خلال اجتماع الكتلة البرلمانية لحزبه الحاكم رفع الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، الأربعاء، سقف التصعيد ضد إسرائيل، واصفا حماس بـ”حركة التحرير” وأنه لا فرق بينها وبين “القوات الوطنية التركية إبان حرب الاستقلال”.
وبعدما قال إنه مستعدٌ لدفع “ثمن هذا الموقف” كشف أنه سيلتقي رئيس المكتب السياسي لحماس إسماعيل هنية في تركيا، ورجحت وسائل إعلام مقربة من الحكومة أن يصل الأخير إلى إسطنبول يوم السبت المقبل.
لا يعتبر التصعيد التركي تجاه إسرائيل بسبب حربها في غزة جديدا، لكنه يبدو مختلفا الآن من الزاوية المتعلقة بدرجة الحدة والتطورات التي تزامنت معها كلمات إردوغان، والمرتبطة بالمواجهة بين إسرائيل وإيران.
ويختلف أيضا بالحركة الدبلوماسية النشطة التي تمثلت بزيارة وزير خارجية تركيا، حقان فيدان إلى قطر، حيث التقى بهنية ومسؤولين في الدوحة، وعبّر عن موقف أنقرة إزاء ما يجري في المنطقة، بعدة اتجاهات.
فيدان تطرق خلال لقائه مع مسؤولي حماس وقطر إلى التصعيد الحاصل بين إيران وإسرائيل، والحرب التي تواصلها الأخيرة في قطاع غزة، والمستمرة منذ السابع من أكتوبر.
وبينما قال إن “نتانياهو يحاول إدخال منطقتنا إلى الحرب من أجل البقاء في السلطة” أشار إلى أن قادة حماس أخبروه بأنهم “يقبلون بإقامة دولة فلسطينية ضمن حدود عام 1967”.
وأخبروه أيضا حسبما نقلت وكالة الأناضول أنه “بعد إقامة الدولة الفلسطينية، لن تحتاج حماس إلى جناح مسلح، وسيواصلون حياتهم كحزب سياسي”.
ماذا وراء الموقف التركي؟
في معرض حديث فيدان للصحفيين في الدوحة كانت كلماته تسير باتجاهين.
الأول ألمح من خلاله بشكل غير مباشر إلى الأيام الأولى للحرب في غزة، والموقف الذي أكدوا عليه للعب دور “الوسيط” والضامن.
وركز في الثاني على المواجهة الحاصلة بين إسرائيل وإيران، معتبرا أن ما حصل الأسبوع الماضي (الرد الإيراني على إسرائيل) أظهر للجميع أن احتمال نشوب حرب تشمل دولا من خارج المنطقة ليس بعيدا جدا.
وبالنسبة للرئيس التركي إردوغان كان حديثه عن حماس كـ”حركة تحرر وطني” جاء ضمن سياق مرتبط بقضايا البلاد الداخلية والخارجية.
ويعتبر الباحث في الشأن التركي، محمود علوش أن كلماته “أكدت المؤكد في نظرة تركيا إلى حركة حماس”.
ومع ذلك يقول علوش لموقع “الحرة” إن “(إردوغان) يحرص منذ اندلاع الحرب في غزة على تغليب هذه النظرة على العوامل الأخرى الأكثر أهمية التي تشكل الموقف التركي”.
داخليا يوضح الباحث أن النهج المستجد للرئيس التركي إلى جانب الإجراءات الاقتصادية الأخيرة ضد إسرائيل “مصممان لاحتواء النقمة بين المحافظين على حقيقة أن أنقرة لا تزال حريصة على تجنب انهيار كامل في العلاقات مع تل أبيب”.
أما خارجيا فيشير علوش إلى أن الرئيس التركي “يسعى لتعزيز مكانة تركيا لدى حماس بما يُساعدها في التحول إلى وسيط رئيسي في مفاوضات إنهاء الحرب، وضمان دور أكثر فعالية في القضية الفلسطينية”.
ومنذ بدء الحرب وما خلفتها من تداعيات أعلنت أنقرة صراحة مسارات انخراطها في القضية.
وحددتها بثلاثة أمور: مواصلة تقديم المساعدات، لعب دور بإعادة الإعمار بمساعدة المجتمع الدولي، لعب دور الضامن السياسي، كما يستعرضها الدكتور ماجد عزام وهو باحث فلسطيني في الشؤون الاستراتيجية.
