المياه هي سر الحياة، وهي ضرورة لا غنى عنها لاستمرارها؛ فهي ضرورية للتنمية والطاقة وإنتاج الغذاء وسلامة الأنظمة البيئية.. وفوق ذلك بقاء الإنسان، ولكنها تواجه تحديات خطيرة جمة، تتعلق بالجفاف وتغير المناخ؛ ينبغي العمل على تخطيها.
وتلفت منظمة الصحة العالمية إلى أن نحو 2.2 مليار إنسان يفتقرون إلى الوصول إلى خدمات مياه الشرب المدارة بأمان، فيما يعتمد ما يقرب من مليارَيْن على مرافق الرعاية الصحية دون خدمات المياه الأساسية.
واللافت هو تنامي التحديات عامًا تلو الآخر؛ فقد شهد عام 2023 الماضي جفافًا بالنسبة للأنهار العالمية، هو الأكبر منذ أكثر ثلاثة عقود، وذلك وفقًا لتقرير المنظمة العالمية للأرصاد الجوية.
وقد سجلت السنوات الخمس المتتالية الماضية ظروفًا دون المعتاد لتدفقات الأنهار، واتبعت تدفقات الخزانات نمطًا مماثلاً؛ وهذا يقلل من كمية المياه المتاحة للمجتمعات والزراعة والنظم الإيكولوجية؛ وهو ما يزيد الضغط على إمدادات المياه العالمية، وفقًا لتقرير حالة الموارد المائية العالمية.
وتوضح سيليستى ساولو، الأمينة العامة للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية، تلك المخاطر بقولها: “إن الماء هو المؤشر لأي خطر محتمل لتغير المناخ. ونحن نتلقى إشارات استغاثة في شكل هطول أمطار غزيرة بشكل متزايد، وفيضانات، وجفاف.. تُلحق خسائر فادحة بالأرواح والنظم الإيكولوجية والاقتصادات. ويهدد ذوبان الجليد والأنهار الجليدية الأمن المائي على المدى الطويل لملايين الأشخاص. ومع ذلك فإننا لا نتخذ الإجراءات العاجلة اللازمة”.
تلك التحديات الخطيرة التي تواجه المياه الضرورية لاستمرار الحياة، واستدامة مقوماتها، كانت دافعًا أساسيًّا للسعودية، ومنطلقًا لاستضافتها “قمة المياه الواحدة”، التي ترأسها سمو ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، الأمير محمد بن سلمان، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والرئيس الكازاخي قاسم جومارت توكاييف، وذلك بالتزامن مع استضافة السعودية (مؤتمر الأطراف السادس عشر لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر).
وأشار ولي العهد في كلمته خلال الجلسة إلى ما يواجهه العالم من تحديات خطيرة متزايدة في قطاع المياه، ومن ذلك ارتفاع معدلات الجفاف، وهي تؤدي إلى أزمات متعددة، تتمثل في نقص المياه الصالحة للاستخدام، وتفاقم مشكلات التصحر، وما يتبع ذلك من تهديد حياة الإنسان والمجتمعات.
وأكد سموه أن ذلك الأمر يستوجب العمل المشترك لحماية وضمان استدامة مصادر المياه.
ما الذي قدمته السعودية؟
وبالإشارة التي تلك التحديات التي تواجه قضية المياه، فقد أدركت السعودية منذ الوهلة الأولى حجم التحديات، وعملت على تجاوزها منفردة ومجتمعة؛ فقد عملت الرياض على إدراج موضوعات المياه للمرة الأولى ضمن خريطة عمل مجموعة العشرين، خلال مدة رئاستها في عام 2020م، إضافة إلى تقديمها تمويلات تجاوزت مبلغ ستة مليارات دولار أمريكي؛ لدعم أكثر من (200) مشروع إنمائي في قطاع المياه في أكثر من (60) دولة نامية حول العالم. كما تستعد السعودية لاستضافة المنتدى العالمي للمياه في الدورة (الحادية عشرة) عام 2027م، بالتعاون مع المجلس العالمي للمياه.
كما أعلنت السعودية تأسيس منظمة عالمية للمياه، مقرها الرياض، تهدف إلى تطوير وتكامُل جهود الدول والمنظمات؛ لمعالجة تحديات المياه بشكل شمولي. وستعمل هذه المنظمة على معالجة القضايا المتعلقة بالمياه على مستوى العالم، من خلال توحيد الجهود الدولية، وإيجاد الحلول الشاملة للتحديات المائية، بما في ذلك تبادُل الخبرات والتقنيات المبتكرة، وتعزيز البحث والتطوير في هذا المجال؛ وذلك في ظل احتياج المجتمع الدولي لمنظمة تقود الجهود في هذا القطاع الحيوي.
وستلبي “المنظمة” احتياجات مهمتها في البحث وتطوير السياسات والتنفيذ العملي في ظل إدراكها للترابط بين التحديات المائية والتحديات العالمية الأخرى؛ إذ تتطلع السعودية من خلال جمع القدرات والإمكانيات العالمية إلى المساهمة بشكل كبير في التكامل مع أهداف التنمية المستدامة، وضمان وفرة المياه، وخدمات الصرف الصحي وإدارتها.. بفضل أهميتها الجيوسياسية، وتأثيرها الاقتصادي والسياسي القوي، وخبرتها العالمية الواسعة؛ إذ تتمتع السعودية بوضع مثالي لاستضافة منظمة عالمية للمياه، وقيادة الجهود ذات الصلة على جميع الأصعدة، بصفتها دولة رائدة عالميًّا في تحلية المياه المالحة، وتمول مشاريع المياه المستدامة التي توفر مياه شرب آمنة للملايين من خلال الصندوق السعودي للتنمية.
ودعا الأمير محمد بن سلمان في ختام كلمته الدول الأعضاء في الأمم المتحدة والمنظمات الدولية والقطاع الخاص إلى الانضمام إلى هذه المنظمة العالمية للمياه؛ لتوحيد الجهود، وحسن إدارتها؛ لتخطي تلك العقبات والتحديات فيما يتصل بهذه القضية الحيوية.