واشنطن- مثّل إعلان الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله أن لدى الحزب أسلحة جديدة وقدرات استخبارية يمكن أن تساعده على استهداف مواقع أكثر أهمية في عمق إسرائيل إذا نشبت حرب شاملة، خطوة أخرى على سلم التصعيد المستمر بين الطرفين.
وجاءت تصريحات نصر الله أمس في وقت يبدو فيه أن الصراع عبر الحدود المستمر منذ أشهر بين حزب الله وإسرائيل وصل إلى نقطة غليان جديدة، وذلك على الرغم من اجتماعات عقدها مبعوث البيت الأبيض للبنان عاموس هوكشتين، في القدس وبيروت خلال اليومين الماضيين في محاولة أميركية لنزع فتيل صراع لا ترغب واشنطن في اندلاعه.
وتأتي المساعي الدبلوماسية الأميركية بعد أن أسفرت غارة إسرائيلية الأسبوع الماضي في جنوبي لبنان عن مقتل القيادي في حزب الله طالب سامي عبد الله. وردّت الحركة بإطلاق مئات الصواريخ والطائرات المسيرة على إسرائيل على مدى 3 أيام.
وأعقب ذلك إعلان موافقة الجيش الإسرائيلي على خطة لهجوم محتمل على لبنان، وتزامن ذلك مع بث حزب الله فيديو التقطته طائرة مسيرة من فوق مدينة حيفا، وعرض لمواقع عسكرية وبنية تحتية حيوية لإحدى أكبر مدن إسرائيل.
أهداف أميركية لم تتغير
منذ اللحظات الأولى لعملية طوفان الأقصى، ركزت واشنطن اهتمامها على منع توسيع رقعة النزاع بين إسرائيل وحركة المقاومة الإسلامية (حماس) إلى خارج قطاع غزة. ونشرت إدارة الرئيس جو بايدن سفنا حربية، وحاملات طائرات، وطائرات مقاتلة في شرق البحر المتوسط، كرسالة تحذير صارمة إلى إيران وحلفائها في المنطقة وعلى رأسهم حزب الله اللبناني، من مغبة التدخل ضد إسرائيل.
وجاء وصول عاموس هوكشتين إلى إسرائيل ولبنان هذا الأسبوع ليعكس تزايد مخاوف واشنطن بشأن التصعيد على الحدود، في ظل استمرار العمليات المتبادلة بين حزب الله وإسرائيل منذ 8 أشهر.
وفي الأسبوع الماضي، زار قائد الجيش اللبناني جوزيف عون البنتاغون لأول مرة منذ أكثر من عامين، وكان ضمن جدول أعماله مناقشة التوترات المتصاعدة مع إسرائيل. كذلك تحدث وزير الدفاع لويد أوستن هاتفيا مع نظيره الإسرائيلي، يوآف غالانت، لمناقشة الجهود المبذولة لتهدئة التوترات، حسبما أعلن البنتاغون.
ويشارك هوكشتين في محادثات غير مباشرة مع حزب الله، حيث يعمل نبيه بري، رئيس البرلمان اللبناني، كوسيط، في محاولة للتوصل لاتفاق مبدئي لإنهاء الأعمال العدائية يكون مشروطا بوقف إطلاق النار في غزة.
تشكيك أميركي
مثّلت زيارة المبعوث الأميركي هوكشتين خطوة أميركية متجددة سعيا لتفادي صراع إقليمي أوسع نطاقا، ولتجنب صراع من شأنه أن يُعقّد محاولة الرئيس بايدن لإعادة انتخابه في وقت لاحق من هذا العام.
وقال هوكشتين للصحفيين يوم الثلاثاء في لبنان “لقد شهدنا تصعيدا خلال الأسابيع القليلة الماضية، وما يريد الرئيس بايدن القيام به هو تجنب المزيد من التصعيد إلى حرب أكبر”.
وتشكك الدوائر السياسية بواشنطن في قدرة المبعوث الأميركي على كبح جماح التصعيد المتزايد عن توسيع رقعة القتال بين حزب الله والجيش الإسرائيلي. وتخشى واشنطن من أن يتبع اتساع القتال تدخل إيران للدفاع ومساندة حزب الله، وهو ما سيستدعى تدخل واشنطن لجانب إسرائيل إذا وجدت نفسها في مواجهة مسلحة كبيرة على الجبهة الشمالية. وعلى هذا النحو، فإن الساحة مهيأة حاليا لحرب بين إسرائيل وحزب الله يمكن أن تنزلق إليها واشنطن.
وفي الوقت الذي يكرر فيه أركان إدارة بايدن أن واشنطن لن تسمح لإيران ووكلائها بالنجاح، قال مستشار الأمن القومي جيك سوليفان مؤخرا إن “حزب الله يشن هجمات كل يوم، ونحن نعمل مع إسرائيل وشركاء آخرين على تأمين الحماية من هذه التهديدات ومنع التصعيد إلى حرب إقليمية شاملة، من خلال الاستخدام المدروس لكل من الدبلوماسية والردع وتعديلات وضع القوة، واستخدام القوة عند الضرورة لحماية شعبنا والدفاع عن مصالحنا وحلفائنا”.
من ناحية أخرى، هاجم أنصار إسرائيل في واشنطن جهود إدارة بايدن للتهدئة، واعتبروها بمثابة مكافأة للتصعيد من جانب حزب الله.
وعن قراءته للتطورات على جبهة إسرائيل الشمالية، قال الباحث بمعهد الشرق الأوسط بواشنطن فراس مقصد، “إذا لم تتمكن دبلوماسية هوكشتين من وقف إطلاق حزب الله للصواريخ، فقد يشعر نتنياهو بأنه مضطر للقيام بعملية عسكرية كبرى في عمق الأراضي اللبنانية”.
اتهامات لبايدن
قبل أيام، زار وفد من سكان شمال إسرائيل، الذين تم إجلاء العديد منهم من منازلهم أو ممن يواجهون تهديدات مستمرة من صواريخ ومسيرات حزب الله، واشنطن في محاولة لتسليط الضوء على النزوح المستمر وعدم الاستقرار الذي يواجهونه، والتهديد الذي يلوح في الأفق على الحدود الشمالية لإسرائيل.
وعبر السفير الإسرائيلي السابق لدى الولايات المتحدة مايكل أورين، الذي رتب الرحلة من خلال منظمة أسسها بعد هجمات السابع من أكتوبر، وتعرف باسم “مجموعة الدفاع عن إسرائيل”، عن أمله في أن يتمكن الوفد من رفع مستوى أهمية الأحداث في شمالي إسرائيل ولفت الانتباه إليها بشكل أكبر، وهو أمر قال إن القليل من الأميركيين على دراية به حاليا
وأضاف أورين “لقد تُرك عشرات الآلاف من الأشخاص بلا مأوى لمدة 8 أشهر حتى الآن، تحت نيران الصواريخ المستمرة، وأضرِمت النيران في أجزاء كبيرة من الجليل، وقتل وجرح عشرات الأشخاص، ويحتمل نشوب صراع أكبر بكثير من ذلك الذي كان مستعرا في الجنوب”.
وكان نصر الله قد حذر في خطابه إسرائيل من أنه “لا يوجد مكان في البلاد آمن من صواريخنا”، وجاء الخطاب بعد يوم من بث فيديو مدينة حيفا. ودفع ذلك الرئيس التنفيذي لمؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات مارك دوبويتز، ليقول إنه “طبقا لقواعد الاشتباك غير المكتوبة بين إسرائيل وحزب الله، فإن مهاجمة حيفا هي خط أحمر، إذا تم تجاوزه، يمكن أن يؤدي إلى حرب شاملة. المدينة ذات أهمية حيوية عسكريا وتجاريا، وبالنظر إلى مصافي النفط ضعيفة التأمين، يعد أي هجوم ذا خطورة بيئية على الأمن القومي الإسرائيلي”.