صمد الاقتصاد الروسي بشكل كبير في وجه العقوبات الغربية المفروضة منذ الحرب التي شنتها موسكو ضد أوكرانيا، لكن تقرير لوكالة “بلومبيرغ” الأميركية، سلط الضوء على خنق تلك العقوبات لطموحات الرئيس فلاديمير بوتين، في مجال الغاز بمنطقة القطب الشمالي.
أوضح التقرير أن محطة “أركتيك 2” للغاز الطبيعي، الواقعة في بحر كارا الجليدي، جزء أساسيا من خطط موسكو لتعزيز صادراتها ومخزونها. وكانت قبل أشهر مستعدة لتوجه الغاز الطبيعي المسال إلى أسواق جديدة، كبديل للسوق الأوروبي.
لكن المشروع الضخم الذي بلغت تكلفته نحو أكثر من 20 مليار دولار، لا يزال بلا حراك تقريبا، في أول تأثر شديد لأحد أركان مجمع الطاقة الروسي بالقيود الأميركية، حسب بلومبيرغ.
وترغب موسكو في زيادة إنتاج الغاز الطبيعي المسال بمعدل 3 أضعاف بحلول عام 2030، لتضيف ما لا يقل عن 35 مليار دولار كإيرادات سنوية.
حزمة عقوبات “صارمة”.. الاتحاد الأوروبي يستهدف صادرات الغاز الروسي لأول مرة
يتجه الاتحاد الأوروبي إلى فرض عقوبات “صارمة” على قطاع الغاز “المربح” في روسيا، للمرة الأولى منذ أن غزت موسكو أوكرانيا قبل أكثر من عامين، حسب مجلة “بوليتيكو” الأميركية.
ولا تزال روسيا رابع أكبر مصدر للغاز الطبيعي المسال في العالم، وذلك بفضل عملياتها القديمة، لكن القيود المفروضة على مشروع “أركتيك – 2” للغاز الطبيعي المسال في القطب الشمالي، أعاقت تطلعات موسكو المستقبلية، وفق الوكالة.
وقال مؤسس معهد القطب الشمالي، مالتي هامبرت، الذي يعمل على تتبع التوسع الروسي في المنطقة منذ أكثر من عقد: “العقوبات الأميركية تعمل بشكل مدهش”.
وتابع أن العقوبات “منعت المشروع حتى قبل أن يبدأ، وأوقفوا السفن قبل تسليمها”.
وفرضت الولايات المتحدة في نوفمبر الماضي عقوبات على روسيا بسبب الحرب على أوكرانيا، شملت تقييد إنتاج روسيا المستقبلي للطاقة وقدراتها التصديرية بما في ذلك شركة مشروع “أركتيك – 2” للغاز الطبيعي، التابع لشركة الغاز الروسية “نوفاتيك”.
وتقدر قيمة المشروع بنحو 21 مليار دولار، وهو حيوي لروسيا التي تنتج حاليا 8 بالمئة من الغاز الطبيعي المسال في العالم، وتسعى للوصول إلى نسبة 15 إلى 20 بالمئة بحلول عام 2035، في مواجهة منافسين أميركيين وقطريين وأستراليين، أي إلى مستوى إنتاج يبلغ حوالي 100 مليون طن في السنة، وفق فرانس برس.
لأول مرة.. روسيا توجه ناقلات النفط “ذات الهيكل الرقيق” عبر القطب الشمالي
سمحت روسيا لناقلات النفط غير المعززة بالإبحار عبر طريق بحر الشمال الجليدي للمرة الأولى، مما أثار مخاوف بشأن وقوع تسرب كارثي في القطب الشمالي، وفق تقرير لصحيفة “فايننشال تايمز”.
ومع فرض العقوبات ضد المشروع، امتنع المشترون في الصين والهند (الدول التي اشترت النفط الروسي وتاجرت به وتتحايل على القيود الحالية) عن شراء الغاز الطبيعي المسال من موسكو، ولو بأسعار مخفضة، وفق الوكالة.
كما أن شركات لبناء السفن التزمت بالعقوبات، حيث توجد سفن بمئات الملايين من الدولارات عالقة حاليا في كوريا الجنوبية، ولا يمكن لأحد أن يشتريها أو يستأجرها.
وكانت الشركة الفرنسية “توتال إنرجي” قد أعلنت في 2022 بعد بدء الهجوم الروسي في أوكرانيا، وقف تمويلها لمشروع “أركتيك 2” الذي تمتلك “نوفاتيك” 60 بالمئة منه مع الصينيتين “مؤسسة النفط الوطنية الصينية” (سي إن بي سي) و”المؤسسة الوطنية الصينية للنفط البحري” (سي إن أو أو سي) واليابانية “جابان أركتيك إل إن جي”.
وتأمل موسكو بأن يكون طريق القطب الشمالي هذا الذي أصبح قابلا للاستخدام بفضل الاحتباس الحراري وذوبان الجليد، قادرًا في المستقبل على منافسة قناة السويس المصرية في تجارة المحروقات.
لكن ورغم كل ذلك، أعلن بوتين، في يناير الماضي، إطلاق الخط الأول من المشروع. وقال أحد المشغلين خلال حفل التدشين الذي بث التلفزيون وقائعه، إن “تفويض القَطر لنقل خط المعالجة الأول لمصنع الغاز الطبيعي المسال جاهز، وأطلب الإذن ببدء عمليات النقل في البحر”.
ورد بوتين بأن “الإذن ممنوح”، بينما كان يقوم بتشغيل الخط إلى جانب مدير شركة الغاز العملاقة “نوفاتيك”، ليونيد ميخلسون.
ويفكر الاتحاد الأوروبي حاليا في قيود جديدة تشمل حظر استخدام موانئ الاتحاد الأوروبي لإعادة تصدير الغار الروسي المتجه إلى دول ثالثة.
ووفق “بلومبيرغ”، فإن ذلك سيمثل مشكلة كبيرة لروسيا، حيث مصانع الغاز الطبيعي المسال في منطقة القطب الشمالي بعيدة جدا، وعادة ما يتم تسليم الشحنات أولا إلى بلجيكا أو فرنسا، لإعادة التصدير إلى آسيا أو أي ميناء أوروبي آخر.