تضع الهجمات الحوثية التي تستهدف إسرائيل منطقة البحر الأحمر في قلب الصراع المتأجج منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية الأخيرة على قطاع غزة، وهو ممر دولي تعتمد عليه ناقلات الشحن الكبرى، كما تتسابق دول عدة لفرض نفوذها عليه. فكيف سيبدو المشهد في الأيام المقبلة؟
من المرجح أن تتصاعد المواجهة في البحر الأحمر والمناطق التي تحيط به، بعد إعلان الحوثيين إطلاق هجمات صاروخية تستهدف إسرائيل ردا على حربها على قطاع غزة.
ويقول خبراء إنه ينبغي مراقبة الحوثيين باعتبارهم “تهديدا متطورا” في المنطقة، لا سيما بسبب الأضرار التي يمكن أن يسببوها للبنية التحتية للطاقة الإقليمية.
وقال بدر السيف، أستاذ التاريخ المساعد في جامعة الكويت، لموقع “أس أند بي غلوبال” إن “الحقيقة هي أن الصواريخ (الحوثية) تمر عبر الأراضي السعودية، سواء كانت بحرية أو برية. فهل سيؤثر ذلك على المملكة عن طريق الخطأ؟ وهذا أيضا أمر يحتاج إلى مناقشة”.
ويقول، إيلان زاليات، الباحث في شؤون الخليج في مركز موشيه ديان التابع لجامعة تل أبيب، لموقع “أس أند بي غلوبال” ، إن الحوثيين “أثبتوا أنهم قادرون على العمل كعنصر فاعل خارج حرب اليمن، مما يجعلهم أكثر خطورة”.
ويعتقد زاليات أن القواعد والبنية التحتية الأميركية في الخليج “لا تزال معرضة للخطر”، لأن هذه الجماعات تعتبر أن الولايات المتحدة تسلح إسرائيل، حليفتها الطويلة الأمد.
وأضاف أن الحوثيين “يمكن أن يستهدفوا القوات الأميركية في شبه الجزيرة العربية وربما في القرن الأفريقي”.
ويشير زاليات إلى أن “هذا كله في متناول الحوثيين”.
الحدث الأبرز الذي استدعى ردود فعل دولية هو خطف الحوثيين، الأحد، “سفينة شحن إسرائيلية” اقتيدت إلى ميناء الصليف بالحديدة اليمنية، في حين نفت إسرائيل أن تكون السفينة إسرائيلية، واصفة الحادث بأنه “خطير للغاية ذو عواقب عالمية”.
هليكوبتر أنزلت مسلحين على سطحها.. “الحوثي” تنشر فيديو الاستيلاء على سفينة البحر الأحمر
نشرت جماعة أنصار الله الحوثيين تسجيلا مصورا قالت إنه لعملية استيلاء قواتها على سفينة في البحر الأحمر يوم الأحد
عملية الخطف جاءت بعد وقت قصير من إعلان الحوثيين استهداف جميع أنواع السفن التي تحمل علم إسرائيل، وتلك التي تقوم بتشغيلها شركات إسرائيلية، والتي تعود ملكيتها لشركات إسرائيلية كذلك، تضامنا مع قطاع غزة الذي يتعرض لقصف إسرائيلي عنيف، وعملية برية أديا إلى مقتل أكثر من 13 ألف شخص.
وقد يؤدي خطف السفينة إلى تشديد الإجراءات الأمنية في البحر الأحمر مع استمرار تصاعد الصراع بين حماس وإسرائيل، وإصرار الحوثيين على الانخراط في المواجهة.
ومن المحتمل وقوع هجمات أخرى عبر البحر الأحمر في الأيام والأسابيع المقبلة، وهو ما قد يستدعي وجودا عسكريا بحريا مكثفا في هذه المناطق، على المدى القصير إلى المتوسط، لمجابهة أي اضطرابات هناك. لكن شكل هذا الوجود وطريقه التعامل مع الوضع الجديد لم تكتمل صورتها بعد.
لم تتوانَ إيران، الحليف القوي للحوثيين، عن نفي علاقتها بعملية اختطاف السفينة. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، ناصر كنعاني، إن “جماعات المقاومة في الشرق الأوسط تتخذ قراراتها وتنفذها بناء على مصالحها الخاصة”.
بدأ التوتر فعليا في 19 أكتوبر الماضي، حين اعترضت القوات الأميركية والسعودية صواريخ أُطلقت من اليمن، رجحت التقديرات حينها أنها كانت تستهدف إسرائيل.
