بعد أيام من هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، نزل الرئيس الأميركي جو بايدن من الطائرة ليعانق على أرض مطار تل أبيب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في خطوة مزجت الدعم السياسي بالعلاقة الشخصية، لكن بعد 7 أشهر من الحرب على غزة، تسبب الهجوم الإسرائيلي على رفح المكتظة بالنازحين بشرخ عميق بين زعيمي البلدين الحليفين.
لم يخف بايدن تأييده لإسرائيل خلال مسيرته الطويلة، كما جمعته علاقة وثيقة بنتنياهو الذي يناديه باسم الدلع “بيبي”.
لكن يبدو أن صفحة الغرام بينهما طويت، مع تلويح الرئيس الأميركي للمرة الأولى هذا الأسبوع، بتعليق بلاده بعض الدعم العسكري لإسرائيل، والذي يوازي 3 مليارات دولار سنويا، لدفعها إلى الامتناع عن شن هجوم واسع على المدينة الواقعة في أقصى جنوب قطاع غزة.
يجد بايدن نفسه في وضع محرج بين الانتقادات المتزايدة في الداخل على خلفية الدعم غير المحدود لإسرائيل منذ اندلاع الحرب في غزة، خصوصا مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، والأذن الصمّاء التي يديرها نتنياهو لدعواته المتزايدة إلى عدم مهاجمة رفح.
رأى مسؤولو إدارة بايدن في تهديدات نتنياهو منذ أشهر باجتياح رفح، خطابا للاستهلاك أكثر منه للتطبيق، لكن في مباحثاتهم الأخيرة مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، ومنها زيارة وزير الخارجية أنتوني بلينكن لإسرائيل الأسبوع الماضي، لمسوا جدية نتنياهو في المضي بهذا الهجوم رغم التحذيرات الأميركية والدولية.
وللمرة الأولى منذ بدء الحرب، كشف بايدن في تصريحات لشبكة “سي إن إن” أول أمس الأربعاء، أنه سيمتنع عن تزويد إسرائيل بالقنابل وقذائف المدفعية بحال مضت في خططها بشأن رفح، بعدما أكدت إدارته أنها علّقت شحنة تتضمن آلاف القنابل الثقيلة لسلاح الجو.
وفي ردّ ضمني على بايدن، أكد نتنياهو أمس الخميس أن إسرائيل مستعدة “للوقوف وحدها” في حربها على غزة، قائلا “إذا اضطررنا للوقوف وحدنا، سنفعل ذلك”.
ميدان معتاد لنتنياهو
بالنسبة إلى نتنياهو، الزعيم اليميني والأطول خدمة كرئيس للوزراء في تاريخ إسرائيل، الخلافات مع واشنطن ليست أمرا غير مألوف. فهو اختلف بشكل حاد مع آخر اثنين من الرؤساء الديمقراطيين، أي بيل كلينتون وباراك أوباما.
كما قام بالضغط علنا إلى جانب خصوم أوباما من الجمهوريين، ضد اعتماد الرئيس السابق الدبلوماسية للتعامل مع البرنامج النووي الإيراني.
ورغم أن ذلك أثار امتعاضا في أوساط العديد من الديمقراطيين، احتفظ شخص واحد بمكانة خاصة لنتنياهو وإسرائيل: بايدن، نائب أوباما خلال ولايتيه الرئاسيتين.
وغالبا ما وصف بايدن نتنياهو بـ”الصديق المقرب”، وهما التقيا قبل عقود حين كان رئيس الوزراء دبلوماسيا إسرائيليا شابا في واشنطن.
وفي إحدى المناسبات، كشف بايدن أنه قدم لنتنياهو صورة كتب عليها “لا أتفق مع أي شي تقوله، لكنني أحبك”.
“تعارض تام”
يرى محللون أن تاريخ العلاقة الشخصية بين بايدن ونتنياهو، لن ينعكس بالضرورة على مصالحهما السياسية.
وفي هذا تقول مديرة الأمن القومي والسياسة الدولية في “المركز الأميركي للتقدم” أليسون ماكمانوس إن مصالحهما حاليا “على تعارض تام”.
وتوضح أن الصداقة الشخصية ليس بالضرورة أن تطغى بشكل ما على المصالح السياسية القوية لكل من الزعيمين.
وتضيف أن هذه لحظة يفكر فيها بايدن بأن العناق لم يفلح، والكلمات القوية الصارمة لم تفلح، وأن حجب الأسلحة هو أكبر أداة تأثير في حوزة الولايات المتحدة.
لكنها تشير إلى أن بايدن الذي اعتبر الهجوم الإسرائيلي الواسع في رفح “خطا أحمر” للولايات المتحدة لم يتم تجاوزه بعد، “ترك الباب مفتوحا أمام نتنياهو للتراجع عن هجوم واسع في رفح”.