يلاحق أطفال الغزة الجوع ونقص التغذية، ومن ينجو من القصف الإسرائيلي والمعارك ينتظره مشاكل صحية مزمنة، فيما كشفت منظمة الصحة العالية أن 25 طفلا على الأقل توفوا بسبب مضاعفات مرتبطة بسوء التغذية.
ومع استمرار الحصار الإسرائيلي الذي تم تشديده منذ ستة أشهر، يواجه مئات الآلاف من الأشخاص في غزة خطر المجاعة، خاصة مع المعيقات الإسرائيلية لدخول المساعدات، واستهداف العاملين في المنظمات الإنسانية.
ويقول أطباء وخبراء تغذية تحدثوا لصحيفة واشنطن بوست “إن الأطفال الذين ينجون من نقص التغذية والقصف المستمر والأمراض المعدية والصدمات النفسية، محكوم عليهم بمواجهة مشاكل صحية مدى الحياة”.
وأكدوا أن سوء التغذية “سيحرم الأطفال من تطوير أدمغتهم وأجسادهم بشكل كامل، ونتيجة لذلك سيكون العديد منهم أقصر وأضعف جسديا”.
ويعيش في غزة زهاء 2.3 مليون فلسطيني مما يجعلها واحدة من أعلى مناطق الكثافة السكانية في العالم. وحوالي 1.7 مليون من هذا العدد لاجئون أو أحفاد لاجئين طُردوا أو فروا من منازلهم خلال حرب عام 1948.
ووفقا لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “أونروا” كان حوالي 81.5 بالمئة من السكان يعيشون في فقر حتى قبل اندلاع الحرب الأخيرة.
وخلال الفترة المقبلة سيكون هناك كميات أقل من الغذاء المتاح لأطفال غزة، خاصة بعد استهداف عمال إغاثة بغارة قتلت 7 منهم، مع دفع منظمات إنسانية لإعلان أنها ستعلق عملياتها بسبب استهدافهم في المعارك.
رئيس قسم صحة الطفل في مستشفى الأطفال في تورونتو، الطبيب، ذو الفقار بوتا، يقول للصحيفة “ببساطة، إذا كنت تعاني من ضعف التغذية، فإن دماغك يتوقف عن النمو”.
سوء التغذية
وعرضت الصحيفة حالة الرضيع، عاصم النجار، الذي ولد في أواخر ديسمبر الماضي، وكانه وزنه يزيد عن 3.6 كلغم، وهو أعلى من المتوسط بالنسبة لطفل حديث الولادة، ولكن بعد أكثر من ثلاثة أشهر، بسبب حرمانه من الحليب والمواد التي يحتاجها للغذاء انخفض وزنه لأقل من 2.6 كلغم.
وتقول هالة، والدة الطفل إنها لم تعد قادرة على إرضاعه بسبب عدم توفر الغذاء لها أيضا، وقال محمد والد الطفل إنهم يعيشون على علف الحيوانات، ولم يتمكنوا حتى الآن من العثور على ما يكفي من حليب الأطفال.
ويزداد عدد الوفيات في أوساط الأطفال الحديثي الولادة في قطاع غزة إذ يولد الرضع بأوزان أقل من الحد الطبيعي، بحسب منظمة الصحة العالمية.
خطر المجاعة في غزة.. هل تكفي مساعدات الجو والبحر؟
عبر البر والجو والبحر، تتسارع العديد من الدول لإيصال المساعدات لغزة المحاصرة والتي يعيش فيه أكثر من 2.3 مليون نسمة من السكان، أصبح غالبيتهم على شفا الجوع.
وقالت الناطقة باسم منظمة الصحة العالمية، مارغريت هاريس، في إيجاز صحفي في جنيف، الثلاثاء، إنه “يتم الإبلاغ من مختلف الأطباء، تحديدا في مستشفيات الولادة، عن ازدياد كبير في عدد الأطفال الذين يولدون بوزن منخفض، ولا يعيشون في فترة ما بعد الولادة نظرا إلى أنهم ولدوا صغارا جدا”.
وأضافت أنه في مجمع كمال عدوان الطبي، مستشفى الأطفال الوحيد في شمال غزة، “يدخل المنشأة يوميا 15 طفلا على الأقل يعانون سوء التغذية، وتزداد الاحتياجات بشكل حاد أكثر من أي وقت مضى”.
تأثير سوء التغذية على الأطفال
ويشرح تقرير واشنطن أن “آثار الجوع على جسم الإنسان تطون واضحة على كبار وصغار السن، ولكن كلما كان الشخص أصغر سنا، كان التأثير أكبر”، إذ يحصل الإنسان على الطاقة عن طريق تحويل الكربوهيدرات إلى غلوكوز، والذي تتم معالجته في الكبد وتوزيعه في الجسم، خاصة الدماغ.
وبعد استنفاد مخزون الغلوكوز يبدأ الجسم في الحصول على الطاقة من الدهون، وإذا لم يحصل على الغذاء الكافي يبدأ في حرق البروتين من العضلات للحصول على الطاقة، ويصبح بالنهاية غير قادرا على توصيل العناصر الغذائية إلى الأعضاء والأنسجة.
وبالنسبة للأطفال، يحدث هذا الأمر بسرعة أكبر لأن مخزون البروتين في الجسم لديهم أقل، ويحتاجون للمزيد من الطاقة للنمو.
طفل فلسطيني يصبح “وجها للمجاعة في غزة”
أصبحت صورة الطفل يزن كفارنة، الذي تحول لهيكل عظمي بمثابة تحذير للوضع الغذائي المتردي في قطاع غزة.
ونتيجة لذلك تبدأ العضلات في الانكماش وتتوقف الأعضاء عن العمل بشكل صحيح، ولا يتمكن الجسم من تنظيم درجة الحرارة، ويصبح الجلد شاحبا، وتبدأ اللثة في النزيف، ويفقد الجهاز المناعي قدرته على إصلاح الجروح ومكافحة العدوى خاصة تلك التي تسبب الإسهال، ما يجعل الجسم في حلقة مفرغة تزيد حرمانه من العناصر الغذائية.
وعادة ما يتوقف الجهاز الهضمي أولا عن العمل، ما يؤدي إلى انخفاض إنتاج أحماض المعدة، ويسبب التهابات مزمنة، وتقلص المعدة، وفقدان الشهية، وبعد ذلك حتى إذا وجد الطعام سيحتاج الشخص إلى رعاية طبية في المستشفى.
وبعدها ينكمش القلب ويقل تدفع الدم ويبطئ معدل ضربات القلب، ويخفض ضغط الدم، ويمكن أن يفشل القلب في النهاية.
وحتى إذا بقي القلب يعمل، يتباطأ التنفس وتتضاءل قدرة الرئة، وقد يفشل الجهاز التنفسي بالكامل.
ومع حرمان الدماغ من الطاقة والمواد الغذائية الأساسية بشكل مزمن، قد يجعل هذا الأمر الأطفال عرضة لتأثر الدماغ ويحد من قدرة الأطفال على التعلم مقارنة مع أقرانهم الآخرين.
المجاعة على الأبواب
ورغم التحذيرات المتكررة التي أطلقتها منظمات أممية من تأثير القيود التي تفرضها إسرائيل على دخول المساعدات الإنسانية، وما قد يتسبب به الأمر من مجاعة بين الفلسطينيين في غزة، إلا أن إسرائيل تنفي أنها تحد من المساعدات، وتلقي باللوم على الأمم المتحدة لعدم قيامهم بما يكفي لتقدم المساعدات، ناهيك عن اتهامهم للمجتمع الدولي بتضخيم حجم أزمة المساعدات والجوع في غزة.
وتوقع التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي، وهو أداة لمراقبة الجوع في العالم، في 18 مارس أن المجاعة وشيكة ومن المرجح أن تحدث بحلول مايو في شمال غزة، ويمكن أن تتفشى في القطاع بحلول يوليو.
وأضاف التصنيف أن 70 في المئة من السكان في أجزاء من شمال غزة يعانون من أشد مستويات نقص الغذاء، أي ما يفوق بكثير النسبة المرتبطة بتعريف المجاعة وهي 20 في المئة. وإجمالا، يعاني 1.1 مليون من سكان غزة، أي نحو نصف السكان، من نقص “كارثي” في الغذاء.
قالت منظمة أطباء بلا حدود، الخميس، إن إسرائيل تدمر بشكل منهجي نظام الرعاية الصحية في غزة، وذلك في معرض وصفها مجازر لا يمكن لأي مستشفى في العالم التعامل معها.
وقالت المنظمة الطبية الخيرية إن أطفالا يتم نقلهم إلى المستشفيات مصابين بأعيرة نارية من طائرات مسيرة، بينما يسحق مرضى كثر تحت الأنقاض ويعانون من حروق شديدة.
اندلعت الحرب في 7 أكتوبر، إثر هجوم نفذته حركة حماس على جنوب إسرائيل أسفر عن مقتل 1170 شخصا معظمهم من المدنيين، بحسب تعداد لوكالة فرانس برس استنادا إلى أرقام رسمية إسرائيلية.
وخطف خلال الهجوم نحو 250 شخصا ما زال 130 منهم رهائن في غزة، ويعتقد أن 34 منهم لقوا حتفهم، وفق تقديرات رسمية إسرائيلية.
وأعلنت وزارة الصحة التابعة لحماس ارتفاع الحصيلة في قطاع غزة إلى 33037 قتيلا غالبيتهم من النساء والأطفال منذ بدء الحرب.