تجارب نووية وتهديدات متصاعدة.. هل تريد كوريا الشمالية بدء الحرب؟

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 10 دقيقة للقراءة

صعدت كوريا الشمالية من خطابها العدائي ضد جارتها الجنوبية خلال الفترة الماضية، وكثفت تجاربها النووية، وأعلنت إطلاق واختبار “أسلحة جديدة”، ما أثار تساؤلات حول مدى رغبة بيونغ يانغ في بدء حرب، وهو ما يجيب عنه خبراء تحدثت معهم صحيفة “واشنطن بوست”.

والجمعة، أعلنت بيونغ يانغ أنها اختبرت “نظام أسلحة نووية تحت الماء”، ردا على مناورات بحرية مشتركة أجرتها واشنطن وسيول وطوكيو شاركت فيها حاملة طائرات أميركية تعمل بالدفع النووي.

وقالت وزارة الدفاع الكورية الشمالية، إن هذه المناورات كانت “تهدد بشكل خطير أمن” كوريا الشمالية مضيفة أنه ردا على ذلك، أجرت بيونغ يانغ “اختبارا مهما على نظامها للأسلحة النووية تحت الماء +هايل-5-23+ الجاري تطويره في بحر كوريا الشرقي”.

وجرى اختبار النظام المسير الجديد هايل، والذي يعني تسونامي، للمرة الأولى في مارس 2023، وقالت وسائل الإعلام الحكومية إنه يهدف إلى شن هجمات تسلل في مياه العدو وتدمير المجموعات الهجومية البحرية والموانئ العاملة الرئيسية من خلال إطلاق موجة إشعاعية هائلة من انفجار تحت الماء، حسبما أشارت وكالة “رويترز”.

والأسبوع الماضي، أعلن الزعيم الكوري الشمالي، كيم جونغ أون، أن الجنوب هو “العدو الرئيسي” لبلاده، وتخلى عن الوكالات المخصصة لإعادة التوحيد والتواصل وهدد بالحرب حتى ولو تعدى الجنوب على “0.001 ملم” من أراضي كوريا الشمالية.

والأحد الماضي، أطلقت كوريا الشمالية صاروخا فرط صوتي يعمل بالوقود الصلب، بعد أيام على إجرائها تمارين بالذخيرة الحية قرب حدودها البحرية المضطربة مع كوريا الجنوبية، ما استدعى تمارين مضادة وأوامر إخلاء لبعض الجزر الكورية الجنوبية الحدودية.

وأشرف كيم أيضا على عملية وضع قمر اصطناعي للتجسس في مداره العام الماضي، بمساعدة روسية كما تقول سيول، مقابل إمدادات أسلحة للحرب التي تشنها موسكو في أوكرانيا.

وشهدت الأشهر الأخيرة تدهورا حادا في العلاقات المتوترة منذ فترة طويلة بين الكوريتين، حيث تخلى الجانبان عن اتفاقات رئيسية كانت تهدف للحد من التوتر، وقاما بتعزيز الأمن الحدودي وإجراء تمارين على طول الحدود.

ومن المعروف أن النظام الكوري الشمالي يطلق تهديدات طنانة، لكن خطابه أصبح أكثر عدوانية بشكل ملحوظ في الأشهر الأخيرة، وهو تحول مثير للقلق يقول بعض المحللين إنه قد يدفعه إلى تبرير استخدام الأسلحة التقليدية أو النووية ضد الجنوب.

وفي مقال الأسبوع الماضي، حذر عالمان بارزان، من أن حسابات كيم قد تغيرت بشكل كبير منذ آخر مرة جلس فيها للمفاوضات النووية، في عام 2019. 

وقال سيغفريد هيكر، العالم النووي الأمريكي الشهير الذي زار كوريا الشمالية: “يجب أن ننتبه إلى احتمال أن يكون كيم قد اكتشف بطريقة أو بأخرى كيف يمكنه الاستعداد وبدء نوع من الصراع العسكري ويكون قادرا على الإفلات من ذلك”. 

وكتب هيكر وروبرت كارلين، المحلل السابق لشؤون كوريا الشمالية في وكالة المخابرات المركزية والقارئ المقرب لدعاية بيونغ يانغ، المقال محذرين من أن كوريا الشمالية قد تتحرك بجدية نحو الحرب.

تحول في استراتيجية كوريا الشمالية

وكانت هناك دلائل منذ عام 2022 على أن بيونغ يانغ تعيد توجيه أولويات علاقاتها الخارجية.

وأشار كيم من خلال خطاباته إلى أنه يسعى إلى تعزيز العلاقات مع روسيا والصين، واعتبر التواصل مع الولايات المتحدة عديم الجدوى.

والثلاثاء الماضي، استقبل الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في موسكو وزيرة الخارجية الكورية الشمالية، في مؤشر يدل على تقارب بين البلدين الجارين تسارعت وتيرته بعد بدء غزو روسيا لأوكرانيا.

وأعلنت الرئاسية الروسية أن بوتين استقبل وزيرة الخارجية الكورية الشمالية، تشوي سون-هوي، في الكرملين

وبحث الرئيس الروسي ووزيرة الخارجية الكورية الشمالية في اتفاقات مبرمة بين بلديهما، وفق المتحدث باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف، من دون إعطاء مزيد من التفاصيل.

أما بالنسبة للعلاقات مع الولايات المتحدة، فقد أصدر كيم قانونا نوويا جديدا في عام 2022 وأعلن أنه “لن يكون هناك على الإطلاق نزع للأسلحة النووية، ولا مفاوضات ولا ورقة مساومة للتجارة”، مشيرا إلى أنه لن يعود إلى المحادثات إذا كان نزع السلاح النووي مدرجا على جدول الأعمال.

وقالت واشنطن مرارا إنها ستلتقي بكوريا الشمالية “في أي مكان وفي أي وقت ودون شروط مسبقة”، لكن العديد من الخبراء يتفقون على أن الجهود الأميركية الحالية لإشراك كوريا الشمالية ليست غير فعالة فحسب، بل إنها مجرد تأخير في الطريق بينما تعمل بيونغ يانغ على توسيع وتحديث ترسانتها النووية.

وقال فرانك أوم، كبير الخبراء في شؤون شمال شرق آسيا في المعهد الأمريكي للسلام: “لم تعد كوريا الشمالية ترى أي فائدة في السعي لإجراء محادثات مع الولايات المتحدة، على الأقل بالشروط التي تضعها إدارة بايدن”، حسبما ذكرت “واشنطن بوست”.

وفي الوقت نفسه، تتصاعد التوترات في شبه الجزيرة الكورية، وقد تبنى الرئيس الكوري الجنوبي، يون سوك يول، الذي تولى منصبه في عام 2022، نهجا متبادلا، بخطابه الحاد وعروض القوة العسكرية.

وتجري الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية تدريبات عسكرية منتظمة، وفي العام الماضي، نشرت الولايات المتحدة غواصة صاروخية باليستية مسلحة نوويًا في كوريا الجنوبية لأول مرة منذ الثمانينيات. 

وتعتبر كوريا الشمالية هذه التحركات معادية لأمنها القومي وتستخدمها لتبرير أسلحتها وبرنامجها النووي.

وقال أوم: “يبدو أن واشنطن وسيول تعتقدان أن تدابير الردع المعززة، وأساليب الضغط الأخرى، كافية للتخفيف من حدة التوترات المتصاعدة واحتواء أي موقف قد يتحول إلى أزمة”.

 “لكن هذه الإجراءات القسرية القائمة على الضغط… تؤدي إلى تفاقم المخاطر” وتدفع كوريا الشمالية إلى التركيز على تطوير قدرات الردع الخاصة بها، حسبما أشار.

خطابات “مثيرة للقلق”

تصريحات وخطابات مسؤولين رفيعي المستوى بكوريا الشمالية، بما في ذلك كيم، في عام 2023، تظهر أنها تستعد للحرب، وفقًا لهيكر وكارلين.

وبدأت تلك المؤشرات تظهر في يناير من العام الماضي، عندما وعد كيم بعام من “الاستعدادات للتعبئة للحرب وتعزيز القدرة الحربية الفعلية” لكوريا الشمالية”.

ويشير هيكر وكارلين إلى أنه بعد أن عقدت أعلى منظمة عسكرية في البلاد عددا غير عادي من الاجتماعات في منتصف العام الماضي، دعا كيم إلى “الاستعداد لحرب ثورية من أجل تحقيق” إعادة التوحيد”.

واختتم كيم العام بقوله إن “الاشتباك الجسدي يمكن أن يحدث ويتصاعد حتى بسبب عامل عرضي بسيط” بالقرب من الحدود بين الكوريتين. 

وفي الاجتماعات السنوية التي يعقدها الحزب الحاكم في بيونغ يانغ في نهاية كل عام، هدد كيم نهاية العام الماضي بشن هجوم نووي على كوريا الجنوبية، ودعا إلى تعزيز ترسانة بلاده العسكرية قبل نشوب نزاع مسلح حذر من أنه قد “يندلع في أي وقت”، بحسب وكالة “فرانس برس”.

وقد أكدت شقيقته القوية، كيم يو جونغ، على هذه النقطة بتحذيرها من أن كوريا الشمالية “سوف تشن ضربة عسكرية فورية إذا قام العدو ولو باستفزاز بسيط”.

ويرى الخبراء أن هذا أكثر من التهديد المعتاد، وقال هيكر: “ما رصدناه الآن خلال العام الماضي هو مجرد دفع الأمور بشكل متزايد في هذا الاتجاه العسكري”.

وإلى جانب خطابها المتصاعد، تعمل بيونغ يانغ على تعزيز قواتها العسكرية، وتعهد كيم بتوسيع ترسانته من الأسلحة في عام 2024 من خلال إطلاق أقمار صناعية جديدة للتجسس، وبناء طائرات عسكرية بدون طيار، وإنتاج المزيد من المواد النووية.

ماذا بعد؟

يعترف الخبراء على نطاق واسع بوجود خطر واضح ومتزايد لحدوث مواجهة عسكرية محتملة في شبه الجزيرة الكورية “حتى لو كانت غير مقصودة”.

في حين أن بيونغ يانغ تعلم بشكل شبه مؤكد أنها لن تنجو من حرب نووية شاملة، إلا أنها قد تجد طرقا محدودة لاستخدام سلاح نووي خلال العقد المقبل لتحدي التحالف بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية، وفقًا لدراسة أجراها “المجلس الأطلسي” في نوفمبر. 

ووجدت الدراسة أن ثقة بيونغ يانغ المتزايدة في رادعها النووي قد تدفعها إلى إيجاد المزيد من خيارات التصعيد، خاصة إذا تمكنت من إثارة غضب بكين وواشنطن ضد بعضهما البعض.

ومع ذلك، يشير بعض الخبراء إلى أن “المخاوف من الحرب بعيدة المنال”.

وقال لي هو ريونج، الخبير العسكري الكوري الشمالي في المعهد الكوري للتحليلات الدفاعية في سيول، إن كوريا الشمالية لديها سجل في الاستفادة من حملاتها العسكرية بشكل استراتيجي لكسب تنازلات من الأعداء، كما أن الخطاب التحريضي يساعد في غرس الشعور بالوحدة الوطنية.

وأضاف لي: “إذا كان نظام كيم جادا بشأن الاستعداد للحرب، فإنه سيخزن أسلحته وذخائره بدلا من إرسال كمية كبيرة منها إلى الخارج إلى روسيا”.

ومن جانبه، قال يانغ مو جين، رئيس جامعة الدراسات الكورية الشمالية في سيول، إن كوريا الشمالية لا تزال متخلفة في قدرات الأسلحة التقليدية وتواجه نقصا مزمنا في الموارد الأساسية مثل الغذاء والوقود الضروريين لاستمرار الحرب.

وأشار إلى أن كوريا الشمالية لم تحصل بعد على الدعم الكامل من الصين وروسيا لبدء حرب جديدة في المنطقة، مضيفا أن “زعزعة الاستقرار في شبه الجزيرة الكورية ليس بالضرورة في مصلحة حلفاء كوريا الشمالية، وخاصة الصين”.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *