اتفق محللون سياسيون على أن الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، والدعم الأميركي غير المحدود لانتهاكات وجرائم الاحتلال المرتكبة فيها، أظهرا عدم فاعلية القانون الدولي والشرعية الدولية، لكنهم رأوا أن الدول والمؤسسات الدولية المتضررة من الهيمنة الأميركية لم يستثمرا الفرصة الاستثنائية التي وفرتها هذه الحرب لتحسين موقفها أمام تلك الهيمنة.
ومنذ 65 يوما، وإسرائيل تصب أقسى ما تحتويه ترسانتها العسكرية على سكان قطاع غزة المحاصرين، مما أسفر عن سقوط نحو 70 ألفا بين شهيد وجريح، أكثر من ثلثيهم نساء وأطفال، فيما استخدمت واشنطن الجمعة الماضية حق النقض (الفيتو) لإجهاض دعوة أممية لوقف إطلاق نار إنساني في غزة.
وكان الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش قد أقر بأن سلطة مجلس الأمن ومصداقيته تقوضتا لعجزه عن تبني قرار وقف إطلاق نار بغزة، وجدد التحذير من احتمال انهيار النظامين الصحي والعام في القطاع، وما قد يترتب على ذلك من تهجير لسكان القطاع، رغم الاتفاق على ضرورة تجنب هذا المآل.
وقال الكاتب والباحث السياسي وسام عفيفة إن التفاعلات الدولية مع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، كشفت بوضح أن لغة القوة باتت هي السائدة، وأنه لم يعد هناك معنى للقانون الدولي ولا للشرعية الدولية، في ظل عجز الدول والمؤسسات أمام الهيمنة الأميركية.
الراية البيضاء
وأضاف في حديثه لبرنامج “غزة.. ماذا بعد؟” أن تقدم غوتيريش برسالته لمجلس الأمن لحثه على ضرورة المطالبة بوقف إطلاق النار في غزة، يضعنا أمام صورة كبيرة وبشعة لتقديم هذه المنظمة الدولية للراية البيضاء الأخيرة، لافتا إلى أن أداء المؤسسات الدولية الأخرى يسير في ذات المسار.
وأشار إلى أن الصليب الأحمر بات موقفه محصورا في تقديم الشكاوى بعدم القدرة على أداء دوره، رغم ما كان له من دور نسبي في حروب سابقة كان مسموحا به لإعطائه مساحة للمحافظة على حضوره، وليقال هناك مؤسسات ومجتمع دولي يلعبان دورا حياديا، وهو الأمر الذي لم يعد له مجال في هذه الحرب.
بينما يرى الكاتب والباحث السياسي، ساري عرابي، أن الأمر أكبر من مسألة عجز المؤسسات الدولية وقصورها عن دورها خلال هذه الحرب، فحتى الأدوار السابقة والتي كانت مستقرة ومعتادة كتولي الصليب الأحمر مسؤولية التواصل مع المعتقلين الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية لم تعد متاحة هذه الأيام.
وأشار في هذا السياق، إلى أن المعتقلين في الفلسطينيين يعيشون ظروفا غير مسبوقة، تضمنت تجاوزات كبيرة وحرمانا كاملا لحقوقهم، دون أي موقف أو حتى تصريحات جدية تتعلق بدور ومسؤولية الصليب الأحمر، وهو ما يمكن قياس أداء جميع المؤسسات الدولية عليه.
حدث استثنائي
ويرى أن الحرب على غزة شكلت حدثا استثنائيا، وفر لكل الدول والقوى والهيئات المتضررة من الهيمنة الأميركية عبر إدارة واشنطن ظهرها للقوانين الدولية، فرصة حقيقية لتحسين موقفها أمام هذه الصورة المهينة للكرامة الآدمية والإنسانية، لكن للأسف لم تستثمر هذه الفرصة بشكل صحيح حتى الآن.
وبشأن الموقف العربي بعد نحو شهر من القمة العربية والإسلامية، يرى الكاتب وسام عفيفة، أن هناك خللا مركبا هو في حقيقة الأمر إرث قديم للجامعة العربية، فحتى القرارات الهزيلة المرتبطة بإدخال المساعدات الضرورية لم يتم تطبيقها، وبات الأمر محصورا في تحذير أهالي غزة من التهجير القسري دون مساهمة في التخفيف عنهم.
في حين يرى الكاتب ساري عرابي أن الأمر تجاوز العجز والتخاذل إلى التواطؤ من خلال حقائق كشفتها القرارات الهزيلة للقمة العربية الإسلامية، والتسريبات حول رفض دول عربية لمقترحات قرارات كانت أكثر جرأة، إضافة لمنظومة إعلامية تابعة لهذه الدول تتبنى الرواية الصهيونية في الحرب على غزة.