في ظل توترات متصاعدة يشهدها العراق بين فصائل مسلحة والقوات الأميركية، على خلفية حرب إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، أعلنت بغداد تشكيل لجنة مهمتها تحديد ترتيبات إنهاء مهمة التحالف الدولي لمكافحة تنظيم داعش، الذي تقوده واشنطن.
وفي تأكيد على تصريحات سابقة في نفس السياق أدلى بها الشهر الماضي، جدد رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، موقف العراق “الثابت” بإنهاء تواجد التحالف الدولي لمكافحة تنظيم داعش، وذلك بعد يوم واحد من ضربة أميركية أودت بحياة قيادي في حركة “النجباء” الموالية لإيران.
والخميس، قتل قيادي عسكري وعنصر في حركة “النجباء” بقصف استهدف مقرا للحشد الشعبي في بغداد، في ضربة أكدت واشنطن شنها “دفاعا عن النفس”، واعتبرها العراق “اعتداء” عليه.
العراق يشكل لجنة ثنائية لإنهاء مهمة التحالف الدولي
أعلنت بغداد، الجمعة، تشكل لجنة ثنائية مهمتها تحديد ترتيبات إنهاء مهمة التحالف الدولي لمكافحة تنظيم داعش الذي تقوده الولايات المتحدة في العراق.
وحركة “النجباء” ميليشيا مصنفة منظمة إرهابية في الولايات المتحدة، ومنضوية تحت فصائل الحشد الشعبي، الذي يمثل تحالف فصائل مسلحة باتت منضوية في إطار القوات المسلحة العراقية.
ويعتقد محللون أن رئيس الوزراء العراقي يتعرض لضغوط من قبل هذه الفصائل الشيعية، لإخراج القوات الأميركية، على اعتبار أن الإطار التنسيقي دعمه في الوصول للسلطة.
“امتصاص غضب”
وقال رئيس مركز التفكير السياسي، إحسان الشمري، إن توقيت إعلان اللجنة “يعكس مستويات الضغوط التي تمارس على رئيس الوزراء العراقي من قبل الفصائل المسلحة والإطار الشيعي”، في إشارة إلى “الإطار التنسيقي” وهو تحالف يتكون من أحزاب سياسية موالية لإيران.
وفي حديثه لموقع قناة “الحرة”، اعتبر الشمري أن توقيت الإعلان يمثل “ردة فعل من قبل رئيس الوزراء بغرض امتصاص غضب الفصائل المسلحة، وهو يحاول قدر المستطاع تخفيف حدة التداعيات على مستقبله السياسي”.
البنتاغون يؤكد مقتل قيادي في “النجباء” بضربة أميركية في العراق
أكد مسؤول عسكري في البنتاغون لـ “الحرة” أن القوات الاميركية اتخذت عند الساعة 12 ظهراً بتوقيت العراق، إجراءً ضرورياً و متناسباً ضد “ابو تقوى”، المسؤول في حركة النجباء، والذي كان ضالعاً في التخطيط وشن هجمات ضد القوات الاميركية.
ومنذ بدء الهجمات على المصالح الأميركية في العراق، تواجه حكومة السوداني التي وصلت إلى الحكم بدعم أحزاب وتيارات قريبة من إيران، امتحانا صعبا للحفاظ على علاقاتها الاستراتيجية مع واشنطن.
وقال الشمري إن الفصائل الموالية لإيران في العراق “هي من تمنح الغطاء السياسي للسوداني وهي ركيزة أساسية للحكومة” ولذلك جاء القرار كـ “ردة فعل أكثر من كونه احتياجا واقعيا”.
وكان رئيس الوزراء العراقي قال، وفق بيان صدر عن مكتبه: “نؤكد موقفنا الثابت والمبدئي في إنهاء وجود التحالف الدولي بعد أن انتهت مبررات وجوده”.
وأضاف: “إننا بصدد تحديد موعد بدء الحوار من خلال اللجنة الثنائية التي شُكلت لتحديد ترتيبات انتهاء هذا الوجود”، مؤكدا أنه “التزام لن تتراجع عنه الحكومة، ولن تفرط بكل ما من شأنه استكمالُ السيادة الوطنية على أرض وسماءِ ومياه العراق”.
جاءت تصريحات السوداني على هامش حفل تأبيني لإحياء ذكرى مقتل نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي، أبو مهدي المهندس، الذي قضى مع قائد فيلق القدس بالحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، في ضربة أميركية قرب مطار بغداد مطلع عام 2020.
ولم يستبعد المحلل السياسي العراقي، علي البيدر، الضغوط التي يتعرض لها السوداني في هذا الجانب، لكنه قال إن رئيس الوزراء “يواجه تلك الضغوط بإرادة صلبة.. ويحاول أن يفرض واقعا عراقيا جديدا برؤية وطنية”.
أكثر من 115 هجوما في سوريا والعراق.. ما الذي حققته ميليشيات إيران؟
تجاوز عدد الهجمات التي نفذتها الميليشيات المدعومة من إيران في سوريا والعراق ضد القوات الأميركية حاجز الـ115 هجوما منذ يوم السابع عشر من أكتوبر، وبعدما أضيف إليها يوم الثلاثاء 4 جديدة تثار تساؤلات بشأن ما حققته الجماعات على الأرض، وخاصة أنها تهدد بتنفيذ المزيد.
وقال البيدر لموقع “الحرة” إن العراق “يشهد حالة استقرار غير مسبوقة منذ 2003 وهذه المرحلة هي الأفضل أمنيا”، مردفا أن “الوجود الأميركي أصبح مبررا لحمل السلاح خارج إطار الدولة”.
واستطرد قائلا إن “العمليات المسلحة التي تنفذ ضد قوات أجنبية داخل العراق جعل القوات ترد” مما جعل إعلان تشكيل هذه اللجنة “مخرجا للحكومة لمنع استخدام أراضي العراق لتنفيذ تلك الهجمات”.
وتندد هذه الفصائل العراقية الموالية لإيران بما تقول إنه دعم أميركي لإسرائيل في حربها على حماس المصنفة إرهابية في الولايات المتحدة.
وتعرضت القواعد التي تستضيف قوات أميركية عاملة في إطار التحالف الدولي في العراق وسوريا لعشرات الهجمات منذ 17 أكتوبر، أي بعد 10 أيام على اندلاع الحرب في غزة، وفق حصيلة أفاد بها مسؤول عسكري أميركي.
وتنشر الولايات المتحدة 2500 عسكري في العراق ونحو 900 في سوريا في إطار تحالف دولي لمكافحة تنظيم داعش الذي سيطر على أجزاء واسعة من البلدين عام 2014.
وأعلن العراق انتصاره على داعش أواخر العام 2017، لكن التنظيم المتطرف لا يزال يحتفظ ببعض الخلايا في مناطق نائية وبعيدة في شمال البلاد، تشن بين حين وآخر هجمات ضد الجيش والقوات الأمنية.
“داعش لا يزال يمثل تحديا”
وفي أواخر العام 2021، أعلن العراق انتهاء المهمة “القتالية” للتحالف، وتحولها إلى مهام “استشارية”. وفي مارس 2023، أكدت الولايات المتحدة أن “مهمة التحالف الدولي في العراق وسوريا لم تكتمل”.
وآنذاك، ذكر بيان لوزارة الخارجية الأميركية أن المهمة “تتطلب الدعم المتواصل من المجتمع الدولي”، مضيفا: “نواصل دعم شركائنا وحثهم على الانضمام إلينا لتوفير مساعدات إرساء الاستقرار، بما في ذلك الخدمات الأساسية والتعليم ومصادر الرزق لتشجيع عودة النازحين الداخليين ودعم برامج تأهيل الشباب لمنع داعش من استغلال هذه الفئة السكانية الضعيفة في العراق وسوريا وتجنيدها”.
بعد تصريحات السوداني.. هل العراق قادر على التخلي عن التحالف الدولي؟
لا يخرج إعلان رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، الخميس، بأن الحكومة العراقية “ماضية” باتجاه إنهاء وجود التحالف الدولي في العراق عن إطارٍ سياسي، حسب خبراء ومراقبين تحدثوا لموقع “الحرة”.
وتوكد الولايات المتحدة أنها “ملتزمة بحزم بالعمل من خلال التحالف الدولي وشركائه لضمان الهزيمة الدائمة لهذا التنظيم الإرهابي في الشرق الأوسط وبالمجموعات التابعة له في أفريقيا ووسط آسيا وأي مكان آخر يسعى إلى الحصول على موطئ قدم فيه”.
وفي هذا الإطار، اعتبر الشمري أن “العراق لديه القدرة على محاربة داعش، ولكن الموضوع لا يرتبط بالأرض فقط”.
وتابع: “داعش والجماعات المتطرفة لا تزال تمثل تحديا (للعراق) رغم أنه تحد غير كبير، ويتطلب من العراق الاستمرار في التعاون مع التحالف الدولي والولايات المتحدة تحديدا”.
وأوضح الشمري أن “المؤسسة الأمنية العراقية بحاجة إلى تحديث نفسها والولايات المتحدة توفر التحديث المستمر في العقل العسكري العراقي”.