كسوف كلي للشمس متوقع في أبريل.. أين يمكن مشاهدته؟

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 13 دقيقة للقراءة

عمرو، رجل مصري من أفراد مجتمع الميم عين، تواصل معه حساب على فيسبوك متظاهراً بأنه صديقه، طلب منه مقابلته، وعندما وصل إلى مكان اللقاء، سأله عما يرتديه، حينها شكّ في الأمر، حاول العودة لكن صدم بأربعة رجال شرطة يرتدون زياً مدنياً قاموا باعتقاله، ليتهم بعدها بـ “التحريض على الفجور”… هذه واحدة من القصص التي نشرتها منظمة “هيومن رايتس ووتش” للإضاءة على استخدام جهات حكومية وأفراد عاديين، لمنصات “ميتا” كوسيلة لتصيّد ومضايقة أفراد مجتمع الميم عين، وكذلك لجمع وفبركة أدلة لمحاكمتهم.

احتُجز عمرو لشهرين استناداً إلى “أدلة” زرعتها الشرطة على هاتفه، وتحدث إلى “هيومن رايتس ووتش” عن إساءة معاملته من قبل ضباط الشرطة، من شتمه وعائلته إلى إطفاء السجائر على ذراعه، وأثناء استجوابه، لم يعط فرصة للتحدث، وقال “أجبروني على تزويدهم بأرقام أصدقائي من مجتمع الميم عين. وقّعت على المحضر من دون أن يُسمَح لي بقراءته”.

ما يتعرض له أفراد مجتمع الميم عين، دفع “هيومن رايتس ووتش”، وعدة منظمات حقوقية هي: منصة “سمكس”، ومؤسسة “أنسم للحقوق الرقمية “، ومنظمة “حلم”، وجمعية “دمج”، إلى إطلاق حملة بعنوان “نحو منصات آمنة”، لدفع شركة “ميتا” إلى بذل جهد أكبر لتأمين منصاتها من الحسابات المزيفة والمنشورات المؤذية، لحماية سلامة هذه الفئة المهمّشة كما بقية مستخدميها.

وتستند الحملة إلى تقرير هيومن رايتس ووتش الصادر في فبراير 2023 بعنوان “كل هذا الرعب بسبب صورة: الاستهداف الرقمي وعواقبه في الحياة الفعلية على مجتمع الميم في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا”.

وفي تقريرها حققت “هيومن رايتس ووتش” في قيام السلطات في خمس دول هي، مصر، والعراق، والأردن، ولبنان، وتونس، بمراقبة مواقع التواصل الاجتماعي يدوياً، وإنشاء حسابات وهمية لانتحال شخصيات أفراد من مجتمع الميم عين وتصيّدهم على تطبيقات المواعدة ومنصات التواصل الاجتماعي.

وخلصت المنظمة إلى أنه في معظم الحالات التي شملها التقرير، استخدمت قوات الأمن والنيابة العامة صوراً ومحادثات “واتساب”، وتطبيقات المواعدة الخاصة بالمثليين، من هواتفهم، كأساس لمقاضاتهم والانتهاكات ضدهم، كما استهدفت أشخاصاً واضطهدتهم على أساس توجههم الجنسي أو هوياتهم الجنسية المفترضة أو الفعلية.

رعب وعجز

إضافة إلى تطبيقي “فايسبوك” وإنستغرام”، تحوّلت تطبيقات المواعدة كما يقول منسق الإعلام والتواصل في منظمة “حلم”، ضوميط قزي إلى “مساحة للأجهزة الأمنية والعصابات لاستدراج أفراد مجتمع الميم عين وابتزازهم والاعتداء عليهم، لاسيما في مصر التي أطلقت حملة ممنهجة ضدهم، وكل ذلك بدافع الكراهية”.

وفي لبنان، يقول قزي لموقع “الحرة” “لوحظ العام الماضي التناغم والتناسق بين حملات الكراهية الممنهجة التي قادها سياسيون ورجال دين وشخصيات عامة وبين الاعتداءات على أفراد مجتمع الميم عين، لاسيما من خلال تطبيقات المواعدة، وقد ارتفع عدد الانتهاكات بشكل كبير بعد خطاب أمين عام حزب الله، نصر الله، الذي أطلق خلاله معركة ضد المثليين، حيث أُنشئت حسابات وهمية لاستدراجهم”.

منير واحد من الذين تم استدراجهم في لبنان عبر تطبيقات المواعدة، كان ذلك في عام 2009 حين تعرف على شاب ادعى ان اسمه زياد، اتفقا على اللقاء في مطعم، وعندما وصل إلى هناك اتصل به زياد مطلعاً إياه أن ظرفاً استجد عليه حال دون قدومه، وبدلاً من ذلك سيرسل له سيارة أجرة تقله إلى منزله، ويقول ” قاد بي السائق نحو إحدى المخيمات الفلسطينية، وهناك كان زياد ونحو خمسة شبان بانتظاري، أخذوا هاتفي ومحفظتي، أجبروني على خلع كامل ملابسي، اعتدوا عليّ بالضرب لساعات، قبل أن يعاودوا إطلاق سراحي”.

توجه منير إلى أقرب مخفر، إلا إنه لم يجرؤ كما يقول لموقع “الحرة” على إخبار عناصر الأمن أنه كان يواعد شاباً، بل إدعى أنه كان على موعد مع فتاة فتبين له أنه استدرج لخطفه وسرقته والاعتداء عليه، ويشدد “لا أعلم ماذا حلّ بالعصابة لكن المؤكد أن ما تعرضت له أفقدني الثقة بالناس، لكنني مستمر حتى اللحظة باستخدام تطبيقات المواعدة مع الحذر الشديد ورفض أي موعد داخل منزل”.

كما تم استدراج هادي عبر تطبيق مواعدة، فبعد دردشة لأيام بينه وبين شخص إدعى أن اسمه كريم، توجه للتعرف عليه شخصياً، ويقول “ما إن صعدت في سيارته وانطلق حتى بدأ بتهديدي بفضح أمري وإبلاغ الشرطة بميولي الجنسية إذا لم أعط له كل ما بحوزتي من مال”.

ويضيف هادي لموقع “الحرة” “شعرت بالرعب والعجز عن فعل أي شيء، أطلعته أني لا أملك سوى السوار الذهبي الذي أضعه في معصمي، أعطيته إياه وسارعت بالترجل من المركبة”.

إضافة إلى ذلك، تعرض هادي مرتين للابتزاز عبر “انستغرام”، من خلال إرسال رسائل له من حسابين، فحواها العلم بميوله الجنسية وبأنه سيتم فضح أمره، ويقول “سارعت إلى حظرهما، وهو ما سأقوم به في المستقبل إذا ما تعرضت لذات الأمر”، ويشدد “لا يعلم أي من أفراد أسرتي بأني مثلي الجنس، ولا أتجرأ على إخبارهم لعلمي المسبق بردة فعلهم ورفضهم المطلق لذلك”.

تهدف الحملة التي أطلقتها المنظمات الحقوقية بحسب قزي إلى” توعية أفراد مجتمع الميم عين على ضرورة أخذ إجراءات وقائية عند استخدام تطبيقات المواعدة ومختلف مواقع التواصل الاجتماعي، للحفاظ على سلامتهم” ويشدد “تتواصل حلم يومياً مع إدارة هذه التطبيقات، حيث تحاول بأقصى جهدها دفعها لتحسين سياستها لضمان سلامة أفراد هذا المجتمع”.

ويضيف “قبل إطلاق الحملة نشرت منظمة حلم عدة إرشادات تساهم في تجنيب أفراد مجتمع الميم عين التعرض لأي نوع من الاعتداء أو الاعتقال أو الاستدراج عبر هذه التطبيقات”.

وللمساعدة في نشر الوعي حول ذلك، تعاونت هيومن رايتس ووتش مع رائدة فن الدراغ اللبناني، أنيا نيز، لإنتاج فيديو توضيحي وإعداد دليل توعوي لمشاركة النصائح حول أمان أفراد مجتمع الميم عين على الإنترنت عند استخدام تطبيقات التواصل الاجتماعي.

من جانبه يقول المدير التنفيذي لمنصة دعم السلامة الرقمية “سمكس”، محمد نجم، لموقع “الحرة” أن “هدف الحملة الأساسي أن تأخذ شركات التكنولوجيا بعين الاعتبار وجود مجتمعات مهمّشة، ما يعني ضرورة وضع سياسات لحمايتها وتوفير بيئة آمنة تسمح لأفرادها التعبير عن أنفسهم والتفاعل مع مجتمعهم بأمان” ويضيف “حين تكون الفئات المهمّشة غير محمية قانوناً فإن أي تهديد لها يشكّل خطراً مضاعفاً”.

عواقب وخيمة

قابلت هيومن رايتس ووتش عشرات الأشخاص من مجتمع الميم عين الذين أشاروا إلى أنهم أبلغوا عن تعرضهم للمضايقات، ونشر معلوماتهم التعريفية، وكشف توجههم الجنسي أو هويتهم الجندرية دون موافقتهم، والإساءة على فيسبوك وإنستغرام، لكن في جميع هذه الحالات، لم تستجب ميتا لشكاويهم أو وجدت أن المحتوى الذي أبلغوا عنه لا ينتهك سياساتها، وبقي المحتوى على الإنترنت.

وقالت المنظمة إنه رغم أن سياسات ومعايير ميتا تمنع العديد من أشكال الإساءة على الإنترنت، إلا أنها لا تطبّق هذه القواعد بشكل متسق على منصاتها. نتيجة لذلك، يبقى أحياناً المحتوى الذي يستهدف أفراد مجتمع الميم عين على فيسبوك وإنستغرام حتى عندما ينتهك سياسات ميتا، بينما تحذف المنصة المحتوى الآخر، مثل توثيق الانتهاكات الحقوقية.

وأفاد أفراد مجتمع الميم عين الذين قابلتهم المنظمة أنه نتيجة لاستهدافهم عبر الإنترنت، بما في ذلك على فيسبوك وإنستغرام، فقدوا وظائفهم وتعرضوا للعنف الأسري، بما يشمل ممارسات تحويل التوجه الجنسي أو الهوية الجندرية، واضطروا إلى تغيير أماكن إقامتهم وحتى الفرار من بلدهم، وعانوا من عواقب صحية نفسية وخيمة.

فؤاد من الذين خسروا وظيفتهم بعد إثبات ميوله الجنسية من خلال رسالة نصية أرسلها إلى حبيبه وزميله في العمل سامر، ويشرح لموقع “الحرة” “كنت عنصرا في جهاز أمني لبناني، لا أحد كان يشك في ميولي الجنسية بسبب مظهري، فأنا شاب رياضي ضخم البنية، على عكس سامر الذي أوقف للتحقيق معه بناء على معلومات عن ميلوه الجنسية أدلى بها زميل لن لم نكتشف هويته، وبعد تفتيش هاتفه عثروا على رسالة تثبت علاقتي به، فتم صرفنا من السلك”.

أنكر فؤاد أمام عائلته التهمة التي خسر بسببها وظيفته قبل سنوات، حاول بدء حياة جديدة بعيداً عن محيطه، سافر إلى بلد عربي بحثاً عن وظيفة، لكنه لم يوّفق، فعاد أدراجه إلى لبنان وكله أمل أن تتحسن ظروفه، لكن كما يقول “ما إن وصلت إلى بيروت، حتى تلقيت اتصالاً بعد أيام من امرأة ادعت أنها محامية تعمل في مكتب مكافحة الجرائم المعلوماتية، أطلعتني بأن هناك دعوى ضدي وسيتم التواصل معي من قبل المكتب”.

سارع الشاب الثلاثيني وتواصل مع جمعية “براود” فأطلعه مديرها التنفيذي، برتو مقصو، أن عدداً كبيراً من أفراد مجتمع الميم عين تواصلوا معه للسبب ذاته، وأن الجمعية تحقق في أمر المتصلة، وأنه بعد البحث تبين عدم وجود محامية تحمل الاسم الذي ادعته، ما يرجح أنها جزء من عصابة ابتزاز، إذ بعد تواصلها مع من تريد الإيقاع بهم، يتصل شخص من هاتف خليوي يدّعي أنه شرطي في مخفر، ويعرض على الضحية دفع مبلغ مادي للمحامية لحل القضية واسقاط الدعوى”.

 ويقول فؤاد “هي لا تنتحل صفة شخصية، بل كذلك أمنية، لكن للأسف لا أحد من أفراد مجتمع الميم عين في لبنان يتجرأ على رفع دعوى ضدها ومن معها من الشركاء كي لا يتم تجريمهم بسبب ميولهم استناداً إلى المادة 534 من قانون العقوبات التي تنص على أن كل مجامعة على خلاف الطبيعة يعاقب عليها بالحبس حتى سنة واحدة”.

وقد حاول موقع “الحرة” التواصل مع من ادعت أنها محامية على رقم الهاتف الذي تواصلت منه مع فؤاد إلا أنه كان خارج الخدمة.

كلام فؤاد يشدد عليه مقصو في حديث لموقع “الحرة” بالقول “إلغاء هذه المادة أمر ضروري كي يتمكن أفراد هذا المجتمع من الحصول على حقوقهم والمساواة بينهم وبين بقية المواطنين، إذ حينها يمكنهم اللجوء إلى القضاء من دون خشية تجريمهم بسبب ميولهم الجنسية”.

خطر متعدد الأبعاد

توفر حملة “نحو منصات آمنة” مجموعة متنوعة من الحلول لشركة ميتا للحفاظ على أمان أفراد مجتمع الميم عين وتطلب منها الإفصاح عن استثمارها السنوي في سلامة المستخدم وأمنه بما يشمل المبررات المنطقية التي توضح كيف تتناسب استثمارات الثقة والسلامة مع مخاطر الضرر لكل منطقة ولغة ولهجة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

تُجري هيومن رايتس ووتش كما أوردت مناقشات مع مسؤولي ميتا حول مخاوفها منذ أشهر، وبعثت أيضاً رسالة في 2 فبراير 2023 إلى قسم حقوق الإنسان في ميتا، طرحت فيها أسئلة محددة نابعة من البحث وأدرجت نتائج تقريرها قبل نشر تقرير الاستهداف الرقمي. رفضت ميتا تقديم رد مكتوب، لكنها واصلت التعامل مع المنظمة بشأن هذه القضايا”.

في 8 يناير 2024، أرسلت هيومن رايتس ووتش رسالة أخرى إلى ميتا لإبلاغها بالحملة وطلب وجهة نظرها.

وقالت نائبة مدير برنامج حقوق مجتمع الميم عين بالوكالة في المنظمة، رشا يونس “باعتبارها أكبر شركة للتواصل الاجتماعي في العالم، ينبغي لـ ميتا أن تكون رائدة عالمياً في جعل مواقع التواصل الاجتماعي آمنة للجميع. عندما يستخدم أفراد مجتمع الميم عين، الذين يواجهون بالفعل انعدام الأمن في الحياة الواقعية، فيسبوك وإنستغرام للتواصل والتنظيم، فإنهم يستحقون اليقين بأن ميتا تفعل كل ما بوسعها لضمان أمنهم”.

وأكدت يونس “لم تستثمر ميتا بما يكفي في سلامة المستخدم، واستخفّت بدور منصاتها في تسهيل الانتهاكات في حق مجتمع الميم عين في المنطقة” مشددة “ينبغي أن تكون الشركة مسؤولة دائماً عن أمان المستخدمين على منصاتها، وتحديداً عندما يكون بإمكانها حمايتهم من ضرر كبير”.

عن ذلك يعلّق نجم “لم يكن تجاوب ميتا في السابق كبيراً والآن تراجع، فهي شركة تجارية وما يهمها هو الربح السريع وعدم توتير علاقتها مع الأنظمة القمعية، لذلك تغض النظر عن حقوق الإنسان ولا تلبي طلبات تعديل سياساتها” ويشدد “نحاول الضغط بالإعلام وبوسائل مختلفة كي نتمكن من دفعها وغيرها من شركات التكنولوجيا لتعديل قراراتها لضمان حماية الفئات المهمّشة”.

لا يقتصر الخطر على أفراد مجتمع الميم عين كما يقول مقصو على تطبيقات مواقع التواصل الاجتماعي، بل “يشمل كل ما له علاقة بالعالمين الافتراضي والواقعي، وما نطمح إليه هو توفير مساحة آمنة لهم من خلال حمايتهم بالقانون كونهم جزء لا يتجزأ من المجتمع، بالتالي لا يجب التمييز بينهم وبين بقية المواطنين، بل يجب تطبيق مبدأ أن الجميع سواسية أمام القانون”، وهو ما يؤكد عليه قزي بالقول “المسؤولية الكبرى تقع على عاتق السلطة السياسية والأجهزة الأمنية في حماية سلامة المواطنين بمن فيهم أفراد مجتمع الميم عين”.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *