“أم نزيه روزا الحلبي” هي آخر الضحايا الذين تم انتشالهم من تحت أنقاض منزلها في قرية عرمان بريف محافظة السويداء جنوب سوريا، وواحدة من بين 10 مدنيين قتلوا بحسب شبكات إخبارية محلية و”المرصد السوري لحقوق الإنسان” إثر قصف جوي نسب إلى “طائرات حربية أردنية” فجر يوم الأربعاء.
ولم يصدر أي تعليق بتبني مسؤولية القصف أو نفيها من جانب الجيش الأردني، وتواصل موقع “الحرة” مع الناطق باسمه العميد مصطفى الحياري، ولم يتلق ردا حتى ساعة نشر هذا التقرير.
ومع ذلك كان المسؤولون الأردنيون قد هددوا مرارا وتكرارا في الفترة الأخيرة بملاحقة مهربي المخدرات، بعدما تصاعد نشاطهم على نحو كبير من داخل الأراضي السورية، ووصل إلى حد إدخال أسلحة ومخدرات عبر الحدود.
وفي التفاصيل ذكر مدير “شبكة السويداء 24” المحلية، ريان معروف لموقع “الحرة” أن الضحايا العشرة ومن بينهم “أم نزيه” التي تبلغ من العمر 80 عاما قتلوا بغارتين على بلدة عرمان.
واستهدفت الغارة الأولى منزل منزل عمر طلب، في أحد الاحياء المتطرفة عن البلدة، والثانية منزل تركي الحلبي المؤلف من طابقين، في وسط البلدة.
وبينا تسبب القصف الأول بمقتل عمر طلب، ووالدته آمال زين الدين، وعمّته اتحاد طلب، كانت الفاجعة مضاعفة في منزل تركي الحلبي وفق معروف، حيث قُتل سبعة من أفراد العائلة، بينهم طفلتين لا تتجاوز أعمارهما خمس سنوات (ديما وفرح).
“غضب وحداد”
وبعد ظهر الأربعاء وفي أعقاب انتهاء فرق الإنقاذ السورية من انتشال القتلى وآخرهم “أم نزيه” من تحت الأنقاض شيع المواطنون في بلدة عرمان الضحايا، وسط أجواء من الغضب والحداد.
كما شهدت ساحة الكرامة وسط مدينة السويداء مظاهرات احتجاجية تخللتها دقيقة صمت مع رفع لافتات تدين “الجريمة المروعة التي ارتكبتها المقاتلات الأردنية”.
وألقى أقرباء الضحايا كلمات خلال مراسم التشييع في عرمان، وقال أحدهم في تسجيل مصور نشرته شبكة “الراصد”: “ندفع جميعا ضريبة باهظة الثمن في دولة تخلت عن دورها في الحماية من كل أنواع الخوف التي نعايشها يوميا والتي ضمنتها العهود والمواثيق الدولية”.
وأضاف: “إلى متى سنبقى ضحايا مجانيين ومقابل ماذا؟ بأي ذنب قتلوا. إذا كانت لديكم براهينكم يجب أن تتبعوا الوسائل القانونية. نحن لنا حقوق وأولها حق العيش بكرامة”.
وتابع آخر: “سوف يخاطبكم شهداء الاستهتار والمصالح الدولية القذرة: بأي ذنب قتلتمونا؟ أخي الشهيد كان مزارعا وأمه مرة مكافحة وعمتي امرأة أرملة كافحت وربت ابنتها حتى تخرجت طبيبة ولم تفرح بها بعد!. قتلتموهم بدم بارد”.
الناشط السياسي مروان حمزة وهو أحد قادة الحراك السلمي في السويداء يشير في حديث لموقع “الحرة” إلى “حالة استياء كبيرة تشهدها المحافظة بسبب المجزرة البشعة التي حصلت”.
ويقول: “هناك من يقول إن القصف يرجح أنه أردني. من له مصلحة بالضرب الجوي هناك إلا الأردن وبتوافق مع النظام السوري”.
حمزة يضيف أن “السكان في السويداء ليسوا ضد مكافحة المخدرات على طول الحدود، لكن يؤكدون أن النظام السوري لا يسأل عن أي روح مواطن هناك ومن يذهب بالقصف هم أبرياء”.
وهذه الضربة الجوية هي الرابعة من نوعها التي تنسب إلى عمّان دون أن يتبناها الأردن.
