لمدة 17 عاما، حافظ رجلان على خط اتصال سري بين إسرائيل وغزة، لكن صحيفة “نيويورك تايمز” أوضحت أن جهود كل من ناشط السلام الإسرائيلي، غيرشون باسكن، وأحد كبار مسؤولي حماس في غزة، غازي حمد، توقفت بعد هجوم السابع من أكتوبر الذي نفذته حماس ضد إسرائيل.
وأوضحت الصحيفة، الأحد، أنه ابتداءً من عام 2006، قام باسكن وحمد برعاية قناة خلفية غير رسمية بين المسؤولين الإسرائيليين والمسؤولين في حماس، حتى مع رفض كل جانب التعامل مع الآخر بشكل مباشر.
من هما باسكن وحمد؟
وفقا للصحيفة، وُلد باسكن عام 1956 لعائلة يهودية في نيويورك. ودرس سياسة وتاريخ الشرق الأوسط في جامعة نيويورك قبل أن يهاجر إلى إسرائيل عام 1978.
بعد وصوله إلى إسرائيل، عمل باسكن كمنظم مجتمعي في قرية عربية. ثم بدأ حياته المهنية في تعزيز العلاقات بين العرب واليهود، حيث أدار مجموعة بحثية روجت لحلول الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وعمل أحيانًا كوسيط رسمي.
وولد حمد عام 1964 في جنوب غزة، وتدرب كطبيب بيطري في السودان قبل انضمامه إلى حماس في عام 1987، وهو العام الذي تأسست فيه الحركة، وفقًا لمقابلة مع السيد حمد نشرها باسكن في كتابه “المفاوض”.
وفي عام 1989، ألقي القبض على حمد بسبب نشاطه في حماس وأمضى خمس سنوات في أحد السجون الإسرائيلية وهناك تعرف على إسرائيليين للمرة الأولى، وتعلم العبرية والإنجليزية، وأصبح متحدثًا باسم النزلاء في تعاملاتهم مع سلطات السجن.
وبعد إطلاق سراحه، كتب حمد وقام بتحرير العديد من الصحف التي تديرها حماس، واكتسب سمعة باعتباره معتدلاً يشجع الفلسطينيين على التأمل الذاتي وينتقد العنف الفلسطيني في بعض الأحيان.
وبدأت علاقة الرجلين بعد أول مكالمة هاتفية بينهما في يوليو 2006 خلال التفاوض على صفقة شاليط، الجندي الإسرائيلي الأسير، الذي تم إطلاق سراحه في أكتوبر 2011، مقابل إطلاق سراح أكثر من 1000 أسير فلسطيني.
ما سبب الخلاف؟
ووفا للصحيفة، نجت علاقة الرجلين من جولات لا حصر لها من العنف بين إسرائيل وحماس، وساعدت في إنهاء العديد منها.
وحتى بعد 7 أكتوبر، عندما داهمت حماس إسرائيل، وقتلت ما يقدر بنحو 1200 شخص واختطفت ما يقرب من 240 آخرين، وفقًا لمسؤولين إسرائيليين، أوضحت الصحيفة أنه ظل باسكن وحمد على اتصال، بما في ذلك مناقشة صفقة لإطلاق سراح بعض الرهائن.
وبينما قصفت الطائرات الحربية الإسرائيلية قطاع غزة الذي تسيطر عليه حماس، ما أسفر عن مقتل أكثر من 13 ألف من سكان غزة وفقًا للسلطات الصحية في غزة، استمرت العلاقة غير المتوقعة بينهما، ثم انقطع شيء ما، بحسب الصحيفة.
وأشارت إلى أن تأثير الهجوم الذي قادته حماس أدى إلى تحطيم فكرة إمكانية احتواء الصراع الإسرائيلي الفلسطيني إلى الأبد دون حل. ومنذ ذلك الحين، أدى الصراع إلى نزوح أكثر من 1.5 مليون شخص، معظمهم في غزة، ووضع الشرق الأوسط على شفا حرب إقليمية.
وكان من بين العواقب أيضا حدوث خلاف بين باسكن حمد، وفقا للصحيفة.
وذكرت أنه، في 24 أكتوبر، بدأ حمد في تبرير هجوم حماس علنًا والدعوة إلى شن مزيد من الهجمات، مشيرا إلى أن “وجود إسرائيل هو الذي يسبب كل هذا الألم والدم والدموع”. وقال في مقابلة تلفزيونية: “إنها إسرائيل، وليس نحن”، مضيفا: “كل ما نقوم به له ما يبرره”.
وبعد أسبوع، شاهد باسكن المقابلة وهو مذعور، بحسب ما ذكرت الصحيفة التي أوضحت أن الناشط الإسرائيلي كتب في رسالة نصية إلى حمد اطلعت عليها “نيويورك تايمز”: “أعتقد أنك فقدت عقلك وفقدت قانونك الأخلاقي”. وأضاف باسكن: “لا أريد التحدث معك مرة أخرى”.
وطوال العلاقة بينهما، بدا التوصل إلى هدنة طويلة الأمد، إن لم يكن السلام الدائم، بين إسرائيل وحماس أمراً معقولاً، إذ كانت فكرة مطروحة على الطاولة ناقشها الاثنان شخصيًا، لكن ليس بعد الآن.
وذكرت الصحيفة أنه، في 24 أكتوبر، قال حمد، الذي كان يُعتبر ذات يوم من المعتدلين في حماس وكان يتحدث العبرية في المفاوضات مع باسكن، إنه يريد إبادة إسرائيل. وانضم باسكن، وهو يساري، إلى التيار الإسرائيلي السائد في الدعوة إلى إزالة حماس.
وقال باسكن في مقابلة: “في رأيي، لم يعد بإمكانهم التواجد كحكومة إلى جانب إسرائيل”.
وقال حمد في مقابلة منفصلة: “لقد تغير موقف باسكن”. وأضاف حمد: “لقد أحس كيف تغيرت”.
وبرز هجوم حمد على إسرائيل في تصريحاته الأخيرة، وقال في، ٨ نوفمبر، لقناة الجزيرة الإخبارية إنه” يتحدى إسرائيل إن كانت قادرة حتى اللحظة على تسجيل تحقيقها لأي إنجاز عسكري على الأرض بخلاف قتل المدنيين. وأضاف أن غزة “لا تقهر وستبقى شوكة في حلق الأميركيين والصهاينة”، وفقا لوكالة “رويترز”.
وتابع أن “الأميركان يدعمون دولة الاحتلال في وهم كبير أنهم يستطيعون إعادة ترتيب الأوضاع في غزة”، بحسب وكالة “فرانس برس”.
وأكد أن “ترتيب الأوضاع في غزة شأن فلسطيني محض، وحماس ستكون جزءاً منه غصباً عنهم، باعتبار أنّها جزء من النسيج الوطني الفلسطيني”.
وردّاً على ما نُقل عن استعداد السلطة الوطنية الفلسطينية برئاسة الرئيس محمود عباس لإدارة قطاع غزة بعد انتهاء الحرب، قال حمد “أقول للسلطة الفلسطينية بشكل واضح، يجب عليكم أن لا تتعاونوا مع الأميركان وأن لا تأتوا على ظهر الدبابة الأميركية ويجب أن لا تتعاونوا مع المخطط الأميركي”.
وتابع “أتوجه للرئيس أبو مازن، هذا موقف يحسب لك في التاريخ، أن ترفض هذا الموقف الإجرامي المشبوه الذي تقوم به الولايات المتحدة”.
وفي ٢٨ أكتوبر، دعا حمد إلى التنفيذ الفوري لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بالسماح بدخول المساعدات الإنسانية إلى غزة، محذرا من كارثة بعد أن وسعت إسرائيل هجماتها الجوية والبرية خلال الليل، وفقا لـ”رويترز”.
وقال حمد في مؤتمر صحفي ببيروت “نعتبر القرار انتصار لشعبنا الفلسطيني، ونطالب بسرعة إرسال هذه المساعدات المتكدسة على الجانب المصري، وأن يتم توزيعها على كافة المناطق والمستشفيات في قطاع غزة”.