كشف تقرير لصحيفة نيويورك تايمز، الأربعاء، ضلوع شركة تركية في أزمة سدي درنة الليبية، اللذين تسبب دمارهما في موت وفقدان الآلاف.
واستهلت الصحيفة تقريرها بالقول إن “السبب وراء عدم إصلاح السدود على الرغم من التحذيرات المتكررة هو المفتاح لفهم الكارثة التي دمرت مدينة عريقة وألحقت الضرر بالبلد”.
ثم تابعت “فهم ذلك، سيوصل إلى قلب الخلل الوظيفي والفساد الذي استهلك ليبيا منذ أطاح الثوار بالعقيد القذافي”.
دور شركة “أرسيل”
لسنوات، كان السدان القديمان يتوسطان مدينة درنة الليبية، وكانا مليئين بالصدوع والشقوق، ما هدد لعقود الأشخاص الذين يعيشون على ضفاف الوادي.
في نهاية المطاف، قامت الحكومة الليبية، خلال عهد القذافي، بتعيين شركة تركية تدعى Arsel Construction، لتحديث السدود وبناء سدود جديدة.
تقول شركة “أرسيل” على موقعها على الإنترنت، إن العمل اكتمل في السدين عام 2012.
<
لو فعلا انت صادق، افتح تحقيق في شركة Arsel Construction Company pic.twitter.com/nGijTtQaym
— Osama Shahumi (@osamashahumi) September 19, 2023
وبحلول ذلك الوقت، كانت الحكومة الليبية قد دفعت ملايين الدولارات للمقاول التركي مقابل الأعمال الأولية، وفقًا لتقييم حكومي مؤرخ في عام 2011.
وقال التقييم إنه لم يتم إصلاح أي من السدين على الإطلاق، ولم يتم إنشاء سد ثالث أبدا.
وكانت الشركة التركية فازت بعقد إصلاح السدود في درنة في عام 2007، حيث وقعت صفقة بقيمة 30.1 مليون دولار مع هيئة المياه الليبية، لكنها غادرت البلاد بعد أربعة أعوام.
وعندما اندلعت الثورة ضد القذافي في عام 2011، تخلت الشركات الأجنبية بما في ذلك شركة “أرسيل” عن العمل في المشاريع الليبية، وذهبت دون رجعة.
إثر ذلك، نهب متمردون مواقع شركة “أرسيل” الستة في ليبيا، مما تسبب في خسائر بقيمة 5 ملايين دولار، حسبما صرحت الشركة لمنفذ إخباري تركي في ذلك الوقت، ولم تقدم سوى القليل من التفاصيل.
وقبل نحو أسبوعين، عندما ضربت العاصفة درنة ، انهار سدان من تلك السدود، وانهارت معهما المياه من الوادي، ما أدى إلى سقوط جزء كبير من بنايات درنة في البحر ومقتل ما لا يقل عن 4000 شخص، بينما لا يزال أكثر من 8000 آخرين في عداد المفقودين.
هذه الحادثة أثارت عدة تساؤلات، وفق الصحيفة، التي سلطت الضوء على الشركة التركية في سياق بحثها عن الأسباب التقنية وراء الكارثة.
تفاصيل “الهروب”
بدأ مشروع السد في عام 2010، وفقًا لتقييم الحكومة لعام 2011 الذي استعرضته صحيفة نيويورك تايمز.
وبحلول الأول من فبراير 2011، أي قبل الانتفاضة مباشرة، كان المشروع قد أدار فقط “الاستعدادات العامة وأعمال الحفر”، حسبما جاء في التقييم، حيث لم يتم صب أي خرسانة أو أسفلت ولم يتم مد أي أنابيب.
في المقابل، تظهر الوثيقة أن ليبيا دفعت بالفعل نحو 6 ملايين دولار.
وقال ممثلو الادعاء الليبيون إن مسؤولي سلطة المياه أرسلوا لشركة “أرسيل” دفعات أخرى بعد سنوات، بعد توقف العمل نتيجة الانتفاضة، “على الرغم من وجود أدلة تثبت فشل الشركة في الوفاء بالتزاماتها التعاقدية”.
ولم يذكر حجم الأموال الإضافية التي تم دفعها، أو متى تم تحويل الأموال.
يذكر أن اثنين من المساهمين في شركة “أرسيل” شرعا في إجراءات تحكيمية ضد ليبيا، سعياً للحصول على تعويض عما قالا إنه “استيلاء على مشاريع الشركة”.
كان من المقرر أن تحصل “أرسيل” على 655.847 دولارًا أخرى في الوقت الذي توقف العمل، وفقًا لتقييم عام 2011.
ورفض مالك “أرسيل” أورهان أوزر، التعليق على ما جاء في المقال، حسبما تؤكد “نيويورك تايمز”.
كان لدى علي إبراهيم #دبيبة حساب واحد على الأقل في Credit Suisse خلال هذه الفترة.https://t.co/l7OzCFIKRB
— المشاي Al Mashai (@AbuAlmashai) September 24, 2023
في ذلك الوقت، كانت الهيئة المركزية للبنية التحتية التابعة للعقيد القذافي، وهي منظمة تطوير المراكز الإدارية، تتولى إدارة البنية التحتية العامة بأكملها تقريبًا، سواء كان اسمها مدرجًا في العقد أم لا.
وكان رئيسها علي الدبيبة، الذي اتهمه الادعاء الليبي فيما بعد بمنح العقود بشكل مشبوه لشركات تدفع له رشاوى، الكثير منها تركية. بينما قال ممثلو الادعاء إنه حصل على ما يصل إلى 7 مليارات دولار.
وعلي الدبيبة، هو عم رئيس حكومة الوحدة الوطنية، عبد الحميد الدبيبة، وفق “نيويورك تايمز”.
كان لدى “أرسيل” العديد من المشاريع الأخرى مع الهيئة المركزية الليبية للبنية التحتية، وفقًا لنسخة مؤرشفة من موقع “أرسيل” الإلكتروني “والتي تم حذفها بعد الفيضانات” حسب الصحيفة الأميركة.
ولم يتم الكشف عن اسم “أرسيل” علنًا مطلقًا فيما يتعلق بالتحقيق، الذي لم يحدد الشركات المحددة المعنية.
وتؤكد الصحيفة أن علي الدبيبة، قام بإيداع الأموال التي تحصل عليها في عشرات الحسابات المصرفية والعقارات الفاخرة حول العالم، وذلك وفقًا لتحقيق أجراه مشروع الإبلاغ عن الجريمة المنظمة والفساد، وهي شبكة إعلامية مستقلة.
ومن بين تلك الممتلكات، منازل بملايين الدولارات في اسكتلندا طلبت ليبيا من الشرطة الاسكتلندية التحقيق فيها.
لكن محاولات السلطات الليبية لمحاكمة الدبيبة بتهم الاختلاس لم تحقق أي نتيجة.
مثل كارثة درنة.. “شيخوخة السدود” خطر يهدد دولا أخرى
تم تسليط الأضواء، خلال الأيام الماضية، على قضية انهيار سدين في وادي درنة، الواقع في شرق ليبيا، نتيجة هطول أمطار غزيرة خلفتها العاصفة “دانيال” وهو ما تسبب في مقتل الآلاف وتدمير الممتلكات، ويوضح تقرير صدر عن مجلة “ساينتفيك أميركان” أن العديد من السدود حول العالم تواجه خطرا لا يقل ضراوة عما حدث في ليبيا، ويشمل دولا كبرى مثل الولايات المتحدة والصين
واستعاد الرجل شهرته لاحقا عبر ابن أخيه، عبد الحميد الدبيبة، الذي يتولى الآن رئاسة وزراء حكومة غرب ليبيا (حكومة الوحدة الوطنية)، المعترف بها من قبل الأمم المتحدة، منذ عام 2021.
وكان من المفترض أن تنتهي ولايته بإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية في ديسمبر 2021، لكن ذلك لم يحدث.
تقاعس السلطات الجديدة
من خلال ثورتهم على نظام القذافي، كان الليبيون يأملون في استبدال العقيد بقيادة أخرى تمنحهم الرخاء واختيار مسؤوليهم بطريقة ديمقراطية، لكنهم حصلوا على حكومتين متناحرتين، واحدة في الشرق وأخرى في الغرب.
يقول المحللون إنه على الرغم من أن الليبيين يطالبون باختيار قادتهم منذ سنوات، إلا أن المسؤولين أرجأوا إجراء الانتخابات لفترة طويلة، ما أدى إلى إثراء أنفسهم وعدم الاكتراث بهموم الشعب.
ومن المفترض أن تكفي احتياطيات النفط، التي تصنف بين أعلى 10 احتياطيات على مستوى العالم، احتياجات سكان ليبيا البالغ عددهم سبعة ملايين نسمة فقط، ومع ذلك فقد تدهورت الخدمات العامة والبنية التحتية الأساسية.
