تسعى السلطات الأوكرانية المختصة إلى التقليل من تداعيات الحرب على تلاميذ المدارس، خاصة وأن أولئك الطلاب عانوا من عزلة كبيرة بسبب جائحة فيروس كورونا، والتي سبقت الغزو الروسي الشامل الذي شنته قوات الكرملين على جارتها الغربية قبل عامين.
وبحسب تقرير نشرته صحيفة “فاينانشال تايمز” البريطانية، فإن حوالي نصف الأطفال في سن الدراسة بأوكرانيا، البالغ عددهم 4.1 مليون طفل، يحضرون الفصول الدراسية شخصيا، وفقا لوزارة التعليم.
ومع عدم وجود علامات تذكر على أي نهاية للحرب التي دخلت عامها الثالث، فإن التأثير على الأطفال والمراهقين في البلاد شديد بالفعل بما يكفي لإحداث آثار طويلة الأمد، طبقا لتقرير الصحيفة.
وأشارت وزارة التعليم الأوكرانية إلى أنه جرى تسجيل ما يقرب من مليون تلميذ للدراسة عن بعد من داخل وخارج البلاد، في حين أن مليون طالب يجمعون بين الدارسة العادية والافتراضية.
وبالنسبة لمعظم الأطفال فقد حرمهم إغلاق المدارس أثناء الحرب من الحياة المدرسية العادية، ومن فرصة تكوين صداقات والتفاعل مع المعلمين، بينما يشعر أولئك الذين فروا إلى الخارج بالانفصال عن أصدقائهم وعائلاتهم.
“تعدّ ولا تحصى”.. دروس تعلمها البنتاغون من الحرب على أوكرانيا
تتم الحرب في أوكرانيا، السبت، عامها الثاني، والتي تسببت في نزوح أكثر من أربعة ملايين شخص، ولجوء أكثر من ستة ملايين آخرين خارج البلاد، فيما أصبحت البنية التحتية خرابا.
وأما أولئك التلاميذ الذين ما زالوا في أوكرانيا فيكونون في كثير من الأحيان عالقين مع آبائهم الذين يبقونهم في المنزل خوفا من الهجمات الصاروخية، في حين يعيش الأطفال الذين يقيمون في الأراضي المحتلة حالة من الخوف المستمر بسبب أساليب القمع الروسية.
وذكرت وزارة التعليم في كييف إن ما يزيد قليلا عن 67 ألف طفل في الأراضي التي تحتلها روسيا مسجلون فعليا في المدارس الأوكرانية.
وأكثر الأطفال تضررا الذين تتراوح أعمارهم بين 10 و11 عاما، ويقيمون في مناطق الخطوط الأمامية، إذ إن معظمهم التحق بالمدارس العادية لبضعة أشهر فقط قبل تفشي وباء كوفيد-19، وما أن انتهت عمليات الإغلاق حتى بدأت الدبابات الروسية بغزو أراضيهم في 24 فبراير من 2022.
وفي هذا الصدد، قال نائب وزير المدارس الأوكرانية، أندريه ستاشكيف، إن الأطفال الأوكرانيين تعرضوا لتراجع كبير في مهارات القراءة والكتابة.
قريبا.. جنود أوكرانيون يتمكنون من إنجاب أطفال “بعد الوفاة”
حينما حاولت الأوكرانية ناتاليا أنتونينكو استخدام “الحيوانات المنوية” المجمدة لزوجها من أجل إنجاب طفل آخر مع ابنتهما فيتالينا، فوجئت بأن القانون في بلادها يمنع ذلك بعد وفاة زوجها في أرض المعركة ضد روسيا.
وأضاف أن التوتر والعزلة ازدادا، حيث يعيش التلاميذ حياة “الغارات الجوية والملاجئ والتعلم عن بعد ونقص التواصل مع أقرانهم بسبب الحرب”.
“مدرسة المترو”
وتتعرض مدينة خاركيف، الواقعة في شمال شرق البلاد، لقصف مستمر منذ أن شنت روسيا غزوها الشامل، حيث تزايدت حدة القصف في الأشهر الأخيرة.
وفي الفترة من فبراير إلى مايو 2022، فرضت القوات الروسية حصارا على المدينة لكنها فشلت في الاستيلاء عليها، إذ أدى الهجوم المضاد الأوكراني الناجح في وقت لاحق من ذلك العام إلى دفع القوات الغازية إلى التراجع.
ولكن مع وجود الحدود الروسية على بعد 30 كيلومترا فقط، يمكن للصواريخ والقذائف والطائرات بدون طيار أن تضرب في غضون دقائق العديد من الأهداف المدنية في خاركيف.
وبناء على ذلك، فقد جرى إنشاء فصول دراسية في أسفل محطات مترو أنفاق سابق مكسو بالرخام في خاركيف، وذلك على عمق أكثر من 10 أمتار تحت الأرض.
زيلينسكي: إغلاق الحدود البولندية يظهر تآكل التضامن
ندد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الاثنين بإغلاق الحدود البولندية من جانب سائقي شاحنات ومزارعين، فيما حذر مسؤولون من أن هذا التحرك يهدد أمن أوكرانيا التي تستمر في مواجهة الغزو الروسي.
ويمكن لتلك المنشاة، بحسب خبراء عسكريين، أن تصمد بسبب عمقها، ولذلك تعتبر مديرة التعليم في المدينة، إيرينا تاراسينكو، “مدرسة المترو” المكان الأكثر أمانا للطلاب.
وقالت المعلمة أناستاسيا بروفوتوروفا، إنه تحت الضوء الاصطناعي، يبدأ الأطفال كل يوم دراسي من خلال الوقوف دقيقة صمت على مستوى البلاد في الساعة التاسعة صباحا حدادا على أرواح ضحايا الحرب، يليها النشيد الوطني وبعض التمارين الرياضية الخفيفة.
وزادت: “نحن لا نركز على ما يحدث، ونحاول عدم الكلام مع الأطفال بشأن هذا الموضوع.. وعندما يبدؤون الحديث عن الحرب فيما بينهم، نحاول التخفيف من حدة الأمر”.
وقالت الطفلة، أوليفيا، البالغة من العمر 6 سنوات، والتي عاشت في خاركيف طوال فترة الحرب، إنها تحب قواعد النحو، لافتة إلى أنها تريد أن تصبح كاتبة عندما تكبر.
وفي الجزء الخلفي من الفصل الدراسي، تجلس عالمة نفس الأطفال، إينا هوميتش، في مكتبها، موضحة أن الصغار غالبا ما يشعرون بالقلق ويواجهون صعوبة في التركيز.
وتابعت: “أنهم يمتصون قلق جميع البالغين من حولهم.. لقد أصبح التبول في السرير ورؤية الأحلام السيئة أمرا منتشرا بينهم”.
وفي منطقة إيفانيفسكي المحتلة، الواقعة بالقرب من مدينة باخموت التي خسرتها القوات الروسية في العام الماضي، قالت مديرة مدرسة قروية تدعى، أولها كوزاتشينكو، إنه من بين 120 تلميذا كانوا يأتون إلى مدرستها قبل الحرب، لا يزال 116 تلميذا يدرسون عن بعد من جميع أنحاء أوكرانيا وخارجها.
وأكدت كوزاتشينكو التي فرت إلى منطقة بولتافا بوسط شرق أوكرانيا، أنها فخورة بأن جميع معلميها ما زالوا يقدمون الدروس عبر الإنترنت.
وأردفت: “نبدأ كل اجتماع للمعلمين بالقول: كيف نحب بعضنا البعض، ونفس الأمر مع الأطفال”، لافتة إلى أنه ومنذ الغزو، لم يفوت الأطفال أي دروس تقريبًا وأنهم ما زالوا يشاركون في المسابقات الوطنية.
ولكن مع دخول أوكرانيا عامها الثالث من الحرب، تعاني مواردها المالية العامة من ضيق، إذ قال مدير مدرسة – لم يفصح عن هويته – إنه يخشى أن يتم حل المدارس الافتراضية وتسريح معلميها بسبب نقص الأموال.
وأضاف: “إيقاف شريان الحياة هذا سيكون مثل التخلي عنهم”.
وفي الوقت الحالي، لا تزال كييف تدفع للمعلمين الذين رفضوا الالتحاق بالمدارس التي تديرها روسيا.
وقالت السلطات في كييف إن التعليم والتعلم عبر الإنترنت وميزانيات رواتب المعلمين، بما في ذلك المعلمين من المناطق المحتلة، تظل الأولوية الثانية بعد الدفاع.
ولكن كان هناك تفضيل لاستبدال المدارس الافتراضية بالمدارس العادية، وذلك بحسب ستاشكيف، الذي قال: “كل المؤشرات تشير إلى أن التعلم عن بعد له تأثير سلبي”.
وتابع: “لهذا السبب نحاول إقناع الأطفال الذين يعيشون في المناطق التي تكون فيها المدارس مفتوحة بالالتحاق بالمدارس”.