وبعد أسبوع، وتحديدا في 27 أكتوبر الماضي تعرضت مدينتا طابا ونويبع المصريتان لقصف بطائرات مسيرة، رجحت التحليلات حينها أنها حوثية وأطلقت لاستهداف إسرائيل أيضا. فيما أظهر الحوثيون أن عملياتهم التي تستهدف إسرائيل مستمرة.
“كانت تستهدفها”.. مدمرة أميركية تسقط مسيرة انطلقت من اليمن
أسقطت سفينة حربية تابعة للبحرية الأميركية، الأربعاء، طائرة مسيرة انطلقت من اليمن، في البحر الأحمر، بحسب ما أفاد مسؤول في وزارة الدفاع (البنتاغون) في تصريحات لـ”الحرة”.
الدول المحيطة بالبحر الأحمر، مثل مصر والأردن والسعودية، “ستتأثر سلبا” من أنشطة الحوثيين المتزايدة، حيث أن جميعها “تمتلك بنية تحتية رئيسية بما في ذلك الموانئ ومنشآت الطاقة والمشاريع السياحية” في المنطقة.
وقال، مونرو أندرسون، رئيس العمليات في شركة تأمين مخاطر الحرب المتخصصة Vessel Protect، إن السفن التي لا ترفع العلم الإسرائيلي أو لا تملكها لا تزال تواجه “عددا كبيرا من المخاطر المعقدة” التي تعبر المنطقة بما في ذلك انعدام الأمن داخل اليمن الذي امتد إلى الممرات المائية في المنطقة.
وقال أندرسون: “تلعب هذه المخاطر دورا مهما في المعدلات الحالية للتأمين البحري في هذه المنطقة”.
ويخوض الحوثيون المدعومون من إيران حربا أهلية في اليمن منذ عام 2014، وتدخل تحالف بقيادة السعودية في العام التالي إلى جانب الحكومة المعترف بها من قبل الأمم المتحدة وضد المتمردين.
وهدأ الصراع منذ الاتفاق على هدنة قبل نحو 18 شهرا. لكن الحرب بين إسرائيل وحماس أعادت إشعال التوترات، حيث قال الحوثيون إنهم سيدعمون حماس بشن هجمات على الأراضي والسفن الإسرائيلية.
مخاطر الشحن والتوريد
اختطاف السفينة جالاكسي ليدر، المملوكة لوحدة تابعة لمجموعة راي شيبينغ غروب التابعة لرجل الأعمال الإسرائيلي، رامي أونجار، تعيد إلى الأذهان فترات توتر في البحر الأحمر أربكت حركة الشحن الدولي.
فهجمات الحوثيين خلال حربهم مع الحكومة في صنعاء، والتي تدخلت فيها السعودية عبر تحالف، أدت إلى تعطيل تدفقات الطاقة والسلع الأخرى، حيث أعلن الحوثيون بانتظام مسؤوليتهم عن هجمات في البحر الأحمر وخليج عمان.
كما استهدف الحوثيون في هجماتهم مواقع في الإمارات والسعودية بطائرات مسيرة وصواريخ، بما في ذلك في عام 2019 عندما أوقفوا لفترة وجيزة نصف إنتاج المملكة من النفط.
كينيث لوه، محلل “بلومبرغ إنتليجنس” الذي يغطي أخبار الشحن والخدمات اللوجستية، قال إن التحرك في البحر الأحمر يمثل “تصعيدا كبيرا للتوترات”.
ويأتي حادث الخطف في وقت تعمل دول عدة على احتواء التأثير الاقتصادي للحرب الإسرائيلية على غزة، إلا أن الأسواق كانت على الدوام قلقة من أن القتال والقصف العنيف والأعداد الكبيرة من القتلة ستدفع دولا أخرى إلى دائرة الصراع، وخاصة إيران، وهي دولة نفطية وتتمتع بنفوذ استراتيجي في منطقة الخليج الفارسي. كما أنها تجاور دول الخليج العربية التي تلعب دورا مهما في أسواق النفط.
وأشار لوه إلى أن بعض شركات الشحن “قد تقرر الالتفاف حول منطقة البحر الأحمر لأسباب تتعلق بالسلامة، مما يعني تكاليف وتأخيرات إضافية”.
البنتاغون: 61 هجوما على القوات الأميركية وقوات التحالف في العراق وسوريا
قال مسؤول في وزارة الدفاع الأميركية “البنتاغون” لـ “الحرة”، الجمعة، أن القوات الأميركية وقوات التحالف تعرضت لـ 61 هجوما على الأقل خلال شهر، مؤكدا إصابة جندي أميركي في سوريا.
وأضاف أن هذا التوتر “قد يؤدي إلى تأثير غير مباشر عبر سلاسل التوريد العالمية التي تذكرنا بالازدحام في عصر الوباء وفوضى سلاسل التوريد”.