“هل نحن رخيصون إلى هذا الحد؟” يتساءل محمد حبيل، أحد سكان درنة، الذي فقد أطفاله الأربعة وزوجته ووالديه في الفيضانات.
وأضاف محمد (52 سنة) أن الكارثة “كانت بمثابة دعوة للاستيقاظ لجميع الليبيين بشأن حجم الأزمة التي نمر بها”.
ويحقق النائب العام الليبي في الكارثة، بينما تم اعتقال ثمانية مسؤولين، من بينهم رئيس بلدية درنة والعديد من الشخصيات الحالية والسابقة في هيئة المياه.
وقال ممثلو الادعاء إن المعتقلين يخضعون الآن للتحقيق بتهمة سوء الإدارة والإهمال والأخطاء التي ساهمت في وقوع الكارثة.
“لكن الليبيين ليس لديهم ثقة كبيرة في أن أي مسؤول سيخضع للمحاسبة” يقول تقرير الصحيفة.
وإذ يعود الفشل في صيانة سدود درنة إلى سنوات مضت، إلى عهد نظام القذافي، إلا أن النخب منذ ذلك الحين استفادت كثيرًا من الجمود السياسي، ولم تتمكن من تصحيح الوضع، كما يقول الخبراء.
محمد دوردة، المؤسس المشارك لشركة “ليبيا ديسك”، وهي شركة استشارية في مجال المخاطر، قال إن السياسيين الليبيين “احتجزوا البلاد لسنوات”.
وتابع “المرة الوحيدة التي يعملون فيها معًا هي التنسيق لإطالة أمد الصراع أو البقاء في السلطة أو تأجيل الانتخابات”.
في السياق، يؤكد تقرير عن الفساد في ليبيا من منظمة The Sentry، وهي منظمة غير ربحية مقرها واشنطن، تدهور البنية التحتية في جميع أنحاء البلاد، بما في ذلك سدود درنة”.
وتم بناء بعض البنى التحتية، لكن الاستثمارات التي تقوم بها كلتا الإدارتين (حكومتا الشرق والغرب) تميل إلى أن تكون عبارة عن رموز للتقدم فقط مثل الطرق أو الجسور التي قد لا تكون هناك حاجة إليها ولكنها تمنحها شيئًا لإظهاره لليبيين، وتساعد في ملء جيوب السلطات، كما قال وليد ماضي، وهو مهندس، عمل في البنية التحتية الليبية. لسنوات.
وقال ماضي “إنهم لا يقيمون أو يصممون أو يتخذون قرارًا بشأن مشاريع جديدة بناءً على احتياجات البلاد، ولكن بناءً على كيفية الاستفادة من هذه المشاريع.
ويعتمد العديد من الليبيين على المولدات والآبار الخاصة بهم للتعويض عن انقطاع التيار الكهربائي المنتظم ونقص المياه الجارية.
وحتى الكميات العادية من الأمطار يمكن أن تغمر طرابلس، العاصمة الغربية، ومدن أخرى.
“يهنئونك إذا وجدت الجثث”.. كيف محت كارثة درنة عائلات بأكملها؟
تسببت كارثة الفيضانات في مدينة درنة الليبية بمحو عائلات تمتد جذورها إلى قرون مضت، ويروي الناجون من المأساة قصصا مروعة للأحداث وكيف تغير المشهد تماما في المدينة، فيما قرر بعضهم مغادرتها هربا من مشاهد الموت والتدمير
وتعاني هيئة الأرصاد الجوية الليبية، التي أصدرت تحذيرات بشأن العاصفة التي ضربت درنة، ولكن ليس بشأن المخاطر التي تشكلها السدود، من نقص مزمن في التمويل، مما يجعلها تعاني من نقص في الموظفين وغير قادرة على إجراء الصيانة الأساسية للمعدات، حسبما قال بيتيري تالاس، الأمين العام للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية.
وفي درنة، قال مراجعو الحسابات الحكوميون في طرابلس في تقرير عام 2021، إن أكثر من 2.3 مليون دولار مخصصة لصيانة السدين لم يتم استخدامها مطلقًا.
ويقول محللون إن صندوقًا سابقًا مخصصًا لإعادة بناء درنة بعد أن تم تدميره جزئيًا في صراع ما بعد عام 2011، أدى في النهاية إلى القليل من التحسينات الملموسة، مما دفع الليبيين إلى اتهام المسؤولين الذين أشرفوا على الصندوق بالسرقة.