وقف صادرات الأسلحة الألمانية إلى إسرائيل.. “العدل الدولية” تحسم موقفها

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 9 دقيقة للقراءة

ما إن يخفت الحديث عنها حتى تعود قضية “الدستور الجديد” لتركيا إلى الواجهة في البلاد، ورغم أن جميع التجارب التي اختبرها الحزب الحاكم في الفترات الأخيرة لم تسفر عن نتائج على صعيد الكتابة، ينظر خبراء ومراقبون لمساعيه الآن من زاوية جديدة تشوبها “أهداف كامنة”.

وفي أولى خطواته المتعلقة بمحادثات “الدستور الجديد” التقى رئيس البرلمان التركي، نعمان قورتولموش، بزعيم حزب “الشعب الجمهوري” المعارضة، أوزغور أوزيل، الثلاثاء، وقال إنه سيتبع ذات الخطوة مع بقية الأحزاب، في الأيام المقبلة.

قورتولموش، أضاف حسبما نقلت وسائل إعلام، أنه يأمل أن “يتلقى آراء الأحزاب السياسية بشأن كتابة الدستور الجديد في نهاية مايو 2024″، مردفا: “وربما في الصيف تنضج جميع المقترحات، وتبدأ بيئة التفاوض عندما يفتتح البرلمان أعماله”.

وبدوره، أوضح أوزيل الذي خرج حزبه منتصرا في انتخابات البلديات الأخيرة أنه “يجب أن نزن موقع الدستور الجديد في مطالب المجتمع”. وشدد على فكره بقوله: “وإذا أردنا الالتزام بالدستور فلنغيره”.

ومن المقرر أن يلتقي زعيم أكبر أحزاب المعارضة (أوزيل)، الأربعاء، مع الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، وذكرت وسائل إعلام بينها موقع “خبر تورك” أن قضية كتابة الدستور الجديد ستهيمن على محاور النقاش.

وسيكون ذلك اللقاء الأول الذي يجمع قطبي المعارضة والحكومة في تركيا على طاولة واحدة.

ويأتي بعد شهر من إسدال الستار عن انتخابات البلديات، بفوز ساحق حققته المعارضة في البلاد، في مقابل هزيمة تلقاها الحزب الحاكم (العدالة والتنمية)، في مدن وولايات لم تكن متوقعة.

أسباب إعادة تصدير “الدستور الجديد”

ومنذ وصول حزب “العدالة والتنمية” لسدة الحكم، ظل قادته يؤكدون ضرورة تغيير الدستور العسكري (1982)، والعمل على تعديلات جذرية فيه.

والتزم الرئيس إردوغان بهذا المسار أكثر من مرة، قبل فترة الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في مايو 2023، وحتى خلال التحضيرات الخاصة بالانتخابات المحلية الأخيرة، التي تم تنظيمها في 31 مارس.

ودائما ما كان إردوغان يؤكد على “ضرورة التخلص من إرث الانقلابات”، على حد تعبيره.

وأضاف في إحدى التصريحات: “سيجد كل مواطن تركي نفسه ضمن الدستور الجديد الذي نطمح إلى صياغته”، وأيده بذات الفكرة حليفه زعيم حزب “الحركة القومية”، دولت باهتشلي، معتبرا في موقف سابق أن “الدستور الانقلابي لا يليق بتركيا، والآن هو وقت (التغيير)”.

لكن ورغم الدفع المعلن حكوميا للشروع بأولى خطوات هذه القضية لطالما بقيت رهينة الوقت والموقف المضاد، المتعلق ببقية الأحزاب في البلاد، وخاصة المعارضة منها.

وبينما تقول الصحفية التركية، ديلارا أصلان، وهي مديرة مكتب “ديلي صباح” في أنقرة إنه “لا يوجد اختلاف جوهري في موقف الأحزاب من قضية الدستور الجديد” ترى أن سبب طرحها على جدول الأعمال مرة أخرى يرتبط بمحاولة من جانب الحزب الحاكم.