ومنذ مطلع العام الحالي حصلت ضربتان الأولى في الخامس من يناير والتاسع من الشهر ذاته.
ونقلت رويترز عن مصادر استخباراتية إقليمية أن “القصف الأردني استهدف مخابئ ومستودعات يستخدمها مهربو مخدرات وأسلحة، ومدعومون من إيران في الجنوب السوري”.
لكن ناشطين من جنوب سوريا وبالأخص من السويداء التي تتركز الضربات على ريفها الجنوبي يجادلون بأن الضربات تستهدف “تجار مخدرات”، ويشيرون إلى قائمة من الضحايا المدنيين، آخرهم العشرة من أبناء قرية عرمان.
ويضيف الناشط حمزة: “ما يحصل لا يتعلق بحقوق الإنسان والشرائع الدولية”.
ويتابع: “النظام السوري هو من يروج لتجارة المخدرات عبر وكلاء له ومعروفون جيدا. لكن من يقتل بالقصف هم الأبرياء ونحن نستنكر هذا العمل الجبان. الناس قتلوا وهم آمنون ونائمون”.
“مفترق طرق خطير”
ولا يعرف ما إذا كان هناك تنسيق أمني وعسكري بين الجيش الأردني وقوات النظام السوري بشأن الضربات التي تنسب لعمان في جنوب سوريا.
وكانت 3 من الغارات الجوية قد تبعت “اشتباكات واسعة وكبيرة” خاضها الجيش الأردني على طول الحدود مع سوريا.
صدمة وحزن في #السويداء ناتج وفاة عدد من المدنيين بينهم أطفال ونساء بغارة جوية أردنية استهدفت منزلين في بلدة عرمان بالريف الجنوبي للمحافظة..
المشاهد من بدء تشييع الضحايا في بيت الجنازة قبل وصول الرجال لنقل الجثامين. pic.twitter.com/b4CtDNzAoz
— راصد السويداء (@alrasd_sy) January 18, 2024
وقال لمرتين منذ منتصف ديسمبر الماضي إنه أفشل “مخططا لاستهداف الأمن الوطني”.
ويعتقد الكاتب والناشط السياسي السوري، حافظ قرقوط أن “المنطقة وأهالي القرى في السويداء باتوا أمام مفترق طرق خطير، مع تتالي الضربات الجوية التي ينفذها الطيران الأردني”.
ويقول لموقع “الحرة” إن “ما يحصل إرهاب للمدنيين أكثر من اجتثاث تجار المخدرات الكبار التابعين للفرقة الرابعة وحزب الله”.
ودائما ما قدم السكان في السويداء “رسائل إيجابية كجيران وعشائر ومجتمع محلي واحد للجانب الأردني”، وفق قرقوط.
ويتابع متسائلا: “لماذا وصلت الأمور إلى هذا الحد ولاسيما أن عمّان تدرك أن أساس التهريب مرتبط بالحكومة في دمشق”.
ويشير الصحفي السوري، ريان معروف، إلى أن “الرأي العام في السويداء كان يؤيد في وقت سابق الجهود الأردنية ضد عمليات التهريب وبشكل كبير”.
لكن وبعدما تكرر سقوط ضحايا مدنيين “حصل انقلاب كبير في الرأي”، حسب معروف.
وأشار شيخ عقل الطائفة الدرزية، حكمت الهجري، قبل أيام، موجها خطابه للأردن بالقول إن “عدوكم وعدونا واحد”، في إشارة منه إلى إيران.
كما طالب بتجنيد المدنيين على طول الحدود، وكان هذا الموقف الوحيد من قبل شيوخ العقل، كما يوضح معروف.
ويتوقع أن تكون هناك “مواقف جديدة وخاصة أن الاستياء كبير بعد مجزرة بلدة عرمان”.
من جانبه، كتب السياسي السوري المعارض، الدكتور يحيى العريضي، عبر “إكس”: “المطلوب من الأردن، على أعلى مستوى، مبدئيا المسارعة إلى تعزية ذوي ضحايا القصف الأردني جنوبي سوريا”.
وأضاف: “وإن أرادت عمّان مواجهة إدمان النظام في دمشق على تجارة المخدرات، فالأردن أدرى بكيفية اجتثاث أساس المشكلة تحت مظلة الشرعية الدولية، وترك الإنشغال بالأعراض الجانبية، التي يدفع ثمنه المدنيون السوريون في السويداء”.