أظهر البيان التمهيدي لموازنة مصر خلال العام المالي المقبل 2024/2025، ارتفاع بند مدفوعات الفوائد، ليُشكل تقريبا 50 بالمئة من إجمالي الموازنة العامة للدولة، مقارنة بـ37 بالمئة في تقديرات الموازنة الحالية التي تنتهي بنهاية يونيو المقبل.
وتشير وزارة المالية في البيان المالي للموازنة، الذي عُرض على مجلس النواب هذا الأسبوع ونشرته وسائل إعلام محلية، إلى أن حجم الموازنة، التي ستبدأ من مطلع يوليو المقبل وتنتهي بنهاية يونيو 2025، يبلغ نحو 3.870 تريليون جنيه (81 مليار دولار).
ويمثل بند مدفوعات الفوائد وحده نسبة 47 بالمئة، بنحو 1.834 تريليون جنيه (38 مليار دولار)، مقارنة بنحو 1.120 تريليون جنيه (23 مليار دولار) تمثل 37 بالمئة من موازنة العام المالي الحالي.
وحسب وزارة المالية، فإن حجم الاحتياجات المالية التي سيتم اقتراضها من الأسواق المحلية والدولية خلال العام المالي المقبل، يبلغ نحو 2.850 تريليون جنيه (60 مليار دولار تقريبا)، مقسمة على عجز الموازنة عند 1.243 تريليون جنيه (26 مليار دولار)، وسداد أقساط قروض محلية وأجنبية بنحو 1.607 تريليون جنيه (34 مليار دولار).
استمرار ارتفاع الديون
ويؤكد خبراء اقتصاديون تحدثوا لموقع “الحرة”، أن الديون ومدفوعات الفوائد سترتفع إلى “مستويات قياسية” في العام المالي المقبل، استنادا إلى البيانات التي قدمتها وزارة المالية، على الرغم من خطط الحكومة لتخفيض الدين كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي.
وتقول الخبيرة الاقتصادية، حنان رمسيس، لموقع “الحرة”، إن بلادها لجأت إلى الأسواق المحلية والدولية خلال العام الماضي، لسد الفجوة من الاحتياجات المالية، “نتيجة الأزمات الاقتصادية والجيوسياسية المستمرة في المنطقة”.
وتضيف: “هذه الفجوة ستكون موجودة أيضا خلال العام المالي المقبل، وستتجه مصر إلى الأسواق، سواء المحلية أو الدولية، للبحث عن تمويلات لهذه الفجوة”.
أعوام عديدة مقبلة لمصر مع صندوق النقد.. هل يتحمل المواطن “ثمن الإصلاحات”؟
في السادس من مارس الماضي، سمح البنك المركزي المصري بانخفاض قيمة الجنيه بأكثر من 60 بالمئة، لتنفيذ إصلاح اقتصادي لطالما طالب به صندوق النقد الدولي القاهرة، منذ الاتفاق على برنامج تمويلي قبل عام ونصف العام تقريبا.
بدوره، يقول الخبير الاقتصادي المصري، السيد خضر، إن ارتفاع وتيرة الاقتراض الحكومي من السوق المحلية “يرجع في الأساس إلى الحاجة المستمرة لتمويل العجز في الموازنة، وتغطية المصروفات الحكومية”.
ويضيف لموقع “الحرة”: “استمرار المصروفات الحكومية في الزيادة بمعدلات أعلى من الإيرادات العامة للدولة، يعني استمرار اتساع الفجوة التمويلية”.
ويتوقع البيان التمهيدي للموازنة، نمو الإيرادات العامة للدولة بنسبة 22.5 بالمئة لتصل إلى 2.625 تريليون جنيه (55 مليار دولار) خلال العام المالي المقبل، تغطي 67 بالمئة من مصروفات الموازنة العامة البالغة 3.870 تريليون جنيه، والتي ستنمو بنسبة 29 بالمئة من 2.990 تريليون جنيه (62 مليار دولار) المُقدرة في موازنة العام المالي الجاري.
“موازنة التحديات”
في المقابل، يصف رئيس لجنة الخطة والموازنة في مجلس النواب المصري، فخري الفقي، موازنة بلاده للعام المالي المقبل بـ”موازنة التحديات، في ظل الظروف السياسية الإقليمية الصعبة التي تحيط بمصر من كل جانب”.
ويقول في اتصال هاتفي مع موقع “الحرة”، إن ارتفاع مدفوعات الفوائد في الموازنة الجديدة يرجع في الأساس إلى “ارتفاع الفائدة المحلية، وكذلك انخفاض قيمة الجنيه أمام الدولار، حيث يتم احتساب فوائد القروض الخارجية بالدولار”.
ويضيف الفقي، الذي يناقش حاليا الميزانية قبل إقرارها من المجلس خلال الأسابيع المقبلة: “ارتفاع مدفوعات الفوائد خلال العام المالي المقبل، ليس مرتبطا بزيادة معدلات الاقتراض المحلية أو الخارجية، فعلى النقيض من ذلك تعمل وزارة المالية على تخفيض مستويات الدين المحلي ومدفوعات الفوائد”.
“الغائب الحاضر”.. أين السكر في مصر؟
“نادر في مناطق ومتوفر في أخرى، سعره بمتناول اليد في أماكن، وثمنه مرتفع في البعض الآخر”، معضلة جديدة بطلها منتج “السكر” في مصر، بعد الشكاوى من اختفائه والتأكيد على وجوده، فما قصة تلك “الأزمة”؟ وما تأثيرها على المصريين؟
ويدلل الفقي على كلامه بأن “مدفوعات الفوائد في موازنة العام المالي الجاري تقدر بنحو 1.120 تريليون جنيه (23 مليار دولار)، لكنها سترتفع مع نهاية العام المالي في يونيو المقبل إلى 1.340 تريليون جنيه (28 مليار دولار) بعد الإصلاحات الاقتصادية من تحرير سعر الصرف ورفع الفائدة”.
ووفق البيان التمهيدي للموازنة، تُقر وزارة المالية بـ”ارتفاع شديد في فاتورة مدفوعات الفوائد”. وتقول إن ذلك يرجع إلى “استمرار السياسة النقدية التقييدية من البنك المركزي في ظل ارتفاع معدلات التضخم، مما أدى إلى ارتفاع تكاليف الاقتراض، إلى جانب أثر تغير سعر الصرف على قيمة الفوائد المسددة على القروض بالعملة الأجنبية”.
وفي السادس من مارس الماضي، رفع البنك المركزي المصري أسعار الفائدة المحلية بـ6 نقاط مئوية لتصل إلى 27.25 بالمئة على الإيداع و28.25 بالمئة على الإقراض. كما سمح بانخفاض قيمة الجنيه بأكثر من 60 بالمئة، وذلك لتنفيذ إصلاح اقتصادي طالما طالب به صندوق النقد الدولي القاهرة.
تحذيرات
ورفضت وزارة المالية المصرية، عروض بيع أذون خزانة (أدوات دين حكومية محلية قصيرة الأجل تبيعها عبر البنك المركزي لتمويل عجز الموازنة مقابل فوائد يتحصل عليها المستثمرون)، بعد أن وصل الفائدة 35 بالمئة للأذون أجل عام واحد، حسب وسائل إعلام محلية.
وتؤكد هذا رمسيس، التي تقول خلال حديثها إن “وزارة المالية لا يمكن أن تقبل بيع أذون الخزانة بهذه المستويات من الفائدة، فخلال عام واحد فقط تدفع الحكومة للمستثمرين مقابل أموالهم 35 بالمئة”.
وتضيف: “رغم أنها تحاول إحداث توازن ما بين التمويل الخارجي والداخلي، فإن أعباء خدمة الدين المحلي ارتفعت إلى مستويات قياسية، وذلك بالنظر إلى العروض التي وافقت عليها خلال الأسابيع القليلة، حيث تصل الفائدة إلى 31 بالمئة”.
بدوره، يُحذر خضر من استمرار الاقتراض بمعدلات مرتفعة في السوق المحلية، وعدم وجود خطط واضحة لتحسين هيكل الدين وإطالة أمده، إذ يقول إن “ارتفاع الديون سيزيد من الضغوط المالية على الموازنة العامة للدولة خلال العام المالي المقبل”.
ويتابع: “يجب أن تعزز الحكومة من خططها لتحقيق استدامة الدين، وهو الأمر بالغ الأهمية، حيث يعكس ثبات الديون القدرة على سداد الديون المستحقة في موعدها وتجنب حدوث أزمات مالية”.
“تباطؤ ثم تسارع”.. توقعات سارة بشأن نمو الاقتصاد المصري
توقع خبراء اقتصاد استطلعت رويترز آراءهم، الثلاثاء، أن ينمو الاقتصاد المصري هذا العام بشكل أبطأ مما كان متوقعا في السابق بعد أن وقعت مصر حزمة دعم مالي مشروط بقيمة ثمانية مليارات دولار مع صندوق النقد الدولي، لكن النمو سيتسارع العام المقبل.
وهذا الأسبوع، نقلت وكالة رويترز عن تقرير لخبراء صندوق النقد الدولي، جرى إعداده للعرض على اجتماع مجلس إدارة الصندوق الشهر الماضي، أن السلطات المصرية “تعهدت بالكف عن تجاوز وزارة المالية واقتراض مليارات الدولارات مباشرة من البنك المركزي”.
ويؤكد هذا رئيس لجنة الخطة والموازنة في مجلس النواب، موضحا أن مجلس الوزراء وضع سقفا للدين العام، “ولا يمكن تعديله إلا بموافقة رئيس الجمهورية ومجلس الوزراء ومجلس النواب، وذلك في حالة الضرورة”.
وفي بيان منشور عبر الموقع الإلكتروني، يقول وزير المالية المصري، محمد معيط، إن مجلس الوزراء حدد سقف دين أجهزة الموازنة العامة للدولة في السنة الجديدة بمبلغ 15.1 تريليون جنيه (320 مليار دولار) وبنسبة 88.2 بالمئة من الناتج المحلى مقارنة بنسبة 96 بالمئة في العام المالي الماضي 2022/2023.
ويبلغ إجمالي الدين العام المحلي، وفق آخر بيانات نشرها البنك المركزي المصري، نحو 4.742 تريليون جنيه في نهاية العام المالي 2019/2020، أي قبل 3 أعوام.
فيما يبلغ حجم الدين الخارجي نحو 7.879 تريليون جنيه (164.5 مليار دولار) في نهاية مارس الماضي، حسب بيانات النشرة الشهرية للبنك المركزي.
هل يستمر ارتفاع الديون؟
تتوقع رمسيس أن “تستمر أزمة الديون، إذا لم تحقق مصر المستهدفات التصديرية المناسبة التي تعزز إيراداتها من العملات الأجنبية، إلى جانب تخفيض الإنفاق والمصروفات، وهو أمر بالغ الصعوبة في ظل الضرورة المرتبطة بتوفير السلع الأساسية للمواطنين”.
وتستطرد: “تخفيض الديون ومدفوعات الفوائد المحلية تحديدا يرتبط بخفض أسعار الفائدة محليا، وهذا لن يحدث إلا بتراجع التضخم”.
وبلغ معدل التضخم في مصر، التي يعاني ثلث سكانها تقريبا من الفقر، نحو 33.7 بالمئة في مارس الماضي، وفق ما أظهرت بيانات البنك المركزي قبل أيام.
وتؤكد مصر على أن خفض التضخم يمثل “أولوية قصوى”، حيث يقول وزير المالية، في تصريحات قبل أسبوع تقريبا، إن “الأولوية القصوى لمصر هي خفض التضخم إلى المستوى الذي يستهدفه البنك المركزي”، عند 7 بالمئة (± 2 نقطة مئوية).
وتحاول القاهرة الخروج من أزمة الديون الخارجية، من خلال استثمار موارد الدولة، واستغلال المناطق الاقتصادية التي تدر عائدا، حسب رمسيس، مشيرة إلى “ضرورة تنفيذ المزيد من الصفقات الاستثمارية المشابهة لمشروع تنمية رأس الحكمة، إلى جانب مبادلة ديون مع الدول الدائنة لمصر باستثمارات في مشاريع قائمة”.
ويعتبر خضر أن حاجة بلاده إلى خفض مستويات الدين الخارجية، تتطلب اتباع المزيد من الإجراءات الاقتصادية، بما في ذلك “الحد من الإنفاق العام، وتنفيذ استراتيجية لهيكلة الديون”.
ويضيف: “من الضروري العمل على الحد من الإنفاق العام، حيث يمكن تقليل الدين الخارجي عن طريق الحد من الإنفاق وتحسين كفاءة الإنفاق العام، مع السعي نحو إعادة هيكلة الدين بشكل عام، وتعزيز الشفافية ومكافحة الفساد”.
ويُسهم وضع استراتيجيات فعالة لإدارة الدين بشكل فعال، واستخدام الموارد بكفاءة أكبر، إلى جانب تنويع مصادر التمويل الخارجية، في تحقيق الاستدامة للدين على المدى المتوسط، حسب خضر، الذي يشدد على ضرورة أن “يتم الاقتراض بناء على قدرة مصر على سداد الديون وتحمل الأعباء المالية المرتبطة به”.
مصر.. العجز بصافي الأصول الأجنبية في “أدنى مستوياته خلال عامين”
أظهرت بيانات منشورة على الموقع الإلكتروني للبنك المركزي المصري أن العجز في صافي الأصول الأجنبية لدى البنك انخفض في مارس إلى أدنى مستوياته فيما يزيد على عامين، وذلك بفضل بيع حقوق تطوير مشروع عقاري ضخم وتطبيق نظام سعر صرف مرن
في المقابل، يرى رئيس لجنة الخطة والموازنة في مجلس النواب، أن مستويات الدين الخارجي، غير مقلقة “وهي ضمن الحدود المتعارف عليها دوليا بين 30 و50 بالمئة كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي”.
ويضيف الفقي: “ستتراجع هذه النسبة خلال السنوات المقبلة بكل تأكيد، مع ارتفاع الناتج المحلي الإجمالي المتوقع وصوله إلى 17.1 تريليون جنيه (360 مليار دولار)”.
وتعتزم وزارة المالية المصرية، “إطالة متوسط عمر الدين من 3.3 سنوات إلى 5 سنوات”، وفق النائب البرلماني، موضحا أن “هذا يأتي في إطار استراتيجية واضحة لإدارة الديون على المدى المتوسط، التي ستمنح وزارة المالية المرونة في سداد القروض والفوائد”.
ويتابع: “الحكومة المصرية تعمل من خلال الفائض الأولي المستهدف في موازنة العام المالي المقبل على سداد جزء من الديون من أجل تخفيضها، كما أن 50 بالمئة من متحصلات برنامج الطروحات الحكومية ستخصص أيضا لسداد الديون. وهو الخطط التي من شأنها مجتمعة ستساهم في انخفاضه”.
إلى ذلك، يقلل بعض الخبراء من إمكانية أن تسهم الخطط الحكومية في إبطاء ارتفاع مستويات الدين، أو إطالة متوسط عمره، إذ تقول رمسيس إن “قرض صندوق النقد الدولي إلى جانب التمويلات الخارجية الأخرى التي تعتزم الحكومة الحصول عليها ستنعكس على الدين، وخدمة الدين خلال السنوات المقبلة، بالإضافة إلى استمرار ارتفاع أسعار الفائدة المحلية التي ستظهر آثارها على الميزانية المقبلة بكل تأكيد”.
ووفقا لوزارة المالية، فإن مصر تعتزم اقتراض 140 مليار جنيه (2.92 مليار دولار) من الخارج، خلال العام المالي المقبل، من بينها 11.9 مليار جنيه (250 مليون دولار) قروض من مؤسسات دولية، و69.3 مليار جنيه (1.45 مليار دولار) عبر إصدار سندات دولية، و58.8 مليار جنيه (1.2 مليار دولار) من صندوق النقد الدولي.