في بداية الأمر، لم تبد قصة فلسطيني قُتِل على يد جندي إسرائيلي بحجة “إثارته للشكوك” لافتة للنظر مع تكرار هذه الحوادث في الضفة الغربية.
لكن تم الكشف عن هوية المقتول، ديفيد بن إبراهيم، فلسطيني اتخذ قرارا نادرا للغاية بالتخلي عن الإسلام واعتناق اليهودية قبل أعوام، وفق ما ذكرته وكالة أسوشيتد برس.
وتشير الوكالة إلى أن رحلة الرجل الفلسطيني غير العادية اصطحبته عبر بعض من أعمق خطوط الصدع في الشرق الأوسط وأدت إلى بعض الصداقات غير المتوقعة. لقد نظر إليه معظم الفلسطينيين على أنه منبوذ غريب الأطوار، في حين عامله العديد من الإسرائيليين باعتباره معتنقا غير مرحب به لدين لا يقوم بالتبشير.
ولكن في لحظاته الأخيرة، كان يُنظر إليه مرة أخرى على أنه فلسطيني كان في المكان الخطأ، في وقت يسوده الغضب والشكوك على نطاق واسع.
مدينة منقسمة
ولد الرجل باسم سامح زيتون في مدينة الخليل التي يقطنها حوالي 200 ألف فلسطيني بالإضافة إلى المئات من المستوطنين اليهود الذي يعيشون في مواقع يحرسها جنود إسرائيليون، وساد التوتر بشكل متصاعد لعقود، في العادة تحول إلى أعمال عنف.
وفي أشد الحالات يعيش الجيران التي تسود بينهم المرارة على بعد بضعة أمتار فقط من بعضهم. في بعض الأزقة الضيقة في البلدة القديمة في الخليل، تحمي الشباك المعدنية المتسوقين الفلسطينيين من الأشياء التي يلقيها المستوطنون الذين يعيشون في الطوابق العليا.
أجرى زيتون اتصالاته لأول مرة مع المستوطنين اليهود منذ أكثر من عقد من الزمن، طالبا المساعدة في التحول إلى اليهودية، وفقا لنوعم أرنون، وهو مستوطن يهودي في الخليل أصبح صديقا له.
وقال لأسوشيتد برس إن زيتون استوحى أفكاره من قصص عائلية عن جده الذي كان يحمي اليهود عندما اندلعت أعمال الشغب، في عام 1929، عندما كانت “الأراضي المقدسة” تحت حكم الاستعمار البريطاني. وقتل الفلسطينيون العشرات من السكان اليهود في المدينة.
وروى أرنون: “لقد ذهب إلى أبعد من ذلك، ليس فقط ليعيش كجار جيد ولكن لينضم إلى المجتمع اليهودي”.
اعتناق “نادر”
يعد التحول إلى ديانات أخرى أمرا مرفوضا بشدة في الإسلام. وفي معظم أنحاء العالم الإسلامي، يُطرد أولئك الذين يفعلون ذلك من مجتمعاتهم، وبعنف في بعض الأحيان. اليهودية، على عكس الإسلام والمسيحية، ليس لديها طابع التبشير.
ويكون مثل هذا التحول الديني أكثر خطورة في إسرائيل والأراضي الفلسطينية، حيث يتداخل الدين والجنسية عادة في صراع مستمر منذ عقود. اليهودية هي عقيدة معظم الجنود الذين يقومون بدوريات في المنطقة والمستوطنين الذين يعتبرهم الفلسطينيون مستعمرين معادين.
وقال أرنون إن معظم المستوطنين من المجتمع المتماسك في الخليل رفضوا قبول بن إبراهيم. فقط أرنون وعدد قليل من الآخرين تفاعلوا معه، وساعدوه في أوراق طلب التحول الديني.
والتحول الديني نادر، لكنه قانوني في المناطق التي تديرها السلطة الفلسطينية التي تتمتع بحكم شبه ذاتي. معظمها يقوم بها مسيحيون فلسطينيون يعتنقون الإسلام من أجل الزواج.
وفي إسرائيل، يتطلب التحول إلى اليهودية تقديم طلب إلى هيئة التحويل الديني التي تديرها الحكومة. قدم بن إبراهيم طلبين، في عام 2018، لكنه لم يستوفي المتطلبات، وفقا لمسؤول حكومي غير مخول بالتحدث مع وسائل الإعلام وتحدث لأسوشيتد برس بشرط عدم الكشف عن هويته.
مع إغلاق هذا المسار، تحول بن إبراهيم إلى المجتمع اليهودي الأرثوذكسي المعزول في إسرائيل، وفي نهاية المطاف جعل تحوله رسميا، في عام 2020، وفق ما نقلته الوكالة عن وثائق منشورة على الإنترنت.
اعتقال
في العام الذي سبق اعتناقه اليهودية، تم اعتقال بن إبراهيم من قبل وحدة المخابرات التابعة للسلطة الفلسطينية في الخليل، وفقا لما نقلته أسوشيتد برس عن أرنون والناشط الفلسطيني المحلي، عيسى عمرو.
ولم يتم الكشف عن سبب اعتقاله علنا أبدا، لكن أرنون وعمرو يعتقدان أن تحوله وعلاقاته المفتوحة مع الإسرائيليين جذبت اهتماما غير مرغوب فيه.
ويمكن أن يواجه الفلسطينيون الاعتقال أو حتى الموت إذا نُظر إليهم على أنهم يتعاونون مع السلطات الإسرائيلية. لكن قليلين هم الذين كانوا يشتبهون في أن بن إبراهيم كان مُخبِرا لأن قصته كانت معروفة على نطاق واسع.
وقال بن إبراهيم لموقع “تايمز أوف إسرائيل” إنه احتُجز لمدة شهرين في الحبس الانفرادي وتعرض للضرب قبل إطلاق سراحه. وفي ذلك الوقت تقريبا، ظهر مقطع فيديو يظهره وهو يحمل ما يبدو أنه مصحفا ويتعهد بالتزامه بالدين الإسلامي.
ورجح أرنون وعمرو بأن أقواله جاءت على الأرجح تحت الإكراه أثناء الاحتجاز. وقالت النيابة العامة التابعة للسلطة الفلسطينية إنه ليس لديها معلومات عن قضيته.
بعد إطلاق سراحه، انتقل بن إبراهيم للعيش مع حاييم باراج، وهو صديق يهودي كان يعيش في القدس. عاد إلى الخليل بشكل متقطع بسبب مخاوف تتعلق بالسلامة وواصل دراساته اليهودية. وقال باراج إنهما كانا يصليان بانتظام معا في كنيس قريب.
وأضاف “لقد كان بمثابة ابن بالنسبة لي”.
وقال باراج أيضا إنه التقى بزوجة بن إبراهيم وبعض أبنائه، وأن العديد من أفراد الأسرة المقربين حافظوا على علاقة معه حتى بعد تحوله.
ورفضت عائلة زيتون التحدث مع وكالة أسوشيتد برس خوفا من الانتقام. وفي النهاية، لم يترك بن إبراهيم سوى القليل من السجلات العامة حول الأسباب التي أدت إلى قناعاته الشخصية.
إطلاق نار مميت
وكان بن إبراهيم ينتظر خارج مستوطنة في الضفة الغربية حافلة إسرائيلية تقله إلى شقة باراج، في 19 مارس الماضي، عندما دخل في مشاجرة باللغة العبرية مع جندي إسرائيلي.
وفي جميع أنحاء الضفة الغربية، يعيش المستوطنون اليهود منفصلين عن الفلسطينيين في مستوطنات خاضعة للحراسة حيث يخضعون لقوانين مختلفة. ويُمنَع الفلسطينيون بشكل عام من دخول المستوطنات ما لم يكن لديهم تصاريح عمل.
وظهر الجندي في فيديو انتشر عبر الإنترنت والذي بدا أنه تم تصويره بواسطة الكاميرا الموجودة على جسده وهو يصرخ على بن إبراهيم: “هل أنت يهودي؟”.
“بالطبع،” أجاب بن إبراهيم.
الجندي: “ما اسمك؟”، ليجيب “ديفيد”، ويقول الجندي مستغربا “ديفيد؟”
ويرد “بن إبراهيم، يا غبي”.
ثم أمر الجندي بن إبراهيم بالابتعاد عن حقيبته على الأرض ورفع يديه في الهواء، قبل أن يقول بسخرية: “يهودي”.
ويظهر مقطع فيديو ثان، يبدو أنه تم التقاطه من كاميرا أمنية قريبة، جنديين يطلقان النار على بن إبراهيم من مسافة قريبة بينما كان يتراجع إلى الخلف على الرصيف، وفق ما ذكرته أسوشيتد برس.
وقال الجيش إنه تم العثور على سكين صغير في حقيبة بن إبراهيم بعد إطلاق النار. وقال باراج إنه أعطاه السكين للدفاع عن النفس.
وأشار الجيش الإسرائيلي إلى أنه يحقق في حادث إطلاق النار، لكن جماعات حقوق الإنسان تقول إن الجنود نادرا ما يتعرضون للمساءلة في مثل هذه المواقف.
ووضعت القوات الإسرائيلية في حالة تأهب قصوى فيما تشهد الضفة الغربية تصاعدا في أعمال العنف المرتبطة بالحرب في غزة. وقتل نحو 500 فلسطيني بنيران إسرائيلية منذ بداية الحرب، بحسب وزارة الصحة الفلسطينية. وقُتل العديد منهم بالرصاص في اشتباكات مسلحة خلال مداهمات عسكرية، بينما قُتل آخرون بسبب رشقهم الحجارة على القوات، وبعضهم لم يشكل أي تهديد واضح.
كما نفذ الفلسطينيون عدة عمليات طعن وهجمات أخرى ضد إسرائيليين.
وقال أرنون إن إطلاق النار كان سوء فهم مأساوي. واتهم باراج، صديق بن إبراهيم في القدس، الجنود بالتنميط العنصري، قائلا إنهم نظروا إلى بن إبراهيم وفق خلفيته وليس معتقداته غير المتوقعة.
جنازة
وحتى في وفاته، كانت هوية بن إبراهيم محل نزاع.
وطلب باراج وصديق إسرائيلي آخر من محكمة إسرائيلية تسليم الجثة لدفنه في مقبرة يهودية، وقدموا التماسا ضد أفراد عائلة زيتون الذين أرادوا جنازة إسلامية. وقال بتسلئيل هوخمان، المحامي الذي يمثل الإسرائيليين، إن محكمة الأسرة في تل أبيب حكمت لصالحهما.
وبعد أن أثارت وفاته غضبا شعبيا، منحته وزارة الداخلية الإقامة الإسرائيلية، قائلة إنها تريد “تحقيق إرادة ورغبة المتوفى في أن يكون جزءا من دولة إسرائيل”.
وقال باراج إن بن إبراهيم دفن، في أبريل، بمقبرة يهودية على سفوح جبل جرزيم بالقرب من مدينة نابلس الفلسطينية. وهي قمة تل مقدسة بالنسبة للسامريين، والتي تشكل أقلية دينية صغيرة قديمة تمتد عبر الانقسام الفلسطيني الإسرائيلي، تماما مثل بن إبراهيم، وفق تعبير أسوشيتد برس.
وقال باراج، الذي يقوم بتصميم شاهد قبر صديقه، إن أحدا من عائلة زيتون لم يحضر الجنازة.
وقال إنه الشاهد سيظهر نص “ديفيد بن إبراهيم زيتون باراج. اليهودي المقدس”.