قبل عام استيقظ ناجي على اهتزاز منزله الواقع شمال غربي سوريا، بعدما اعتاد دوي القصف والغارات الجوية بعد أكثر من عقد من الحرب، ولكن هذه المرة جاء الهجوم من قوى الطبيعة، فقد كان زلزالا هائلا.
تمكن الفتى (16 عاما) ووالده من الفرار قبل انهيار منزلهما، وبينما كانا يهيمان على وجهيهما في شارع في جنديرس بمحافظة حلب، انهار عليهما جدار، ما أسفر عن تهشم ساق الفتى وكسر ذراعه.
أدى الزلزال المدمر الذي بلغت قوته 7.8 درجات، في 6 فبراير 2023، إلى مقتل أكثر من 59 ألف شخص في سوريا وتركيا.
بالنسبة للناجين في سوريا، أدى الزلزال الهائل إلى تفاقم الفقر المتفشي بالفعل، وتدمير المستشفيات وأنظمة الكهرباء والماء، وأجبر العديد من السوريين الذين نزحوا بالفعل بسبب الحرب على الانتقال إلى مخيمات.
في جنديرس، كما هو الحال في العديد من المناطق المتضررة بالزلزال في سوريا، لم تجر أي عملية إعادة إعمار تقريبا، كما لا تزال مبان سكنية كاملة مجرد أنقاض.
أما ناجي، الذي اضطر الأطباء إلى بتر ساقه، فبات يعيش في خيمة، ويقول “الجو بارد في الليل ولا يوجد خشب للتدفئة أو أي وسيلة أخرى”.
وشهدت سوريا انتفاضة تحولت إلى حرب أهلية منذ عام 2011، ويشهد شمال غرب البلاد – الخاضع لسيطرة المعارضة – أسوأ حالاته منذ سنوات.
وأدى القصف والضربات العسكرية السورية والروسية إلى مقتل العشرات، ونزوح أكثر من 100 ألف آخرين هناك منذ أغسطس.
أسفر الزلزال عن مقتل ما لا يقل عن 6000 شخص في سوريا، خاصة في شمال غرب البلاد، حيث يعتمد معظم السكان، البالغ عددهم 4.5 ملايين نسمة، على المساعدات الإنسانية للبقاء على قيد الحياة.
ويحتاج نحو 800 ألف شخص يعيشون في خيام إلى إعادة إسكان.
ويقدر البنك الدولي، أن يكون الزلزال قد تسبب في أضرار بأكثر من 5 مليارات دولار في شمال سوريا.
ورغم كل ذلك تراجع التدفق الأولي للمساعدات الدولية. وتكافح وكالات الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات الإنسانية للحصول على تمويل من أجل برامج توفر شريان حياة في سوريا.
يلقى باللوم في هذا التراجع على كثرة أعباء المانحين، وجائحة كوفيد-19، وصراعات اندلعت في مناطق أخرى من العالم في السنوات الأخيرة.
وأعلن برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، الذي يقدر أن أكثر من 12 مليون سوري لا يتحقق لهم الوصول المنتظم إلى الغذاء، في ديسمبر أنه سيوقف برنامج المساعدات الرئيسي في سوريا عام 2024.
وتقول المديرة القطرية للجنة الإنقاذ الدولية في سوريا، تانيا إيفانز، إن الاحتياجات على جانبي خط المواجهة في سوريا في أعلى مستوياتها، أكثر من أي وقت مضى.
وأضافت إيفانز للأسوشيتدبرس “تواجه الأسر تضخما هائلا، يرافقه فقدان وظائف. وتواجه هذه الأسر أوضاعا مؤلمة للحصول على الطعام أو الجوع”.
يرتعد جسد ياسمين العلي في مخيم صلاح الدين بريف إدلب وهي تحاول ربط خيمتها الممزقة وحفر خندق في الوحل لمنع المياه من غمر خيمتها.
وتضرب بساطا مبللا داخل خيمتها، قائلة “انظروا، إنه ماء وطين فقط… نحن بحاجة إلى خيام جديدة”.
ويقول ياسين الأحمد، مدير المخيم الذي يضم أكثر من 500 أسرة، إن الحطب المستخدم للتدفئة باهظ الثمن للغاية، لذلك يحرق معظم سكان المخيم أغراضا بلاستيكية بدلا من الحطب، ضمن محاولاتهم للتغلب على فصل الشتاء، فينتشر الدخان السام في الجو.
وقال المنسق الإقليمي الأممي للشؤون الإنسانية لأزمة سوريا، ديفيد كاردن، للأسوشيتدبرس خلال زيارة إلى شمال غرب سوريا أواخر يناير “ظهرت أيضا صعوبات في دعم محطات المياه والخدمات التعليمية والدعم الطبي في المستشفيات”، وبينما تتزايد الاحتياجات “لا يمكننا أن نفعل المزيد بموارد أقل”.
لم تتمكن الأمم المتحدة من تأمين سوى 37 بالمائة من 5.3 مليارات دولار لازمة لاستجابتها الإنسانية عام 2023 في سوريا، والتي قال كاردين، إنه كان أحد أصغر أهداف التمويل منذ بدء الصراع. ولأنه لا يلوح في الافق أي حل سياسي، بات الصراع في سوريا يمثل أزمة للمنظمات الإنسانية.
وتقول روزا كريستاني، رئيسة مكتب منظمة الصحة العالمية في غازي عنتاب بتركيا، “من الصعب إقناع الجهات المانحة بالبناء على الأمد الطويل، من أجل التنمية. ما زلنا في وضع إنساني ( صعب) بسبب استمرار الصراع، وهو السبب الرئيسي لعدم وجود خطط طويلة الأمد”.
وقال أحمد قطيش، وهو عامل بناء، إن الناس توقفوا عن انتظار المساعدات، ويحاولون حشد ما في وسعهم من الموارد لاستئناف تشغيل متاجرهم ومزارعهم، وإعادة تزويدها بالبضائع.
وأضاف “قال المجتمع الدولي إنه يقف إلى جانب السكان، بالأفكار والخطب…لكن هذا الحديث لن يساعد الناس هنا”.