مراسلو الجزيرة نت
ترينتو/ شمال إيطاليا- دعا مشاركون، اليوم الخميس، في افتتاح مؤتمر التغير المناخي في مدينة ترينتو شمالي إيطاليا إلى اعتماد لغة ومقاربة جديدة لإشراك شباب العالم، في إيجاد حلول لأزمة تغير المناخ، التي بدأت تؤثر في طريقة العيش وصحة سكان الأرض منذ بضع سنين، ولم تعد مجرد تحذيرات علمية من عواقب كارثية، لعدم التحرك من أجل وقف ارتفاع درجة حرارة الأرض، جراء النشاط البشري.
وفي افتتاح المؤتمر -الذي يستمر 3 أيام- قال رئيس جامعة بوكوني الإيطالية فرانسيسكو بيلاري، إن “ما نحتاج إليه حاليا هو وضع مصالح وآراء الفئات الشابة في العالم في مقدمة الأولويات، عند وضع سياسات متوازنة للتصدي لمعضلة التغير المناخي”.
وأرجع رئيس الجامعة -ومقرها في ميلانو- الأمر إلى أن الشباب هو من سيعاني في السنوات المقبلة من تداعيات تغير المناخ، سواء في طريقة عيشه وصحته، والموارد المتوفرة لديه.
وشدد روهينتون ميدهورا، وهو اقتصادي كندي ورئيس سابق لمركز الفكر والاختراع في الحوكمة، على أنه من المهم سماع أصوات الأجيال الصاعدة، التي لا تحضر في مؤتمرات التغير المناخي، ومن ثم لا تكون كلمتها حاضرة فيها.
وأضاف ميدهورا، أن إشكالية التغير المناخي تصيب مختلف الأجيال، ويجب أن تنطلق معالجتها مما هو محلي إلى ما هو عالمي، وإلا لن يكتب لها النجاح.
وكان لافتا أنه في الوقت الذي كانت تجري فيه جلسة الافتتاح داخل إحدى قاعات متحف العلوم بمدينة ترينتو، كانت مجموعة من طلاب المدارس تجوّل داخل قاعات العرض في المتحف، وهو ما دفع أحد المتحدثين للإشارة إليهم بأنهم المعوّل عليهم لإيجاد حلول تكبح من ارتفاع درجة حرارة الأرض، وما ينتج عنها من مشكلات اجتماعية واقتصادية وبيئية في مختلف أنحاء العالم.
5 إشكاليات
وخلال إحدى جلسات اليوم الأول للمؤتمر، طالب فرانسيسكو غريلو مدير مركز الأبحاث “فيجن” -الجهة المنظمة للمؤتمر- باعتماد لغة خطاب جديدة في مقاربة معضلة التغير المناخي، “لأن ثمة مللا وتعبا وعدم اهتمام في صفوف أوساط شعبية بقضية أزمة المناخ”، وهو ما يقتضي هذا التغيير في لغة الخطاب، لاسترجاع الاهتمام الشعبي بالقضية.
المؤتمر الذي يحمل عنوان “أمل جديد من أجل المناخ: الأفعال أولى من الأقوال”، حدد له منظموه 5 إشكاليات لمقاربتها، وتتصل بمسؤولية المواطنين والشركات والبنوك، والمنظمات الدولية والعابرة للحدود.
والإشكاليات هي: كيف يمكن جعل قضية التنمية المستدامة (استخدام الثروات والموارد الحالية دون الإضرار بالأجيال المقبلة) موضوعا شعبيا مرة أخرى؟ وكيف يمكن وضع آليات لدفع الشركات لاتخاذ قرارات تحافظ على البيئة، تكون فعالة وأقل كلفة وبيروقراطية؟
وثالث الإشكاليات: كيف يمكن جعل كلفة التحول الأخضر للطاقة (من التقليدية إلى المتجددة والنظيفة) استثمارا قابلا للتنفيذ من الناحية المالية وهي مسؤولية البنوك؟ وأخيرا ثمة إشكالية مطروحة على المنظمات الدولية والعابرة للدول، وتتجلى في كيفية جعل صنع القرار دوليا فعالا، وفي الوقت نفسه أن يكون شاملا يشرك مختلف الأطراف المعنية بأزمة المناخ.
ويذهب إنريكو جيوفانيني، الوزير الإيطالي السابق للبنية التحتية المستدامة والنقل، إلى أنه لا فائدة من تكرار الحديث نفسه عن التغير المناخي، وانتظار انخراط الشركات والبنوك في إيجاد حلول بالاستثمار في الانتقال إلى الطاقة النظيفة، وإنما المطلوب هو التحرك لحل المشكلة بأقل خسائر، بضخ استثمارات أكبر لإيجاد حلول لأزمة المناخ، التي أصبحت معضلة اجتماعية ماثلة للعيان.
مظهر للإخفاق
ويرى جيوفانيني -الذي شارك في المؤتمر بواسطة الاتصال المرئي- أن أزمة التغير المناخي هي أكبر مظهر من مظاهر إخفاق النموذج الاقتصادي القائم على السوق.
وكان من اللافت للانتباه ما ذكرته إحدى مسيرات جلسات اليوم في المؤتمر، من نتائج لاستطلاع رأي حديث أصدره البنك الأوروبي المركزي، إذ خلص فيه إلى أن الشركات الأوروبية عبّرت عن قلقها من مخاطر التحول إلى الطاقة النظيفة، أكثر من قلقها من مخاطر التغير المناخي نفسه؛ وذلك لأن هذه الشركات تحرص على معادلة الربح والخسارة في المقام الأول، لضمان استمراريتها وأرباحها.
والمؤتمر الذي ينظمه مركز الأبحاث “فيجن”، بشراكة مع جامعة بوكوني ومدرسة البولتكنيك في ميلانو، سيرفع نتائج أعماله إلى المؤتمر السنوي الذي تعقده الأمم المتحدة، حول التغير المناخي والمسمى “كوب 28، وستحتضنه العاصمة الإماراتية أبوظبي بين 30 نوفمبر/تشرين الثاني و12 ديسمبر/كانون الأول المقبلين.
ويشارك في مؤتمر ترينتو قرابة 80 مفكرا وطالبا وصانع قرار وسياسيا ومسؤول شركة، فضلا عن مشاركة وسائل إعلام عربية وغربية في التغطية والنقاش، إذ تعقد بعد غد السبت جلسة خاصة بما يسمى “صحافة المناخ”، وهو تخصص حديث نسبيا في قطاع الإعلام، يهدف إلى إيجاد مواكبة إعلامية حثيثة للقضايا الملحة والمتشعبة لمعضلة التغير المناخي.