تواجه 10 دول نامية بينها ثلاثة بلدان عربية، أزمة اقتصادية خانقة تسبب في “مشكلات ديون”، قد تصل إلى التخلف عن سداد المستحقات الخارجية، بينما يكشف خبراء تحدث معهم موقع “الحرة” عن أسباب وتداعيات تلك الأزمة وسبل حلها.
وسيكون استمرار مشكلات الديون التي تواجه عددا من دول العالم النامي وتداعياتها موضوعا أساسيا خلال قمة مجموعة العشرين التي تعقد في دلهي هذا الشهر.
ومن تلك الدول “زامبيا، وسريلانكا، وغانا، وباكستان، والسلفادور، وكينيا، وأوكرانيا”، فضلا عن ثلاثة بلدان عربية وهي “تونس، مصر، ولبنان”.
مصر.. أزمة “ديون خارجية”
تشهد مصر التي يبلغ عدد سكانها 105 ملايين يعيش ثلثهم تحت خطّ الفقر، ظروفا اقتصادية قاسية.
ويعاني الاقتصاد المصري من تداعيات سنوات من الأزمات والهزات الأمنية، تلتها جائحة كوفيد وتأثيرات الحرب الأوكرانية، إذ إن روسيا وأوكرانيا هما البلدان الأساسيان اللذان كانت مصر تستورد منهما القمح، كما أنهما كانا مصدران أساسيان للسياح الذين يزورون بلاد النيل.
وقفزت الأسعار بشكل هائل في خضم أزمة في العملة الصعبة تسببت في خفض قيمة العملة ثلاث مرات بنحو 50 بالمئة منذ مارس 2022، ويرى الكثير من المصريين أن ظروفهم المعيشية تدهورت.
ولذلك يشير الخبير الاقتصادي المصري، عبدالنبي عبدالمطلب، إلى أن مصر “مثقلة بالديون الداخلية والخارجية”، لكن الأزمة تتعلق بالتزاماتها للخارج.
وهناك ديون خارجية على مصر تقدر بـ165 مليار دولار، وهي مطالبة خلال شهر سبتمبر بسداد 240 مليون دولار لصندوق النقد الدولي، ولديها التزامات تجاه الصندوق “أقساط وفوائد” تقارب مليار و450 مليون دولار، ويجب سدادها خلال 3 أشهر، وفق الخبير الاقتصادي.
ولدى أكبر اقتصاد في شمال أفريقيا نحو 100 مليار دولار من الديون بالعملة الصعبة، معظمها مقوم بالدولار، والتي يتعين على مصر سدادها على مدى السنوات الخمس المقبلة، منها سندات ضخمة بقيمة 3.3 مليار دولار العام المقبل.
وتنفق الحكومة أكثر من 40 بالمئة من إيراداتها على مدفوعات فوائد الديون فقط، وفق وكالة “رويترز”.
وفي مواجهة هذه المشكلة فإما أن الحكومة المصرية لديها “رؤية لا تريد الإفصاح عنها أو مشاركتها مع المواطنين أو المؤسسات الدولية”، أو “لا توجد رؤية” لديها وتنتظر مثلها مثل باقي المصريين “اشتداد الأزمة ثم انفراجها لاحقا”، حسب الخبير الاقتصادي المصري.
تونس.. أزمة مالية “خانقة”
تواجه الدولة الواقعة في شمال أفريقيا، والتي مرت بكثير من الصعاب منذ ثورة 2011، أزمة سياسية واقتصادية شاملة.
وتشهد البلاد منذ أشهر نقصا متكررا في المنتجات الأساسية كالسكر والحليب والأرز، بسبب طلب الموردين دفع مستحقاتهم مسبقا، وهو ما يصعب على تونس القيام به في ظل أزمة مالية حادة تعانيها.
ويبلغ دين تونس 80 بالمئة من إجمالي ناتجها المحلي وهي بحاجة ماسة إلى تمويل لتسديد رواتب موظفي القطاع الحكومي والبالغ عددهم حوالي 680 ألف موظف إداري وما لا يقل عن 150 ألف في الشركات العامة، فضلا عن نفقاتها الأخرى.
وأغلب ديونها داخلية لكن أقساطا لقروض أجنبية يحل موعد استحقاقها في وقت لاحق هذا العام، وقالت وكالات تصنيف ائتماني إن تونس ربما تتخلف عن السداد.
وتونس شبه عاجزة عن تمويل أي استثمار جديد، الأمر الذي يجعل البلاد تمر بركود اقتصادي مع نمو ضعيف يبلغ حوالي 2 بالمئة وبطالة تزيد عن 15 بالمئة.
كذلك، تسعى الدولة بشكل متزايد إلى الاقتراض الداخلي عبر المصارف المحلية، مما يقوض سمعتها الدولية، وفق وكالة “فرانس برس”.
ولذلك، يتحدث الخبير الاقتصادي التونسي، رضا الشكندالي، عن مواجهة تونس “أزمة مالية حادة” تتعلق بتوفير المواد الأساسية، والتي تتطلب موارد من العملة الصعبة.
ويشير إلى “تفاقم الديون الداخلية” لتونس خلال الفترة الماضية، نظرا للصعوبات التي تواجهها الحكومة التونسية في تعبئة الموارد الخارجية.
وهناك نوع من “العزلة المالية” لتونس تجاه صندوق النقد الدولي والمؤسسات الدولية والدول “الشقيقة”، ما يدفع الحكومة التونسية لتحويل “جزء من الديون الخارجية” إلى داخلية، وهذا من الأسباب الرئيسية لتفاقم التضخم المالي، وتراجع المقدر الشرائية للمواطن.
لبنان.. “أزمة كيانية”
منذ عام 2019، يشهد لبنان انهيارا اقتصاديا غير مسبوق بدأ مع امتناع الحكومة اللبنانية عن دفع ديونها المستحقة إلى المصارف، ما ساهم، بالإضافة الى عوامل أخرى، في شح السيولة وفرض المصارف قيودا مشددة على المودعين.
وتواجه البلاد أزمة مصرفية ونقدية سيادية غير مسبوقة لا تزال مستمرة لأكثر من ثلاث سنوات، ومنذ بداية الأزمة، شهد الاقتصاد انكماشا ناهز 40 بالمئة، وفقدت الليرة اللبنانية 98 بالمئة من قيمتها، وسجل التضخم معدلات غير مسبوقة، كما خسر المصرف المركزي ثلثي احتياطياته من النقد الأجنبي، وفق “صندوق النقد الدولي”.
وتخلف لبنان عن سداد ديونه منذ عام 2020 ولا يوجد سوى القليل من الدلائل على أن مشكلاته في سبيلها للحل.
ويتحدث أستاذ الاقتصاد بالجامعة اللبنانية، جاسم عجاقة، عن “تدخل سياسي” بكافة القرارات الاقتصادية والمالية في لبنان.
ومن المستحيل حل “الأزمة الاقتصادية والمالية” في لبنان، دون إجراء الإصلاحات التي طلبها صندوق النقد الدولي من الحكومة اللبنانية، وفق حديثه لموقع “الحرة”.
وفي أبريل 2022 أعلن صندوق النقد الدولي عن اتفاق مبدئي مع لبنان على خطة مساعدة بقيمة ثلاثة مليارات دولار على أربع سنوات.
لكن تطبيق الخطة مرتبط بالتزام الحكومة تنفيذ إصلاحات مسبقة، لم تسلك غالبيتها سكة التطبيق بعد، ومن بين الإصلاحات إقرار تشريعات تتعلق بإعادة هيكلة القطاع المصرفي وتعديل قانون السرية المصرفية وتوحيد سعر الصرف.
ولذلك يؤكد أستاذ الاقتصاد، أن الأزمة الاقتصادية اللبنانية “كيانية” وقد تدخل البلاد بأزمة اجتماعية تغيير شكل المجتمع اللبناني.
وبسبب الأزمة الاقتصادية ارتفعت معدلات الهجرة من البلاد خاصة بين الشباب الذين يمثلون حاليا 70 بالمئة من المهاجرين، وسيقود ذلك لمشكلات “مستقبلية تتعلق بنقص الأيادي العاملة”.
ويتساءل مستنكرا “غدا من سيقوم بدفع عجلة الاقتصاد اللبناني ويؤمن الأيادي العاملة؟.. هل سوف نستقدم أيادي عاملة خارجية؟!”.
ويوضح أن 40 بالمئة من العائلات اللبنانية “تعيش في فقر مدقع”، و82 بالمئة منها تواجه فقر “متعدد الأبعاد”.
وإذا استمرت الأزمة الاقتصادية ستواجه المزيد من العائلات “الفقر المدقع”، ووقتها سوف تحتاج البلاد لعقود حتى تخرجهم من تلك الأزمة، وفق تحذيراته.
هل توجد حلول؟
منذ عام 2017، حصلت مصر على أربعة قروض من صندوق النقد الدولي لمواجهة النقص في الدولار ودعم الموازنة، لكن ما زالت مؤشرات التعافي من الأزمة الاقتصادية سلبية.
وخلال عام واحد خسرت مصر 20 بالمئة من احتياطات النقد الأجنبي التي تراجعت إلى 34.45 مليار دولار خلال عام 2023.
ويشمل احتياطي النقد الأجنبي لمصر 28 مليار دولار من ودائع دول الخليج الحليفة لمصر لدى البنك المركزي المصري.
ويؤكد عبدالمطلب أن تحتاج مصر لسداد أقساط وفوائد مستحقة تجاه صندوق النقد الدولي، ويمكنها الوصول لـ”تسويات” فيما يتعلق بمستحقات “دول الخليج” وذلك بتأجيل السداد أو الحصول على “مساعدات غير منظورة”.
ومصر “غير معرضة لمخاطر التخلف عن سداد ديونها الخارجية”، لكون ذلك “لم يحدث سابقا في تاريخها ولن تسمح الحكومة المصرية بحدوثه نظرا لتداعياته السلبية على البلاد”، وفق الخبير الاقتصادي المصري.
أما تونس، فهي تتفاوض مع صندوق النقد الدولي من أجل الحصول على تمويل جديد لسد عجز الموازنة العامة.
وفي أكتوبر العام الماضي، أعطى الصندوق “الضوء الأخضر”، بإعلان موافقة مبدئية على منح تونس هذا القرض.
لكن منذ ذلك الحين تعثرت المفاوضات حول هذا القرض البالغة قيمته 1,9 مليار دولار وتوقفت المشاورات بين الطرفين منذ نهاية العام 2022 ولم تتقدم قيد أنملة.
ويرفض الرئيس التونسي، قيس سعيد ما يعتبره “إملاءات” الصندوق، خصوصا فيما يتعلق برفع الدعم عن بعض المواد الاستهلاكية الأساسية، ويرى فيها “تهديداً للسلم الاجتماعي” في البلاد.
ورغم ذلك يشير الشكندالي إلى “بوادر انفراجة”، بعد إبرام مذكرة تفاهم مع الاتحاد الأوروبي واستعداده لتقديم دعم لموازنة الدولة حتى تتقدم المفاوضات مع صندوق النقد الدولي.
وعرض الاتحاد الأوروبي على تونس دعما بنحو 1.1 مليار دولار، لكن يبدو أن ذلك مرتبط في معظمه باتفاق صندوق النقد الدولي أو الإصلاحات، حسب “فرانس برس”.
ويرى الخبير الاقتصادي التونسي أن الدعم المالي السعودي المرتقب لتونس، سوف يدفع دول خليجية أخرى كالإمارات والكويت لتقديم دعم لموازنة الدولة، ما يسهل طريق المفاوضات مع صندوق النقد الدولي.
وتعهدت السعودية بتقديم قرض ميسر لتونس بقيمة 400 مليون دولار ومنحة بقيمة 100 مليون دولار.
وبعد ذلك قد تتحصل تونس على دعم صندوق النقد الدولي بنهاية العام الجاري، وفق تقديرات الخبير الاقتصادي التونسي.
وفيما يتعلق بلبنان، فيؤكد عجاقة أن “البلاد خاضعة لنفوذ دول الخليج” التي استثمرت أموال طائلة في البلاد واستقطبت أيادي عاملة لبنانية للعمل على أراضيها، ويخص بالذكر السعودية.
وحل الأزمة الاقتصادية اللبنانية بالمطلق هو “خليجي بامتياز”، ولكن ذلك لن يكون بـ”شكل مباشر”، وفق أستاذ الاقتصاد.
ويشير إلى “اشتراط السعودية اتفاق لبنان مع صندوق النقد الدولي لتلقي تمويل من المملكة”.
ولذلك فهو يؤكد أن الأمر يتعلق بـ”القرار السياسي اللبناني والحكومة اللبنانية في المقام الأول”، فإذا تم تنفيذ الإصلاحات سوف يتغير الواقع وإذا لم يحدث ذلك فلا مساعدات.
هل تساعد دول الخليج البلدان الثلاثة؟
اعتادت بلدان الخليج على تقديم يد العون إلى حلفائها في أوقات الأزمات عبر “منح نقدية أو ودائع” لدعم احتياطيات النقد الأجنبي.
لكن بلدان الخليج بدأت في تبني سياسة أخرى لتقديم الدعم النقدي للحلفاء، ومؤخرا قال وزير المالية السعودي، محمد الجدعان، “غيرنا طريقة تقديم المساعدات”.
وتابع “عادة كنا نقدم منحا مباشرة وودائع بلا شروط .. الآن نريد أن نرى إصلاحات”.
وهو ما يؤكده الخبير الاقتصادي السعودي، فهد الصالح، الذي يتحدث لموقع “الحرة” عن كون المساعدات والقروض الخليجية عموما والسعودية خصوصا “مسكنات” لأزمات اقتصادية قديمة ومتراكمة تواجهها تلك الدول.
وقدمت السعودية مساعدات هائلة لمصر وتونس ولبنان لكنها “حلول وقتية وليست مستدامة”، ولا تمكن تلك الدول من تخطي أزماتها الاقتصادية المتصاعدة، وفق المحلل السياسي السعودي.
ويجب الاستفادة من القروض الخليجية بالتزامن مع استغلال قدرات تلك الدول لـ”تحقيق طفرة اقتصادية”، خاصة أن مصر وتونس ولبنان تتمتع بـ”أجواء لطيفة، ومقومات سياحية، وموارد هائلة على كافة الأصعدة”، حسب الصالح.
ويؤكد الخبير الاقتصادي السعودي أن تلك الدول تعاني من “أزمات اقتصادية خانقة”، وهو ما يتطلب وضع حلول داخلية تساعدها على اجتياز مشكلاتها، حيث تمتلك مصر وتونس ولبنان موارد هائلة يجب “استغلالها وإدارتها بشكل صحيح”، حسبما يوضح.
ويرى الصالح أن ما يحدث في مصر وتونس ولبنان “أزمات مستمرة طويلة المدى تحتاج لوضع خطط مستقبلية مستدامة”، لوقف معاناة شعوب تلك الدول، دون الاعتماد على “الاقتراض والمساعدات فقط”.