مقابلة مع “الحرة” أن الولايات المتحدة لا تريد أن ترى تصعيدا ونزاعا أوسع في المنطقة، “لكننا ملتزمون بحماية قواتنا”.
ويقول أبو هنية إن الولايات المتحدة لا تريد توسعة الصراع مع استمرار الحرب الإسرائيلية في غزة والحرب في أوكرانيا والتوترات في بحر الصين الجنوبي.
لكنه يرى أن تعليق الهجمات على القوات الأميركية في المنطقة سيكون “بشكل مؤقت، لأن هناك أهدافا واضحة لإيران هو إخراج القوات الأميركية من المنطقة وخاصة العراق ثم سوريا”.
وقال ريناد منصور الباحث البارز في مركز تشاتام هاوس البحثي في لندن “هناك دائما توازن بين القتال واستعراض القوة لكن دون رغبة في الذهاب بعيدا بالتصعيد، ومن ثم يحاولون الحفاظ على توازن عنف محفوف بشدة بالمخاطر”، بحسب ما نقلت عنه رويترز.
وأوضح أن “هذا التوازن يختل مع مقتل جنود أميركيين، كما حدث في عام 2019 حين أدى ذلك إلى قتل الولايات المتحدة لسليماني والمهندس”.
“ضربات محسوبة”
ولذلك يرى أبو هنية أنه ستكون هناك “ضربات أميركية محسوبة لن تؤدي إلى خسائر كبيرة، إذا تم الاتفاق مع إيران على حجم هذه الضربات لإظهار نوع من الردع”.
لكنه يشير إلى أنه “إذا أدت الضربات إلى خسائر ومقتل عدد من قيادات الحشد الشعبي فستعود هذه الميليشيات بهجمات أكثر قوة، وربما توسيع نطاقها ما ينذر بالانزق إلى نحو حرب إقليمية”.
وفي عام 2020، قتلت الولايات المتحدة قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني وزعيم “كتائب حزب الله” أبو مهدي المهندس في غارة بطائرة مسيرة على مطار بغداد الدولي.
وجاءت الضربة بعد أيام من تحميل الولايات المتحدة “كتائب حزب الله” مسؤولية مقتل مقاول أميركي. ويخشى مسؤولون عراقيون من أن يؤدي رد فعل قوي مماثل إلى دورة جديدة من العنف.
لكن أبو هنية يقول “كان حينها على سدة الحكم في الولايات المتحدة دونالد ترامب الذي كان يمارس سياسة الضغوطات القصوى، لكن سياسة إدارة بايدن مختلفة خاصة مع استمرار الحرب في غزة وأوكرانيا والتوترات في بحر الصين الجنوبي”.