تكشف تقارير دولية وجود فجوة كبيرة بين الجنسين في معدلات المشاركة في القوى العاملة في مصر، وهو ما تؤكده شهادات نساء يعملن في القطاعين الخاص والحكومي.
وأظهر مؤشر المساواة بين الجنسين “GLOBAL GENDER GAR INDEX 2024″، الصادر مؤخرا عن المنتدى الاقتصادي العالمي، أن مصر جاءت في المرتبة 135 عالميا من بين 146 دولة، فيما جاءت في المؤشر الفرعي “معدل المشاركة في القوى العاملة” بالمرتبة قبل الأخيرة عالميا.
صعوبات
ومنذ عقود، تتحدث المرأة العاملة في مصر عن “صعوبات” تواجهها في سوق العمل، والتي تتنوع بين رفض أرباب الأعمال توظيفهن كونهن نساء أو استبعادهن من المراكز القيادية لصالح الرجال.
وتقول، سلمى علي، موظفة بإحدى شركات القطاع الخاص لموقع “الحرة”: “عادة ما يتم سؤالي في مقابلات العمل عن نيتي في التفكير بالإنجاب في الوقت القريب أو خلال سنة”.
وروت علي (35 عاما)، عن “معاناة تعرضت لها صديقتها منذ ما يقرب من عام تقريبا، وتعمل أيضا في القطاع الخاص، حينما فقدت وظيفتها التي كانت تعمل بها لمدة 3 أعوام بعد إجازة الوضع (الإنجاب)، حيث رفضت الشركة تمديد الإجازة بسبب أزمة صحية تعرضت لها، وخيرتها بين العودة إلى العمل أو تقديم الاستقالة”.
ويعطي قانون العمل المصري، المرأة الحق في إجازة وضع مدتها 3 أشهر بأجر كامل، بحد أقصى 3 مرات طوال مدة خدمتها، وذلك للعاملة في الدولة والقطاع العام وقطاع الأعمال العام والقطاع الخاص، سواء كانت تعمل بصفة دائمة أو بطريقة التعاقد المؤقت.
ومع ذلك، تقول علي، الحاصلة على شهادة “جامعية مرموقة” على حد تعبيرها: “محدش (لا أحد) بيطبق القانون، مفيش صاحب عمل في القطاع الخاص، عاوز يوظف امرأة تحمل (تنجب) بعد سنة أو سنتين، دائما يسألون عن النقطة دي في المقابلات، وتحديدا في القطاع الخاص، رغم أنه من حقنا. يعني مثلا لو فتاة تزوجت جديد (حديثا) وبتشتغل (تعمل) لمساعدة زوجها على تكاليف الحياة، تبقى مخيرة بين الخلفة (إنجاب أطفال) أو العيشة على استطاعتهم بما يوفر راتب زوجها”.
“الإمكانيات المهدورة” لنساء مصر
“الإمكانيات المهدورة” هكذا وصف تقرير نشرته صحيفة “وول ستريت جورنال” النساء في مصر.
وتؤكد أستاذة الاقتصاد بجامعة القاهرة، عالية المهدي، أن “مشاركة المرأة في سوق العمل لا تزال محدودة، وتراجعت بشكل كبير في القطاع العام والخاص خلال العقد الماضي”.
وتضيف في اتصال هاتفي مع موقع “الحرة”: “قبل عام 2011، كانت المرأة تشارك بشكل أكبر في القطاع الحكومي العام، الآن، لا توظف الحكومة النساء أو حتى الرجال على حد سواء”.
وتتابع: “أما فيما يتعلق بالقطاع الخاص الرسمي، فإن التوظيف ينمو به بمعدل ضعيف جدا، وعادة ما يفضلون توظيف الرجال لأنهم لا يحتاجون إلى تجهيزات خاصة مثل دور حضانة لأطفال النساء العاملات”.
