بعد إعلان اتفاق الهدنة المؤقتة بين إسرائيل وحماس مدة أربعة أيام، علت أصوات أممية وإقليمية للمطالبة بوقف إطلاق نار شامل للحرب المستمرة منذ السابع من أكتوبر في غزة، فما الفرق بين المصطلحين؟
وقف إطلاق النار
فيما لا يوجد تعريف قانوني محدد أو معترف به بشكل عام لمصطلح “وقف إطلاق النار”، يحدده موقع الأمم المتحدة، على أنه “تعليق القتال باتفاق بين أطراف النزاع، وهو عادة جزء من عملية سياسية”.
وبحسب المصدر ذاته، يبقى الغرض من وقف إطلاق النار أن “يكون طويل الأمد ويغطي كامل المنطقة الجغرافية للصراع، بما يسمح للأطراف بالدخول في حوار، وإمكانية التوصل إلى تسوية سياسية دائمة”.
ويشير القاموس العملي للقانون الإنساني الذي أعدته منظمات إنسانية إلى أن وقف إطلاق النار هو اتفاق لـ”وقف جميع الأنشطة العسكرية لفترة زمنية محددة”.
ووفقا للجنة الدولية للصليب الأحمر فإن وقف إطلاق النار “يمثل في الأساس هدنة، أو تعليقا مؤقتا للحرب، وليس اتفاقا نهائيا لإنهاء القتال، على الرغم من أنه قد يؤدي في بعض الأحيان إلى سلام دائم”.
ويمكن الإعلان عن وقف إطلاق النار من جانب واحد أو يتم التفاوض بشأنه بين أطراف النزاع المختلفة أو التوصل إليه عبر وساطة، أو يمكن فرضه بقرار من مجلس الأمن، بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة.
ويمكن أيضا إعلان فترات وقف إطلاق النار كـ”غطاء من قبل الجماعات المتحاربة لإعادة التعبئة والتسليح والمناورة”، وتكون اتفاقياته “شفهية أو مكتوبة، بشروط إما علنية أو سرية”، وفقا لموسوعة “بالغريب” لدراسات الأمن العالمي.
ويكون وقف إطلاق النار عاما ويشمل منطقة النزاع بأكملها وجميع الأطراف الناشطة فيها، كما يمكن أن يكون وقفا محددا ويشمل مواقع بعينها، ويُعتمد لأغراض عسكرية استراتيجية أو إنسانية، بحسب الموسوعة.
ومن هذا المنطلق، فإن الهدف الرئيسي لوقف إطلاق النار يبقى أشمل من إيصال المساعدات، وقد يساهم بتمهيد الطريق لترتيبات عسكرية وسياسية واسعة، قد تتضمن مثلا التزامات بوقف التصعيد، وإمكانية سحب الأسلحة وإعادة تمركز القوات، بهدف نهائي يتمثل في الوصول إلى تسوية نهائية للنزاع.
الهدنة الإنسانية
وفي المقابل، فإن الهدف الأساسي من الهدنة الإنسانية يتمثل في الإيقاف المؤقت للأعمال العدائية لـ”أغراض إنسانية بحتة”، وفقا للموقع الأممي.
وتكون الهدنة الإنسانية عادة مؤقتة لـ”فترة ومنطقة جغرافية محددة يتم خلالها التدخل إنسانيا، من أجل تسهيل تقديم المساعدات المختلفة للمدنيين المتأثرين بالنزاع والرعاية الطبية والإغاثة”.
وقال، غرانت روملي، المسؤول السابق في البنتاغون الذي يعمل الآن في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، إن “الهدنة الإنسانية هي وقف أو تخفيف الصراع لفترة زمنية قصيرة”، وتركز على توصيل المساعدات إلى منطقة معينة.
بالمقابل، يبقى وقف إطلاق النار “أكثر رسمية”، وفق المتحدث ذاته، وعادة ما يكون نتيجة لمفاوضات يرعاها أو يسهلها طرف ثالث، ويمكن أن تستمر إلى أجل غير مسمى طالما التزم بها طرفا النزاع.
وفي العديد من حالات النزاعات العالمية، تكون الهدنة الإنسانية أيضا “خطوة أولية نحو تحقيق وقف إطلاق النار أو تسوية نهائية للنزاع”.
هل تستمر الحرب؟
وقال المتحدث باسم الحكومة الإسرائيلية، عوفير جندلمان، الأربعاء، إن النجاحات العسكرية الإسرائيلية في غزة دفعت حماس للرضوخ للضغوط ولصفقة تبادل للمختطفين لديها بمساجين فلسطينيين.
وأضاف جندلمان، في حديث لقناة “الحرة”، أن أحد أهداف الحرب يتمثل في الإفراج عن المخطوفين، مؤكدا أن الهدنة لن توقف الحرب بل هي مستمرة حتى القضاء على حماس.
ولفت إلى أن “الطائرات ستتوقف عن التحليق في أجواء القطاع لمدة 4 ساعات فقط يوميا خلال أيام الهدنة، وهي ستستمر بجمع المعلومات الاستخبارية”.
وتابع أن إسرائيل لا تعتمد فقط على المسيرات، بل لديها أيضا أقمار اصطناعية (ساتلايت) وأجهزة أخرى للمراقبة وجمع المعلومات الاستخبارية، مشددا على أن الهدنة لن تفيد حماس.
وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، إن مهمة إسرائيل الأشمل لم تتغير.
وأضاف “نحن في حالة حرب وسنواصل الحرب حتى نحقق كل أهدافنا. تدمير حماس وإعادة جميع الرهائن وضمان عدم تمكن أي كيان في غزة من تهديد إسرائيل”.
وقالت حماس في بيانها “إننا في الوقت الذي نعلن فيه التوصل لاتفاق الهدنة، فإننا نؤكد أن أيدينا ستبقى على الزناد”.
واندلعت الحرب بين إسرائيل وحماس بعد هجوم مباغت شنته الحركة على مواقع عسكرية ومناطق سكنية محاذية لقطاع غزة، أدى إلى مقتل 1200 شخص، معظمهم مدنيون وبينهم نساء وأطفال، وتم اختطاف 239 شخصا، وفق السلطات الإسرائيلية.
ومنذ ذلك الحين، ترد إسرائيل بقصف جوي وبحري وبري مكثف على القطاع المحاصر، أتبعته بعملية برية لا تزال متواصلة، وبلغت حصيلة القتلى في غزة أكثر من 14 ألف شخص، غالبيتهم من النساء والأطفال، فضلا عن إصابة ما يزيد على 33 ألف شخص، إضافة إلى آلاف المفقودين تحت الأنقاض، بحسب ما أعلن المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، الثلاثاء.
ترحيب دولي بـ”الهدنة”
ورحبت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا والصين وبريطانيا وتركيا ومصر والسعودية والأردن ودول أخرى، بالاتفاق الذي يقضي بوقف القتال أربعة أيام، للسماح بإطلاق سراح مختطفين لدى حماس، مقابل الإفراج عن فلسطنيين في السجون الإسرائيلية، وكذلك دخول مساعدات إنسانية لغزة.
وأكد الناطق باسم الأمين العام للأمم المتحدة في بيان أن، أنطونيو غوتيريش، “يرحب بالاتفاق المبرم بين إسرائيل وحماس بوساطة قطرية وبدعم من مصر والولايات المتحدة”، مضيفا “هذه خطوة مهمة في الاتجاه الصحيح”، لكن “لا يزال ينبغي القيام بالكثير”.
بدوره، رحب المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، تيدروس أدهانوم غيبرييسوس، بالاتفاق وشدد على أن ذلك “ليس كافيا لوضع حد لمعاناة المدنيين”.
ودعا إلى إطلاق سراح جميع المختطفين وفي الوقت نفسه رعاية الأشخاص الذين ما زالوا في الأسر. وجدد دعوته “إلى وقف إطلاق النار” لمساعدة سكان غزة بشكل فعلي.
وأعربت تركيا عن أملها بأن يساهم الاتفاق في إنهاء الصراع بشكل كامل، ووصفته الخارجية التركية بأنه”تطور إيجابي”، وقالت: “نتوقع التزاما كاملا بالاتفاق ونأمل أن يساعد في التوصل لحل دائم للصراع.
ورحب الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، الأربعاء، بالتوصل إلى اتفاق الهدنة الذي تم بوساطة مصرية قطرية أميركية بعد نحو شهر ونصف الشهر على بدء الحرب المستعرة بين الجانبين.
وأفاد بيان صادر عن الرئاسة المصرية “أُعرب عن ترحيبي (…) في الوصول إلى اتفاق”، مؤكدا استمرار الجهود “من أجل الوصول إلى حلول نهائية”.
وعبر الأردن، الأربعاء، عن أمله في أن تكون الهدنة الإنسانية في غزة خطوة نحو إنهاء الحرب ووقف استهداف الفلسطينيين وتهجيرهم قسريا.
وجاء في بيان لوزارة الخارجية الإماراتية: “رحبت الإمارات بإعلان الهدنة في غزة وأعربت عن أملها في وقف دائم لإطلاق النار مؤكدة ضرورة العودة إلى المفاوضات لتحقيق حل الدولتين، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود العام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية”.
فيما قال وزير الخارجية السعودي، الأمير فيصل بن فرحان، إن وقف إطلاق النار في غزة خطوة في الاتجاه الصحيح وهناك حاجة لوقف كامل للقتال، مردفا أنه يتعين ألا يتم استخدام المساعدات لغزة كوسيلة للعقاب الجماعي.
ورحب الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، الأربعاء، بالاتفاق الإنساني الذي تم التوصل إليه، داعيا إلى حلول أوسع للصراع الإسرائيلي الفلسطيني المستمر منذ فترة طويلة.
وتدعو إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، وأطراف دولية أخرى إلى إقرار “هدنات إنسانية” تسمح بوصول المساعدات والإفراج عن المختطفين الأجانب الذين تحتجزهم حماس، في مقابل مناشدات منظمات إغاثية ومسؤولين أمميين ودول أخرى بـ”وقف إطلاق النار”.
ويتقاطع مصطلحا “وقف إطلاق النار” و”الهدنة الإنسانية” في نقطة الدعوة إلى تعليق الأعمال القتالية، وهناك فوارق كبيرة بينهما، سواء على مستوى آليات هذا الوقف ومدته والأهداف منه، وأيضا محددات استعماله في حالات الحروب والنزاعات المسلحة.