ويوضح لموقع “الحرة” أن الموقف التصعيدي الجديد من الطرف التركي يرتبط بعدة أسباب، آخرها رفض إسرائيل انخراط تركيا في عمليات إسقاط المساعدات جوا على غزة.
ويتعلق الثاني بشعور تركيا بمحاولات إبعادها عن الملف الفلسطيني، سواء من الناحية السياسية أو الممر البحري وإلقاء المساعدات.
كما تشعر أنقرة أيضا بوجود ضغوط على قطر فيما يتعلق بالمفاوضات بين حماس وإسرائيل، وهو الأمر الذي ألمحت إليه الأخيرة.
وبينما لم يستبعد الباحث عزام وجود ضغوط داخلية فرضتها أحزاب محافظة خلال فترة انتخابات البلديات في تركيا بشأن العلاقة القائمة مع إسرائيل اعتبر أنها لا تشكل السبب الرئيس لرفع السقف التركي، كما أبداه إردوغان.
ماذا عن “الوساطة”؟
وكانت الحرب في غزة قد لعبت دورا في خسارة الحزب الحاكم في تركيا “العدالة والتنمية” للكثير من الأصوات المحافظة، وأقر الرئيس التركي بذلك ووضعه سببا من بين مجموعة أسباب.
ولعبت أحزاب محافظة داخل البلاد دورا في ذلك، من خلال إطلاقها حملات انتقدت فيها طريقة تعاطي حكومة الرئيس التركي مع إسرائيل، رغم مواصلة الأخيرة لحربها.
ومع ذلك، يرى خبراء ومراقبون أن السقف التصعيدي وازدياد درجة مهاجمة إسرائيل من جانب تركيا وبالأخص من إردوغان تتعلق بمسارات أبعد من الداخل.
وبينما وضع البعض منهم تلك المسارات بمساعي تركيا للعب دور الوسيط في المرحلة المقبلة استبعد آخرون ذلك، لعدة أسباب.
ويعتقد أستاذ العلاقات الدولية، الدكتور سمير صالحة أنه لا يمكن التوصل لاستنتاج أن تركيا تسعى للعب “الوساطة” من جديد في الوقت الحالي.
ويقول لموقع “الحرة” إن “القناعة التركية تفيد بأن الجانب الإسرائيلي أفشل في مطلع أكتوبر الماضي خطط الوساطة المباشرة، التي عرضت لعبها بين تل أبيب وبين القيادات الفلسطينية”.
بعد ذلك عرضت تركيا خطة “الدول الضامنة”، وهو ما قوبل أيضا بمعارضة من إسرائيل، حسب صالحة.
ومن ثم عرقلت إسرائيل “تحرك تركيا العربي الإسلامي المشترك لصياغة تفاهمات جديدة فيما يتعلق بما يجري في غزة”، وفق ذات المتحدث.
ويتابع صالحة أن “آخر العراقيل كان رفض تل أبيب مشاركة الطائرات التركية في عملية إيصال المساعدات لقطاع غزة”.
وتشي هذه المؤشرات الأربعة بأنه ولأكثر من سبب “نرى تباعدا كبيرا بين إسرائيل وتركيا، وهو ما يبعد أية بوادر لدخول أنقرة على خط الوساطة”، حسب أستاذ العلاقات الدولية.
ويعتقد الباحث علوش أن النهج الحالي التركي “لا يُزعج الأميركيين بالضرورة طالما أنه لا يتجاوز حدود الموقف السياسي، ويخلق وسائل تأثير أخرى على حماس للتوصل إلى تسوية لإنهاء الحرب”.
وفي المحصلة، يقول إن “الموقف التركي من حماس يخدم الاتجاهات الأساسية للسياسة الثابتة للسياسة التركية في الصراع”.
وهذه الاتجاهات هي مجموعة من الأهداف على رأسها “تعزيز دور تركيا في القضية الفلسطينية والحفاظ على هامش يساعد تركيا في تجنب انهيار جديد في العلاقات مع إسرائيل”، حسب الباحث.
“توتر بالتدريج”
في بدايات الحرب في غزة التزم المسؤولون الأتراك بالتأكيد على نية تركيا لعب دور الوسيط والضامن، لكن ومع تصاعد الأحداث بدأوا يخرجون عن الخط، مستخدمين لغة أشد قساوة ضد إسرائيل.
ولأكثر من مرة رفض إردوغان وصف حماس بـ”داعش”، وقبل أن يعتبرها حركة “تحرر وطني” قال إنها “حركة مقاومة”، بينما شبه في إحدى المرات رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو بـ”هتلر”.
وأشعلت تلك الأوصاف غضب المسؤولين الإسرائيليين، ودفعتهم لسحب سفيرهم من أنقرة، والرد على المسؤولين الأتراك بكلمات هجومية.
ووصلت الأمور مؤخرا إلى القول بإن “إردوغان يخاطر بمستقبل بلاده اقتصاديا”، وذلك ردا على القيود التي فرضتها وزارة التجارة التركية، ومنعت من خلالها تصدير 54 منتجا إلى إسرائيل.
ويرى أستاذ العلاقات الدولية صالحة أن ما سمعناه عن لسان إردوغان “يؤكد وجود تباعد كبير بين تركيا وإسرائيل”.
ويقول إن “التصعيد بدأ ينتقل إلى مرحلة أصعد وأعقد”، مضيفا: “عندما نسمع القيادات في إسرائيل يدعون العواصم الغربية للوقوف بجانبها لمواجهة السياسات التركية يعني أنه لا يوجد مؤشر باتجاه التهدئة”.
صالحة يرى أن التصعيد والتوتر سينعكس على ملفات شرق المتوسط ونقل الغاز لأوروبا ومواضيع أخرى بينها جنوب القوقاز.
ويضع تصعيد إردوغان من جانب آخر ضمن سياق “توجيه الرسائل للغرب والولايات المتحدة الأميركية بالتحديد”.
ومن جهته يعتبر الباحث عزام أن “ارتفاع سقف الموقف التركي يتلاءم مع تطورات الحرب في غزة”.
ويؤكد أنه “مرتبط بالأسس التي تقف عليها تركيا اتجاه القضية الفلسطينية منذ عقود”.
“بين إسرائيل وإيران”
ويسود ترقب في الوقت الحالي حول ماهية الرد الذي تهدد بتنفيذه إسرائيل ضد إيران، ردا على الهجوم الذي نفذته الأخيرة يوم السبت الفائت.
إضافة إلى ما سيؤول إليه ملف المفاوضات بين إسرائيل وحركة حماس، بعد الموقف الذي أعلنته قطر، يوم الأربعاء، بقولها إنها بصدد “تقييم دور الوساطة” الذي تؤديه منذ أشهر بين إسرائيل وحماس.
وكان اسم تركيا قد تردد ضمن حالة التصعيد التي تلت هجوم إيران ضد إسرائيل، وقبله أيضا.
وذكرت وكالات ووسائل إعلام أميركية أن واشنطن أخطرت طهران عبر أنقرة بأن عمليتها يجب أن تكون “ضمن حدود معينة”.
ويقول الباحث علوش إنه وعلى غرار دول المنطقة تجنبت تركيا التنديد أو التأييد بالهجمات الإيرانية على إسرائيل. ومع ذلك، كان موقفها متقدم نسبيا في المنطقة من خلال تحميل إسرائيل مسؤولية التصعيد.
ويرى الباحث أن هناك عدة أسباب دفعت تركيا لتبني الموقف المذكور.
الأول أنها أرادت تذكير العالم بأن الحرب على غزة هي السبب الجوهري للتصعيد الإيراني وعلى مستوى الإقليم.
وسعت ثانيا إلى تعزيز أهميتها بالنسبة لإيران كطرف فعال في دبلوماسية القنوات الخلفية بين طهران وواشنطن من أجل الحد من تدهور الصراع.
ويخدم الوضع المذكور واشنطن، لأنها بحاجة لتعزيز القنوات الدبلوماسية مع إيران في هذه الفترة الحرجة، حسب علوش.
ويرتبط السبب الثالث بمحاولة تركيا إيجاد تموضع لها في الصراع لا يستفز إيران ولا يجعلها طرفا في حال تطورت الحرب مباشرة.
ويعتقد الباحث أن “استشعار تركيا مخاطر نشوب حرب إقليمية دفعها مع بقية الدول المعنية بالاستقرار الإقليمي للعمل على منع انفجار الصراع الإسرائيلي الإيراني، وعدم خروجه عن السيطرة”.