إنترسبت يكشف كيف انحازت الصحف الأميركية الكبرى في حرب غزة

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 11 دقيقة للقراءة

انتهى تحليل كمي أجراه موقع “إنترسبت الأميركي” إلى أن تغطية الصحف الكبرى في أميركا في الأسابيع الستة الأولى من الهجوم على غزة أظهرت تحيزا شديدا لصالح إسرائيل.

وقال الموقع إن تغطية صحف “نيويورك تايمز” و”واشنطن بوست” و”لوس أنجلوس تايمز” للحرب الإسرائيلية على غزة كانت متحيزة بشكل ثابت ضد الفلسطينيين.

وأوضح الموقع في تقرير له أن وسائل الإعلام المطبوعة، التي تلعب دورا مؤثرا في تشكيل الرأي العام الأميركي حول الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، لم تول اهتماما كبيرا للتأثير غير المسبوق لحملة الحصار والقصف الإسرائيلية على كل من الأطفال والصحفيين في قطاع غزة.

تغطية غير متناسبة

وقال إن الصحف الأميركية الكبرى أبرزت بشكل غير متناسب الوفيات الإسرائيلية في الصراع، واستخدمت لغة عاطفية لوصف قتل الإسرائيليين، ولم تفعل ذلك مع وفيات الفلسطينيين، وقدمت تغطية غير متوازنة للأعمال المعادية للسامية في الولايات المتحدة، بينما تجاهلت إلى حد كبير العنصرية المعادية للمسلمين في أعقاب هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول على إسرائيل.

واتهم النشطاء المؤيدون للفلسطينيين الصحف الرئيسية بالتحيز مع إسرائيل، حيث شهدت صحيفة نيويورك تايمز احتجاجات أمام مقرها في مانهاتن لتغطيتها لحرب غزة، وهو اتهام يدعمه تحليل إنترسبت.

يركز تحليل المصدر المفتوح الذي أجرته “إنترسبت” على الأسابيع الستة الأولى من الصراع، حيث قُتل خلال هذه الفترة، 14 ألفا و800 فلسطيني، من بينهم أكثر من 6 آلاف طفل، بسبب القصف الإسرائيلي لغزة.

جمعت إنترسبت أكثر من ألف مقالة من “نيويورك تايمز” و”واشنطن بوست” و”لوس أنجلوس تايمز” عن حرب إسرائيل على غزة، وسجلت استخدامات بعض المصطلحات الرئيسية والسياق الذي استخدمت فيه.

خلل جسيم

وقالت إن الإحصائيات تكشف عن خلل جسيم في الطريقة التي تتم بها تغطية الشخصيات الإسرائيلية والمؤيدة لإسرائيل مقابل الأصوات الفلسطينية والمؤيدة للفلسطينيين، مع استخدامات تفضل الروايات الإسرائيلية على الروايات الفلسطينية.

وعلقت بأن هذا التحيز المناهض للفلسطينيين في وسائل الإعلام المطبوعة مع مسح مماثل لأخبار قنوات التلفزيون الأميركية أجراه كتاب التحليل الشهر الماضي، وجد تفاوتا أوسع.

لا يمكن أن تكون المخاطر المترتبة على هذا التقليل الروتيني من قيمة حياة الفلسطينيين قليلة. فمع ارتفاع عدد القتلى في غزة، وتسوية مدن بأكملها وجعلها غير صالحة للسكن لسنوات، والقضاء على أسر بأكملها، تتمتع الحكومة الأميركية بنفوذ هائل باعتبارها الراعي الرئيسي لإسرائيل ومورد الأسلحة. إن عرض وسائل الإعلام للصراع يعني أن هناك سلبيات سياسية أقل للدعم الأميركي لإسرائيل.

صورة قاتمة للجانب الفلسطيني

ترسم التغطية من الأسابيع الستة الأولى للحرب صورة قاتمة للجانب الفلسطيني، وفقا للتحليل، صورة تجعل إضفاء الطابع الإنساني على الفلسطينيين، وبالتالي إثارة تعاطف الولايات المتحدة مع الفلسطينيين، أكثر صعوبة.

وأوضح الموقع أنه بحث عن جميع المقالات التي تحتوي على كلمات ذات صلة (مثل “فلسطيني”، “غزة”، “إسرائيلي”، إلخ.) في الصحف الثلاث المذكورة. وقام بتحليل كل جملة في كل مقالة وأحصى عدد مصطلحات معينة.

وقال إن المسح الذي أجراه للتغطية يحتوي على 4 نتائج رئيسية:

  • تغطية غير متناسبة للوفيات

في الصحف الثلاث، تظهر عبارة “إسرائيلي” أو “إسرائيل” أكثر من “فلسطيني” أو أشكال مختلفة منها، حتى مع تجاوز الوفيات الفلسطينية للقتلى الإسرائيليين. ولجميع القتلى، يتم ذكر الفلسطينيين مرة واحدة، ومقابل كل حالة وفاة إسرائيلية، يتم ذكر الإسرائيليين 8 مرات، أو بمعدل 16 مرة أكثر لكل حالة وفاة من الفلسطينيين.

  • “ذبح” الإسرائيليين وليس الفلسطينيين

وذكر موقع “إنترسبت” أن المصطلحات العاطفية للغاية لقتل المدنيين مثل “المذبحة” و”المجزرة” و”المروعة” كانت مخصصة بشكل حصري تقريبا للإسرائيليين الذين قتلوا على يد الفلسطينيين، وليس العكس.

وأضاف أن المحررين والمراسلين استخدموا مصطلح “مذبحة” لوصف قتل الإسرائيليين مقابل الفلسطينيين من 60 إلى 1، واستخدموا كلمة “مجزرة” لوصف قتل الإسرائيليين مقابل الفلسطينيين من 125 إلى 2. وتم استخدام كلمة “مروع” لوصف قتل الإسرائيليين مقابل الفلسطينيين 36 إلى 4.

استخدمت صحيفة واشنطن بوست مفردة “مذابح” عدة مرات في تقاريرها لوصف ما جرى في هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول. “يواجه الرئيس بايدن ضغوطا متزايدة من المشرعين في كلا الحزبين لمعاقبة إيران بعد مذبحة حماس”.

وفي قصة نشرتها واشنطن بوست في 13 نوفمبر/تشرين الثاني كيف أن الحصار والقصف الإسرائيلي قد أودى بحياة 1 من كل 200 فلسطيني لم تستخدم كلمة “مذبحة” أو “مجزرة” ولا مرة واحدة. لقد تم ببساطة “قتل” الفلسطينيين أو “ماتوا” غالبا في صيغة المبني للمجهول.

  • الأطفال والصحفيون

وأشار الموقع أيضا إلى أن عنوانين فقط من بين أكثر من 1100 مقالة إخبارية في الدراسة ذكرا كلمة “أطفال” تتعلق بأطفال غزة. في استثناء ملحوظ، نشرت صحيفة نيويورك تايمز قصصا على الصفحة الأولى في أواخر نوفمبر/تشرين الثاني حول الوتيرة التاريخية لقتل النساء والأطفال الفلسطينيين، رغم أن العنوان الرئيسي لم يذكر أطفالا أو نساء.

وأضاف أنه رغم أن حرب إسرائيل على غزة ربما تكون الأكثر دموية بالنسبة للأطفال، معظمهم فلسطينيون، في التاريخ الحديث، فإنه لا يوجد ذكر لكلمة “أطفال” والمصطلحات ذات الصلة في عناوين المقالات التي شملتها الدراسة.

وفي حين أن الحرب على غزة كانت واحدة من أكثر الحروب دموية في التاريخ الحديث بالنسبة للصحفيين، معظمهم فلسطينيون، تظهر كلمة “صحفيون” وتكرارها مثل “مراسلون” و”مصورون صحفيون” في 9 عناوين رئيسية فقط من بين أكثر من 1100 مقالة تمت دراستها. فقد قتل ما يقرب من 48 صحفيا فلسطينيا بسبب القصف الإسرائيلي وقت الهدنة، واليوم، تجاوز عدد قتلى الصحفيين الفلسطينيين 100. ومع ذلك هناك 4 من 9 مقالات فقط تحتوي على كلمات صحفي ومراسل كانت عن مراسلين عرب.

وعلق موقع إنترسبت بأن الافتقار إلى التغطية للقتل غير المسبوق للأطفال والصحفيين، وهي الفئات التي عادة ما تثير التعاطف من وسائل الإعلام الغربية، أمر واضح. وعلى سبيل المقارنة، مات عدد أكبر من الأطفال الفلسطينيين في الأسبوع الأول من قصف غزة أكثر مما مات في العام الأول بأكمله من الغزو الروسي لأوكرانيا، ومع ذلك فإن نيويورك تايمز وواشنطن بوست ولوس أنجلوس تايمز، نشرت قصصا متعاطفة تسلط الضوء على حرب أوكرانيا.

وعلق الموقع بأن عدم التماثل في كيفية تغطية الأطفال هو نوعي وكمي. ففي 13 أكتوبر/تشرين الأول، نشرت صحيفة “لوس أنجلوس تايمز” تقريرا لـ “وكالة أسوشيتد برس” يقول: “قالت وزارة الصحة في غزة يوم الجمعة إن 1799 شخصا قتلوا في الإقليم، بما في ذلك أكثر من 580 تحت سن 18 و351 امرأة. وأدى هجوم حماس يوم السبت الماضي إلى مقتل أكثر من 1300 شخص في إسرائيل، من بينهم نساء وأطفال وشباب من رواد المهرجان الموسيقي”، لاحظ أن الشباب الإسرائيليين يشار إليهم على أنهم أطفال بينما يتم وصف الشباب الفلسطينيين بأنهم أقل من 18 عاما.

