منذ بداية حرب إسرائيل وحماس، في أكتوبر الماضي، حاولت إيران استعراض قوتها في الشرق الأوسط عبر وكلائها في المنطقة، لكن “ضعفها المتأصل” والقيود الاستراتيجية المفروضة عليها لم تسعفها في تحقيق المبتغى، وفق ما جاء في تحليل نشرته مجلة “فورين بوليسي”.
التحليل، الذي كتبه، أفشون أوستوفار، الأستاذ المشارك في شؤون الأمن القومي في كلية الدراسات العليا البحرية، ومؤلف كتاب “طليعة الإمام: الدين والسياسة والحرس الثوري الإيراني”، يشير إلى أن طهران استعانت بحزب الله اللبناني والحوثيين في اليمن ووكلائها في العراق لشن هجمات على مصالح الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل في محاولة لفتح مرحلة جديدة من الاضطرابات.
ومنذ شهرين، ينفذ المتمردون اليمنيون هجمات على سفن تجارية في البحر الأحمر وبحر العرب يشتبهون بأنها مرتبطة بإسرائيل أو متجهة إلى موانئها، تضامنا مع قطاع غزة.
وضربت إيران أهدافا في العراق وباكستان مدعية أنها مرتبطة بالاستخبارات الإسرائيلية والجماعات “الإرهابية” المناهضة للنظام في طهران.
وذكرت وكالة مهر الإيرانية للأنباء أن الهجوم “الصاروخي وبمسيرات” استهدف مقر مجموعة جيش العدل في باكستان التي تشكلت في 2012 وتصنفها إيران مجموعة “إرهابية”.
وقالت إيران إن الهجمات الصاروخية الأخرى استهدفت “مقرات تجسس” وأهدافا “إرهابية” في سوريا ومنطقة كردستان العراق ذات الحكم الذاتي.
وكانت الاعتداءات ظاهريا ردا على هجمات القصف الانتحاري في مدينة كيرمان الجنوبية في وقت سابق من هذا الشهر، والتي أسفرت عن مقتل 84 إيرانيا على الأقل.
وعلى الرغم من أن تنظيم داعش أعلن مسؤوليته عن الهجوم، ألقى المسؤولون الإيرانيون باللوم أيضا على إسرائيل والولايات المتحدة.
وأطلق الحرس الثوري الإيراني وابلا من الصواريخ الباليستية والطائرات بدون طيار التي أصابت المباني في شمال غرب سوريا، ودمرت فيلا رجل أعمال كردي بارز في أربيل بالعراق وقتلته.
هذه الهجمات، وفق تحليل أوستوفار، أكدت أن طهران يمكن أن تنتهك سيادة الدول المجاورة كما تشاء وبدون عواقب. وأنها تتمتع بالإرادة والقدارت للتصعيد في أي مكان في المنطقة، لكنها أيضا أظهرت أن طهران تستهدف “الأضعف” فقط، إذ رغم إلقائها اللوم على إسرائيل والولايات المتحدة في التفجيرات الانتحارية في كيرمان، إلا أنها لم تنتقم من أي منهما، كما أنها لم تستخدم قوتها العسكرية لصالح حماس في غزة رغم المطالب الشعبية بذلك.
وبدلا من ذلك، أطلقت إيران صواريخ باليستية ضد منازل المدنيين وليس الأهداف العسكرية، واختارت بلدانا تدرك أنها لن ترد بتصعيد خطير، تقول المجلة.
وفي وقت لم تعترف حكومة سوريا بهجوم إيران، كانت حكومة العراق، التي يسيطر عليها السياسيون المقربون من إيران، محرجة ومضطربة بسبب تصرفات إيران واتخذت إجراءات متواضعة، ونددت بغداد بـ”عدوان” ضد سيادتها واستدعت سفيرها في طهران للتشاور بعد الضربات، وفق التحليل.
وبسبب نفوذ إيران الضخم بين الميليشيات الشيعية المسلحة في العراق وداخل السلطة العراقية، لم يكن لبغداد الكثير لتفعله عكس باكستان، يقول التحليل.
وكانت باكستان الدولة الوحيدة القادرة على الرد على العدوان الإيراني بشيء آخر غير الكلمات، إذ بالإضافة إلى سحب السفير من طهران ومنع المبعوث الإيراني من دخول البلاد، شن الجيش الباكستاني على الفور غارات جوية ضد المنشقين البلوش في إيران.
وبعد الرد، سرعان ما أصدرت الحكومة الباكستانية بيانا وصفت فيه إيران بأنها دولة “شقيقة” وسعت إلى وقف التصعيد.
والاثنين، أعلنت إيران وباكستان استئنناف علاقاتهما الدبلوماسية، على أن يتوجه وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبداللهيان، إلى إسلام آباد الأسبوع المقبل، بعد تبادل ضربات بين البلدين، ما أظهر أن إيران لا تزال قادرة على الإفلات من العقاب، وفق التحليل.
والإفلات من العقاب، تقول المجلة، تدرك إيران أنه غير ممكن مع بلدان أخرى، إذ لا تستطيع طهران الصدام مع خصوم أكثر قوة، ورغم امتلاكها قدرات صاروخية وطائرات بدون طيار، فإن ذلك لا يمكن أن يحقق لها الكثير.
أما قواتها الجوية فهي ضعيفة وتعتمد على منصات عفا عليها الزمن تعود إلى حقبة الحرب الباردة، وقادرة على الدفاع فقط ولا يمكنها الاستيلاء على الأراضي خارج حدود إيران أو الاحتفاظ بها، وفق ما يعتقد أوستوفار.
والقدرات الدفاعية المحدودة هذه تنعكس أيضا على قدرات وكلاء إيران في المنطقة، بحسب التحليل، إذ لا تتجاوز قدرتهم التمرد داخل دولهم، وزرع القنابل على جوانب الطرق وإطلاق الصواريخ واستعمال الطائرات بدون طيار، وخطف وقتل المنافسين المحليين، والمشاركة في هجمات كمائن على قوات الجيوش الأجنبية.
ويشير أوستوفار إلى أن إيران تدرك حقيقة هذه القدرات المحدودة، لذلك لا يمكنها المخاطرة برد فعل من الولايات المتحدة وإسرائيل، وسيكون لديها الكثير لتخسره عكس وكلائها الذين يمكنهم المخاطرة
ولم تستطع إيران، على سبيل المثال تعطيل الشحن في مضيق هرمز، كما فعل الحوثيون في البحر الأحمر. ويمكن أن تحاول، يقول أوستوفار، لكن قد يتسبب في تصعيد مباشر مع الولايات المتحدة، ناهيك عن الضغط الذي سيضعه على العلاقات مع الصين وجيرانها.
ويخلص أوستوفار في تحليله إلى أن كل هذه المعطيات تظهر أن إيران ووكلاءها “لا يمكنهم نقل حربهم إلى إسرائيل أو تحرير فلسطين بالقوة، وبدلا من ذلك، يقتصرون على القيام بأفعال استفزازية في محاولة لتشكيل البيئة السياسية في المنطقة”.