جزيرة لامو الكينية.. بصمات عربية وتراث إسلامي

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 7 دقيقة للقراءة

ثلاثة شبان يتبع حكاياتهم فيلم “لامو.. هواها عربي” للمخرج محمد ممدوح، يقودون المتلقي إلى أزقة وحكايات جزيرة لامو الواقعة على السواحل الكينية، وتتميز بجمالها وبساطة أهلها وخليطها الثقافي بين السواحلية والتراث الإسلامي الذي تحفظه المساجد والمباني واللغة العربية التي تجري على لسان كثير من ساكنيها.

يبدأ الفيلم بمشهد للجزيرة من وسط البحر، ثم تقترب الكاميرا فتظهر البيوت البسيطة من خلف مجموعة متشابكة من الأشجار، ثم نرى بعض المباني القديمة من العصر الإسلامي، منها قلعة لامو التي تغير لونها بسبب هواء المحيط الهندي المملوء بالملح، ومشاهد أخرى لقوارب الصيد الخشبية التي تتمايل في الخلجان الهادئة.

هواها عربي.. إرث معماري وثقافي يرسم ملامح الجزيرة

إن تاريخ جزيرة لامو في كينيا وثقافتها المتنوعة بين السواحلية والإرث الإسلامي، إضافة إلى مناظرها الطبيعية الخلابة قد أعطت صناع الأفلام منذ فترة طويلة أسبابا عديدة لتصوير الحكايات هناك، وأحدها كان هذا الفيلم “لامو هواها عربي”، وهو من إنتاج قناة الجزيرة الوثائقية، ويبرز الفيلم الهوية الإسلامية المختلطة مع الثقافة السواحلية التقليدية التي تتراوح بين التاريخ العربي وإرث القبائل الأفريقية.

أزقة “لامو” الضيقة التي لا تحتمل وسيلة نقل أكبر حجما من الحمير وأشابهها

ويظهر الفيلم الوثائقي شابا يقرر بناء بيته للزواج بالطريقة العتيقة بالأحجار البيضاء التي يسافر بالمركب كي يبحث عنها. أما الشخصية الثانية فهو شاب يعمل بإصلاح السفن الشراعية الخشبية المصنوعة من خشب المانغروف الشهير في الجزيرة. ويعمل الشاب الثالث على نقل البضائع والأشخاص على حماره.

علي عمر، شاب يعمل في إصلاح السفن الشراعية الخشبية

وفي اللقاءات التي تظهر في الفيلم، هناك من يتحدث العربية وآخرون يشرحون باللغة المحلية، وجاء اختيار هذه الشخصيات الثلاث لتتبع الخصائص الثلاث التي تتميز بها جزيرة لامو، وهي البيوت المتراصة الصغيرة، ثم المراكب التي هي وسيلة تنقل مهمة بين ضفاف الجزيرة، ثم الحمار الذي يعد الحيوان الأليف الأول في لامو، ناهيك عن كونه وسيلة التنقل الأشهر في شوارع الجزيرة الضيقة، فهو أيضا مصدر فخر لعائلات لامو، فكل عائلة تعرف تاريخ حمارها وتفخر به.

ذات الوجهين.. لوحة تقسم نفسها بين الأطياف المتنوعة

يبدو الفيلم (47 دقيقة) هادئا كلاسيكيا تسود عليه مشاهد طبيعة لامو وصفاء بحرها وتماثله مع سمائها، لكنه فيلم يكاد يخلو من النساء، بل ينحصر في عالم الرجال وحياتهم، مما جعل تقديم عناصر المجتمع هناك وطبيعته ليست متكاملة.

في جزيرة “لامو” يقصون حجارة البناء البيضاء من الأرض وينقلونها في المراكب

ويعرض الفيلم الوثائقي مشاهد طبيعية خلابة لأشهر جزر أفريقيا الواقعة على أرخبيل كينيا، مصحوبةً بتعليق صوتي يقدم معلومات عن تاريخ الجزيرة وبلداتها، لتكتشف وأنت تشاهد أنها نصف عربية ونصف أفريقية، نصف مسلمة ونصف مسيحية، نصفها على البحر ونصفها الآخر على اليابسة، لكن الظروف الاقتصادية الماضية بالانحدار تجعل كل الأحلام صعبة التحقيق، ومنها أحلام الشباب الثلاثة في الفيلم، وتغير كل معالم الجزيرة، حتى معالمها الطبيعية.

حياة هادئة وكلاسيكية لا تكاد تتغير عبر الزمان على جزيرة “لامو”

ويعج الفيلم بالحركة والمشي والحكايات التي تجتاحها مغامرات تجارية لا تكل ولا تمل، فجميع المهن تعتمد على السوق المحلي من بناء البيوت أو السفن أو حركة السياح بالمواصلات البدائية.

هاربة من القاهرة أو دمشق.. جزيرة من قائمة التراث العالمي

يمتد عمر التجارة عبر التاريخ في جزيرة لامو ومدن الساحل الكيني عامة إلى ومن الهند وفارس والجزيرة العربية، ثم جاءها المستعمرون من البرتغال وبريطانيا العظمى، والفاتحون من عُمان، حاملين الأرز والقماش القطني وطرق البناء والدين الإسلامي عبر الساحل الشرقي لأفريقيا.

إن الطريق على ساحل كينيا من مومباسا إلى لامو يعد أيقونة عالمية، بل إن أماكن كثيرة في لامو هي من ضمن قائمة التراث العالمي التي أقرتها منظمة اليونسكو الأممية، مما يجعلها مكانا فريدا، وقد استطاع المخرج أن يجعلها مكانا غريبا جدا ومألوفا جدا في نفس الوقت.

تراث إسلامي جلي على جزيرة “لامو” حيث المساجد والطقوس الإسلامية المختلفة

وتظهر بعض مشاهد الفيلم مباني متداعية في الجزيرة، لكنها جميلة يحيط بها الهدوء، ولا تخلو من النقوش الإسلامية على الأبواب والجدران، وكأنها هاربة من القاهرة أو دمشق. وتتجلى هذه التأثيرات العربية على الساحل الكيني بقوة، بل إنها دائمة الحضور بالموازاة مع هدير الأمواج وصوت الآذان، وإذا نظرت إلى البحر من سطح المراكب الخشبية فسترى الشعب المرجانية التي تبعد كيلومترا واحدا عن الشاطئ.

كما أن الزمن في الفيلم قد توقف تماما، فلو شاهدته الآن أو بعد عشر سنوات أو قبلها، فلن يتغير الكثير فعليا في لامو، فكل شيء يسير ببطء، حتى السيارات النادرة هناك لا يمكن أن تسير بسرعة في الشوارع الضيقة هناك.

عذراء الطبيعة.. أقدم مستوطنة سواحيلية في الشرق الأفريقي

يتزايد عدد الناس الذين يأتون إلى جزيرة لامو الواقعة على بعد درجتين جنوب خط الاستواء، على مرمى حجر من الحدود الصومالية، مما يجعلها كأنها حافة العالم، لكي يتمتعوا بالرمال الذهبية والمياه الصافية التي ينعكس عليها القمر ليلا وكأنه مرآة ضخمة.

ويرى المؤرخون أن مدينة لامو القديمة في الجزيرة هي أقدم مستوطنة سواحيلية في شرق أفريقيا، وقد ظلت آهلة بالسكان أكثر من 700 عام، حيث عاشوا في الشوارع ذاتها التي يبلغ عرض بعضها أقل من متر وتشبه متاهة متوالية.

مدينة “لامو” القديمة، أقدم مستوطنة سواحيلية في شرق أفريقيا

وتبدو جمالية الصورة في الفيلم عميقة، إلى درجة تشعرك أن رائحة رقائق الخشب والورنيش وزيت بذر الكتان قد انبعثت من اللقطات في محلات نجارة المراكب الصغيرة، كما يتردد صدى قعقعة الحمير في الأزقة، وصولا إلى شارع التسوق الرئيسي، لتتجمع الحشود وسط أكشاك صغيرة.

ومن هنا، نجد أن الفيلم قد خلد لامو في الذاكرة السينمائية، لكنه خلّدها حية، ففي أي وقت تشاهد هذا الفيلم ستظنه قد صوّر للتو، مع أنه قد أُنتج قبل عدة سنوات، فالتطور لم يغير شيئا من عذرية الجزيرة، كما أن صور الطبيعة الخلابة في الفيلم تجعلها كأنها لم يطأها بشر بعد.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *