تقارير: صواريخ حزب الله أسفرت عن إصابة 10 إسرائيليين في حيفا

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 14 دقيقة للقراءة

“شهدنا تنامياً للتمييز العنصري ضدنا كعرب منذ بداية الحرب.. لقد صار أضعافاً”، تقول الشابة الثلاثينية آية، التي تسكن مدينة حيفا في شمال إسرائيل، وتعيش مع زوجها وطفلها الرضيع داخل حي مختلط الأديان والجنسيات في المدينة المطلّة على البحر الأبيض المتوسط، التي مثّلت لسنوات نموذجاً للتعايش المشترك بين العرب واليهود.

بالنسبة لآية، كانت حيفا دوماً مدينة مسالمة، فيها مكان لمختلف الأعراق والأديان وتنوع الآراء السياسية دون أن يتعرض أحد للآخر بسبب اختلافاته الفكرية والقومية، إلا أن الحرب في قطاع غزة وما رافقها من تصعيد عسكري على جبهات عدة في الضفة الغربية والقدس وعند الحدود الشماليّة “غيّرها” ولم تعد الأمور لسابق عهدها منذ السابع من أكتوبر العام الماضي.

في هذا التاريخ، شنّت حركة حماس وفصائل فلسطينية مسلحة أخرى هجوماً دامياً على مستوطنات غلاف غزة، أطلقت عليه “طوفان الأقصى”.

أدّى الهجوم إلى مقتل 1205 أشخاص معظمهم من المدنيين، وفق تعداد لوكالة فرانس برس يستند الى أرقام إسرائيلية رسمية. وبين الضحايا رهائن قتلوا خلال احتجازهم في قطاع غزة، وهم من بين 251 رهينة خُطفوا في ذلك اليوم من جنوب إسرائيل.

وتعهّدت إسرائيل ردّا على الهجوم بـ”القضاء” على حماس. ومنذ ذلك الحين، تسبّبت العمليات العسكرية الإسرائيلية والقصف العنيف المتواصل على قطاع غزة بمقتل أكثر من 41400 شخص معظمهم من المدنيين، وفق وزارة الصحة التابعة لحركة حماس.

وبحسب الجهاز المركزي للإحصاء في الأراضي الفلسطينية، قُتل خلال عام كامل من الحرب 41825 شخصاً في قطاع غزة، بينهم 16891 طفلاً، و11458 امرأة، فيما قتل في الضفة الغربية 742 شخصاً بينهم 160 طفلاً.

ومن بين ضحايا الحرب في غزة، قُتل 174 من الطواقم الصحافية و986 من الطواقم الطبية، و203 من العاملين في منظمة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) و85 من طواقم الدفاع المدني، وفق بيانات الإحصاء المركزي.

ولا يزال هناك 10 آلاف مفقود في قطاع غزة، حوالي نصفهم من الأطفال والنساء.

ولم تنجح أشهر طويلة من المفاوضات بوساطة أميركية وقطرية ومصرية في وقف الحرب. ومنذ أيام، تصاعدت المواجهة بين حزب الله وإسرائيل، وتكثفت التحذيرات من اشتعال الشرق الأوسط.

تقارير: اعتقالات ومحاكمات لأصحاب الرأي في إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة

سلطت صحيفة “واشنطن بوست” الضوء علي نظام العدالة في إسرائيل حاليا، وتحديدا بعد هجوم حماس في السابع من أكتوبر، موضحة أنه يتم قمع حرية تعبير المواطنين الإسرائيليين من ذوي الأصول الفلسطينية.

حيفا.. “عنصرية وخوف”

في يونيو الماضي، أفاد تقرير لوكالة فرانس برس، أن الأقلية العربية التي تشكل 20 في المئة من مجموع سكان إسرائيل، تتعرض لضغوط كبيرة بسبب تزايد جرائم الكراهية والإجراءات “غير العادلة” للشرطة الإسرائيلية، وفق منظمات حقوقية محلية.

وقال المركز القانوني لحقوق الأقلية العربية في إسرائيل (عدالة)، إن الشرطة “اعتقلت بين 7 أكتوبر حتى 27 مارس أكثر من 400 شخص من العرب بتهم تتعلق بالتعبير، وتقول الشرطة إنها ترقى إلى مستوى التحريض على الإرهاب”.

وأضاف أن “الحملة على حرية التعبير خلقت وضعا لا يستطيع معه العرب في إسرائيل، الاحتجاج أو التعبير عن آرائهم بحرية”.

