النفط يرتفع وسط توقعات بشأن قرار أوبك+ وتراجع الدولار

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 12 دقيقة للقراءة

تمهد الحكومة المصرية، لزيادة مرتقبة في أسعار الخبز، الذي يُعد العنصر الأساسي على موائد المصريين، كما كان حاضرا في تظاهراتهم، بما في ذلك ثورة الـ25 من يناير التي أسقطت نظام الرئيس الأسبق حسني مبارك، قبل نحو 13 عاما، حين نادى المحتجون بـ”العيش” إلى جانب الحرية والعدالة الاجتماعية.

وتشير تصريحات المسؤولين المصريين خلال الأيام القليلة الماضية، إلى الاتجاه نحو زيادة سعر رغيف الخبز المدعوم بعد عقود من استقراره عند 5 قروش، إذ يؤكدون على أن “السعر الحالي لا يتناسب مع التكلفة الحقيقية للإنتاج”.

وقال رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الاثنين، إن بلاده مضطرة لتحريك أسعار الخبز “لكن سيظل مدعوما بصورة كبيرة”.

وأضاف، في مؤتمر صحفي، نقلت ما جاء فيه وسائل إعلام محلية، أن “من الضروري تحريك سعر الخبز؛ لتقليل حجم الدعم الرهيب”.

فائض أولي في الموازنة المصرية.. “إنجاز وهمي” أم “بداية تحسن”؟

أعلنت وزارة المالية المصرية، الأسبوع الجاري، تحقيق الموازنة العامة للدولة، فائضًا أوليًا خلال فترة التسعة أشهر الأولى من العام المالي 2024/2023، يتجاوز 8 مرات ونصف مقابل نفس الفترة من العام المالي السابق.

وقبل أيام من ذلك، تحدث الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، عن تكلفة رغيف الخبز، حين قال خلال افتتاح مشروعات بمحافظة الوادي الجديد، جنوب القاهرة، إن “رغيف العيش الذي يباع بسعر مدعم عند 5 قروش، يُكلف الدولة نحو 125 قرشا”.

وأضاف السيسي: “الرغيف أبو شلن (5 قروش) يكلف جنيها وربع.. بعد ما كانت ميزانية الدولة تتكلف دعما لرغيف الخبز بين 20 و30 مليار جنيه (420-631 مليون دولار).. أصبح بين 120 و130 مليارا (2.5 -2.7 مليار دولار)”.

وحسب بيانات وزارة المالية، فإن دعم رغيف الخبز والسلع التموينية خلال العام المالي الحالي، الذي ينتهي في يونيو، يبلغ نحو 127.7 مليار جنيه (2.7 مليار دولار)، ومن المقرر ارتفاعه إلى 134.2 مليار جنيه (2.8 مليار دولار) خلال العام المالي المقبل.

ووفق البيانات، فإن دعم رغيف الخبز يمثل النسبة الأكبر من إجمالي دعم السلع التموينية، إذ يبلغ في موازنة العام المالي الحالي نحو 91.5 مليار جنيه (1.9 مليار دولار)، فيما يبلغ دعم السلع التموينية نحو 36.2 مليار جنيه (762 مليون دولار).

لماذا الآن؟

اعتبر المحللون والخبراء الذين تحدثوا مع موقع “الحرة” أن اتجاه الحكومة نحو زيادة سعر رغيف الخبز، يأتي في إطار ما تم الاتفاق عليه مع صندوق النقد الدولي ضمن برنامج الإصلاح الاقتصادي، الذي سيستمر حتى خريف العام 2026.

وقال الخبير الاقتصادي، وائل النحاس، إن رفع أسعار الخبز لن يلبي متطلبات الدولة فيما يتعلق بترشيد الدعم بشكل كبير، لكنه يأتي تنفيذا “لاشتراطات صندوق النقد الدولي وروشتة الإصلاح”.

وأضاف في اتصال هاتفي مع موقع “الحرة” أن “الحكومة اتفقت مع صندوق النقد على إلغاء الدعم العيني، واستبداله بالدعم النقدي”، لافتا إلى أن تصريحات المسؤولين تؤكد على أنه “لن يكون هناك دعما للسلع التموينية في المستقبل، ومن بينها الخبز”.

وأكد هذا أيضا، الخبير الاقتصادي عبدالنبي عبدالمطلب، الذي قال لموقع “الحرة” إن “ما جاء من تصريحات بمثابة رسالة إلى خبراء صندوق النقد الدولي، تفيد بأن الحكومة مستعدة للمضي قدما نحو تقليص الدعم العيني”.

وأضاف أن “الحكومة المصرية ممثلة في وزارة المالية تجري نقاشات مع خبراء صندوق النقد، بشأن ضرورة تقليص دعم رغيف الخبز”، لافتا إلى أنها ستكون خطوة متزامنة مع “زيادة الدعم النقدي للمواطنين الأكثر احتياجا”.

أعوام عديدة مقبلة لمصر مع صندوق النقد.. هل يتحمل المواطن “ثمن الإصلاحات”؟

في السادس من مارس الماضي، سمح البنك المركزي المصري بانخفاض قيمة الجنيه بأكثر من 60 بالمئة، لتنفيذ إصلاح اقتصادي لطالما طالب به صندوق النقد الدولي القاهرة، منذ الاتفاق على برنامج تمويلي قبل عام ونصف العام تقريبا.

واتفقت مصر مع صندوق النقد الدولي، في مارس الماضي، على استئناف برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي تم التوافق بشأنه في ديسمبر 2022 وتعثر لعدة أشهر بسبب رفض السلطات تنفيذ بعض الإصلاحات المتفق عليها، وفي مقدمتها تحرير سعر الصرف.

ومن المقرر أن تجري بعثة لصندوق النقد الدولي، مراجعة ثالثة لما تم الاتفاق عليه من إصلاحات، بعد إتمام المراجعتين الأولى والثانية، قبل ثلاثة أشهر، وبموجبهما حصلت الحكومة على دفعة بنحو 820 مليون دولار. كما من المقرر أن تحصل على دفعة جديدة بذات القيمة في يونيو المقبل، بعد إتمام المراجعة الثالثة.

وفي أكثر من مناسبة، أكد صندوق النقد أن مصر مطالبة بتحويل الدعم العيني بما في ذلك دعم المحروقات والطاقة، إلى دعم نقدي من خلال التوسع في برامج شبكة الحماية الاجتماعية، مثل برنامج تكافل وكرامة، الذي تقدم الحكومة من خلاله مساعدات نقدية مشروطة لمساعدة الأسر الفقيرة والأكثر احتياجا.

ويعيش ما يقرب من ثلثي سكان مصر البالغ عددهم 106 ملايين نسمة تحت خط الفقر أو فوقه بقليل، وتواجه البلاد انخفاضا في عائدات النقد الأجنبي، سواء من السياحة التي تضررت من وباء كوفيد ثم الحرب في أوكرانيا وحاليا في قطاع غزة، وكذلك من قناة السويس.

ليست المرة الأولى

ورفعت حكومات متعاقبة في مصر أسعار الخبز بشكل مباشر وغير مباشر خلال العقود الماضية وفق ما أكد الخبراء، إذ قال عبدالمطلب إن سعر رغيف الخبز “تضاعف 10 مرات منذ منتصف سبعينيات القرن الماضي وحتى عام 1988، حينما تمت زيادته إلى 5 قروش، واستقر عند هذا المستوى منذ ذلك الحين”.

ومع ذلك، فإن “السلطات زادت الأسعار بشكل غير مباشر من خلال تقليص أوزان رغيف الخبز أو تقليل أعداد المستحقين للدعم” حسب عبدالمطلب، الذي أضاف: “كان وزن رغيف الخبز نحو 135 غراما، وقُلص إلى 70 غراما أو أقل من ذلك في الوقت الحالي”.

وتابع: “بالتالي الحكومة وجدت أنه لم يعد هناك إمكانية للتحايل على زيادة الأسعار من خلال تقليص حجم الخبز، ولم تجد أمامها سوى رفع الأسعار في المستقبل القريب”.

وحسب بيانات وزارة المالية، انخفض عدد المستفيدين من منظومة دعم الخبز خلال 6 سنوات بنحو 11 مليونا، ليصل إلى 70 مليون مستفيد بموازنة العام المالي الجاري من 81 مليونا في موازنة العام المالي 2018/2019.

بدوره، أكد النحاس، أن “الدعم المخصص لرغيف الخبز والسلع التموينية انخفض خلال الأعوام الثلاثة الماضية، على عكس ما تقول الحكومة”.

وقال خلال حديثه إن “دعم السلع التموينية في مصر انخفض فعليا استنادا إلى سعر صرف الدولار خلال الأعوام الثلاثة الماضية، من 6 مليارات دولار في العام المالي الماضي، إلى 4 مليارات العام المالي الجاري، ونحو 2.8 مليار دولار خلال العام المالي المقبل”.

وأضاف: “ما تقوم به الحكومة يشير إلى أنها تريد تحميل المواطن فارق سعر الصرف بين الدولار والجنيه بعد الانخفاض الكبير في العملة المحلية منذ مارس الماضي”.

وفي السادس من مارس الماضي، سمح البنك المركزي المصري بانخفاض قيمة الجنيه بأكثر من 60 بالمئة، إذ اقترب سعر الدولار في السوق المحلية من مستوى 50 جنيها، قبل أن يرتفع الجنيه تدريجيا منذ ذلك الحين ويسجل حتى نهاية تعاملات، الثلاثاء، نحو 47.5 جنيه للدولار الواحد.

قروض ومدفوعات فوائد بأرقام قياسية.. كيف تتعامل مصر مع “موازنة التحديات”؟

أظهر البيان التمهيدي لموازنة مصر خلال العام المالي المقبل 2024/2025، ارتفاع بند مدفوعات الفوائد ليُشكل تقريبا 50 بالمئة من إجمالي الموازنة العامة للدولة مقارنة بـ37 بالمئة في تقديرات الموازنة الحالية التي تنتهي بنهاية يونيو المقبل.

هل من جدوى؟

يرى الخبراء والمحللون خلال حديثهم أن زيادة أسعار الخبز لن يكون لها تأثير جوهري على خفض عجز الموازنة العامة للدولة، التي تتوقع وزارة المالية أن يسجل خلال العام المالي الذي سيبدأ في الأول من يوليو المقبل، نحو 1.243 تريليون جنيه (26 مليار دولار).

وقال عبدالمطلب إنه “بالمقارنة مع عجز الموازنة الحالية، والعجز المتوقع خلال العام المالي المقبل، فإن تخفيضات دعم الخبز، لن يكون لها تأثير فيما يتعلق بأهداف وزارة المالية بشأن العجز المالي”.

وأضاف: “حتى إذا تم إلغاء دعم الخبز والسلع التموينية بشكل كامل، لن يؤثر ذلك كثيرا”.

وحسب بيانات وزارة المالية، يمثل دعم السلع التموينية والخبز نسبة 3.3 بالمئة من إجمالي مصروفات موازنة العام المالي المقبل، التي تبلغ نحو 3.870 تريليون جنيه (81 مليار دولار).

وتستهدف وزارة المالية المصرية، تخفيض العجز في موازنة موازنة العام المالي المقبل إلى 6 بالمئة كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي، من 7 بالمئة متوقعة في موازنة العام المالي الجاري.

بدوره، يعتبر النحاس أن “الحكومة تريد أيضا أن يدفع المواطن ثمن فساد المسؤولين في وزارة التموين المعنية بمتابعة بيع وتوزيع الخبز في السوق المحلية”.

وتساءل النحاس: “هل المواطن يدفع ثمن فساد المسؤولين؟ وهل عليه أن يتحمل الفساد؟”.

وخلال الأشهر القليلة الماضية، تحدثت وسائل إعلام محلية عن قضايا فساد مرتبطة بوزارة التمويل المصرية، من بينها ما ذكرته صحيفة “المصري اليوم”، مطلع الشهر الجاري، فيما يتعلق بالتحقيق مع مسؤول بشأن شبهات “فساد تتعلق بشركة مطاحن مصر الوسطى”، المسؤولة عن توزيع الدقيق المدعوم إلى المخابز. 

“رد فعل الشارع”

يستبعد الخبراء أن يكون هناك رد فعل رافض لزيادة الأسعار من المواطنين في الشارع، لكنهم قالوا في الوقت ذاته إن “هذه الخطوة حساسة للغاية وقد تثير بعض الانتقادات”.

وقال النحاس إن رغيف الخبز المدعوم “هو الأسوأ من بين أصناف الخبز التي تباع في السوق المحلية (بأسعار عدة)” وإن المنظومة التي تنفذها وزارة التموين منذ أعوام، فشلت ماليا وإداريا وأهدرت المزيد من موارد الدولة.

ومع ذلك، يرى النحاس أن المواطنين راضون عن المستوى الحالي للخبز، الذي بات يمثل “وجبة المصريين”.

التضخم يتراجع.. لماذا لا نشعر بانخفاض الأسعار؟

بعد أشهر من ارتفاع الأسعار في العديد من الأسواق العربية، بدأت بالانخفاض عن المستويات القياسية التي وصلت لها، فيما تظهر بيانات رسمية تراجع التضخم في بعض الدول، وفي مقدمتها مصر.

بدوره، اعتبر عبدالمطلب خلال حديثه أن “الدولة بمختلف أجهزتها ومراكز استطلاع الرأي تحاول البحث عن إجابة عن رد فعل الشارع المتوقع حال إقرار الزيادة في أسعار الخبز”.

وقال إن “هذا الأمر يمثل مشكلة كبيرة لكل الحكومات، منذ فترة ليست بالقصيرة. لهذا إذا كان لديها يقين بنسبة 80 بالمئة بشأن رد الفعل، لكانت قد اتخذت خطوة زيادة الأسعار منذ عقود”.

وذكر أن “الكثير من المصريين قد لا يبالون بزيادة السعر، خصوصا مع إدراكهم بأن 5 قروش لا تمثل أي قيمة فعلية في الاقتصاد”.

رغم ذلك، عاد وذكر أن “ارتفاعات الأسعار المتلاحقة خلال الأشهر الماضية بفعل ارتفاع معدلات التضخم في السوق المصرية، قد تؤدي مجتمعة إلى ردة فعل غير متوقعة، تُحدث مشكلات سياسية واجتماعية وتؤدي على عدم استقرار”.

وخلال أبريل الماضي، بلغ معدل التضخم في مصر، نحو 31.8 بالمئة، وفق ما تظهر بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، ومن المتوقع أن يظل أعلى من مستوى 25 بالمئة على مدار الأشهر المتبقية من 2024.

واختتم عبدالمطلب حديثه بالقول: “الحكومة لديها مخاوف من أن يكون رفع سعر الخبز، القشة التي قد تقسم ظهر البعير. لذا فإن هذه الخطوة حتى يُكتب لها النجاح تتطلب إجراء حوار وطني حقيقي لتهيئة الشارع إلى الإصلاحات المتعلقة باستبدال الدعم العيني إلى دعم نقدي”.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *