في السابع من أكتوبر، وبينما كان الهجوم الذي قادته حماس على إسرائيل يتكشف، خرج العديد من الفلسطينيين إلى شوارع غزة للاحتفال بما شبهوه بعملية “هروب من السجن وإذلال مفاجئ للمحتل”، لكن كل هذا تغير مع بدء واستمرار العملية العسكرية الإسرائيلية ردا على الهجوم، والتي جلبت دمارا واسع النطاق وأسفرت عن عشرات الآلاف من القتلى، حسب صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية.
وفي ظل الحرب المتستمرة منذ نحو 8 أشهر، أصبحت حركة حماس وقادتها “غير محبوبين بشكل عام” في القطاع، كما أصبح المزيد من سكان غزة “مستعدين لانتقاد الحركة بشكل علني، دون الخوف من الانتقام”.
واندلعت الحرب في قطاع غزة، إثر هجوم حماس (المصنفة إرهابية في الولايات المتحدة ودول أخرى) غير المسبوق على إسرائيل في السابع من أكتوبر، مما أسفر عن مقتل نحو 1200 شخص، معظمهم مدنيون، وبينهم نساء وأطفال، وفق السلطات الإسرائيلية.
وردا على الهجوم، تعهدت إسرائيل بـ”القضاء على حماس”، وتنفذ منذ ذلك الحين حملة قصف أُتبعت بعمليات برية منذ 27 أكتوبر، أسفرت عن مقتل أكثر من 37 ألف فلسطيني، معظمهم نساء وأطفال، وفق ما أعلنته السلطات الصحية بالقطاع.
“لا توجد أضحية واحدة”.. كيف يستقبل سكان غزة العيد؟
يستعد سكان غزة لاحتفال بعيد أضحى حزين تغيب فيه الأضاحي والمياه النظيفة وكل مقومات الحياة، ووسط يوم مميت للجيش الإسرائيلي الذي فقد ثمانية من جنوده.
“تعمل من أجل مصلحتها”
وفي مقابلات مع نحو 12 من سكان غزة أجرتها “نيويورك تايمز” في الأشهر الأخيرة، قال عدد منهم إنهم يحمّلون حماس المسؤولية عن بدء الحرب والمساهمة في جلب الموت والدمار، حتى مع أنهم يلومون إسرائيل في المقام الأول.
وبينما كان قادة حماس وحتى الرهائن الإسرائيليين في الأنفاق تحت الأرض، كان سكان غزة فوق الأرض دون حماية من القنابل التي تسقط فوق رؤوسهم كل يوم، حيث كانت هذه شكوى غالبا ما تسمع من منتقدي حماس في غزة، وفقا لـ”نيويورك تايمز”.
ونقلت الصحيفة عن أحد سكان غزة يدعى رائد الكيلاني (47 عاما)، قوله إن حماس “دائما تعمل من أجل مصالحها الخاصة”.
وأضاف الكيلاني، الذي عمل كموظف مدني في حكومة السلطة الفلسطينية السابقة في غزة، التي كانت تدير القطاع قبل أن تستولي حماس على السلطة عام 2007: “بدأت الحرب في 7 أكتوبر، وتريد (حماس) إنهاءها بشروطها الخاصة، لكن الوقت يمضي دون أمل محتمل بإنهاء الحرب”.
واستطرد الرجل الذي يعمل الآن على توزيع مساعدات غذائية في الملاجئ للنازحين الغزيين: “حماس لا تزال تسعى للحصول على حصتها من السلطة، وهي لا تعرف كيف تنزل من الشجرة التي تسلقتها”.
“ثقافة الخوف”
ونقلت الصحيفة عن بعض سكان غزة الذين تحدثوا إليها قولهم، إن “حماس كانت تعلم أنها ستبدأ حربا مدمرة مع إسرائيل تسبب خسائر فادحة في صفوف المدنيين، لكنها لم توفر أي طعام أو ماء أو مأوى لمساعدة الناس على البقاء على قيد الحياة”.
في المقابل، قال قادة حماس، وفق الصحيفة، إنهم “أرادوا إشعال حالة دائمة من الحرب مع إسرائيل على جميع الجبهات، كوسيلة لإحياء القضية الفلسطينية، وأنهم كانوا يعرفون أن الرد الإسرائيلي سيكون كبيرا”.
وخلال الحرب، ظهرت تلميحات بشأن معارضة حماس، حتى بينما كان الغزيون ينعون أحباءهم الذين قتلوا في الهجمات الإسرائيلية، بينما انتظر آخرون حتى غادروا القطاع لإدانة الحركة الفلسطينية، بعد أن كانوا في بعض الأحيان مترددين خشية أن تنجو الجماعة من الحرب وتواصل حكم غزة، وفقا لـ”نيويورك تايمز”.
الحرب تعمق فقدان الثقة لدى الشباب الفلسطيني والإسرائيلي بالتعايش السلمي
فقد الجيل الجديد من الشباب الفلسطينيين الثقة في آفاق السلام والتعايش مع إسرائيل ما يدفعهم أكثر إلى الاعتقاد بأن العمل المسلح هو السبيل الوحيد للحصول على حقوقهم.
وفي مارس الماضي، أثار المصور الصحفي المعروف في غزة، معتز عزايزة، الجدل على وسائل التواصل الاجتماعي، عندما انتقد حماس بشكل غير مباشر بعد مغادرته القطاع، حيث كان واحدا من حفنة صحفيين شباب برزوا على الساحة الدولية في وقت مبكر من الحرب، لتوثيقهم الموت والدمار على وسائل التواصل الاجتماعي.
وكتب في إشارة واضحة إلى حماس: “إذا لم يكن موت وجوع شعبهم يُحدث أي فرق لهم، فلا يحتاجون إلى أن يُحدثوا أي فرق لنا. ملعون كل من تاجر بدمائنا، وأحرق قلوبنا ومنازلنا، وخرّب حياتنا”.
ووفقا لـ”نيويورك تايمز”، كان قياس الرأي العام في غزة صعبا حتى قبل بدء الحرب، وذلك بسبب سيطرة حماس على القطاع منذ فترة طويلة، و”إشاعة ثقافة الخوف بنظام حكمها القمعي وتنفيذ أعمال انتقامية ضد من ينتقدها”.
“التشبث بالسلطة”
ورغم أن الاستطلاعات الآن أصبحت أكثر صعوبة، مع تشريد معظم سكان غزة البالغ عددهم 2.2 مليون نسمة عدة مرات بسبب الحرب، فإن بعض الاستطلاعات الأخيرة تظهر الدعم الضعيف لحماس وقادتها في القطاع، وفق الصحيفة.
وأجرى معهد التقدم الاجتماعي والاقتصادي في الضفة الغربية استطلاعا للرأي في مارس الماضي، أظهر أن حوالي ثلاثة أرباع من شاركوا يعارضون زعيم حماس في غزة، يحيى السنوار، ونسبة مماثلة تعارض رئيس المكتب السياسي للحركة في الخارج، إسماعيل هنية.
ونقلت الصحيفة الأميركية عن مؤسس معهد التقدم الاجتماعي والاقتصادي، عبادة اشتية، قوله: “عندما تدرك بعد 6 أشهر أو 7 أشهر أن غزة دُمرت تماما، وأن حياتك كغزّي دمرت تمامًا، فهذا هو السبب الذي يدفع الناس إلى عدم دعم السنوار أو هنية”.
في المقابل، قال المتحدث باسم حماس، باسم نعيم لـ”نيويورك تايمز”، إن الدعم الشعبي لحماس في غزة “لا يقل عن 50 بالمئة”، ويشمل ذلك أعضاء حماس في غزة، الذين يتجاوز عددهم 100 ألف، فضلا عن أسرهم.
وأضاف: “هل هناك أشخاص في غزة يلومون حماس؟ بالطبع نعم. ونحن لا نقول إن 100 بالمئة من سكان غزة يدعمون حماس أو أنهم سعداء بما حدث”.
كما نقلت الصحيفة عن بعض الغزيين قولهم، إن هذه الحرب “استمرت لفترة أطول من أي صراع سابق بين إسرائيل وفصيل فلسطيني مسلح في غزة؛ لأن حماس تسعى ليس فقط للبقاء، لكن للتشبث بالسلطة”.
البيت الأبيض: قطر ومصر تعتزمان التواصل مع حماس بشأن مقترح وقف إطلاق النار
قال مستشار الأمن القومي بالبيت الأبيض، جيك سوليفان، السبت إن وسطاء من قطر ومصر يعتزمون التواصل مع قيادات حماس قريبا لمعرفة ما إذا كان هناك سبيل للمضي قدما في اقتراح وقف إطلاق النار في غزة الذي يطرحه الرئيس الأميركي، جو بايدن.
وترفض حماس الموافقة على أي اتفاق لوقف إطلاق النار مع إسرائيل، وتطالب بإنهاء الحرب بشكل كامل، وهو ما ترفضه إسرائيل، التي أكدت أنها “ستواصل الحرب حتى القضاء على حكم حماس وقوتها العسكرية في قطاع غزة”.
وقالت واحدة من سكان غزة فرت مؤخرا إلى مصر مع أسرتها، إنها “تسمع بانتظام من الأصدقاء والعائلة أنهم لا يريدون انتهاء الحرب حتى تهزم حماس في غزة”.
وأضافت خلال حديثها للصحيفة، أن حماس “تفضل أهدافها الخاصة على حساب رفاهية الفلسطينيين، الذين تزعم الدفاع عنهم وتمثيلهم”.
وأشارت المرأة، التي طلبت عدم الكشف عن هويتها خوفا من الانتقام المحتمل إذا تم الكشف عن نقدها علنا: “كان بإمكانهم الاستسلام منذ فترة طويلة وإنقاذنا من كل هذا المعاناة”.