وتشير المهدي، التي شغلت سابقا منصب عميد كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، إلى أن “القطاع الخاص غير الرسمي أيضا بات يستوعب النساء بنسبة محدودة للغاية، فيما بات القطاع الزراعي متشبع ولا يحتاج إلى المزيد من العاملين”.
في المقابل، تقول الخبيرة المصرفية، سهر الدماطي، والتي شغلت مناصب قيادية في بنوك حكومية، إن “أوضاع النساء في سوق العمل بمصر تحسنت كثيرا خلال السنوات القليلة الماضية، مقارنة بفترة ما قبل عام 2011”.
وتضيف في اتصال هاتفي مع موقع “الحرة”: “الحكومة عززت تعاونها خلال السنوات القليلة الماضية، مع المؤسسات الدولية من أجل تحسين أوضاع المرأة بشكل عام، وفي سوق العمل بشكل خاص وتمكينها اقتصاديا”.
ويقوم المجلس القومي للمرأة في مصر، بمتابعة هذه الجهود بشكل منتظم، وفق الدماطي، والتي تشير إلى بيانات صحفية صادرة عن المجلس يقول فيها إنه “يقوم بإجراء دورات تدريبة من خلال مركز تنمية مهارات المرأة التابع له لتأهيلهن لسوق العمل”.
مشاركة منخفضة وبطالة مرتفعة
وتظهر بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء أن نسبة مساهمة المرأة في القوى العاملة عام 2023، بلغت 15.9 بالمئة من إجمالي قوة العمل، متراجعة من 23.6 بالمئة في عام 2015، فيما يبلغ معدل البطالة للإناث 17.8 بالمئة مقابل 4.8 بالمئة للذكور.
وحسب تقرير حديث لمنظمة العمل الدولية، فإن معدل مشاركة الإناث في القوى العاملة في الدول العربية يبلغ 19.8 بالمئة في العام 2023، وهو ما يعني أن نسبة مساهمة المرأة بمصر في القوى العاملة أقل من المتوسط العربي.
إلى جانب ذلك، يظهر تقرير صدر عن المبادرة المصرية للحقوق الشخصية في سبتمبر 2023، أن “متوسط الأجور للنساء في القطاع الخاص أقل من الحد الأدنى للأجور، حتى بحسابه قبل زيادته الأخيرة في العام الماضي”.
ويبلغ الحد الأدنى للأجور في مصر، التي يعيش ثلثي سكانها تحت خط الفقر أو فوقه بقليل، نحو 6000 جنيه شهريا للقطاعين العام والخاص، فيما يبلغ مواطنون من الجنسين يعملون بالقطاع الخاص عن عدم التزام الشركات بالحد الأدنى الُمعلن من قبل الحكومة.
“المساواة بين الجنسين”.. لماذا تتذيل الدول العربية المؤشرات العالمية؟
“عادات مجتمعية بالية في أنظمة غالبيتها ذكورية، ولا تهتم بتمكين المرأة سياسيا واقتصاديا، ولا يسمحون بتوليها المناصب القيادية، وينظرون إليها على أن أداة للزواج والإنجاب في المقام الأول”، هكذا يعدد خبراء تحدث معهم موقع “الحرة” أسباب تكرار تذييل الدول العربية”مؤشر المساواة بين الجنسين”.
وتشير المهدي خلال حديثها إلى قصور “فيما يتعلق بالإجراءات والقوانين المتعلقة بسوق العمل بالنسبة للمرأة في مصر، حيث تواجه تعنت من قبل أصحاب العمل فيما يتعلق بالحق في الإجازة، والتفاوت في الرواتب بينها وبين الرجل”.
وتضيف: “القوانين عززت هذا التعنت، خصوصا حينما تتضمن مواد تنص على ضرورة قيام أصحاب المصانع بإجراءات محددة إذا ارتفعت نسبة مشاركة المرأة من القوة العاملة، مثل إنشاء دور حضانة للأطفال، وهو الأمر الذي يدفعهم إلى الابتعاد عن توظيف النساء وتفادي أي تكاليف إضافية”.
وتنص المادة 96 من قانون العمل المصري لسنة 2003: “على صاحب العمل الذي يستخدم 100 عاملة فأكثر في مكان واحد أن ينشئ دارا للحضانة أو يعهد إلى دار للحضانة برعاية أطفال العاملات بالشروط والأوضاع التي تحدد بقرار من الوزير المختص”.
ومع ذلك، تقول المهدي إن “القوانين التي تبدو وكأنها تدعم المرأة قد تكون في الواقع عائقا أمام توظيفها. علينا أن نكون حذرين في صياغة القوانين لضمان أنها تعزز فرص المرأة بدلا من تقليلها، وذلك من خلال استبدال هذه المواد بحوافز أخرى تقدم لأصحاب الأعمال مثل تولي الحكومة عملية إنشاء دور الحضانة للأطفال”.
“مناصب قيادية محرمة”
وعلى صعيد القطاع الحكومي والعام، تشير بيانات رسمية إلى ارتفاع نسبة الإناث العاملات في القطاع الحكومي والعام إلى 32.3 بالمئة في عام 2022، من 30.5 بالمئة في عام 2014.
ورغم ذلك، تقول صباح (اسم مستعار)، رفضت الكشف عن هويتها، وهي تعمل ضمن الكادر الطبي بأحد المستشفيات الحكومية الجامعية، إنها “تشغل منصبا قياديا بعد سنوات من المطالبة بحقها في ذلك، والحصول على الدورات التدريبية الإضافية والالتحاق بالدراسات العليا من أجل تحقيق ذلك”.
وتضيف صباح (46 عاما) لموقع “الحرة”: “عادة المناصب القيادية محرمة على النساء في بعض المؤسسات. وبيئة العمل الذكورية تدعم ذلك، حيث يرفض الموظفون الذكور عادة وجودة امرأة في منصب قيادي”.
بدورها تؤكد المهدي على ضرورة “المساواة بين الجنسين في المناصب القيادية، ولا يجب أن تقتصر على الرجال، مهما كانت طبيعة مهامها”.
وتضيف: “في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية نجد أن الإناث أكثر توفقا من الذكور، ويمكن القياس على ذلك في المناصب القيادية أيضا، حيث تمتلك المرأة العديد من المهارات المساوية، بل تتفوق على الرجل والتي تؤلها إلى تولي مناصب قيادية عدة”.
وتقول الحكومة المصرية، إنها عملت خلال السنوات القليلة الماضية على تعزيز دور المرأة في المجتمع وفي النشاط الاقتصادي، حيث منحت مناصب قيادة في مواقع صنع القرار، من بينها 6 حقائب وزارية داخل مجلس الوزراء، كما حصلت على 162 مقعدا في البرلمان تشكل 27 بالمئة من إجمالي أعضاء مجلس النواب.
وتشير إلى ذلك، الدماطي، حيث تقول خلال حديثها إن “القوانين والإجراءات التي تبنتها الحكومة المصرية، لعبت دورا كبيرا في تعزيز دور المرأة في الاقتصاد، وفي شغل مناصب قيادية عدة”.
وتضيف: “المؤسسات المالية والبورصة والبنك المركزي أصدرت قرارات هامة لزيادة نسبة تمثيل المرأة في مجالس الإدارة، فمثلا البنك المركزي ألزم البنوك المحلية بزيادة تمثيل المرأة في مجالس الإدارة منذ عام 2019”.
وتتابع: “لا يوجد فجوة في تعيين النساء في سوق العمل أو المساواة مع الرجال، الظروف والتداعيات الاقتصادية جعلت من الضروري أن يعمل الرجل والمرأة معا لتلبية احتياجات الأسرة”.
انقطاع الكهرباء والموجة الحارة.. “معضلة” تؤرق المواطن والاقتصاد في مصر
“لا نستطيع تحمل هذا الوضع.. نحن نعاني يوميا.. بينما لا تقدم الحكومة أي حلول ولا تضع جدول زمني لانتهاء الأزمة”، هكذا يشتكي عدد من المواطنين المصريين من استمرار “أزمة انقطاع الكهرباء” في البلاد، وهو ما يصفه مختصون تحدث معهم موقع “الحرة” بمعضلة تؤرق المواطن والاقتصاد على حد سواء.
صورة واضحة
لم يكن تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي بشأن المساواة بين الجنسين، الوحيد الذي يشير مؤخرا إلى الصعوبات التي تواجه المرأة في سوق العمل المصرية، إذ كشف البنك الدولي في تقريره السنوي “المرأة وأنشطة الأعمال والقانون”، مارس الماضي، أن مصر جاءت في المرتبة 175 عالميا من بين 190 دولة.
ويقول البنك الدولي إن التقرير يقدم “صورة شاملة للعقبات التي تواجه النساء في دخول قوة العمل العالمية والمساهمة في تحقيق مزيد من الرخاء لأنفسهن وأسرهن ومجتمعاتهن المحلية”.
وتؤكد المهدي على أهمية هذه التقارير بالنسبة لمصر، إذ إنها تعطي صورة واضحة للمقاربة والمقارنة بين الدول سواء في المنطقة والعالم، “من أجل صياغة سياساتها بما يدعم الاقتصاد”.
وتقول المهدي: “التقارير الدولية مهمة لأنها تظهر لنا صورة واضحة للوضع الحالي وتقارن بين الدول. ويجب على الدول الجادة أن تنظر إلى ذلك بعين الاعتبار، خصوصا أن مشاركة المرأة في الاقتصاد لها انعكاسات إيجابية على الناتج المحلي الإجمالي بالبلاد”.
ويشير استطلاع أجرته شركة “برايس ووترهاوس”، المعروفة بـ” PWC” وهي واحدة من أكبر شركات الخدمات المهنية في العالم، إلى أن مشاركة المرأة في القوى العاملة قد تزيد الناتج المحلي الإجمالي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بواقع 2 تريليون دولار.
بدورها، تشكك الدماطي، في التقارير التي تتحدث عن تراجع مصر في مؤشرات المساواة بين الجنسين في سوق العمل، إذ تقول إنها “لا تراعي الفجوة الكبيرة الموجودة في المناطق الريفية، نظرا لطبيعة النشاطات الاقتصادية هناك، والثقافة المجتمعية، وذلك بالمقارنة بالمحافظات الكبرى كالقاهرة والإسكندرية التي لا توجد بها أي فجوة”.
وتضيف خلال حديثها: “إذا نظرنا للإحصاءات نعم هناك فجوة في المناطق الريفية، حيث تعتمد هذه المناطق بشكل كبير على الزراعة. ولكن في المدن الكبرى مثل القاهرة والإسكندرية، تقل الفجوة بين الجنسين في سوق العمل نتيجة تركز النشاط الاقتصادي وبفضل التشريعات والمبادرات الجديدة”.
ومع ذلك، فإن الحكومة وفرت مؤخرا تسهيلات ودعم للمرأة في المناطق الريفية من خلال تمويل مشاريع صغيرة، حسب الدماطي، والتي ترى أن “هناك حاجة على تغيير الثقافة المجتمعية في القرى والنجوع لدعم مشاركة المرأة في سوق العمل”.
في المقابل تقول المهدي إن “من الأهمية التركيز على القطاعات التي تفضل توظيف النساء مثل التعليم والصحة والشؤون الاجتماعية، وهذه القطاعات تحتاج إلى تشجيع حكومي للتوسع بشكل أكبر”.
وتشير إلى أنه “لا يمكن للحكومة توظيف الجميع، لكنها تستطيع تشجيع المؤسسات من خلال منح مزايا عند تحقيق نسب معينة من توظيف النساء”.
وتختتم المهدي حديثها بالقول: “الفرص المتاحة للمرأة في سوق العمل يجب أن تكون مدعومة من الدولة وصناع السياسات من خلال حوافز مختلفة وجديدة”.