صوّت التونسيون، اليوم الأحد، في انتخابات رئاسية من المتوقع أن تمنح الرئيس قيس سعيد ولاية ثانية، حيث يقبع أبرز منتقديه، بما في ذلك أحد المرشحين المنافسين له، في السجن.
وأغلق أكثر من 5 آلاف مركز اقتراع عند السادسة مساء بالتوقيت المحلي لتونس بعد أن فتحت منذ الثامنة صباحا، حيث دعي 9.7 ملايين ناخب للإدلاء بأصواتهم.
وبلغت نسبة المشاركة حتى الساعة 13,00 بالتوقيت المحلي 14,16%، بحسب هيئة الانتخابات، ولاحظ الناطق الرسمي باسم الهيئة محمد التليلي المنصري أن نسبة الإقبال “أعلى بالفعل” مما كانت عليه في الجولة الثانية من الانتخابات التشريعية مطلع العام 2023 (نحو 12%).
ويواجه سعيد البالغ من العمر 66 عاما عقبات قليلة للفوز بإعادة انتخابه، بعد 5 سنوات من تراكم ردود الفعل المناهضة له بعد فوزة بفترة ولاية أولى، و3 سنوات بعد تعليق البرلمان وإعادة كتابة الدستور، مما يمنح الرئاسة المزيد من السلطة.
وهذه الانتخابات هي الثالثة منذ أن أدت احتجاجات الربيع العربي إلى الإطاحة بالرئيس زين العابدين بن علي عام 2011، كما أطاحت أيضا بزعماء في مصر وليبيا واليمن.
وفي حين سبق وأشاد المراقبون الدوليون بالجولتين الانتخابيتين الرئاسيتين السابقتين باعتبارهما تلبيان المعايير الديمقراطية، أثارت سلسلة من الاعتقالات والإجراءات التي اتخذتها سلطة انتخابية -عيّنها سعيد- تساؤلات حول ما إذا كان سباق هذا العام حرا ونزيها، ودعت أحزاب المعارضة إلى المقاطعة.
على المحك
قبل فترة ليست طويلة، كانت تونس موضع ترحيب باعتبارها قصة النجاح الوحيدة في الربيع العربي، ومع اهتزاز المنطقة بالانقلابات والثورات المضادة والحروب الأهلية، أقرت الدولة الواقعة في شمال أفريقيا دستورا ديمقراطيا جديدا، ورأت مجموعات المجتمع المدني الرائدة تفوز بجائزة نوبل للسلام عام 2015 لوساطتها في التوصل إلى تسوية سياسية.
وفي ظل أجواء تعثر فيها الاقتصاد التونسي وعانت البلاد من الصراعات السياسية الداخلية وحلقات العنف فاز سعيد، الذي كان يبلغ من العمر آنذاك 61 عاما وكان من خارج المشهد السياسي، بفترة ولايته الأولى في عام 2019. وتقدم إلى جولة الإعادة واعدا بإدخال “تونس الجديدة” وتسليم المزيد من السلطة للشباب والحكومات المحلية.
وستتيح انتخابات هذا العام فرصة للاطلاع على الرأي العام حول المسار الذي سلكته الديمقراطية المتلاشية في تونس منذ تولى سعيد منصبه، ويبدو أن أنصار سعيد ظلوا مخلصين له ولوعده بتحويل تونس. لكنه ليس منتميا إلى أي حزب سياسي، ومن غير الواضح مدى عمق دعمه بين التونسيين.
والانتخابات الرئاسية التي جرت، اليوم الأحد، هي الأولى منذ قلب سعيد السياسة في البلاد في يوليو/تموز 2021، وأعلن حالة الطوارئ، وأقال رئيس وزرائه، وعلّق عمل البرلمان، وأعاد كتابة دستور تونس لتعزيز سلطته. وقد أثارت هذه الإجراءات غضب الجماعات المؤيدة للديمقراطية وأحزاب المعارضة الرائدة، التي وصفتها بالانقلاب.
وعلى الرغم من غضب السياسيين، وافق الناخبون على دستور سعيد الجديد في العام التالي في استفتاء شهد إقبالا متواضعا، أعقبه قيام السلطات بحملات اعتقال منتقدي سعيد، بما في ذلك الصحفيون والمحامون والسياسيون وشخصيات المجتمع المدني، واتهمتهم بتعريض أمن الدولة للخطر وانتهاك قانون مكافحة الأخبار المزيفة المثير للجدل، الذي يزعم المراقبون أنه يخنق المعارضة.
كما شارك عدد أقل من الناخبين في الانتخابات البرلمانية والمحلية في عامي 2022 و2023 وسط مشاكل اقتصادية ولامبالاة سياسية واسعة النطاق.
تغييب المنافسين
أراد الكثيرون تحدي سعيد، في الانتخابات الرئاسية الحالية، لكن قلة منهم كانت قادرة على ذلك، حيث تقدم 17 مرشحا محتملا بأوراقهم للترشح، ووافقت هيئة الانتخابات التونسية على 3 فقط، هم: سعيد، وزهير المغزاوي، وعياشي زامل.
والمغزاوي سياسي مخضرم خاض حملة ضد البرنامج الاقتصادي لسعيد والاعتقالات السياسية الأخيرة، ومع ذلك، فهو مكروه من قِبل أحزاب المعارضة لدعمه دستور سعيد والتحركات السابقة لتعزيز السلطة، وحُكم عليه بالسجن في 4 قضايا تزوير انتخابي تتعلق بالتوقيعات التي جمعها فريقه للتأهل للاقتراع.
وكان آخرون يأملون في الترشح لكنهم مُنعوا، ورفضت هيئة الانتخابات، الشهر الماضي، حكما قضائيا يأمرها بإعادة تعيين 3 منافسين إضافيين، ومع اعتقال العديد منهم أو احتجازهم أو إدانتهم بتهم تتعلق بأنشطتهم السياسية، فإن أشهر شخصيات المعارضة في تونس لا تشارك أيضا.
ويشمل ذلك زعيم حزب النهضة راشد الغنوشي، ورئيس مجلس النواب التونسي السابق، البالغ من العمر 83 عاما، والذي صعد إلى السلطة بعد الربيع العربي، لكنه مسجون منذ العام الماضي بعد انتقاده لسعيد.
وشملت الحملة أيضا عبير موسى، وهي نائبة برلمانية معروفة بهجومها على الإسلاميين والتحدث بحنين عن تونس ما قبل الربيع العربي. كما سُجنت رئيسة الحزب الدستوري الحر البالغة من العمر 49 عاما العام الماضي بعد انتقادها لسعيد.
وسُجن سياسيون آخرون أقل شهرة أعلنوا عن خطط للترشح أو حُكم عليهم بتهم مماثلة، ودعت جماعات المعارضة إلى مقاطعة السباق، ونددت جبهة الإنقاذ الوطني، وهي تحالف من الأحزاب العلمانية والإسلامية بما في ذلك النهضة، بالعملية باعتبارها خدعة وشككت في شرعية الانتخابات.
الضائقة الاقتصادية
لا يزال اقتصاد البلاد يواجه تحديات كبيرة، وعلى الرغم من وعود سعيد برسم مسار جديد لتونس، فقد ارتفعت البطالة بشكل مطرد إلى واحد من أعلى المعدلات في المنطقة بنسبة 16%، مع تضرر الشباب التونسيين بشكل خاص.
وكان معدل النمو بطيئا منذ جائحة “كوفيد-19″، وظلت تونس تعتمد على المقرضين المتعددين مثل البنك الدولي والاتحاد الأوروبي، واليوم، تدين تونس لهم بأكثر من 9 مليارات دولار، وبصرف النظر عن الإصلاح الزراعي، فإن الإستراتيجية الاقتصادية الشاملة لسعيد غير واضحة.
وتوقفت المفاوضات لفترة طويلة بشأن حزمة إنقاذ بقيمة 1.9 مليار دولار، قدمها صندوق النقد الدولي في عام 2022، وكان سعيد غير راغب في قبول شروطها، والتي تشمل إعادة هيكلة الشركات المملوكة للدولة المثقلة بالديون وخفض الأجور العامة.
ومن المرجح أن تكون بعض شروط صندوق النقد الدولي -بما في ذلك رفع الدعم عن الكهرباء والدقيق والوقود- غير شعبية بين التونسيين الذين يعتمدون على انخفاض تكاليفها. ويقول المحللون الاقتصاديون إن المستثمرين الأجانب والمحليين مترددون في الاستثمار بتونس بسبب المخاطر السياسية المستمرة وغياب الطمأنينة.
كان للضائقة الاقتصادية المروعة تأثير مزدوج على إحدى القضايا السياسية الرئيسية في تونس وهي الهجرة، ففي الفترة من عام 2019 إلى عام 2023، حاول عدد متزايد من التونسيين الهجرة إلى أوروبا دون تصريح.
وفي الوقت نفسه، اتخذت إدارة سعيد نهجا قاسيا ضد المهاجرين القادمين من أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، والذين وجد العديد منهم أنفسهم عالقين في تونس أثناء محاولتهم الوصول إلى أوروبا.
وفي أوائل عام 2023 أثار سعيد حماس أنصاره باتهام المهاجرين بالعنف والجريمة وتصويرهم كجزء من مؤامرة لتغيير التركيبة السكانية في البلاد. وأدى الخطاب المناهض للمهاجرين إلى عنف شديد ضد المهاجرين وحملة قمع من قِبل السلطات.
في العام الماضي، استهدفت قوات الأمن مجتمعات المهاجرين من الساحل إلى العاصمة بسلسلة من الاعتقالات والترحيل إلى الصحراء، وهدم معسكرات الخيام في تونس والمدن الساحلية.
وتستمر الجثث في الانجراف إلى سواحل تونس، حيث تمكنت القوارب التي تحمل تونسيين ومهاجرين من أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى من قطع أميال بحرية قليلة فقط قبل الغرق.
العلاقة بالخارج
حافظت تونس على علاقاتها مع حلفائها الغربيين التقليديين، لكنها أقامت أيضا شراكات جديدة تحت قيادة سعيد. ومثل العديد من القادة الشعبويين الذين تولوا السلطة في جميع أنحاء العالم، يؤكد سعيد على السيادة وتحرير تونس مما يسميه “الإملاءات الأجنبية”، وأصر على أن تونس لن تصبح “حارس حدود” لأوروبا، التي سعت إلى اتفاقيات معه لتحسين مراقبة البحر الأبيض المتوسط.
رفعت تونس وإيران متطلبات التأشيرة وأعلنتا في مايو/أيار عن خطط لتعزيز العلاقات التجارية، كما قبلت ملايين الدولارات في شكل قروض كجزء من مبادرة الحزام والطريق الصينية لبناء المستشفيات والملاعب والموانئ.
وفي حين لم يتم منح منظمات مراقبة الانتخابات الإذن بمراقبة السباق، أرسلت روسيا مراقبين. ومع ذلك، تظل الدول الأوروبية أكبر الشركاء التجاريين لتونس وحافظ قادتها على علاقات مثمرة مع سعيد، وأشادوا بالاتفاقيات لإدارة الهجرة باعتبارها “نموذجا” للمنطقة.
وتحدث سعيد بشدة عن دعمه للفلسطينيين في الوقت الذي اجتاحت فيه الحرب الشرق الأوسط، كما يعارض التحركات المتخذة لتطبيع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل.