برزت في حرب إسرائيل على غزة منظمات يهودية لها فلسفتها الخاصة بشأن الصراع مع الفلسطينيين، فمنظمة “الصوت اليهودي من أجل السلام” ترفض الاحتلال وتطالب بوقف الحرب، فيما تؤكد منظمة “حباد” أن السيطرة على الضفة الغربية وغزة والجولان ضرورة لأمن “أرض إسرائيل”.
في بيت حانون حيث يخوض الجيش الإسرائيلي معارك برية، رفع جنود إسرائيليون لافتة على أحد المباني معلنين أنه ” أول بيت حباد” في غزة.
يقول عضو في حركة “حباد” في تغريدة، “أول بيت حاباد في غزة: افتتح عدد من المقاتلين، من أتباع حباد الذين يقاتلون في غزة، بيت حباد في شمال قطاع غزة في بيت حانون، حيث سيوزعون أنوار الحانوكا على عشرات الآلاف من جنود الجيش الإسرائيلي خلال العطلة”.
لكن العضو في الحركة يقول إن “المبادرة التي يقودها الجنود (في غزة) ليست مركزا رسميا لحباد، ولم يتم تنظيمها أو ترخيصها من قبل حركة حباد-لوبافيتش”.
وكتب موقع (Jewish press) إنه “عندما يقول لك اليهود حباد في كل مكان”، فإنهم لا يمزحون”.
وقال الموقع إن “مبعوثي حباد الحاسيدية حرصوا على إيجاد طريقهم إلى غزة لمرافقة قوات الجيش الإسرائيلي أثناء معركتها من أجل وجود إسرائيل ضد منظمة حماس الإرهابية البربرية في القطاع”.
وأضاف أن منظمة حباد تعمل على “وضع الشمعدان العام في أكبر عدد ممكن من الأماكن في إسرائيل وحول العالم. والآن قاموا بتوسيع هذا التفويض ليشمل غزة”.
وقال موقع منظمة حباد إنه في الليلة الأولى من “عيد حانوكا” تجمع عشرات الآلاف من الشباب والشابات اليهود في جيش الدفاع الإسرائيلي لإشعال شمعدان عيد حانوكا على الخطوط الأمامية للحرب في غزة”.
وقال الحاخام، ليفي مندلسون، الذي ينسق أنشطة حباد: “أينما يوجد جنود، في كل قاعدة وفي كل موقع استيطاني، يتواجد مبعوثو حباد-لوبافيتش حاملين الشمعدان والكعك”.
وهذه إشارة إلى أن منظمة حباد تدعم إبقاء السيطرة الإسرائيلية على قطاع غزة، من منطلق ديني تفسره عقيدتها وفلسفتها التي أقيمت على أساسها.
وتثير المواقف الداعمة لإبقاء السيطرة على قطاع غزة مخاوف أميركية ودولية، فبعد أسابيع من الدعم الأميركي المطلق لإسرائيل في حربها على حركة حماس الفلسطينية في قطاع غزة، بدأت تخرج إلى العلن تصريحات تشير إلى خلاف نادر بين الجانبين، محوره مستقبل الصراع و”اليوم التالي” بعد الحرب، وحل الدولتين.
الرئيس الأميركي، جو بايدن، الذي يصر على أن حل الدولتين هو السبيل لإنهاء الصراع بين الإسرائيليين والفلسطينيين، كشف عن خلافات مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، الذي أكدها من جانبه على أنه لن يسمح لبلاده “بتكرار أخطاء أوسلو”، وهو موقف يزعج واشنطن التي ترعى مشروع السلام في المنطقة.
وحذر بايدن، الثلاثاء، نتانياهو من أن إسرائيل بصدد خسارة “الدعم العالمي” لحربها ضد حركة حماس، بسبب قصفها “العشوائي” لقطاع غزة.
إسرائيل تحت ضغط أميركي ودولي متزايد
بعد أسابيع من الدعم الأميركي المطلق لإسرائيل في حربها ضد حركة حماس الفلسطينية في قطاع غزة، تخرج إلى العلن تصريحات تشير إلى خلاف نادر بين الجانبين، محوره مستقبل الصراع واليوم التالي بعد الحرب، وحل الدولتين.
وفي أشد انتقاد يوجهه لنتانياهو منذ بدء الحرب، قال بايدن خلال فعالية انتخابية في واشنطن إنه ينبغي على رئيس الوزراء الإسرائيلي “تغيير” موقفه بشأن حل الدولتين، معتبرا أيضا أن نتانياهو يحتاج إلى تغيير حكومته المتشددة، لإيجاد حل طويل الأمد للصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
وحذر بايدن من أن “سلامة الشعب اليهودي على المحك حرفيا”.
ما هي منظمة حباد؟
تتبع منظمة حباد-لوبافيتش التقاليد اليهودية السائدة، ولها جذور في الحركة الحسيدية في القرن الثامن عشر. وتوفر بيوت حباد حول العالم لليهود المحليين والمسافرين طعام الكوشر ومكانا للصلاة وخدمات دينية أخرى.
كان مؤسس منظمة حباد في القرن الثامن عشر، الحاخام شنيور ملادي، مؤمنا قويا بأن إسرائيل يجب أن تحتفظ بالسيطرة على كل أرض إسرائيل التوراتية.
ومنظمة حباد هي واحدة من مدارس اليهودية الأورثوذوكسية، ومقرها في بروكلين بولاية نيويورك، وهي أكبر منظمة يهودية في العالم، تأسست عام 1788، على يد الحاجام ملادي.
كانت بداية الحركة في بيلاروسيا، ثم انتقلت إلى لاتفيا، ثم بولندا، ثم الولايات المتحدة الأميركية، عام 1940.
في روسيا القيصرية والشيوعية، كان هدف قادة حباد بقاء يهودية التوراة، وكثيرا ما واجهوا السجن والاضطهاد المستمر بسبب أنشطتهم.
بعد المحرقة، وتحت إشراف الحاخام يوسف يتسحاق شنيرسون وخليفته الحاخام مناحيم شنيرسون، أصبحت حباد حركة عالمية تهتم بالاحتياجات الروحية والمادية لجميع اليهود أينما وجدوا.
واليوم، هناك أكثر من 3500 مؤسسة حباد في أكثر من 85 دولة، منها جنوب أفريقيا وأميركا الجنوبية وروسيا وأستراليا وآسيا والمملكة المتحدة وأجزاء كثيرة من الولايات المتحدة الأميركية.
يتأثر أنصار منظمة حباد بتعاليم “بعل شيم طوف”، وهو يهودي من أوروبا الشرقية في القرن الثامن عشر، “هو التساديك الحسيدي إسرائيل بن إليعارز. وكان يدعى أيضا “بشط”، وهي الأحرف الأولى من اسمه. وبعل شيم عبارة عبرية تعني سيد الاسم.
تعترض على حرب غزة وينتقدها إسرائيليون.. حقائق عن “الصوت اليهودي من أجل السلام”
بمظاهرات حاشدة لمجموعة من اليهود خارج مبنى الكونغرس الأميركي وداخله للمطالبة بإنهاء القصف الإسرائيلي على غزة، بدأ اسم منظمة “الصوت اليهودي من أجل السلام” (JVP) يتردد في الأوساط العربية والأميركية سواء داخل الولايات المتحدة أو خارجها.
تستضيف بيوت حباد عموما دروسا ومحاضرات وورش عمل حول موضوعات يهودية، وتقدم الخدمات الدينية، ووجبات السبت، وتقام فيها المناسبات الخاصة حسب الحاجة في هذا المجتمع.
وتقول الحركة إنها تستثمر تكنولوجيا الإنترنت لتوحيد اليهود في جميع أنحاء العالم، وتمكينهم من معرفة تقاليدهم التي يبلغ عمرها 3300 عام، وتعزيز ارتباطهم الأعمق بطقوس اليهودية وإيمانها.
كلمة “حباد” هي اختصار عبري للملكات الفكرية الثلاث “الحكمة، والفهم والمعرفة”، وكلمة “لوبافيتش” هي اسم المدينة في بيلاروسيا حيث تمركزت الحركة لأكثر من قرن.
تسترشد الحركة بتعاليم قادتها السبعة (“Rebbes”)، بدءا بالحاخام شنور زلمان من ليادي.
