“الأسرة والتمييز والتحرش”.. عراقيل “تقليدية” تقف أمام المغربيات وسوق العمل

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 10 دقيقة للقراءة

في معطيات وصفتها ناشطات حقوقيات بـ”المقلقة”، كشفت هيئة الإحصاء الرسمية بالمغرب، أن نسبة عدم نشاط النساء في البلاد تصل إلى أكثر من 70 بالمئة، مرجعة هذا الرقم الكبير إلى ما اعتبرتها “عوامل ثقافية واجتماعية تقليدية” تحول دون مشاركتهن الكاملة بسوق العمل.

وأفادت المندوبية السامية للتخطيط، في دراسة جديدة، بأن نسبة عدم نشاط النساء في القوة العاملة بالمغرب تصل إلى 73 بالمئة، وهي نسبة أعلى بكثير من نظيرتها لدى الرجال، والمقدرة بنحو 7.5 مئوية.

وأوضحت الدراسة، أنه حتى وإن كانت المرأة شابة وحاملة لشهادة التعليم العالي، فإن عدم نشاطها يظل متأثرا بشدة بـ”عبء الأسرة والاعتبارات الثقافية والاجتماعية التقليدية”، بالإضافة إلى عوامل أخرى ترتبط ببيئة العمل مثل التحرش الجنسي واللفظي والتمييز.

“انتكاسة حقيقية”

الناشطة الحقوقية والنسوية أمينة التوبالي، تقول إن الأرقام التي يقدمها التقرير تعكس “انتكاسة حقيقية” لواقع المشاركة الاقتصادية للمغربيات، لافتة إلى “التراجع المتزايد والمؤسف لهذه النسب خلال السنوات الأخيرة”.

وأوضحت الدراسة التي نشرت، مطلع الأسبوع الجاري، أن النساء المتزوجات اللواتي تتراوح أعمارهن ما بين 25 و34 سنة، واللواتي يتوفرن على شهادة متوسطة أو بدون شهادة، هن الأقل ولوجا لسوق العمل، وتصل احتمالية بطالتهن إلى 90 بالمئة، فيما تتقلص هذه النسب بالنسبة لنظيراتهن العازبات ذوات مستويات التعليم العالية، واللائي يبقين الأكثر وصولا للعمل، حيث تتقلص النسبة المذكورة إلى 18 بالمئة.

وحسب نتائج الدراسة، يظهر أنه بإضافة عامل الزواج للنساء بين سن 25 و44 سنة، ذوات التعليم العالي يظهر أن نسب احتمال عدم ولوجهن إلى سوق العمل ترتفع إلى 36 بالمئة و60 بالمئة، بإضافة عاملي الزواج والأطفال تواليا.

عضو الرابطة الديمقراطية لحقوق المرأة، نجية تزروت، تقول بدورها إن هذه الأرقام المقلقلة، تبرز الإشكاليات والتحديات المختلفة والمتعددة الأبعاد التي ترتبط بمشكل حضور النساء في القوة العاملة.

وأشارت نسبة كبيرة من المشاركات في الدراسة، إلى أن ظروف العمل غير المتكافئة تشكل عائقا أمام استمرارهن في عملهن، كما تحدثن عن مواجهتهن أشكالا مختلفة من المضايقات وسوء المعاملة والتمييز في مكان العمل، فضلا عن عدم تنظيم أوضاعهن المهنية.

وبالتزامن مع الاحتفالات باليوم العالمي للمرأة، كشفت المؤسسة الرسمية، في دراسة منفصلة، أن التمييز بين المرأة والرجل “واقع راسخ” في سوق العمل بالبلاد، ما يؤدي إلى تفاقم فجوة الأجور بين الجنسين رغم المؤهلات المتساوية بينهما.

وأوضحت المندوبية، أن سوق العمل بالمغرب به “تمييز جنسي”، حيث تحصل المرأة العاملة، في المتوسط، على أجر أقل من أجر الرجل، وذلك رغم المؤهلات المهنية المتساوية.

المغرب.. مؤسسة رسمية تتحدث عن “تمييز جنسي” في سوق العمل

قالت مؤسسة مغربية رسمية إن التمييز بين المرأة والرجل واقع راسخ في سوق الشغل بالبلاد ما يؤدي إلى تفاقم فجوة الأجور بين الجنسين رغم المؤهلات المتساوية بينهما.

في الحاجة إلى “كسر الموروثات”

وحسب تحليل لشهادات نحو 300 سيدة، قالت المندوبية، إن أحد التصورات السائدة التي عبرت عنها المستجوبات، يتمثل في مسألة “رفض الأسرة”، والتي اعتبرنها “عائقا رئيسيًا أمام مشاركتهن في سوق العمل”، حيث أكدت الدراسة على “أنه على الرغم من مهارات المرأة ومؤهلاتها، إلا أنها تواجه هذه المعارضة الأسرية”.

ويبقى عدم تكافؤ الفرص داخل المؤسسات وظروف العمل التي ترتبط بطبيعة العقد مع المشغّل والراتب، سببا آخر بين قائمة العوامل التي تعتبرها النساء “ظروف عمل غير مواتية” تبعدهن عن سوق العمل.

في هذا الجانب، تشير تزورت في تصريح لموقع “الحرة”، إلى أن هذه التحديات تتطلب جهودا مشتركة من الحكومة والمجتمع المدني والقطاع الخاص لتبني سياسات عمومية وبرامج تراعي فيها مقاربة النوع  لتعزيز مشاركة النساء في سوق العمل وتحسين فرص ولوجهن واحتفاظهن بعملهن.

وحسب الدراسة، فإن تقبل ولوج المرأة إلى سوق الشغل يتوقف أيضا على طبيعة العمل، حيث ينظر بشكل إيجابي إلى وقبول اجتماعي مرتفع للمهن والوظائف بالقطاع العام، فيما تواجه الوظائف في المجالات “الأنثوية” التقليدية، مثل التجميل أو تصفيف الشعر أو الخياطة، أحكاما اجتماعية أكثر تحقيرا.

وإلى جانب العوامل التي رصدها التقرير، تلفت المتحدثة  كذلك إلى تحديات أخرى تواجه وصول النساء إلى العمل، ومن بينها  قلة الفرص الوظيفية المتاحة لهن في بعض القطاعات والمجالات.

وتركّز أيضا على مسألة التمييز في الأجور، مشيرة إلى أن “النساء يتعرضن لتمييز في الرواتب وفرص الترقية مقارنة بالرجال في العديد من المهن والوظائف”، فضلا عن صعوبة تحقيق التوازن بين مسؤوليات العمل والأسرة، مثل رعاية الأطفال والمسؤوليات المنزلية الأخرى.

وفيما يتعلق بالنقطة الأخيرة والتي وصفتها الدراسة بـ”عبء الأسرة”، تشدد المتحدثة، على أهمية التوعية بكون العمل المنزلي “ليس من مسؤولية النساء فقط، وإنما يبقى مهمة مشتركة بين كل أعضاء الأسرة”.

وتوضح أن المجتمع المغربي يعرف تحولات اقتصادية كبيرة تلعب فيها النساء دور معيل الأسرة ما يفرض عليهن قضاء ساعات طويلة في العمل، متسائلة باستنكار “كيف نتقبل أن تعمل النساء خارج المنزل طيلة النهار لإعالة أسرهن، ثم يتحملن أعباءه لوحدهن”.

وتشدد المتحدثة على ضرورة أن يساير هذا التطور “تغيير على مستوى العقليات وتكسير الموروثات الثقافية التقليدية الذي تحمل النساء كل أعباء البيت”، وذلك بالتوعية عبر وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام المسموع والمرئي والمناهج المدرسية وغيرها من أجل رفع كل أشكال العنف والتمييز ضد النساء لإدماج بشكل فعال في النسيج الاقتصادي للبلاد.

“المشكل المؤرق”

ولا يزال معدل مشاركة الإناث في القوى العاملة بالمغرب من بين أقل المعدلات في العالم، بل ينخفض عما كان عليه قبل عقدين من الزمن، ذلك على الرغم من ارتفاع الناتج المحلي الإجمالي للفرد، وانخفاض معدل الخصوبة، وتحسّن فرص التعليم، وفقا لتقرير صادر عن البنك الدولي.

وعلى الرغم من أن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تتسم بانخفاض تاريخي لمعدلات مشاركة النساء في القوى العاملة، فإن المغرب، بحسب التقرير، يبقى من بين عدد محدود من البلدان التي سجلت انخفاضا مطردا في معدل مشاركة النساء في قوة العمل، كما شهد أيضا الانخفاض الأطول زمنيا بين دول الجوار.

وإذا استمر هذا الاتجاه، يحذر التقرير الذي يحمل عنوان “المغرب: البحث في ضعف مشاركة المرأة في القوة العاملة”،  أنه في غضون سنوات قليلة قد ينخفض معدل مشاركة النساء في القوى العاملة دون متوسط المعدل بالمنطقة.

الناشطة الحقوقية المهتم بقضايا المرأة، أمينة التوبالي، تقول إن البطالة النسائية تتزايد بشكل ملحوظ في المغرب، مشيرة إلى “الأثر المدمر” لجائحة فيروس كورونا والتي تسببت في فقدان عشرات آلاف النساء بالقطاع الخاص وغير المهيكل لعمهلن، إثر إعلان شركات ومؤسسات إفلاسها أو تسريح جزء من موظفيها.

وتشدد المتحدثة، على أن “المشكل المؤرق” يتمثل في تسجيل تراجع كبير في عدد النساء العاملات بين عامي 2010 و2020، حيث انخفضت النسبة، بنحو 7 نقط، ما يعكس تراجع المكتسبات المحققة في المجال، مؤثرا بشكل كبير على اقتصاد البلاد.

وتوضح التوبالي، أن التفاوت الذي سجل خلال الفترة المذكورة فيما يتعلق بالولوج إلى العمل بين الجنسين، كان له “تكلفة اقتصادية ضخمة على البلاد، تصل إلى نحو 27 مليار دولار”.

“تغيير كلام الله” ودعوة لإنهاء “التمييز”.. جدل جديد بشأن “المدونة” في المغرب

تجدد الجدل المرتبط بإصلاح قانون الأسرة بالأوساط الحقوقية والسياسية في المغرب، بعد الخرجة الأخيرة لزعيم حزب العدالة والتنمية ورئيس الحكومة الأسبق، عبد الإله بنكيران، والتي دعا فيها إلى مواجهة أي بنود “تخالف” المرجعية الإسلامية بـ”مسيرة شعبية مليونية”.

وأكد البنك الدولي في تقرير بشأن الاقتصاد المغربي عام 2023، أن زيادة مشاركة المرأة في سوق العمل سيعود  بفوائد اقتصادية واجتماعية كبيرة على البلاد، مبرزا أن ضعف وتراجع معدل نشاط النساء يشكل عائقا أمام تعزيز النمو والناتج المحتمل.

وفيما توقف تقرير البنك الدولي عند مجموعة من الإصلاحات الطموحة التي نفذتها الحكومة لتعزيز مشاركة النساء، أكد، في المقابل، أن هناك حاجة إلى نقلة نوعية لتمكين المرأة المغربية اقتصاديا، مشيرا إلى ضرورة تركيز الجهد على مواجهة قيود محددة تواجهها النساء في سياقات مختلفة.

ويشمل ذلك، وفق معطيات التقرير، حل مشاكل التنقل في المناطق القروية، وزيادة الشمول المالي والرقمي لتمكين المرأة من المشاركة في أنشطة إنتاجية خارج الأسرة.

أما في المناطق الحضرية، يشدد تقرير المؤسسة المالية الدولية، على أهمية تعزيز ظروف العمل الملائمة للنوع، ومعالجة القيود التي تواجه النساء، بما في ذلك توفير فرص اقتصادية وخلق بيئة تمكينية للمرأة لاغتنام هذه الفرص، وإطلاق المزيد من الإصلاحات القانونية، وتوفير خيارات مقبولة وبأسعار معقولة لرعاية الأطفال، وتغيير الأعراف الاجتماعية التقليدية.

وتشير التوبالي إلى أن التغيير يجب أن يكون قانونيا على الصعيد الأول، حيث أن الآليات القانونية وحدها القادرة على دفع المجتمع نحو تغيير العقليات ومعه قبول حضور المرأة في العمل أو المشاركة السياسية أو غيرها من المجالات.

وتضيف التوبالي، أن الحركة النسوية بالمغرب ستناضل من أجل قانون للشغل أكثر إنصافا، بعد انتهاء معركة مراجعة قانون الأسرة، معتبرة أن القانون الراهن، يضم مجموعة من القوانين والبنود التي تكرس هذا الواقع السلبي.

وتلفت المتحدثة ذاتها، إلى تجارب دول أخرى قالت إنها ذهبت في طريق التمييز الإيجابي وعملت على ضمان المساواة بين الرجال والنساء في مختلف المجالات، ما انعكس بشكل مباشر وقوي على نموها الاقتصادي.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *