يكشف الفيلم الوثائقي الاستقصائي “حرب المستشفيات.. عقيدة تهجير” أن الإستراتيجية العسكرية الإسرائيلية لاستهداف المستشفيات في قطاع غزة ترتبط بعقيدة التهجير لدى الاحتلال والتي مورست ضد الفلسطينيين عام 1948.
وبالاعتماد على التحليل البياني والرصد الرقمي وتتبع صور الأقمار الصناعية، يبرز الفيلم الوثائقي الذي يحمل عنوان “حرب المستشفيات.. عقيدة تهجير”؛ الأهداف الإسرائيلية الحقيقية من وراء إفراغ المستشفيات في قطاع غزة من النازحين الذين فروا من القصف، ويظهر أن الإستراتيجية العسكرية الإسرائيلية لفرض التهجير القسري لم تكن غائبة عن حرب غزة 2023 التي سجلت حصيلة شهداء هي الأعلى منذ النكبة، بحسب الأرقام الفلسطينية.
ويربط جوني منصور، وهو مؤرخ ومحاضر في قسم دراسات التاريخ في الكلية الأكاديمية في بيت بيرل في شهادته بين ما يمارسه الاحتلال اليوم في غزة وما اقترفته العصابات الصهيونية خلال النكبة، ويقول إن مجازر عديدة ارتكبت بحق الفلسطينيين عام 1948، واستهدفت المستشفيات والمستوصفات والعيادات الطبية، ووزع الاحتلال حينها تعليمات ومنشورات من الطائرات -كما يجري اليوم- تدعو الفلسطينيين إلى مغادرة بيوتهم وقراهم.
وبحسب ما ورد في الفيلم الوثائقي الذي بث على قناة الجزيرة يوتيوب، فقد اتخذت حرب إسرائيل على غزة في 2023 منحى عسكريا أكثر بطشا، ركز على 4 مراحل كان عنوانها الرئيسي المستشفيات.
ويشير إلى أن إسرائيل حددت أهدافها منذ اليوم الأول للحرب، حيث أعلن جيشها في 13 أكتوبر/تشرين الأول عن “الممر الآمن” للنزوح باستخدام شارع صلاح الدين (وسط قطاع غزة)، وطلب من السكان ترك منازلهم والتحرك باتجاه جنوب القطاع، ثم ألقى منشورات تدعو الفلسطينيين في غزة لإخلاء منازلهم، وقبل ذلك كثّف سلاح الطيران الإسرائيلي غاراته على المباني المدنية في شمال ومركز مدينة غزة.
استهداف ممنهج للمستشفيات
وفي نفس السياق أشار عميد ركن متقاعد في الجيش اللبناني، هشام جابر في شهادته إلى أنه منذ بدء العدوان على غزة كانت الإستراتيجية الأساسية هي تهجير أكبر عدد ممكن من سكان غزة إلى خارج القطاع والسيطرة عليه.
وركز الفيلم الوثائقي على الإستراتيجية الإسرائيلية المتعلقة بقصف المراكز الصحية وخاصة المستشفيات لدفع السكان إلى النزوح، وهو ما أشارت إليه إليز بيكر، وهي محامية في مشروع التقاضي الإستراتيجي في المجلس الأطلسي، بقولها إنه منذ أن بدأت إسرائيل الحرب على غزة قصفت المراكز والمنشآت الطبية والعاملين في القطاع الصحي، مؤكدة أن مطالب إخلاء المرافق الصحية والقصف يؤشر على وجود إستراتيجية للتهجير القسري لدى إسرائيل.
وبدأ الاحتلال استهدافه للمستشفيات -بحسب الفيلم الوثائقي- بقطع إمدادات الوقود والكهرباء والماء عن سكان القطاع، ومنع وصول الإمدادات الطبية إلى المستشفيات في الجزء الشمالي بشكل خاص كتمهيد لتطبيق الإستراتيجية الإسرائيلية بشكلها الأعنف.
ويوثّق الفيلم – وهو الأول لقناة الجزيرة العربية عن الحرب الدائرة في غزة- عمليات استهداف المستشفيات الفرعية والرئيسية، حيث خرج في التاسع من أكتوبر/تشرين الأول مستشفى بيت حانون في شمال قطاع غزة عن الخدمة، وذلك بعد يومين من القصف، ثم خرجت المستشفيات والمراكز الصحية عن الخدمة تباعا، وصولا إلى انهيار القطاع الصحي بالكامل في شمال القطاع.
وكان التحول الأعنف مع استهداف جيش الاحتلال لمستشفى المعمداني في 17 أكتوبر/تشرين الأول بقصف مدمر، وكان هذا المستشفى أحد التجمعات الرئيسية للنازحين من شمال قطاع غزة.
وإلى جانب المستشفيات، استهدف الاحتلال الطواقم الطبية وسيارات الإسعاف، ويقول غسان أبو ستة، وهو جراح ومتطوع في بعثة أطباء بلا حدود في غزة، إن التصفية الجسدية للأطباء كانت ممنهجة ومدروسة، حيث استهدف الاحتلال أطباء يعملون في تخصصات مفقودة جدا في غزة، مثل طبيب أمراض الكلى والمختص الوحيد للطوارئ.
وبعد استهداف مستشفى المعمداني، أنشأت إسرائيل خط نار يجبر المصابين وسكان شمال غزة على النزوح جنوبا ضمن المسار المحدد في شارع صلاح الدين.
مخططات تفريغ القطاع وتقسيمه
وخلص الفيلم الوثائقي -بعد تحليل الخط الزمني لاستهداف المستشفيات وخروجها تباعا عن الخدمة- إلى وجود ارتباط طردي بحركة النزوح من شمال القطاع نحو الجنوب، بحجم نزوح بلغ مليون و900 ألف من الشمال إلى الجنوب.
كما تحصل على صور أقمار صناعية خاصة تلت تنفيذ إستراتيجية إفراغ المستشفيات، وكشفت إنشاء الجيش الإسرائيلي طريقا معبدا في مسار يفصل بين شمال القطاع وجنوبه ونقطة تفتيش بالقرب من شارع صلاح الدين، وهو ما يتقاطع مع ما ورد في تسريب ورقة سياسة وزارة الاستخبارات الإسرائيلية في اجتماع 13 أكتوبر/تشرين الأول حول أهمية ترك منفذ حركة نزوح ضمن مسار محدد لفرض التهجير القسري إلى سيناء ضمن مخططات تفريغ القطاع وتقسيمه.
ومن جهته يؤكد غيليس ديقيرس، وهو محامي في محكمة الجنايات الدولية، أن أكثر من مليون ونصف المليون فلسطيني تركوا مناطقهم في حالة ترحيل قسري، بينما خلال النكبة بلغ الرقم 700 ألف في عام كامل، واصفا ما يحصل في غزة بأنه “عنف لم يسبق له مثيل”.
ويذكر الفيلم أن الإستراتيجية العسكرية الإسرائيلية تجاه المستشفيات انتقلت إلى جنوب قطاع غزة، وهو ما يثير التساؤل عما إذا كانت المستشفيات وسيلة لتحقيق هدف إستراتيجي أكبر ينطوي على تغيير المنطقة عبر التهجير القسري كما حدث عام 1948.
ويقول العميد المتقاعد في الجيش اللبناني إن إسرائيل، رغم احتلالها لـ80% من شمال قطاع غزة، لم تسيطر عليه بعد.