في منتصف أبريل 2023 دخل السودان في دوامة صراع مسلح بين أكبر مكونين عسكريين في البلاد، بعد أزمة بين جنرالين انقلب تحالفهما القديم لعداوة واقتتال وحرب شوارع أسفرت عن مقتل وإصابة الآلاف ونزوح وتهجير الملايين، ناهيك عن انتشار جرائم اغتصاب لنساء في عدة مدن وقرى سودانية.
تقول جلليان كيتلي، مديرة مكتب المفوض الأممي لحقوق الإنسان في السودان “نزح خمسة ملايين و800 ألف شخص بسبب القتال، وشهدنا انتهاكات خطيرة من الطرفين للقانون الإنساني الدولي وحقوق الإنسان”.
وأضافت “غارات وقصف عشوائي لمناطق مكتظة بالسكان أدى لارتفاع أعداد الضحايا من المدنيين واستهداف للمستشفيات والمدارس”.
عمليات اغتصاب
وتوالت التقارير عن تعرض نساء وفتيات للعنف الجنسي على يد مقاتلين، وهناك روايات عن أفراد عائلات قتلوا أو اغتصبوا، ومنها شهادة فظيعة عن فتاة في الخامسة عشرة، هوجمت واغتصبت، وخطفت بعيدا عن أسرتها.
وبينما ترفض معظم الضحايا الإبلاغ عن تعرضهن للاغتصاب خوفا من الانتقام أو الوصم، وافقت ضحى، وهو اسم مستعار، التحدث للحرة شرط إخفاء هويتها واسمها الحقيقي.
وتقول “كنا في البيت بالليل، نسمع صوت الضرب (القصف) الذي اعتدنا عليه، وبعد قليل الصوت بدأ يعلو، قمنا أنا وأختي (تدعى متاب) بالاختباء تحت السرير”.
وقالت إنها وأختها تعرضتا للاغتصاب في منزلهما بأم درمان بحضور أمهما وشقيقهما الأصغر بعد شهر من بدء المعارك.
وتتابع “دخلوا علينا ثلاثة عسكريين يلبسون لباس الدعم السريع، واحد كان يفتش في الغرفة، والثاني خفض رأسه لأسفل ورآنا (…) ومن ثم سحبني من رجلي وجرني على الأرض، ورفعني من شعري، والثاني كان ينظر إلى متاب”.
وأضافت “بدأ ينظر إلي، بصقت في وجهه، ثم بصق علي ورماني على السرير، وحاولت مقاومته دون جدوى، قبل أن يضربني على بطني (…) وبعدها لم أعد أشعر بشيء”.
ضحى ليست استثناء
لا تبدو حالة ضحى فردية أو استثناء، إذ تقول كيتلي إن فريقها سجل مئة وخمس حالات لعنف جنسي.
وتضيف “تلقينا ادعاءات واسعة النطاق بشأن العنف الجنسي ضد المدنيين، منذ اندلاع القتال في أبريل 2023، يجب أن أقول إنه في معظم الحالات الموثقة، تم التعرف على الجناة على أنهم من قوات الدعم السريع أو أفراد يرتدون زي هذه القوات”.
ونسبت مفوضية حقوق الإنسان الأممية 70 في المئة من حوادث العنف الجنسي المؤكدة لمقاتلين يرتدون زي قوات الدعم السريع، وحادثة من بينها، يتهم بارتكابها مقاتل بلباس قوات الجيش.
وتقول سليمى إسحاق، رئيسة الوحدة الحكومية السودانية لمكافحة العنف ضد المرأة “الحالات الموجودة خاصة التي لها علاقة باقتحام المنازل والاختفاء القسري أو الاسترقاق الجنسي، هي كلها على حسب ما أوردت الناجيات ارتكبت من أشخاص يرتدون زي الدعم السريع”.
وتابعت “جملة الحالات المسجلة عندنا هي 136 حالة عنف جنسي متصل بالنزاع. هي فعليا لا تمثل أكثر من 2%، وتوجد الكثير من الحالات غير الموثقة، لأن طريقة الإبلاغ تكون صعبة، في ظل انقطاع الاتصال أو تردي الوضع الأمني نفسه، ومعظم الحالات قد لا تصل للمرافق الصحية ولا تبلغ”.
وتقول ريم السالم، الخبيرة الأممية المعنية بالعنف ضد النساء والفتيات، إنها كانت ضمن مجموعة من خبراء المنظمة خاطبت قوات الدعم السريع للرد على تلك الاتهامات.
وتضيف “قوات الدعم السريع أعطتنا إجابة، وقالوا إنهم سيقومون بإجراء تحقيق شامل ونزيه في كل حادث”.
وتنفي قوات الدعم السريع هذه الاتهامات، ويقول أحمد عابدين، المستشار الإعلامي لحميدتي “نحن نثق في قواتنا، ونثق في القيادة، وبالتالي شاهدنا مثل هذه المسرحيات، وهذه المقاطع في وسائل التواصل، وبالتأكيد لا يوجد من جنودنا أو من قادتنا أو من أفرادهم، أفعال مثل هذه الأفعال، ونحن على استعداد للتحقيق من أي لجنة وطنية محايدة، وعلى استعداد للتحقيق من أي لجنة دولية، بشرط أن يكون الأمر حياديا. وأنا متأكد أن هذه اللجان ستصل إلى الصانع الحقيقي لهذه الأفلام”.
لكن ضحى تؤكد “حياتي تدمرت (…) وأبي لا يعرف باغتصابي أنا وأختي، ولا أعرف كيف أعيش، والموت أسهل من هذه الحالة”.
وفي دارفور يضاف الاغتصاب لقائمة أوسع من الانتهاكات والجرائم التي قد تشكل معا إبادة جماعية محتملة، فما الذي حدث غربي السودان؟
وفي ديسبمر الماضي، نددت واشنطن بشدة بـ”أعمال العنف المروعة” في السودان، قائلة إن التقارير عن انتهاكات لحقوق الإنسان ارتكبتها قوات الدعم السريع “موثوقة”.
وقال متحدث باسم الخارجية الأميركية إن ثمة “ضحايا وجماعات مدافعة عن حقوق الإنسان قد اتهموا بشكل موثوق عناصر من قوات الدعم السريع ومجموعات مسلحة متحالفة معها، بارتكاب عمليات اغتصاب وأشكال أخرى من العنف الجنسي على صلة بالنزاع”.
قتل تحت التعتيم
ويقول محمد عثمان، باحث ملف السودان بمنظمة هيومان رايتس ووتش إن “الإحصاءات غير الرسمية تؤكد أن 9000 شخص قتلوا في الصراع في الخرطوم وحدها، الوصول إلى الإنترنت صعب جدا، وبالتالي الوصول إلى معلومة من الضحايا أو غيره، هذا تحدي حقيقي للمنظمات”.
وبدا ذلك التعتيم للحقوقيين متعمدا من قبل طرفي الصراع منذ اليوم الأول للحرب.
تقول نكويتا سلامي، المنسقة الأممية للشؤون الإنسانية في السودان “فر نحو 5.4 ملايين شخص من منازلهم، ونزحوا داخل السودان، أو إلى بلدان مجاورة بمعدل حوالي 30 ألف شخص يوميا، كثير منهم هربوا بلا شيء سوى ملابسهم، لقد أصبحت أزمة النزوح متفاقمة”.
وأسفرت المعارك بين الجيش بقيادة، عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة، محمد حمدان دقلو (حميدتي)، عن مقتل أكثر من 12190 شخصا، وفق تقديرات منظمة “مشروع بيانات مواقع الصراعات المسلحة وأحداثها” (أكليد)، وهي حصيلة يعتقد أنها تبقى دون الحصيلة الفعلية.
وحتى الآن فشلت كل المفاوضات التي تسعى لإنهاء الحرب بوساطات سعودية وأميركية وأفريقية، فيما لم يعلن أي من الجانبين المتحاربين عن انتصار عسكري كامل.