آية التي تحتك بشكل شبه يومي مع إسرائيليين يهود، وتعيش في حيّ مختلط، تحاول للأسباب المذكورة النأي بنفسها عن النقاشات السياسية أو التعبير عن تعاطفها مع أهالي غزة عبر مواقع التواصل، تقول “لديّ طفل..”، إلا أنها لا تسلم من “الاستفزاز العنصري” كما تصفه.

تُحدث موقع “الحرة” عن مواقف عديدة مرّت بها وهي مع رضيعها، سواء في داخل عيادة الأطفال أو الحديقة القريبة من منزلها حيث تأخذ طفلها للعب. تقول “تتعالى أصوات اليهود حولي بمجرد سماعهم لي أتكلم اللغة العربية مع ابني، إما عن طريق تناول شديد اللهجة للأخبار المتعلقة بالسابع من أكتوبر أو باغتيال شخصيات فلسطينية، أو الغناء بصوت عال قربي واستفزازي”.

تتجنب الرد أمام مظاهر مشابهة تكررت في حياتها طيلة عام الحرب، وبحُرقة في صوتها الذي يأتي عبر رسائل واتساب صوتية، نسمع إلى جانبها همهمات طفلها الصغير عندما تقول “اضطررت لمغادرة حديقة الأطفال بعد أن قام يهودي بغناء أغنية كلماتها عنصرية ضد العرب بجانبي وتوجيه نظراته لي ولابني”.

في أحدث واقعة ترويها آية، كان أن قامت جارتها اليهودية في الحي الذي يسكنه الكثير من العرب، بإشعال الأغاني الاحتفالية بعد العاشرة ليلاً، حين تم الإعلان عن اغتيال الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله، والغناء معها بصوت عال. “طفلي ينام في الثامنة مساء. تلك الليلة استيقظ مرات عديدة، وبقيت هي ساعتين من الزمن تغني وترفع صوت الموسيقى، دون أن يعترض أحد منّا”.

“هذه أرضنا، مكانك ليس بيننا.. إنها ليست بلدك” رسائل تصلها في حديث اليهود الذين “يستفزّون” آية، تقول “أتقن العبرية لكن طبعاً مهما كانت لغتي سليمة، يميّزون أنني عربية”، وواصفة ما تتعرض له من قبل اليهود بالتصرفات “العدوانية” وهو أمر لم تعهده قبل الحرب في حيفا.

تصف آية المدينة الشاطئية التي تحتضن معبد البهائيين المُدرج في قائم “اليونسكو” للتراث العالمي: “قبل الحرب في غزة كان سكان حيفا أكثر ميلا للنزعة المسالمة، والاختلاط بين اليهود والعرب ومختلف الجنسيات والأعراق دون أن يتعرض أحد للآخر، فكل لديه آراؤه السياسية ومعتقداته الدينية بعيداً عن العنف والعنصرية، لكن العنصرية ظهرت بشكل مضاعف جداً جداً”.

وكلما طالت مدة الحرب، زاد تأثيرها السلبي على حياة العرب في إسرائيل، كما تقول آية.

عرب إسرائيليون يتعرضون للملاحقة أو الطرد بسبب منشورات عن غزة

تعرض عدد من عرب إسرائيل والفلسطينيين في القدس الشرقية المحتلة لطرد من العمل أو الجامعة أو السجن بسبب منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي تتضامن مع قطاع غزة، في ظل الحرب المتواصلة بين حركة حماس وإسرائيل منذ 13 يوما، وفق شهادات وبيانات للشرطة الإسرائيلية.

دالية الكرمل.. علاقة “معقدة”

تتبع بلدة دالية الكرمل مدينة حيفا، وتقع في جنوبها الشرقي. تضم مواقع أثرية جاذبة للسيّاحة الداخلية خصوصاً، ويميزها وجود أكبر تجمع للطائفة الدرزية فيها.

في حديثها لموقع “الحرة”، تحاول هدين صالح (33 عاماً) توصيف واقع دالية الكرمل التي تنتمي إليها بعد الحرب، فتكتفي بكلمة “معقّد”، في إشارة إلى العلاقة الجدلية بين الدروز والحكومة الإسرائيلة بالنسبة للأقلية العربية أو للفلسطينيين المقيمين في الضفة الغربية والقدس.

