وسط حالة الجمود التي يعيشها تكتل اتحاد المغرب العربي، استضافت العاصمة التونسية، الاثنين، اجتماعا ضم الرئيسين الجزائري والتونسي إلى جانب رئيس المجلس الرئاسي الليبي، في لقاء يُعدّ الأول من نوعه على هذا المستوى.
وفي أعقاب الاجتماع التشاوري، أعلن كل من عبد المجيد تبون وقيس سعيّد ومحمد المنفي، عن عزمهم توحيد جهود بلدانهم لمواجهة تحديات الهجرة غير النظامية، إلى جانب تعزيز التعاون في مجالات اقتصادية واجتماعية، عبر تشكيل فريق عمل مشترك لصياغة آليات إقامة مشاريع واستثمارات كبرى في المجالات والقطاعات ذات الأولوية.
وخلّف اللقاء ردودا متباينة بين محللين مغاربيين، بين من رأى في التكتل “ميلاد تحالف إقليمي واعد” وقادر على أن يسهم في تعزيز وتطوير آفاق التعاون الثلاثي، ومن اعتبر أن هذا التحرك يمثل “ضربة قاصمة” لحلم التكامل المغاربي وبناء اتحاد يجمع دول المنطقة، تحت مظلة واحدة.
وكان القادة الثلاثة اتفقوا على هامش قمة الغاز بالجزائر، في مطلع مارس، على “عقد لقاء مغاربي ثلاثي، كل ثلاثة أشهر، يكون الأول في تونس بعد شهر رمضان”. ولم يُدعَ المغرب ولا موريتانيا للمشاركة في هذا الاجتماع الذي يمهد لتشكيل تحالف ثلاثي على المستوى المغاربي.
وردا على تلك المبادرة، اعتبرت أصوات مغربية، أن الخطوة الجزائرية تهدف إلى” عزل” المغرب عن محيطه المغاربي، وبأنها محاولات لـ”تقسيم المنطقة وإفشال حلم المغرب الكبير”.
وفي المقابل، دافع وزير الخارجية الجزائري، أحمد عطاف، عن هذه المبادرة، معتبرا أنها تأتي لملء فراغ، في حين أن اتحاد المغرب العربي الذي أنشئ قبل 35 سنة يرقد “في الإنعاش” و”لا يقوم بأي نشاط”.
من جهته أكد الرئيس، عبد المجيد تبون، في لقاء صحفي، أبريل، أن “هذا التكتّل ليس موجها ضد أي جهة كانت” وأن “الباب مفتوح لدول المنطقة” و”لجيراننا في الغرب” أي المغرب.
“إقصاء المغرب” أم دوافع أخرى.. لماذا اتجهت الجزائر إلى “التكتل الجديد”؟
تحدث الرئيس الجزائري لأول مرة بشكل علني، السبت، عن مشروع التكتل المغاربي الذي تنوي بلاده إطلاقه مع تونس وليبيا، مشيرا إلى أنه سيكون كتلة لـ”إحياء العمل المغاربي المشترك”، وتنسيق العمل من أجل “توحيد كلمة” هذه الدول حول العديد من القضايا الدولية.
تعزيز التعاون أم إنهاء حلم؟
أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، قوي بوحنية، يرى أن لـ”التكتل الجديد مبرراته التي ترتبط بالظروف التي تمر منها العلاقات التاريخية بين الدول الثلاث، خاصة خلال السنوات الأخيرة، التي عرفت تكثيف التعاون في المجال الاقتصادي والأمني بين تونس والجزائر، ودور الأخيرة في دعم المسار السياسي لليبيا”.
وبينما يشدد بوحنية في تصريحه لموقع “الحرة”، على أهمية التكتل الجديد في التعاون الثلاثي الأطراف، يقول إنه “لا يشكل بديلا لاتحاد المغرب العربي”، بل “أداة لتعزيز التعاون المغاربي ـ المغاربي المشترك”.
لكن في المقابل، يرى المحلل السياسي التونسي، الصغير الزكراوي، أن “الاجتماع التشاوري بدا وكأنه رد فعل متشنج ضد المغرب”، مشيرا إلى أن “الخطوة تبقى غير مدروسة”.
وفي نهاية اجتماع الاثنين، صدر بيان ختامي مشترك أعلن فيه القادة الثلاثة أنهم “اتفقوا على تكوين فرق عمل مشتركة تُعهد لها أحكام تنسيق الجهود لتامين حماية أمن الحدود المشتركة من مخاطر وتبعات الهجرة غير النظامية وغيرها من مظاهر الجريمة المنظّمة”.
وأضاف البيان الختامي الذي تلاه وزير الخارجية التونسي، نبيل عمار، أن القادة الثلاثة اتفقوا أيضا على “توحيد المواقف والخطاب مع التعاطي مع مختلف الدول الشقيقة والصديقة المعنية بظاهرة الهجرة غير النظامية في شمال البحر المتوسط والدول الأفريقية وجنوب الصحراء”.
كما أكد القادة الثلاثة على أهمية تنظيم هذه اللقاءات التشاورية بشكل دوري، ليس فقط لمناقشة القضايا السياسية بل أيضاً للبحث في قضايا اقتصادية واجتماعية.
في هذا الجانب، يقول الزكراوي في تصريح لموقع “الحرة”، إن ما حمله الاجتماع التشاوري عبارة عن “إعلان نوايا مثل ما يتم دائما في اجتماعات الدول العربية والمغاربية، دون أن يتحقق منها أي شيء”.
وبينما يعرب الزكراوي عن متمنياته في بلوغ الأهداف الطموحة التي أُعلن عنها في لقاء الاثنين، يقول إن “المسار بدأ متعثرا ويظهر أنه عبارة عن رد فعل غير مدروس”، مضيفا أنه لا يتوقع “أن يفرز التكتل الثلاثي الجديد بديلا لاتحاد المغرب العربي الذي يبقى حلما لشعوب المنطقة”.
وعام 1989، أسست الدول المغاربية اتحاد “المغرب العربي” بطموح صنع تكتل اقتصادي وسياسي قوي، لكن وبعد بدايات موفقة ونشاطات كثيفة، تحولت الهيئة من نشاط محدود إلى توقف شبه نهائي. ولم يعقد أي اجتماع قمة لهذا الاتحاد منذ 1994.
ويقول الزكراوي، إن التحرك التونسي الليبي الجزائري الأخير، يشكل “ضربة قاصمة لهذا الحلم ولعقود من بناء التحالف المغاربي المشترك، وللجهود الرامية لتوحيد البلدان الخمسة”.
ما فرص نجاح التكتل الثلاثي؟
وعلى صعيد آخر، يقول المحلل التونسي، إن فشل الدول في بناء اتحاد قوي اليوم في زمن التكتلات والتجمعات الكبرى بالعالم، “يُهدر فرصا تنموية واعدة لفائدة المنطقة”، مشيرا إلى أنه “لا يتوسم خيرا في مثل المبادرة الثلاثية”.
لكن على الجهة المقابلة، يؤكد بوحنية، أن التكتل لا يزال في مراحله الأولية قبل تقييمه أو الحكم عليه، مشيرا إلى الطموحات الواعدة التي يحملها والمتمثلة في الخط البري الذي من شأنه أن يعزز تنقل السلع والأشخاص بين الدول الثلاثة، وفرص التعاون في مجال مكافحة الهجرة غير الشرعية”.
ويضيف المحلل السياسي الجزائري أن التكتل الجديد يشكّل بارقة أمل للشعوب المغاربية، إلا أنه يشدد على أنه لا يمثل بديلا للاتحاد المغاربي، خاصة وأن الدول الثلاث لم تعلن انسحابها من هذه المنظمة ولا تزال تعمل من أجل إحيائه.
من جهته، يرى الباحث السياسي الليبي، عصام الزبير، أن الاتحاد المغاربي فشل في جمع الدول بسبب الخلافات المغربية والجزائرية، حتى أصبح معطلا وتوقفت هياكله”، بالتالي تظهر الحاجة لإنشاء تحالف إقليمي جديد.
ويقول الزبير في تصريح لموقع “الحرة”، إن فرص نجاح التكتل الجديد “قائمة”، خاصة أنه “يبتعد عن التخاصم الحاضر بين المغرب والجزائر” اللتان تسعيان لقيادة وإدارة المنطقة بحسب أجندتيهما الخاصة”.
وتشهد العلاقات بين الجارتين الجزائر والمغرب توترات متلاحقة، منذ 40 سنة بسبب النزاع حول الصحراء الغربية التي تعتبرها الرباط جزءا لا يتجزأ من أراضيها وتقترح حكما ذاتيا لإدارتها، بينما تدعم الجزائر جبهة البوليساريو التي تطالب باستفتاء لتقرير مصيرها.
في هذا الجانب، يقول الزبير “عدم تواجد الدولتين معا يمكن أن يكون عاملا لنجاحه”، شريطة أن تعطى رسائل وتطمينات للطرف الآخر وفي هذه الحالة المغرب، بأن التحالف الجديد “ليس ضدها وليس استهدافها” حتى لا تظهر خلافات جديدة.
مواقف ليبيا وموريتانيا
وبعد أقل من 24 ساعة على عقد الاجتماع التشاوري بتونس، استقبل وزير الشؤون الخارجية المغربي، ناصر بوريطة، الثلاثاء بالرباط، مبعوث رئيس المجلس الرئاسي الليبي، سامي المنفي، حاملا رسالة خطية إلى الملك محمد السادس، من شقيقه محمد المنفي.
وحضر اللقاء أيضا القائم بأعمال السفارة الليبية بالمغرب، أبو بكر إبراهيم الطويل، والذي قال إن هذه الزيارة “تأتي لتؤكد تميز العلاقات الأخوية التي تربط بين ليبيا والمغرب”.
وأضاف المسؤول الليبي، أن الزيارة تندرج أيضا في إطار الجهود الرامية إلى تعزيز اتحاد المغرب العربي من أجل تحقيق تطلعات شعوب المنطقة لمزيد من الاستقرار والازدهار، مبرزا الدور الفعال الذي يضطلع به المغرب لصالح الاندماج المغاربي، حسبما نقلته وكالة الأنباء المغربية.
وذكرت هذه الأخيرة، أن مصدرا مقربا من المجلس الرئاسي الليبي “كان قد رفض، مؤخرا، جملة وتفصيلا، كل محاولة تروم إلى خلق إطار بديل يحل محل اتحاد المغرب العربي، مشددا على الحاجة الملحة لتعزيز هذه المجموعة الإقليمية، التي أرست أسسها بلدان المنطقة الخمسة في مراكش سنة 1989”.
وعلاقة بزيارة المبعوث الليبي إلى المغرب، يقول المحلل السياسي الليبي، بلاده تريد أن تبعث برسالة تطمينية إلى الرباط، بأن التكتل ليس موجها ضدها، وأن طرابلس لا تريد أن تكون طرفا في الصراع بينها وبين الجزائر، خاصة في ظل الجهود الكبيرة التي يقوم بها الجانب المغربي من أجل حلحلة الأزمة الليبية.
وإلى جانب المغرب، غاب البلد المغاربي الآخر، موريتانيا عن التكتل الثلاثي الجديد، وهو ما أرجعه متابعون رغبة من نواكشوط في تبني “الحياد”، ونأيا بنفسها عن الأزمة بين البلدين اللذين تجمعهما معها روابط اقتصادية وسياسية وأمنية مؤثرة.
المحلل السياسي الموريتاني، عبد الله أسلم، يرى أن بلاده “تفضل الابتعاد عن التكتلات الإقليمية في الظروف الراهنة”، فيما تذهب نحو تقوية العلاقات الثنائية المباشرة مع كل البلدان.
ويؤكد أسلم في تصريح سابق لموقع “الحرة”، أن سياسة موريتانيا “قائمة على الحياد فيما يتعلق بالخلافات بين الأشقاء”، وفي المقابل تجمعها “علاقات قوية مع كل دول الجوار، وبالتالي فهي “تبتعد عن كل المشكلات المرتبطة بملفات المنطقة”.
وبعد الاجتماع الذي عقد في مارس الماضي، قالت الرئاسة الجزائرية، إن تبون أجرى مكالمة هاتفية مع الرئيس الموريتاني ولد الشيخ الغزواني، أطلعه فيها على “اللقاء المغاربي الثلاثي الذي جمع رؤساء كل من الجزائر تونس وليبيا”، مضيفا أنه بحث معه أيضا “مسائل وقضايا راهنة، ذات طابع إفريقي”.
وفي سياق مرتبط، يوضح المحلل الموريتاني، أن سبب غياب بلاده عن التكتل المعلن، قد يكون أن للجزائر وتونس وليبيا رؤية بأن مشروعها الجديد مبني على القرب الجغرافي وتقاسم البلدان الثلاثة لحدود برية، منا يمكن أن يعطي حياة جديدة للاتحاد ويعالج قضاياها الملحة بعيدا عنه.
ويوضح، أن التكتل الجديد لا يعني بالضرورة “أنه بديل عن اتحاد المغرب العربي الذي يبقى مؤسسة تحتاجها البلدان المغاربية، لتحقيق التكامل المنشود منذ عقود”.