خلال المناقشات حول تبادل الأسرى، كان هذا الرفض المتكرر للإشارة إلى الفلسطينيين كأطفال أكثر وضوحا، حيث أشارت صحيفة نيويورك تايمز في إحدى الحالات إلى “نساء وأطفال إسرائيليين” يتم تبادلهم بـ “نساء وقصر فلسطينيين”.

وهناك تقرير لواشنطن بوست نشرته في 21 نوفمبر/تشرين الثاني يعلن عن اتفاق الهدنة، أزال عبارة “النساء والأطفال الفلسطينيين” تماما: “قال الرئيس جو بايدن في بيان ليلة الثلاثاء إن صفقة إطلاق سراح 50 امرأة وطفلا محتجزين كرهائن لدى حماس في غزة، مقابل 150 سجينا فلسطينيا تحتجزهم إسرائيل”. لم يذكر الموجز النساء والأطفال الفلسطينيين على الإطلاق.

تغطية الكراهية في الولايات المتحدة

واستمر موقع “إنترسبت” يقول إنه وبالمثل، عندما يتعلق الأمر بكيفية مساهمة الصراع في غزة في الكراهية في الولايات المتحدة، تولي الصحف الرئيسية اهتماما أكبر للهجمات المعادية للسامية أكثر من تلك الموجهة ضد المسلمين. وبشكل عام، كان هناك تركيز غير متناسب على العنصرية تجاه الشعب اليهودي، مقابل العنصرية التي تستهدف المسلمين أو العرب أو أولئك الذين ينظر إليهم على هذا النحو.

وخلال فترة دراسة “إنترسبت”، ذكرت الصحف الثلاث محل الدراسة معاداة السامية أكثر من الإسلاموفوبيا (549 مقابل 79)، وكان هذا قبل الجدل حول “معاداة السامية في الحرم الجامعي” الذي ابتكره الجمهوريون في الكونغرس.

ورغم العديد من الحالات البارزة لكل من معاداة السامية والعنصرية المعادية للمسلمين خلال فترة المسح، كان 87% عن ذكر التمييز حول معاداة السامية، مقابل 13% عن ذكر الإسلاموفوبيا، بما في ذلك المصطلحات ذات الصلة.

عندما تفشل الصحف الكبرى

بشكل عام، لا تحظى عمليات قتل الفلسطينيين في غزة بتغطية متناسبة من حيث النطاق أو الوزن العاطفي مثل قتل الإسرائيليين في السابع من أكتوبر/تشرين الأول. يتم تقديم عمليات القتل هذه في الغالب على أنها عالية بشكل تعسفي. ويتم تصوير عمليات قتل حماس للمدنيين الإسرائيليين باستمرار على أنها جزء من إستراتيجية المجموعة، في حين تتم تغطية عمليات قتل المدنيين الفلسطينيين تقريبا كما لو كانت سلسلة من الأخطاء لمرة واحدة ارتكبت آلاف المرات، رغم العديد من العمليات التي تشير إلى نية إسرائيل إلحاق الضرر بالمدنيين والبنية التحتية المدنية.

والنتيجة هي أن الصحف الرئيسية الثلاث نادرا ما أعطت الفلسطينيين تغطية إنسانية.

رغم التغطية المتحيزة لإسرائيل

ورغم هذا التباين، تظهر استطلاعات الرأي تحول التعاطف تجاه الفلسطينيين والابتعاد عن إسرائيل بين الديمقراطيين، مع انقسامات هائلة بين الأجيال مدفوعة جزئيا بالاختلاف الصارخ في مصادر الأخبار. فعموما نجد أن الشباب يحصلون على معلوماتهم من تيك توك، يوتيوب، إنستغرام، وتويتر، وكبار السن الأميركيون يحصلون عليها من وسائل الإعلام المطبوعة والأخبار.

وقال موقع “إنترسبت” إن التغطية المتحيزة في الصحف الكبرى والأخبار التلفزيونية السائدة تؤثر على التصورات العامة للحرب وتوجه المشاهدين نحو رؤية مشوهة للصراع، وقد أدى ذلك إلى إلقاء النقاد المؤيدين لإسرائيل اللوم على الآراء المؤيدة للفلسطينيين على “المعلومات المضللة” لوسائل التواصل الاجتماعي.

وختم بالقول إنه ومع ذلك، فإن تحليل كل من وسائل الإعلام المطبوعة وأخبار التلفزيون يوضح أنه إذا حصلت أي مجموعة من مستهلكي وسائل الإعلام على صورة متحيزة فإن السبب يعود إلى الأخبار التي تبثها وسائل الإعلام الراسخة في الولايات المتحدة.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *