وفي ظل فرار الملايين من بيوتهم في مدن العاصمة وتطاول أمد الحرب واستمرار إغلاق المدارس والجامعات وتوقف آلاف الموظفين عن العمل، يقضي السودانيين ساعات في تصفح المواقع الإخبارية ومنصات التواصل الاجتماعي، بحثا عن أخبار الحرب التي أصبحت الوجبة الرئيسية بالنسبة للكثير من الآملين في العودة إلى بيوتهم أو استئناف أعمالهم أو دراستهم.
لكن في المقابل يجد متصفحو هذه المواقع والمنصات أنفسهم أمام سيل من الأخبار المتناقضة، أو الكاذبة المدسوسة عمدا، بيمنا يقع كثيرون في فخها.
ويشير الإعلامي فائز السليك إلى أن طرفي القتال يخصصان غرف عمليات لإدارة المعارك الإعلامية، ويستخدمان المئات من الإعلاميين والصحفيين لتوصيل رسائلهما عبر الوسائط الأكثر انتشارا، مثل تطبيقات “واتساب” و”فيسبوك” و”تويتر” و”يوتيوب”، وغيرها من المنصات التي يستخدمها نحو 10 ملايين سوداني.
لماذا تنتشر الشائعات؟
أخصائي التسويق الناشط المجتمعي محمد إبراهيم حمد يعزي انتشار الشائعات إلى “قصور في الإعلام الحكومي”، ويضيف لموقع “سكاي نيوز عربية”:
- “فشلت إدارة التوجيه المعنوي التابعة للجيش في تقديم المعلومات والحقائق للمواطن الذي بات يلهث وراء الإنترنت ليقرأ ما يشبع غريزته وتوجهاته، فينقل ويلصق كل ما يروق له”.
- يرى حمد أن طرفي القتال أسرفا في استخدام الدعاية المضادة ونشر الشائعات، التي أضرت كثيرا بالمواطن السوداني وأثرت على أوضاعه النفسية.
- يوضح: “احتوت رسائل الإعلام الموالي للجيش على تقديرات خاطئة لقدرات الخصم، كما تضمنت تبسيطا مخلا للحرب وأظهرتها وكأنها نزهه تنتهي في يومين”.
- يتابع حمد: “في المقابل أفرط إعلام الدعم السريع في بث الرسائل الدعائية التي تفتقد في الكثير من الأحيان إلى الموضوعية”.
جهود مهنية
مع استمرار انهمار سيل الأخبار الكاذبة، تبذل مواقع متخصصة مجهودات كبيرة في غربلتها ومحاولة الوصول إلى الحقيقة.
ونظرا للضرر الكبير الذي تسببه الشائعات وتأثيرها المباشر على مصداقية الصحافة بشكل عام، دخلت نقابة الصحفيين السودانيين في شراكات مع مراكز متخصصة في التحقق من الأخبار، لكن رغم أهمية الجهود التي تبذلها الجهات المهتمة بالحقيقة فإن إسهامها لا يزال محدودا.
ويقول السكرتير العام لنقابة الصحفيين السودانيين محمد عبد العزيز إن اندلاع القتال تزامن مع انتشار واسع لخطاب الكراهية والتضليل الإعلامي، مما دفع النقابة إلى التشديد على منسوبيها باتباع القواعد المهنية والالتزام بميثاق الشرف الصحفي.
إلا أن اندلاع القتال واستمراره تسبب في توقف معظم وسائل الإعلام عن العمل، وخلق بالتالي فجوة كبيرة في التغطية الموضوعية، خصوصا مع تنامي دور منصات التواصل الاجتماعي التي شهدت مختلف أشكال التضليل الإعلامي المواكب لما بات يعرف بـ”عالم ما بعد الحقيقة”، حيث يكون للحقائق الموضوعية قدر أقل من الأهمية مقارنة بالمشاعر والرغبات.
وأوضح عبد العزيز لموقع “سكاي نيوز عربية”، أن نقابة الصحفيين تعمل عبر عدد من البرامج والأنشطة على مواجهة خطاب الكراهية والتضليل الإعلامي، من خلال حلقات النقاش وورش العمل وتقارير الرصد الأسبوعية، وتوفير خطوط ساخنة لمساعدة الصحفيين في التحقق والتدقيق من المعلومات.
ضغط نفسي
تزيد الشائعات من الضغط النفسي الكبير الذي يعانيه السودانيون بسبب الحرب، حيث يعيش أكثر من 60 بالمئة من سكان مناطق القتال في مدن العاصمة حالة من التوتر وعدم الاتزان بسبب القتال الذي أجبرهم على ترك منازلهم وممتلكاتهم.
ويحذر أستاذ الطب النفسي بجامعة السعودية أحمد الأبوابي، من المخاطر الكبيرة التي تسببها الشائعات على الصحة النفسية للسودانيين، في ظل الأوضاع الحالية التي يعيشونها.
تعليقات الأبوابي لموقع “سكاي نيوز عربية”:
- “الطابع الدعائي يغلب في الأوضاع الطبيعية على منصات التواصل الاجتماعي، التي يندر أن تحتوي على آراء مجردة ومحايدة أو حوار موضوعي، أما في أوقات الحرب فإن الحقيقة دائما تكون أولى الضحايا، حيث يجد المتلقي نفسه وسط تيارين متضادين، ينتشر في الأول الخطاب المجرم للآخر وغير القابل للتفكير وهو ما تتبناه المجموعات الإعلامية الموالية للجيش من جهة والمساندة للدعم السريع من جهة أخرى، أما الثاني فيتمثل في تيار الرؤية العملية الداعية للحلول التي تتبناها المجموعات الرافضة للحرب والداعية لإيقافها”.
- “الحرب الدعائية تهتم فقط بتحقيق الهدف الذي تعمل لصالحه، ولا تعير أي اهتمام لمشاعر المتلقي أو المتصفح العادي الباحث عن الأخبار، أو كم الرعب والخذلان الذي يمكن أن تسببه له الدعاية المتضادة”.
- “في الكثير من الأحيان يجد المتلقي نفسه أمام رسائل متناقضة، يعزز بعضها الخطاب الدعائي الذي يوحي للفارين بسهولة العودة إلى بيوتهم، في مقابل خطاب آخر ينقل الأخبار التي تشير إلى استحالة العودة”.
- “من المهم الاستعداد النفسي للتعامل مع الصدمات والشائعات، من أجل تقليل التأثير السلبي على الصحة العقلية والعاطفية”.
- “أنصح بالحرص على التعامل مع المصادر الموثوقة للحصول على المعلومات، والاهتمام بالتحقق من صحة المعلومة قبل الأخذ بها أو إعادة نشرها”.