موقف حباد من الصراع مع العرب؟
تطرح المنظمة أسئلة متشككة في إمكانية التوصل لسلام بين إسرائيل العرب، وتقول إن إسرائيل تريد من السلام تحقيق هدفين أساسيين، هما أن “تكون آمنة ضد أي هجوم من الدول العربية المحيطة بها”؛ وأن “يطمئن مواطنوها إلى أن حياتهم لن تتعرض للخطر بسبب أي هجوم إرهابي”، وترى أن السلام لا يزيل الخطر الأمني الذي يشكله العرب والفلسطينيون.
وتشير إلى أن هذه الأهداف هي في المقام الأول قضايا عسكرية، ولذلك فإن الخبراء العسكريين هم الذين ينبغي استشارتهم بشأن المعايير التي ينبغي على أساسها إجراء أي مفاوضات.
وترفض المنظمة فكرة التنازل عن الأرض مقابل السلام، حيث تقول إن مرتفعات الجولان تشرف على منطقة الجليل بأكملها، شمال إسرائيل. فالصواريخ والمدفعية الموضوعة في الجولان يمكن أن تدمر بسهولة المراكز المدنية والقواعد العسكرية في الجليل.
وتقول “حتى في عصر الأسلحة عالية التقنية الذي نعيشه، فإن القتال على المرتفعات أصعب بكثير من القتال على المنحدرات أو القتال على أرض مستوية”. وبالتالي، إذا “هاجمت القوات السورية من الجولان، فإن إسرائيل ستوضع في موقع دفاعي سيكون من الصعب للغاية التراجع عنه”.
وتقدم المنظمة ذات الرؤية بشأن الضفة الغربية، التي يفترض أنها المكان الذي ستقام عليه الدولة الفلسطينية، حيث تقول: “في ما يتعلق بمنطقة يهودا والسامرة، على الضفة الغربية لنهر الأردن: فهي مناطق جبلية تطل على المدن الساحلية اليهودية الكبرى على الجانب الآخر من الخصر الضيق لإسرائيل”.
وتشير إلى أن “جيش العدو المتمركز هناك يمكن أن يقسم إسرائيل إلى نصفين بسهولة. وليس من قبيل الصدفة أن يطلق حتى الإسرائيليون ذوو الميول اليسارية على حدود ما قبل عام 1967 اسم حدود أوشفيتز”.
وترى المنظمة أنه “حتى لو ولم يكن هناك أي خطر من جيش العدو، فإن الإرهابيين الذين يطلقون الصواريخ من تلك التلال يمكن أن يشلوا عمليات استدعاء الاحتياط التي يعتمد عليها الجيش الإسرائيلي، بينما يلحقون الدمار بالمراكز المدنية”.
وتوضح أنه على الرغم من أن طبيعة الحرب قد تغيرت، إلا أن العمق الاستراتيجي لا يزال بالغ الأهمية. وحتى في عصر الصواريخ هذا، فإن العامل الحاسم هو ما يحدث على الأرض.
وتعتقد المنظمة أن “الحفاظ على حيازة الأراضي التي تم الاستيلاء عليها في حرب الأيام الستة (حرب 1967)، أمر ضروري ليس فقط لمنع الهجوم، ولكن أيضا للحماية من الإرهاب”.
وتقول المنظمة إن “وجود السكان العرب في يهودا والسامرة وغزة يطرح مشاكل أمنية. ومع ذلك، فمن الأسهل بكثير السيطرة على تلك المشاكل عندما تكون الولاية القضائية على هذه المناطق تحت السيطرة الإسرائيلية”.
وتبرر المنظمة هذا الاعتقاد بالقول إنه “أصبح من الممكن جمع المعلومات الاستخبارية المنقذة للحياة حول النشاط الإرهابي الوشيك بسهولة أكبر”، كما يمكن للتدابير الوقائية “والرد على الإرهاب أن تكون أكثر شمولا وأكثر كفاءة”.
وتحاجج المنظمة بأنه لهذه الأسباب “لم ينصح أي خبير عسكري على الإطلاق بإعادة الأراضي التي احتلتها إسرائيل عام 1967. بل على العكس من ذلك، اندهش عسكريون من الولايات المتحدة ودول أخرى من حديث إسرائيل عن تقديم أي تنازلات”، وفق زعمها.
نقد القادة الإسرائيليين
ترى المنظمة أن قادة سياسيين وعسكريين في إسرائيل هم من قدموا تنازلات مقابل السلام، لأنهم يشعرون أن السلام سيحل كل هذه الصعوبات، وأن الاعتبارات الأمنية لن تكون ضرورية بمجرد إحلال السلام.
لكن المنظمة تقول إنه إذا سئل هؤلاء ما هو المطلوب من الناحية الأمنية البحتة؟ فإنهم “يجيبون بأنه لا ينبغي إعادة هذه الأراضي. ومع ذلك، فإنهم يوضحون أنهم على استعداد للمخاطرة من أجل السلام”.
وتعتقد المنظمة أنه “عندما يتعلق الأمر بمسائل الحياة والموت، لا يخاطر المرء بناء على ما قد يحدث أو لا يحدث في المستقبل. كيف يمكن المخاطرة بحياة الناس لأن الوضع ربما يتغير في المستقبل؟ من الذي يتم أخذ حياته بهذا الاستخفاف؟”، في إشارة إلى أن المنظمة تعارض السلام مع العرب على أساس الاعتقاد بأنه سينهي الخطر الأمني القادم من الجيران.
وتسأل المنظمة “كيف يمكننا أن نعرف ما سيحدث في المستقبل؟ لنفترض أن زعيما عربيا سيكون مستعدا للدخول في معاهدة سلام كاملة وشاملة مع إسرائيل. هل ينبغي تخفيف الاعتبارات الأمنية بسبب مثل هذا العرض؟”.
وتجيب بأنه “بالطبع لا، الأنظمة العربية هي في معظمها دكتاتورية شمولية عرضة للانقلابات والتغييرات غير المتوقعة. ماذا سيحدث لو سقط القائد الذي صنع السلام؟ فهل سيواصل خليفته الاتفاق؟ في مثل هذا السيناريو تكون إسرائيل قد عرضت أمنها للخطر، وقربت عدوها، من دون أن يكون لديها أي ضمان لسلامتها المستقبلية”.
وتقدم المنظمة نقدا لسياسة إسرائيل، معتبرة أن “الدولة تواجه صعوبة في مواجهة صورتها الذاتية”.
وتقول إن “من الصعب أن نتصور أن إسرائيل تجد صعوبة في التصالح مع هويتها كدولة يهودية. ولهذا السبب، هناك الكثير من الخطابات ضد الأرثوذكس والملتزمين. وبسبب هذه الصعوبة، لم تخرج إسرائيل قط لتقول: هذه أرض يهودية، وهبها الله لنا، وهي ضرورية لأمننا. وبدلا من ذلك، فإنها تقدم كل أنواع الحجج لمحاولة تبرير حيازتها للأرض وفقا للقيم العالمية”.
وتعتقد المنظمة أنه “في أرض إسرائيل اليوم، لا ينبغي أبدا التضحية بالتدابير الأمنية على أمل تحقيق النجاح الدبلوماسي”.
وترى أن “التنازلات لا تولد موقف المصالحة والسلام. وبدلا من ذلك، فإنهم يعبرون عن موقف الضعف الذي يستغله العرب للضغط على مطالب أكثر وأوسع”.
وتشير إلى أن إسرائيل “تعمل باستمرار انطلاقا من عقدة النقص، وتحاول أن تجد حظوة في عيون الدول الأخرى، بدلا من وضع أمنها كأولوية لها”.
وتستند المنظمة إلى معتقدات بأنه عندما تكون هناك مدينة يهودية قريبة من الحدود، وشن الأعداء هجوما عليها لأي سبب فإن اليهود يكسرون السبت ويحملون السلاح لمواجهتهم حتى لا يتمكنوا من السيطرة على الأرض.
وترى المنظمة أن “هذا بالضبط هو الوضع في إسرائيل اليوم. كل شبر من الأراضي في إسرائيل يشبه مدينة على الحدود؛ إنه أمر حيوي لأمنها. إعطاؤها للعرب يعرض جميع سكانها لاحتمال الهجوم”.
ولهذا السبب يقول العديد من الزعماء اليهود إنه “لا ينبغي إعادة شبر واحد من الأرض، وهذا السبب لا علاقة له بقداسة الأرض أو بحبهم لها”.
تعتقد المنظمة أن اقتراح مبادلة الأرض بالسلام “لم يُسمع به في سجلات التاريخ. متى قامت دولة انتصرت على أرض ما في حرب دفاعية بتسليمها إلى نفس الدول التي هاجمتها؟”