كما قال وزير التجارة الياباني، ياسوتوشي نيشيمورا، إن طريق البحر الأحمر يستخدم لنقل البضائع المتنوعة، والتوتر هناك يمكن أن يؤثر على اقتصاد البلاد. وأضاف أنه على الرغم من عدم وجود تأثير فوري، فإن اليابان تراقب أي تأثير على سلاسل التوريد.
وقال، لوف مينغاني، سمسار السفن لدى شركة “دبي بلو بيك” للسلع والشحن، إن الاستيلاء على السفينة سيعني لأصحاب السفن الذين يعبرون البحر الأحمر أن مخاطر الحرب تزيد وترفع التكلفة عليهم.
وقال: “باعتباري وسيط سفن، سيتعين علي القيام بمزيد من إجراءات، اعرف عميلك عندما أعرض على موكلي سفينة لمعرفة ما إذا كانت هناك أي ملكية إسرائيلية في هذه السفينة”.
وأضاف: “سيتعين على سماسرة السفن وضع حراس مسلحين على متن السفن التي تعبر هذه الممرات المائية أكثر بكثير مما اعتادوا عليه، مما يزيد التكاليف”.
وتقوم شركات التأمين على الشحن أيضا بتقييم التكلفة المتوقعة بسبب التصعيد في خطاب الحوثيين، وتقيم هذه الشركات احتمالات اندلاع صراع أوسع نطاقا في منطقة شديدة الخطورة بالفعل، في إشارة على البحر الأحمر.
وقالت مجموعة أوراسيا في مذكرة بتاريخ 15 نوفمبر، إن تصعيد خطاب الحوثيين سيكون له “تأثير على تأمين الشحن” حتى مع استمرار تصاعد الصراع.
مخاطر النفط
ترجيحات المتعاملين في أسواق الطاقة أشارت إلى أن خطف السفينة غالاكسي، المستخدمة لنقل المركبات، لم تؤثر على الأسعار أو التعاملات العالمية، فقد ركز المتداولون في أسواق الطاقة على اجتماع أوبك الرئيسي في نهاية هذا الأسبوع، بحسب كينيث لوه، محلل “بلومبرغ إنتليجنس”.
أسواق النفط كانت قد تخلصت في الأيام الماضية من تأثير هجوم 7 أكتوبر الذي شنته حماس على إسرائيل والحرب الإسرائيلية على قطاع غزة. لكن التطورات الأخيرة للصراع في منطقة البحر الأحمر يمكن ترفع مخاطر الحرب على أسواق النفط وتعيق خطط دول المنطقة.
وافتتحت العقود الآجلة لخام برنت على ارتفاع يوم 20 نوفمبر، مرتفعة بنسبة 0.72 بالمئة، إلى 81.19 دولارا للبرميل في بداية التداول. وانخفض سعر خام برنت المؤرخ حسب بلاتس بنسبة 12.3 بالمئة منذ 7 أكتوبر، ليصل سعر الخام القياسي إلى 80.08 دولارا للبرميل في 17 نوفمبر.
وقالت، فاندانا هاري، المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة فاندا إنسايتس ومقرها سنغافورة: “لم يكن للنفط الخام أي علاوة مخاطر تقريبا بسبب الصراع بين إسرائيل وحماس لأكثر من أسبوعين. لكن من المرجح أن يعيد هذا الحادث (اختطاف السفينة) ضخ بعض علاوة الحرب”.
وعلاوة المخاطر هي النسبة التي يفرضها المستثمرون عن ارتفاع مخاطر الحرب، أو أي تهديدات قد تضر بعمليات الشحن أو البيع.
ويترقب المستثمرون ما يجري في المنطقة لإدراكهم حجم المخاطر التي يمكن أن تنتج عن التوتر في الشرق الأوسط بالنسبة للإمدادات العالمية، وفق، ستيفن إينيس، المحلل الاقتصادي في مجموعة “أس بي آي آي أم”.
وأحد أكبر المخاطر الرئيسية التي يخشاها المستثمرون في سوق الطاقة هي انخراط إيران، الداعمة لحركة حماس والعدو اللدود لإسرائيل، في الحرب الدائرة مباشرة.
وتقول هاري إن “مدى واستدامة أي علاوة مخاطر غير مؤكد لأن الصورة حتى الآن ومنذ 7 أكتوبر، هي أنه على الرغم من التوترات الساخنة، فإن الجيران في الشرق الأوسط يظهرون حالة ضبط النفس، ويضغطون للتوصل إلى حل دبلوماسي” يجنب المنطقة صراعا قد يكون مكلفا على جميع الصعد.