اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة بأغلبية ساحقة الثلاثاء قرارا يطالب بوقف فوري إنساني لإطلاق النار في قطاع غزة، وهو ما فشل فيه مجلس الأمن الدولي حتى الآن، مما يزيد الضغوط على إسرائيل وواشنطن.
وصوتت 153 دولة في الجمعية العامة -المؤلفة من 193 بلدا- لصالح القرار، مقابل معارضة 10 بلدان من بينها الولايات المتحدة وإسرائيل، في حين امتنعت 23 دولة عن التصويت.
ولا تملك واشنطن حق النقض (الفيتو) في الجمعية العامة، وكانت قد استخدمته ضد قرار مماثل في مجلس الأمن الأسبوع الماضي.
وقرارات الجمعية العامة ليست ملزمة، لكنْ لها ثقل سياسي وتعبّر عن رأي عالمي بشأن الحرب.
ويستجيب القرار إلى دعوة غير مسبوقة وجّهها الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إلى مجلس الأمن الدولي عبر رسالة أرسلها بموجب المادة 99 من ميثاق المنظمة للتعبير عن خشيته من “انهيار كامل ووشيك للنظام العام” في قطاع غزة.
ويدعو القرار الصادر عن الجمعية العامة إلى “وقف إطلاق نار إنساني فوري”، وإلى حماية المدنيين وإتاحة وصول المساعدات الإنسانية، وإلى “الإفراج الفوري وغير المشروط” عن كل الرهائن.
لكن على غرار النص الذي تبنّته الجمعية العامة في نهاية أكتوبر/تشرين الأول الماضي ودعا يومئذ إلى “هدنة إنسانية فورية ودائمة ومستدامة تؤدي إلى وقف الأعمال القتالية”، لا يدين مشروع القرار الحالي حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، وهو بند تنتقده إسرائيل والولايات المتحدة بشكل منهجي.
وسارعت حركة حماس على لسان القيادي البارز فيها عزت الرشق للترحيب بالقرار، وحثت المجتمع الدولي على مواصلة الضغط على إسرائيل للالتزام به.
من جهته وصف السفير الفلسطيني في الأمم المتحدة رياض منصور القرار بأنّه “تاريخي”.
وقال منصور للصحفيين إثر صدور القرار إن “اليوم كان يوما تاريخيا من حيث الرسالة القوية التي بعثت بها الجمعية العامة. من واجبنا الجماعي أن نمضي على هذا الطريق إلى أن نرى نهاية لهذا العدوان على شعبنا”.
من جهتها تساءلت المندوبة الأميركية ليندا توماس غرينفيلد “لمَ من الصعب القول من دون مواربة إنّ قتل الرضع وتصفية الأهالي على مرأى من أطفالهم أمر رهيب؟”.
أما السفير الإسرائيلي فندد بالقرار الذي وصفه بأنه “منافق”. وقال “لقد حان الوقت لتحميل المسؤولية إلى من يستحقون تحميلهم إيّاها، إلى وحوش حماس”، مشددا على أن وقف إطلاق النار لن يؤدي إلا إلى تقوية حركة المقاومة الإسلامية.
وكان الأميركيون طلبوا تعديل مشروع القرار لتضمينه إدانة لما وصفوها بـ”الهجمات الإرهابية البغيضة التي شنّتها حماس في 7 أكتوبر/تشرين الأول” الماضي، لكنّ طلبهم رُفض.
وكان طلب تعديل لمشروع قرار بهدف تضمينه إدانة مماثلة قد رُفض أيضا في نهاية أكتوبر/تشرين الأول الماضي. وأعدّت النمسا تعديلا آخر يهدف إلى الإشارة إلى أن الرهائن في غزة محتجزون لدى “حماس وجماعات أخرى”.
مصداقية مهددة
وكانت دول عربية طلبت اجتماعا خاصا للجمعية العامة بعدما استخدمت الولايات المتحدة حق النقض (الفيتو) الجمعة ضد مشروع قرار لمجلس الأمن يدعو إلى “وقف إطلاق نار إنساني فوري”.
وعبّرت دول عدة ومنظمات تدافع عن حقوق الإنسان عن أسفها لفشل مجلس الأمن الدولي يوم الجمعة الماضي.
والأحد الماضي قال غوتيريش إن سلطة مجلس الأمن ومصداقيته “مهدّدتان”.
وكان مجلس الأمن احتاج إلى أكثر من شهر بعد بدء الحرب بين المقاومة الفلسطينية وإسرائيل لكي يتحدث بصوت واحد، واكتفى في منتصف نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، بعد رفض 4 نصوص، بطلب “هدنات” إنسانية.
وتحذر الأمم المتحدة باستمرار من وضع كارثي في غزة حيث النظام الإنساني “على وشك الانهيار”.
واستنكر السفير المصري أسامة محمود عبد الخالق محمود، خلال تقديمه مشروع القرار، التلكّؤ في وضع حدّ لـ”آلة الحرب هذه”، مندّدا بجهود أقلية من البلدان ومعارضتها الرأي العام الدولي المؤيّد لوقف إطلاق النار.
وجاء في بيان مشترك لرؤساء حكومات أستراليا وكندا ونيوزيلندا بعد تصويتهم لصالح القرار، أن “ثمن هزيمة حماس لا يمكن أن يكون المعاناة المستمرة لكل المدنيين الفلسطينيين”.
لكن حتى مع دعم هائل لنص غير ملزم، “لا أحد يتصور أن الجمعية العامة قادرة على إقناع إسرائيل بوقف إطلاق النار تماما كما لا يمكنها أن تأمر بوتين بمغادرة أوكرانيا”، بحسب الباحث في مجموعة الأزمات الدولية ريتشارد غوان.
مبادرة لدعم فلسطين
وكان وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي جمع في جنيف الثلاثاء وزراء خارجية وسفراء دول عديدة من إيران إلى المملكة العربية السعودية مرورا بإندونيسيا، لدعوة المجتمع الدولي إلى التحرك لدعم الفلسطينيين في قطاع غزة.
وتجمع نحو 200 شخص في قاعة بالأمم المتحدة في إطار مبادرة لدعم الفلسطينيين، على هامش الاحتفالات بالذكرى الـ75 للإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
وأكد المالكي في افتتاح المحادثات أن الوضع في قطاع غزة “مروع”، واستنكر فشل المجتمع الدولي في “تحمل مسؤوليته”، مؤكدا أن “ما يحدث في غزة وصمة عار على جبين الضمير الإنساني”.
ووفقا لأحدث حصيلة ضحايا نشرتها وزارة الصحة في قطاع غزة، أدى القصف الإسرائيلي إلى استشهاد 18 ألفا و412 فلسطيني، نحو 70% منهم نساء وأطفال.
ثم تحدثت عشرات الدول بينها البحرين وتونس وكوبا وفنزويلا والجزائر والفلبين وتركيا، دعمًا للفلسطينيين.
وحضر سفيرا فرنسا وبريطانيا اللقاء أيضا دون أن يتحدثا.
وشدد وزير الخارجية السعودي على أن “الواقع المرير في قطاع غزة سيؤثر على الأمن الدولي ومصداقية هيئات الأمم المتحدة بالسماح بالتنفيذ الانتقائي للقانون الدولي”.
وعلى الطاولة نفسها، أعرب نظيره الإيراني حسين أمير عبد اللهيان عن دعمه لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) التي وصفها بـ”حركة التحرير الفلسطينية”.
ويصنف الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وكندا وإسرائيل حركة حماس على أنها “منظمة إرهابية”.
وأضاف أمير عبد اللهيان “الحرب ليست الحل. إسرائيل والولايات المتحدة لن تتمكنا أبدا من القضاء على حماس. هناك فقط حل سياسي”.
وقال المكلف بتسيير أعمال وزارة الخارجية والتعاون الدولي الليبية الطاهر الباعور إن “النظام العالمي فشل فشلاً ذريعا في إيقاف العدوان الإسرائيلي على غزة”.
ووجه الباعور “رسالة لكافة أحرار العالم للضغط على حكوماتهم من أجل الوقف الفوري لإطلاق النار وإدخال المساعدات الإنسانية بشكل عاجل” إلى القطاع.
من جهتها، أعربت سفيرة إسرائيل لدى الأمم المتحدة في جنيف ميراف إيلون شاحر عن أسفها لصمت رياض المالكي عن ما وصفتها بالفظائع التي ارتكبتها حماس في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.