وتشير هدين إلى أنها تميل إلى جذورها الفلسطينية وتتخذ موقفاً “حذراً” في التعاطي مع الإسرائيليين اليهود، لذلك فهي تتحدث العربية أغلب الأوقات رغم إتقانها اللغة العبرية، كما تركز صداقاتها مع العرب، وهو أمر “غير مألوف” بالنسبة للحيّز الجغرافي الذي تعيش به.

تعمل هدين في “سوبرماركت” يزوره يومياً الكثير من اليهود وخصوصاً الذين يقصدون دالية الكرمل بغرض السياحة، وتتحدث معهم العبرية، لكن بمجرد أن تبدأ الحديث بالعربية مع زبائن آخرين من العرب الذين يعيشون في المنطقة، حتى تلتفت لها الأنظار.

تعطي “الحرة” مثالاً: “بعد الحرب صرت أشهد الكثير من المواقف العنصرية، مثلاً كنت أتحدث مع زبونة محجبة بالعربية، فقام زبون آخر يهودي بالتحديق بها لمدة طويلة بشكل غير مريح بالنسبة لكلينا، لكني لم أتوقف عن الحديث بالعربية، وفي نفس الوقت لم أعبر له عن انزعاجنا تجنباً للمشاكل”.

وتشير إلى أن بعض اليهود كذلك كانوا يأخذون مسافة حذرة منها لمجرد سماعها الحديث بالعربية، ثم حين يعلمون أنها درزية يتراجع خوفهم “يطمئنون ويذكرون أننا معاً خصوصاً أن الكثير من الدروز مندمجون في الخدمة العسكرية”.

شاركت هدين في بداية الحرب في مظاهرة متعاطفة مع الضحايا المدنيين في قطاع غزة، لكنها لم تكرر الأمر، حتى أنها لا تناقش آراءها السياسية مع الكثير من معارفها، ذلك أن قلقها ليس من اليهود فقط بل أيضاً من العرب المؤيدين للحكومة الإسرائيلية والحرب في غزة.

وتصف هذه الحرب بأنها “كاشفة للكثير من الوجوه حتى من كان يدّعي أنه يساري” في إشارة إلى أن ما تصف بالتمييز العنصري ضد العرب ظهر في تعامل “الأغلبية” من اليهود الذين تعاملت معهم.

وتقول هدين لـ”الحرة” إنها ترى في تعامل اليهود معها وأهالي بلدتها، بعد الحرب “فوقية”، “يحسسوننا بأننا أدنى درجة، مهما كانت لغتك العبرية ممتازة. وبأننا يجب أن نقدم دائما الشكر والامتنان لكوننا نعيش في دولة إسرائيل لأنها توفر لنا الأمان وكل شيء..”.

“حتى الخدمة الوطنية، صار الجميع كأنه مجبور على القيام بها، لأنك دون ذلك ستلاقي صعوبات في إيجاد فرص العمل”، تضيف هدين.

والخدمة الوطنية في إسرائيل، تُعتبر عملاً طوعياً بديلاً عن الخدمة العسكرية في الجيش الإسرائيلي، لمن  حصل على إعفاء منها أو ممن ينتمي للأقلية العربية. وتُنفذ في المكاتب الحكومية التابعة لوزارة التعليم والرفاه والعدل والصحة والاقتصاد وغيرها، مقابل أجر مالي شهري أو هبات للتعليم أو المسكن في حال إنهاء فترة الخدمة الكاملة لمدة سنتين. رغم ذلك، يرفض الكثير من العرب هذه الخدمة.

وفي يوليو الماضي، وثقت منظمة “مساواة” غير الربحية، زيادة في انتهاكات حقوق الإنسان ضد الأقلية العربية في إسرائيل منذ السابع من أكتوبر 2023، التي تشمل اعتقالات وتمييزا في العمل ومضايقات في المدارس بالإضافة إلى قيود مفروضة على الحق في الاحتجاج.

ورصد موقع “حملة” الإلكتروني 590 ألف محادثة عنيفة باللغة العبرية على منصات إكس وتلغرام وميتا، بحسب تصريح لمديره نديم الناشف، نشرته فرانس برس أغسطس الماضي.

ومن المنشورات المرصودة، دعوات إلى تحقيق “نكبة ثانية”، والى “قتل” الفلسطينيين أو طردهم.