ويسعى “العدالة والتنمية”، كما تضيف أصلان لموقع “الحرة”، إلى “زيادة شعبيته من خلال النجاح في مثل هذه الخطوة التاريخية، بعد أن تعرض لخسارة فادحة في الانتخابات البلدية التي جرت الشهر الماضي”.

وعلاوة على ذلك، فإن “النجاح في إحراز تقدم في وضع دستور للقرن الثاني لتركيا سيكون بمثابة إرث سيتركه الرئيس إردوغان وحزبه للبلاد”، وفق الصحفية التركية.

ويشير الباحث السياسي التركي، هشام جوناي، إلى وجود تباين في الآراء فيما يتعلق بمواقف الأحزاب السياسية من صياغة دستور جديد للبلاد.

وبدا ذلك الثلاثاء خلال حديث زعيم “الشعب الجمهوري” المعارض، أوزغور، بعد لقائه رئيس البرلمان قورتولموش. 

ويريد “العدالة والتنمية”، حسب ما يوضح جوناي لموقع “الحرة”: “إدماج بعض المواد التي يعترض عليها الشعب الجمهوري، الخاصة بالقيود المفروضة على المثليين وحرية اختيار الميول الجنسية”.

إضافة إلى بنود أخرى تتعلق بـ”حقوق المرأة والإنسان”، التي من المفترض أن تقرّها تركيا بموجب الانضمام للاتحاد الأوروبي.

ويرى جوناي أن هذه الخلافات “أساسية ورئيسية”، ويضاف إليها أمور متعلقة بالعلمانية والمواد الأربعة الثابتة في الدستور الحالي.

“القضية مسيسة”

وعلى مدى الأعوام الماضية دائما ما كانت المعارضة مترددة، وفي بعض الأحيان، معادية بشكل صريح لمحاولات وضع دستور جديد. وكانت الأسباب في معظمها سياسية.

وبينما كانوا يؤكدون على رفض “فرض” الدستور عليهم من قبل الحكومة، أشار إردوغان في أكثر من مناسبة إلى أنهم يريدون التشاور مع الأحزاب الأخرى، قبل البدء في العمل.

وسبق أن أجريت تعديلات عدة على الدستور الحالي في فترات زمنية، أبرزها في عامي 2007 و2010، وصولا إلى الاستفتاء الكبير على تغيير نظام الحكم من برلماني إلى رئاسي عام 2017.

وتوضح الصحفية أصلان أن جميع الأطراف في تركيا تتفق على الحاجة إلى دستور جديد.

ويأتي ذلك من منطلق أن الدستور الحالي تمت صياغته بعد الانقلاب، وبالتالي فهو “صارم للغاية في العديد من المصطلحات وبعيدا عن أن يكون تحرريا”.

لكن “قضية الدستور الجديد تبدو مسيسة إلى حد كبير في تركيا”، وفق حديثها.

وتشرح أن الحزب الحاكم يسعى إلى تحقيق مكاسب سياسية، في حين أن المعارضة الرئيسية لا ترغب في دعم مشروع “العدالة والتنمية” بشكل علني، وهو ما يقودنا إلى طريق مسدود.

ويدعو الرئيس إردوغان إلى أن تكون المبادئ الأساسية للدستور الجديد “مدنية” و”تحررية” و”شاملة” و”تمكينية” للسياسات الاجتماعية.

ومع ذلك، تشكك الأحزاب المعارضة في نية الحزب الحاكم، بسبب الإجراءات الحالية، مثل عدم تطبيق قرارات “المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان”، والضغط على حزب “الحركة الديمقراطية” الكردي، فضلا عن قضية “الوصي”، وفق أصلان.

ويستبعد الباحث جوناي أن تصل الحوارات الحالية الخاصة بـ”الدستور الجديد” إلى نتائج ملموسة.

ويعتقد أن “العدالة والتنمية” وحليفه القومي كان بإمكانهما تغيير الدستور في الماضي، لكنهما لم يفعلا ذلك لأنه “كان يعطيهما حقوقا واسعة ليسا بصدد الاستغناء عنها”.

وبعد انتخابات البلدية اتضح أن هناك تصاعدا لأصوات حزب “الشعب الجمهوري”.

وعلى أساس ذلك يعتبر الباحث أن “إعادة تصدير الحديث عن الدستور الجديد يرتبط بمساعي العدالة والتنمية لدغدغة المشاعر القومية والدينية لدى الشعب”.

ويرجح أيضا أن يكون فتح النقاش من جديد “محاولة لقطع الطريق أمام الصعود الملحوظ لحزب الشعب الجمهوري” المعارض.

“على طاولة إردوغان وأوزيل”

وبحسب ما نقلت وسائل إعلام تركية الثلاثاء فإن إردوغان سيثير في اجتماعه مع أوزيل، الأربعاء، قضية “الدستور الجديد”، ومن المتوقع أن يركز الأخير على المشاكل الاقتصادية والسياسة الخارجية و”الأزمة القضائية”.

وقال كبير مستشاري الرئيس التركي، نائب رئيس مجلس السياسات القضائية الرئاسية، محمد أوكوم، الأحد، إن “الحفاظ على نظام الرئاسة التنفيذية واستمرار قاعدة 50 بالمئة + 1 ضرورة لمكاسب النضال الديمقراطي الشعبي”.

وتعني قاعدة 50 بالمئة + 1 أن المرشح الرئاسي يجب أن يحصل على أكثر من 50 بالمئة من الأصوات الصحيحة للفوز في الانتخابات، وهو ما تم تطبيقه بعد التحول إلى النظام الرئاسي، وقاد السياسة إلى تشكيل تحالفات.

ومع ذلك، قبل الانتخابات العامة التي جرت العام الماضي، طرح الرئيس التركي فكرة إجراء تعديل دستوري لتغيير هذا المطلب.

وأما بالنسبة لما يستلزمه الإصلاح الدستوري، فقال أوكوم إن المواد الثلاثة الأولى من الدستور الحالي “لا غنى عنها” بالنسبة لحزب “العدالة والتنمية”.

وتنص المواد الثلاثة الأولى من الدستور على أن تركيا جمهورية؛ دولة ديمقراطية وعلمانية واجتماعية تحكمها سيادة القانون وتحترم حقوق الإنسان وتكون مخلصة لقومية المؤسس مصطفى كمال أتاتورك؛ وكيانا لا يتجزأ ولغته تركية.

وفيما يتعلق بالمبادئ الرئيسية للدستور الجديد، قدم أوكوم اقتراحات لدستور يكون “مدنيا” و”تحرريا” و”شاملا” في تعريف المواطنة و”حاميا” للموارد الطبيعية”.

“الاتفاق ليس سهلا”

وترى الصحفية أصلان أن السؤال المطروح الآن هو : هل يريد حزب “العدالة والتنمية” إدارة عملية تنقذ تركيا من الدستور الانقلابي الحالي؟ أم أنه يريد استعادة السلطة المفقودة بعد الانتخابات المحلية من خلال مناقشات دستورية جديدة؟ 

ومن الممكن أن تستمر المناقشات بينه وبين “الشعب الجمهوري”.

وقد تعقد الاجتماعات وبعدها ستحدد الأطراف موقفها الرئيسي وحساسياتها، ومن ثم يمكن تشكيل لجنة مشتركة لاتخاذ الخطوة التالية.

ومع ذلك توضح الصحفية أنه “وعندما ننظر إلى الحسابات في البرلمان، يمكننا أن نرى أن العدالة والتنمية وحليفه الحركة القومية ليسا كافيين وحدهما لإجراء مثل هذا التغيير”.

وبالتالي، سيسعى الحزب للحصول على الدعم من أحزاب مثل حزب “الجيد”، و”هدى بار”، و”الشعب الجمهوري”، وحتى من نواب “دواء” وحزب “المستقبل”.

وبينما تقول كل من الحكومة والمعارضة إنه يجب تغيير الدستور، فإن طرح هذه القضية باستمرار على جدول الأعمال دون تقدم، يظهر أن “الاتفاق ليس سهلا”، حسب أصلان.

وتربط السبب باحتمالين: “إما لأن الأحزاب ليست صادقة للغاية أو لأن الجميع يعمل لتحقيق أقصى قدر من مصالحه الخاصة”.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *