“أنا كالقيامة ذات يوم آت”، وكأن الشاعر يصف عودة دونالد ترامب للسلطة بعد صراع بدأه منذ تغلب خصمه عليه جو بايدن قبل أربع سنوات. عاد ترامب وعادت معاه حقائق وأشياء عنيدة، وكأي دولة قيادية عبر التاريخ فإن لأي قيادة جديدة تأثير بداخلها وخارجها. هذا التأثير مثلا قيام ترامب في دورته الأولى بمحاولة السيطرة على السرد والمحتوى الإعلامي وإحداث قيود تجاه عدد من المواضيع بما في ذلك محاولته رفع سقف حرية التعبير لأعلى مدى.
ففي الداخل الأمريكي مستقبلا، فإن الإعلام كغيره من المواضيع بما فيه إنتاج المحتوى الرقمي سيكون تحت أنظار إدارة ترامب حيث سيخضع لنهج منظم ومكثف للتنظيم الرقمي والإشراف على المحتوى. وتشير دراسات أصدرتها مؤسسة تكنولوجيا المعلومات والابتكار ومؤسسة بروكينجز الأمريكيتين، والتي تقدم تحليلا واسعا لاستراتيجيات الإدارة الجمهورية الجديدة، إلى إن هناك إجراءات ستستهدف شركات التكنولوجيا وخصوصا على منصات وسائل التواصل الاجتماعي للحد من قوتها في تعديل المحتوى الرقمي بما في ذلك إعادة النقاش حول المادة ٢٣٠ من قانون آداب الاتصالات الذي يوفر حصانة قانونية لشركات التكنولوجيا على المحتوى الذي ينشئه المستخدمون، وهذا بدوره يؤدي إلى تحمل المنصات الرقمية مسؤولية أكبر عن المحتوى الذي تستضيفه.
إن إحدى النوايا التي تزمع إدارة ترامب أيضا القيام بها هي فرض المزيد من الرقابة الفيدرالية ومنح سلطات واسعة للهيئات التنظيمية مثل لجنة الاتصال الفيدرالية مما يقلل من استقلال شركات التكنولوجيا، وهذا مرتبط مباشرة بأجندة مشروع (2025) الذي يتبناه الجمهوريون الذي يمتلكون رؤية للسيطرة مركزيا على وسائل الإعلام والتشريعات المتعلقة بالتكنولوجيا والوقوف ضد المحتوى الإعلامي المنحاز وخصوصا في السياق السياسي. وهذا بدوره يؤدى إلى زيادة التدخل في سياسات المنصات الرقمية أو زيادة التدقيق في المحتوى الإعلامي الذي تتبناه وتقدمه قطاع عريض من المؤسسات الإخبارية الأمريكية التي دائما ما يتهمها ترامب بنشر معلومات مضللة ضد إدارته.
أما فيما يخص السياسات الموجهة خارج الولايات المتحدة الأمريكية، فستسعى السياسة الأمريكية إلى تعزيز التنافس في مجال إنتاج المحتوى وخصوصا في مجالات الاقتصاد ضد المنافسين العالمين مثل روسيا والصين، مع مواصلة التركيز على الابتكار الرقمي والذكاء الاصطناعي والتقدم التكنولوجي في مجال الإعلام بشكل عام، وبالتالي مزيدا من السيطرة الأمريكية على المشهد الإعلامي داخليا وخارجيا.
بقي القول، إن لوصول دونالد ترامب للسلطة سيكون له آثار على إنتاج المحتوى الإعلامي وخصوصا الذي تسيطر عليه شركات التكنولوجيا مثل فيس بوك وتويتر، وستكون هناك لوائح صارمة فيما يخص تأثير هذه المنصات على المشهد الأمريكي داخليا وخصوصا في المجال السياسي، وهذا بالتالي قد يؤثر على التوازن بين الابتكار وحرية التعبير في المشهد الرقمي العالمي، لكن خارجيا سيتم تمكين هذه الشركات في مواجهة الخصوم السياسيين والاقتصاديين لأمريكا.
باحث دكتوراه في الإعلام الرقمي والمحتوى الرقمي بجامعة كمبلوتنسي مدريد، إسبانيا