كيف تضغط الحرب في غزة على عرب إسرائيل؟

تضغط الحرب في غزة على عرب إسرائيل بشكل متزايد، ويتعرض طلاب وعمال للفصل والتحقيق بسبب ملاحقات قضائية، وتحدث أعمال شغب ومواجهات تنتهي باعتقالات أحيانا، في بلد يشكلون فيه أقلية، وفق شهادات جمعها واطلع عليها موقع “الحرة”.

الجش.. صوت “الجبهة الشمالية” مسموع

في الوقت الذي فرغت جميع البلدات اليهودية شمال إسرائيل من سكانها، وكان هدف التصعيد العسكري القائم منذ سبتمبر الماضي على حزب الله ومعاقله في جنوب لبنان والضاحية الجنوبية لبيروت، هو إعادة 70 ألف نازح إسرائيلي، فإن أهالي البلدات العربية الحدودية لم يبارحوا مطارحهم.

تعيش الشابة العشرينية تالين في إحداها، وهي قرية الجش، المحاذية للحدود بين إسرائيل ولبنان.

تختصر لموقع “الحرة” تأثيرات الحرب عليها بأنه “أذى نفسي”، جعلها تلتزم قريتها وتترك عملها في تل أبيب منذ نحو عام، حتى أنها تفكر جدياً في الهجرة خارج إسرائيل.

فراغ البلدات اليهودية القريبة من الجش غيّب الاحتكاك المباشر بين اليهود والعرب في المناطق الحدودية مع لبنان، لكن، ومنذ بداية الاجتياح البريّ لجنوب لبنان، تقول تالين “أسمع صوت القذائف التي يطلقها الجيش الإسرائيلي منذ خروجها حتى تصل لبنان..”.

وقبل أن تصف معاناتها من قلة النوم والشعور بـ”الألم” لأنها “تعرف ما تخلّفه تلك القذائف والغارات من قتلى ودمار في الجنوب اللبناني، تقول “ما أشعر به ليس معاناة.. هناك أشخاص يموتون يومياً”.

وخلف التصعيد بين إسرائيل وحزب الله منذ الثامن من أكتوبر 2023، 2036 قتيلاً في لبنان، كما أصيب نحو 9653 بجروح.

ومنذ تصعيد سبتمبر الماضي، نزح نحو مليون شخص داخل لبنان وأكثر من 250 ألفاً عبروا سوريا كما قالت الأمم المتحدة، بالإضافة للجوء أكثر من 5000 لبناني إلى العراق، وفق أرقام رسمية للبلد المضيف.

تتابع تالين: “لا أستطيع البقاء في هذا البلد.. لا أستطيع التعامل مع شخص إذا كان مؤيداً للحرب أو شارك فيها.. الأمر صعب جداً، ومؤذٍ نفسياً”.

هل هناك خوف من تأثيرات الحرب مع حزب الله، بسبب قربكم الجغرافي؟ “نعم” تقول تالين، مشيرة إلى وجود أرتال عسكرية قرب بلدتهم، وغياب الملاجئ سواء داخل البيوت أو العامة التي تجعل منها المسافة بعيدة المنال بعد أي صافرة إنذار، وذلك بحُكم البناء القديم للبيوت.

في الوقت نفسه، تستدرك تالين “لكن أهلي جربوا حرب 2006، وقليلة هي الأخطاء التي تؤدي لوصول الصواريخ أو القذائف من كلا الطرفين إلى الجش”.

وفي إشارة إلى تأثيرات الحرب في غزة، تعتبر تالين أن مواقع التواصل الاجتماعي “لعبت دوراً كبيراً في إطلاعها على الأخبار التي تغيب مثلاً عن وسائل الإعلام العبرية”، مردفةً “الجيل القديم متمسك بوسائل الإعلام التقليدية لكن الأخبار الصحيحة في السوشال ميديا” على حدّ تعبيرها.

في مقابلة “فرانس برس” مع أحمد الطيبي في يونيو الماضي، قال إن الشرطة الإسرائيلية “طاردت المئات من المواطنين العرب بسبب كتابتهم مقالاً أو قصة تعاطفت مع أطفال غزة أو قالوا لا للحرب”.

لكن ما زال لديه أمل في أن “يتمكّن اليهود والعرب من إعادة بناء الجسور”، مضيفا “أنا واقعي ولكنني متفائل دائما، لأنني على الجانب الصحيح من التاريخ” وفق تعبيره.

وأضاف أنه إذا انتهت الحرب في غزة، فإن “الديموقراطية هي السبيل الوحيد” لحلّ الأزمة مع قيام دولة فلسطينية بحقوق كاملة.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *