هدنة غزة.. مصر تتسلم قائمتي التبادل بين حماس وإسرائيل

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 13 دقيقة للقراءة

تأثُر الاقتصاد في مصر بالحرب الدائرة في قطاع غزة، دفع صندوق النقد الدولي للحديث عن احتمالية أن يزيد قروضه للقاهرة، ضمن برنامج الإنقاذ المصري، بحسب مجلة “فورين بوليسي”.

وهذه القروض، بالإضافة إلى الحديث عن مساعدات أوروبية أخرى لمصر، أثارت تساؤلات حول أهدافها، بسبب تزامنها مع الحديث عن “خطط توطين الفلسطينيين في سيناء” المجاورة لغزة، فيما اعتبرها خبراء تحدثوا لموقع “الحرة”، “خطة إنقاذ عاجلة” للاقتصاد المتدهور بالفعل، لكن “ينقصها المزيد من التحركات الحكومية لتحسين الأوضاع”.

وأوضحت المجلة أنه، في أكتوبر الماضي، أجرت مصر محادثات مع صندوق النقد الدولي بشأن زيادة محتملة في قرضها البالغ 3 مليارات دولار، إلى أكثر من 5 مليارات دولار.

وكشف تقرير لوكالة “بلومبيرغ”، الأربعاء الماضي، عن “خطة أوروبية لدعم مصر بقيمة 9 مليارات يورو (نحو 10 مليارات دولار)، مع إجراء محادثات حول الديون”، وهو ما فسره مراقبون بأنها قد تكون جزءاً من “حزمة إغراءات ستقدّم إلى مصر، لضمان دعمها لأي تصور غربي لحل الأزمة في قطاع غزة بعد انتهاء الحرب”.

قروض جديدة محفوفة بمخاطر سياسية

وقال أستاذ الاقتصاد بالجامعة الأميركية في القاهرة، كريم أبو المجد، لموقع “الحرة” إن “هذه القروض الجديدة تثير جدلا واضحا، ويراها الكثيرون محفوفة بالمخاطر السياسية، خاصة بسبب تمسك صندوق النقد خلال الشهور الماضية بحزمة من القرارات الاقتصادية التي لم تلتزم مصر بها وفقا للاتفاق المبرم بين الطرفين، لذلك فإن هذا التغيير الكبير في الموقف يبدو أن له أهدافا أخرى قد تكون سياسية في المقام الأول”.

وأضاف: “صندوق النقد طالب مصر بخصخصة الشركات التي يسيطر عليها الجيش وكذلك بتعويم العملة، وبينما نفذت القاهرة جزئيا شرط الخصخصة، إلا أنها تلكأت في تخفيض الجنيه، مما أثار حفيظة صندوق النقد، وظهر هذا خلال تصريحات المسؤولين وقرار تأجيل مراجعات الدفعات اللاحقة من القرض الذي اتفقت عليه مصر”.

ويرى أستاذ الاقتصاد أنه “في الحالات الطبيعية، كان من المتوقع أن تتوقف قروض الصندوق لمصر، لكن من الواضح أن الحرب على غزة غيّرت هذه السياسة، خاصة مع زيادة الحديث عن خطط تهجير الفلسطينيين إلى سيناء”.

وأوضح أنه “بعد الاتفاق على القروض الجديدة، من المرجح أن تطلب أوروبا من مصر، عند عرضها استثمار 10 مليارات دولار، الأسبوع الجاري، أن يسهم الرئيس، عبدالفتاح السيسي، في الحل الذي تريد الدول الغربية فرضه على غزة، دون الإعلان عن أن عرض الاستثمارات مرهون بتنفيذ الطلبات الأوروبية”.

وتوقع أبو المجد أن “يحدث مع مصر صفقة شبيهة بالاتفاق الأوروبي مع تركيا وتونس فيما يخص المهاجرين”، موضحا أن “الدول الأوروبية تخشى من زيادة المهاجرين الفلسطينيين إليها بعد حرب غزة، لذك ترغب بأن تكون مصر هي حائط السد لمثل هذه الأزمة”.

وأشار إلى “عرض الدول الأوروبية أو المفوضية الأوروبية على تونس مساعدات وقروض مقابل أن تصبح تونس حامية لأوروبا من النازحين، وتمنح القروض بصورة جزئية على شكل قروض صغيرة يمنح كل منها مقابل كل مهمة مطلوبة تنفذها تونس، وقد فضل الرئيس التونسي إلغاء الصفقة وإعادة تحويل بضعة ملايين من الدولارات إلى أوروبا  التي كانت قد سلمته إياها بعد 3 أشهر”.

وبشكل عام، يرى أبو المجد أن “مصر في مأزق حاليا، بسبب التدهور الكبير في اقتصادها، الذي قد يجبرها على قبول شروط قد لا ترضى عنها كليا، لأنها قد تضر بالنظام وبالأمن القومي أو ستقابل برفض شعبي واسع”.

وأشار الاقتصادي إلى أن النظام الحالي في مصر اعتمد على القروض لتمويل مشاريع كبرى، بما في ذلك عاصمة جديدة ذات فوائد اقتصادية قليلة “قد ينتهي بها الأمر إلى مدن أشباح”، ولذلك يخشى أبو المجد أن “يؤدي هذا المأزق إلى اتخاذ الحكومة قرارات سياسية واقتصادية غير حكيمة”.

ونفت القاهرة تقارير إعلامية مختلفة عن صفقة محتملة لقبول اللاجئين الفلسطينيين مقابل تخفيف عبء الديون، وفقا لـ”لفورين بوليسي”.

ورفض وزير الخارجية المصري، سامح شكري، الخميس، مزاعم بأن إسرائيل والولايات المتحدة عرضتا إلغاء الديون مقابل قبول الفلسطينيين الفارين.

وذكرت صحيفة “فاينانشال تايمز” البريطانية، في أكتوبر، أن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، “ضغط على الزعماء الأوروبيين للضغط على مصر لقبول اللاجئين من غزة، لكن فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة رفضت الاقتراح ووصفته بأنه غير واقعي، نظرا لموقف مصر القوي ضد استقبال اللاجئين الشامل”.

ولم يُسمح إلا للأطفال المصابين بجروح خطيرة، والأطفال الخدج، والمواطنين الأجانب ومزدوجي الجنسية، بمغادرة غزة عبر معبر رفح الحدودي المصري، وهو نقطة الخروج الوحيدة غير الإسرائيلية.

وقال شكري إن مصر “تبذل قصارى جهدها لتوصيل المساعدات إلى غزة عبر معبر رفح، لكن سياسة إسرائيل في عرقلة دخول المساعدات ممنهجة لإجبار الفلسطينيين على مغادرة غزة في ظل القصف والحصار المستمر”.

ويخشى المسؤولون المصريون حدوث نزوح دائم للفلسطينيين إلى مصر، فضلاً عن الأعباء المالية والأمنية في حالة حدوث نزوح جماعي، بحسب “فورين بوليسي”.

وتحرص السلطات المصرية، وفقا للمجلة، على “رؤية نهاية فورية للعنف في غزة، ليس فقط لأسباب إنسانية، لكن أيضًا مع العلم أنه كلما طال أمد الحرب، زاد تأثيرها على الاقتصاد المصري المضطرب بالفعل”.

وقال الرئيس الأميركي، جو بايدن، إن الاتفاق الذي تم التفاوض عليه بين قطر والولايات المتحدة ومصر يقترب من تأمين هدنة إنسانية لمدة خمسة أيام للقتال مقابل إطلاق سراح 50 رهينة اختطفتهم حماس في هجوم السابع من أكتوبر.

آثار الحرب على اقتصاد مصر

وقالت المديرة التنفيذية لصندوق النقد الدولي،كريستالينا غورغييفا، لوكالة “رويترز”، الجمعة، إن الصندوق “يدرس بجدية” زيادة محتملة في خطة إنقاذ مصر. وأدلت غورغيفا بهذه التصريحات على هامش قمة منتدى التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ (أبيك)، في سان فرانسيسكو.

وأشارت إلى أن حرب إسرائيل ضد حماس “لا تدمر” سكان غزة واقتصادها فحسب، بل تمثل صعوبات للدول المجاورة، مثل مصر ولبنان والأردن، من خلال فقدان السياحة وارتفاع تكاليف الطاقة.

وخفضت وكالة فيتش التصنيف الائتماني لمصر بالعملات الأجنبية على المدى الطويل إلى “بي” (B-) هبوطا من “بي -” (B)، مشيرة إلى زيادة المخاطر على التمويل الخارجي، وفقا لوكالة “رويترز”.

وعدّلت وكالة التصنيف الائتماني أيضا نظرتها المستقبلية لمصر من “مستقرة” إلى “سلبية”.

وأفادت الوكالة أن خفض التصنيف “يعكس زيادة المخاطر على التمويل الخارجي لمصر، واستقرار الاقتصاد الكلي ومسار الديون الحكومية المرتفعة بالفعل”.

وأضافت أن قرب مصر من الصراع بين إسرائيل وحماس والتدفق المحتمل للاجئين، يزيد من المخاطر الأمنية خاصة في منطقة سيناء.

وتابعت الوكالة أن الحرب بين إسرائيل وحماس “تشكل مخاطر سلبية كبيرة على السياحة في مصر”.

وكانت مصر تأمل في توسيع قطاع السياحة لديها سنويا بنسبة 30 في المئة، لكنها تشهد إلغاءات بنحو 10 في المئة من إجمالي الحجوزات.

وفي أكتوبر الماضي، خفضت وكالة التصنيف العالمية “ستاندرد آند بورز” التصنيف السيادي طويل الأجل لمصر  من “بي” (B) إلى “بي -” (B-)، مشيرة إلى تزايد ضغوط التمويل على البلاد.

وعكس هذا التخفيض التأخير المتكرر في تنفيذ الإصلاحات النقدية والهيكلية في البلاد.

وخلال أكتوبر الماضي أيضا، خفضت وكالة موديز للتصنيفات الائتمانية، التصنيف الائتماني لمصر من “بي 3” (B 3) إلى “سي إيه إيه1” (Caa1) وأرجعت هذا إلى تدهور قدرة البلد على تحمل الديون.

ووفقا لـ”فورين بوليسي”، فإن مصر هي ثاني أكبر مدينة لصندوق النقد الدولي بعد الأرجنتين.

وارتفع حجم الدين الخارجي لمصر إلى 164.7 مليار دولار بنهاية العام المالي 2022-2023، تتضمن ديوناً قصيرة الأجل بنحو 28.15 مليار دولار، وودائع وقروضاً وتسهيلات بقيمة 9.4 مليارات دولار، تتطلب سداد 83.7 مليار دولار منها خلال السنوات الثلاث المقبلة.

وأصبح الاقتصاد المصري، بحسب المجلة، يعتمد بشكل كبير على الاستثمارات الأجنبية قصيرة الأجل، لكنها (مصر) كانت بطيئة في تنفيذ الإصلاحات المالية الضرورية.

وارتفع معدل التضخم إلى ما يقرب من 40 في المئة، في سبتمبر، وهو مستوى قياسي، قبل أن ينخفض نقطتين مئويتين، في أكتوبر الماضي.

وطالب صندوق النقد الدولي السلطات المصرية بتعويم العملة، التي تم تخفيض قيمتها 3 مرات منذ مارس عام 2022، مما أدى إلى خسارة 50 بالمئة من قيمتها مقابل الدولار، ورفع تكاليف الغذاء على السكان.

ومع ذلك، لم يقم صندوق النقد الدولي بعد بإجراء مراجعتين مقررتين للبرنامج من شأنها أن تطلق حوالي 700 مليون دولار من شرائح القروض المتأخرة، وتؤدي إلى انخفاض رابع متوقع في قيمة الجنيه المصري.

القروض “لا تتعلق بخطة تهجير الفلسطينيين”

واستبعد أستاذ الاقتصاد بجامعة لافبروه البريطانية، مصطفى سليم، في حديثه لموقع “الحرة”، أن يكون هدف القروض الجديدة من الصندوق أو أوروبا هو “تنفيذ خطة تهجير الفلسطينيين”، قائلا إن الأمر “لن يتم بهذه السهولة، خاصة في ظل استمرار تواجد حركة حماس في الصورة، والتي عقدت معها إسرائيل هدنة”.

وأوضح أن “هذه المساعدات موجهة بالأساس لإنقاذ الاقتصاد المصري الذي بات على شفا الانهيار خاصة مع الحرب، وهو ما لا تريده حاليا دول عظمى عدة مثل الولايات المتحدة وأوروبا وإسرائيل، لأن انهيار مصر اقتصاديا سيعقد الحرب على غزة وفي المنطقة ككل وسيغير موازين القوى، كما سيقوض أي جهود للوساطة وللحلول، وهو ما تبحث عنه واشنطن وأوروبا بالتحديد خلال هذه الفترة”.

وقال سليم إن مصر حاليا في “خطر سياسي واقتصادي، مما يضعها تحت ضغط كبير، إذ تقع في قلب الأحداث المتوترة بالمنطقة، ما بين قصف  على غزة في الشمال الشرقي لحدودها، وحرب أهلية في الجنوب بالسودان، ونزاعات في الغرب بليبيا”.

وأضاف: “ما يتردد من حديث عن زيادة برنامج صندوق النقد ومساعدات محتملة من الاتحاد الأوروبي، كلها أمور، إن حدثت بالأساس، لا تعني نهاية مشكلة مصر، بل نهاية دورة اقتصادية سيئة واستعدادا للدخول في أخرى أعنف خلال سنتين، ما لم تكن هناك خطة واضحة لإدارة الملف الاقتصادي المتأزم، لأن الحلول الوقتية لن تكون المنقذ”.

وتابع: “المشكلة تكمن في أنه ليس هناك اقتصاد حقيقي يمنع انهيار العملة، لأن السياحة وقناة السويس هما رافعة الاقتصاد وكلتاهما في خطر بسبب الحرب على غزة، خصوصا التطور الأخير في البحر الأحمر باستيلاء الحوثيين على سفينة تابعة لشركة يابانية بدعوى أنها مملوكة لإسرائيل”.

لذلك، يرى أستاذ الاقتصاد أن “مصر لن تنفعها قروض أخرى، وهي بحاجة لنظام قوي يضغط لوقف الحرب حتى تعود العجلة للدوران، وبدون ذلك سيتحول الأمر إلى كارثة كبرى”.

وأشار إلى أنه بدلا من القروض “يجب أن تبحث الدولة عن استثمارات خارجية، سواء عربية خليجية أو من أي دولة أخرى، لأنه بالنهاية ستدفع هذه الاستثمارات عجلة الإنتاج للأمام، ولن ينجم عنها أي خطر حاليا أو مستقبلا، بل يجب أن نشجعها”.

وأشار إلى أن “مصر يجب أن تبذل جهودا أوسع لتشجيع وتأمين المستثمرين، مثلما حدث منذ يومين حين طلبت هيئة الاستثمارات السعودية تأمين استثماراتها بمصر بقانون خاص ضد التأميم والمصادرة والفقد والاستيلاء بأي شكل كلي أو جزئي وخلافه، وهو طلب مشروع للحفاظ على أموالهم، لكنه أيضا كاشف أنها تعلم جيدا أن النظام بمصر غير مستقر بالنسبة للاستثمار وأنه نظام هش قابل للانهيار بأي وقت”.

وكان وزير التجارة والصناعة المصري، أحمد سمير، قد كشف في تصريحات إعلامية، أن مصر “في المراحل الأخيرة لتوقيع اتفاقية حماية للاستثمارات المتبادلة مع السعودية”.

وأوضح أن اتفاقيات حماية الاستثمارات تضمن الالتزام بمعاملة “منصفة وعادلة” للاستثمارات، وتقليص متطلبات إنشاء وتوسعة وصيانة الاستثمارات، وأيضاً ضمان الاستثمارات في حالات الحرب أو النزاع أو الثورة أو حالات الطوارئ والاضطرابات.

كما تضمن حماية الاستثمارات من أي إجراء يمس ملكيتها أو تجريد مستثمريها كلياً أو جزئياً من بعض حقوقهم، مع منع تأميم أو نزع الملكية أو إخضاعها لأشخاص وجهات أخرى.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *