“أكثر من 3 آلاف شخص نزحوا من بيوتهم إلى المستشفى هرباً من الموت في غزة.. افترشوا باحتها الخارجية والتحفوا سماءها معتقدين أنهم في مأمن، لكن ما كانوا يستبعدونه حصل”.. كلمات وصف فيها مدير الإسعاف والطوارئ في الهلال الأحمر الفلسطيني، محمد أبو مصبح، ما حدث للفلسطينيين في مستشفى المعمداني، الذي تعرض لضربة.
وقال أبو مصبح: “في لحظة تغيّر المشهد بعدما سقطت قذيفة نوعية وليس صاروخاً، فقتلت وجرحت المئات، في مجزرة لا يتخيلها عقل”.
وتابع واصفا المشاهد المروعة لموقع “الحرة”: “أمهات كن يعددن الطعام لصغارهن، وإذ بهن يبحثن عنهم وسط النيران وبين الجثث المتفحمة والأشلاء المتناثرة، فمن كانوا يلعبون منتظرين تناول العشاء، قتلوا وهم جياع”.
من جانبها، اختصرت مديرة مستشفى المعمداني، سهيلة ترزي، في اتصال مع موقع “الحرة”، الكارثة بالقول: “هي مجزرة بحق الأطفال”.
وقالت وزارة الصحة في قطاع غزة، الثلاثاء، إن “ما لا يقل عن 500 سخص قتلوا في ضربة جوية إسرائيلية على المستشفى الأهلي العربي”، وفق ما نقلته وكالة رويترز، في حين أفادت وكالة “وفا” الفلسطينية بأن “طائرات شنت غارة على المستشفى أثناء وجود آلاف المواطنين النازحين الذين لجأوا إليها، بعد أن دمرت منازلهم”.
الجيش الإسرائيلي نفى مسؤوليته عن الهجوم على المستشفى في غزة، قائلاً إن “معلومات المخابرات العسكرية تشير إلى أنها تعرضت لهجوم صاروخي فاشل شنته حركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية في القطاع”.
لكن متحدثاً باسم الجهاد الإسلامي نفى اتهام إسرائيل بمسؤولية الحركة عن ضربة المستشفى.
آلام مضاعفة
“هرعت سيارات الإسعاف والمواطنون لنقل المصابين بعد القصف الذي تعرضت له مستشفى المعمداني، إلى مستشفى الشفاء، في مركباتهم المدنية ودراجاتهم النارية وحتى العربات”، كما يقول أبو مصبح.
وتابع: “في ساحات وممرات مستشفى الشفاء، يتم إجراء العمليات للجرحى، من دون تخدير وتعقيم وبطاقم طبي غير مكتمل. إلى هذا الحد وصل انعدام الإمكانيات في مستشفيات غزة، فالأعداد الضخمة للجرحى تفوق قدرة أكبر مستشفيات العالم”.
ووفق مدير الإسعاف والطوارئ في الهلال الأحمر الفلسطيني، فإنه “أصيب بعض أفراد الأطقم الطبية في مستشفى المعمداني، التي ظننا أنها محمية تحت شارة الهلال الأحمر بالأعراف والقوانين الإنسانية والدولية، بالقذيفة النوعية التي سقطت في الباحة الخارجية، وبالتحديد أمام مدخل الطوارئ”.
وأضاف: “الآن تسيطر حالة من الهلع والخوف على المتواجدين في المكان، ومع ذلك لا يزال فريق العمل يقدّم الخدمات الطارئة والسريعة للجرحى، إلى حين نقلهم إلى مستشفيات أخرى”.
ولفت الرجل إلى أن مستشفى المعمداني، “لن تتمكن من مساندة بقية المستشفيات في غزة، بعد فقدانها الإمكانيات التي تساعدها على الاستمرار في تقديم الخدمة، مما يضاعف من التحديات”.
وتابع: “المستشفيات تعاني بشدة أصلا في الساعات الأخيرة، قبل إعلان خروجها عن الخدمة، فالتيار الكهربائي سينقطع نتيجة نفاد المخزون الاحتياطي للوقود، الذي تم الاستناد عليه منذ أكثر من 11 يوماً. والثلاثاء، كاد أن يكون اليوم الأخير في مستشفى القدس، لكن مشاركة بعض الجهات الداخلية في تقاسم مخزونها من المحروقات أجّل إعلان اغلاقها”.
وشدد أبو مصبح على أن “جميع المشافي ستتوقف في آن واحد، مما يعني أن عداد الموتى سيقفز قفزات جنونية، حينها لن ينفع ندم العالم بأسره بأنه لم يسجّل موقفاً ولم يتدخل لوقف ما يتعرّض له شعب غزة”.
ترقّب الموت
“حتى الآن تم تهديد 7 مستشفيات من بين 20 مستشفى في غزة، بالقصف”، بحسب أبو مصبح، الذي أضاف: “استهدفت مستشفى المعمداني من دون سابق إنذار، مع العلم أنه حتى إرسال الرسائل التحذيرية قبل ضرب مستشفيات، مناف لجميع الأعراف والقوانين الدولية، لاسيما اتفاقية جنيف الرابعة التي صادقت عليها أكثر من 198 دولة”.
“كل مستشفيات غزة تخشى من تعرضها للقصف”، كما يقول مدير مستشفى غزة الأوروبي، الدكتور يوسف العقاد، في اتصال مع موقع “الحرة” وذلك “بعد تجرؤ الجيش الإسرائيلي على تجاوز كل الخطوط الحمراء والقوانين الدولية والإنسانية، وقصف مستشفى يضم عدداً كبيراً من النازحين والجرحى والمرضى والطواقم الطبية، قاتلاً المئات منهم”.
وأثارت الغارة صدمة وردود فعل دولية وعربية مستنكرة، وأعلنت دول عربية الحداد، في حين وصف رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، الذي قطع زيارته إلى الأردن، أن ما حصل “جريمة لا تغتفر ولا يمكن السكوت عنها أو أن نجعلها تمر بدون حساب، وأي كلام غير وقف هذه الحرب لن نقبل به من أحد”، وأضاف: “حكومة الاحتلال تخطت كل الخطوط الحمراء ولن نسمح لها بالإفلات من المحاسبة والعقاب”.
وفي ذات السياق، دانت منظمة الصحة العالمية “بشدة” الهجوم، ودعا مديرها العام تيدروس أدهانوم غيبرييسوس، إلى “توفير الحماية الفورية للمدنيين والرعاية الصحية والعدول عن أوامر الإجلاء”.
كما خرجت مظاهرات في مدن عربية وغربية تنديداً بما حصل.
وعن الوضع في مستشفيات غزة، علّق العقاد بالقول إن “الوضع يزداد سوءاً يوماً بعد يوم”، وتابع: “الثلاثاء وصل إلى مستشفى غزة الأوروبي 100 جريح و16 قتيلا، غالبية الجرحى يحتاجون إلى عمليات جراحية وعناية مركزة، مما يزيد الضغط على المنظومة الصحية داخل المستشفى”.
من جانبه، قال أبو مصبح إن “الشعب الفلسطيني يتجه نحو كارثة إنسانية وصحية، فإضافة إلى عدد القتلى والجرحى لا يجب أن ننسى الإهمال الطبي لمرضى السرطان والكلى والقلب وغيرها من الأمراض، والنقص الشديد في تغذية الأطفال والمرضعات، والمياه الملوثة التي يستخدمها النازحون، وغيرها الكثير”.
“على المجتمع الدولي وأصحاب الضمائر الحيّة الوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني والأطقم الإسعافية والطبية”، وفق أبو مصبح، الذي تساءل أيضا: “إلى متى ستبقى الأطقم الطبية صامدة؟، وأية مستشفى سيقع عليها الدور بعد مستشفى المعمداني؟، فنحن في الهلال الأحمر الفلسطيني نترقب موتنا كما بقية أهالي غزة”.
وأشار إلى أنه “حتى الآن فقدنا أفرداً من طواقمنا ودمّر عدد كبير من آلياتنا، وقريباً سنصبح جميعنا خبراً عاجلاً”.
وختم حديثه بالقول: “اليوم وليس غداً، يجب فتح ممرات آمنة لإدخال المساعدات الإنسانية والوقود، ونقل من يعانون من إصابات خطيرة لتلقي العلاج في مستشفيات خارج القطاع، فالمنظومة الصحية والطبية في غزة مترهلة وضعيفة بسبب الحصار المستمر منذ أكثر من 15 عاماً”.