“وداع حار وابتسامات وتلويح مستمر”، هكذا ظهر بعض المختطفين الإسرائيليين في فيديوهات نشرتها حركة حماس، خلال إطلاق سراحهم، مما أثار تساؤلات عن ظروف هذه اللقطات.
والجمعة الماضي، بدأ تطبيق هدنة مؤقتة في غزة، وتم تمديدها عدة مرات، وتطلق بموجبها حماس، المصنفة إرهابية في الولايات المتحدة ودول أخرى، سراح رهائن.
وسمح اتفاق الهدنة الذي تم التفاوض عليه بوساطة قطرية وبدعم من مصر والولايات المتحدة بالإفراج حتى الآن عن 70 رهينة في قطاع غزة، و210 من السجناء الفلسطينيين من السجون الإسرائيلية.
وأفرج كذلك عن 30 رهينة آخرين غالبيتهم من العمال الأجانب لكن خارج إطار الاتفاق.
والخميس، مددت الهدنة بين إسرائيل وحماس في اللحظة الأخيرة، ليوم سابع إضافي من شأنه السماح بالإفراج عن رهائن في مقابل سجناء فلسطينيين في السجون الإسرائيلية.
“سيكولوجيا حماس”
وخلال إطلاق سراح بعض المختطفين الإسرائيليين، أظهرت لقطات دعائية نشرتها حماس، المفرج عنهم وهم يبتسمون ويلوحون وداعا للخاطفين الذين احتجزوهم لنحو 50 يوما.
واعتبرت صحيفة “تايمز أوف إسرائيل” أن هذه المقاطع هي “محاولة من جانب حماس لكي تظهر للعالم أنها تعامل الرهائن بطريقة إنسانية”.
وفي حديثه لموقع “الحرة”، يشيد المحلل السياسي الإسرائيلي، شلومو غانور، بما يسميه “التفوق السيكولوجي لحماس”.
ويقول إن كل ما نشهده خلال إطلاق سراح الرهائن، هو من “مظاهر مدروسة” للادعاء أن “جميع المختطفين تلقوا معاملة حسنة”.
ويتضح أن جميع المفرج عنهم نقلوا إلى المستشفيات بعد عودتهم للأراضي الإسرائيلية، حيث خضعوا لرعاية طبية بسبب “مشكلات صحية”، حسبما يضيف غانور.
ويشدد المحلل السياسي الإسرائيلي على أنه تم منع الغذاء الكافي والدواء عن الرهائن.
وفقد المفرج عنهم بلا استثناء أوزانهم، ومنعت المختطفات المسنات من تلقى العلاج الطبي الدوري خلال عملية اختطافهم، وعانوا جميعا من “سوء المعاملة الجسدية والطبية”، وفق غانور.
وحسب حديثه فقد “تم إجبار الأطفال المختطفين على مشاهدة لقطات لاقتحام حماس للمدن الإسرائيلية”، مما ترك لديهم “أعراض نفسية خطيرة، وأصابهم بالرعب”.
وحماس مارست “نوعا من التعذيب النفسي والطبي” تجاه المختطفين الإسرائيليين دون ترك أي “أثر جسدي مكشوف”، حسبما يؤكد المحلل السياسي الإسرائيلي.
ومن جانبه، يشير استشاري الطب النفسي، الدكتور جمال فرويز، إلى أن “جميع تلك المقاطع تأتي في سياق العمليات النفسية والأخرى المضادة”.
وبعد اتهامها بقتل واختطاف الأطفال والنساء، تسعى حماس أن تظهر للعالم أنها تعامل الرهائن بـ”طريقة إنسانية”، على عكس ما تناوله الإعلام الإسرائيلي خلال الفترة الماضية، وفق حديثه لموقع “الحرة”.
ويتفق معه خبير لغة الجسد، نبيل كمال، الذي يتحدث عن “تلقي المختطفين الإسرائيليين لمعاملة حسنة أثناء احتجازهم وعدم تعرضهم لأي إهانات”، باعتبارهم “ورقة قوة بيد حماس”.
وعامل عناصر الحركة الرهائن بطريقة “حسنة” لاستغلال ذلك لاحقا، وحتى يتحدث المختطفين بعد ذلك عن “تجربتهم مع حماس غير القاسية أو العنيفة”، وفق حديثه لموقع “الحرة”.
ويشير إلى أن “حماس مستفيدة من ذلك وقصدت أن تظهر المقاطع الدعائية بتلك الصورة”.
“عفوية” أم “جبرية”؟
وتشير “تايمز أوف إسرائيل” إلى أن “المختطفين قاموا بتلك التصرفات تحت الإكراه”، حيث كان الرهائن المفرج عنهم على علم بوجود آخرين في غزة.
والعديد من المختطفين المفرج عنهم لديهم أفراد من عائلاتهم المباشرين أو أقارب آخرون أو أصدقاء مقربون لايزالون “محتجزين في غزة”، وبالتالي يشعرون بالقلق من أن عدم الامتثال لمطلب حماس قد يؤدي إلى “الانتقام من أحبائهم”.
ويبدو أن هذه الإيماءات تأتي في مرحلة لا يستطيع فيها الرهائن التأكد من إطلاق سراحهم وربما لا يعرفون ما إذا كان رفض التلويح سيعيق العملية، وفق الصحيفة.
وعبر حسابه بمنصة “أكس”، نشر المتحدث باسم الحكومة الإسرائيلية، عوفير غندلمان، الأحد، مقطع فيديو، عما وصفه بـ” دعاية حماس المقززة”.
وقال إن حماس أجبرت الرهائن الإسرائيليين المفرج عنهم على “الابتسام والتلويح أمام الكاميرات”.
وأضاف:” يمكنك سماع الإرهابي يقول لهم بنبرة تهديد (واصلوا التلويح)”.
وحسب “تايمز أوف إسرائيل” فإن هذه التصرفات “ليست عفوية أو تعبر عن الامتنان، لكنها جاءت تحت الترهيب”.
لكن على جانب آخر، يشير فرويز إلى أن تلك المشاهد “عفوية، ولا يوجد بها أي إجبار”.
وتعاملت حماس بشكل “حسن مع المختطفين أثناء احتجازهم لديها”، ما دفعهم لتوديع عناصر الحركة بعد الإفراج عنهم بشكل عفوي، وفق استشاري الطب النفسي.
ويؤكد أن حماس قامت بـ”عملية نفسية ناجحة” سعت من خلالها لتحسين صورتها أمام العالم.
“متلازمة ستوكهولم”؟
من خلال لغة الجسد التي ظهرت بمقاطع الفيديو الدعائية لحماس، فإن من قام بتسليم الرهائن، هم أنفسهم من كانوا “يقوموا برعايتهم خلال احتجازهم”، وبالتالي نشأ نوع من “العلاقة الإنسانية بين الخاطفين والمختطفين”، حسبما يوضح كمال.
ويرى خبير لغة الجسد أن هناك “نوعا من التعاطف نشأ بين الخاطفين والمختطفين”، وهو ما يعرف في علم النفس بـ” متلازمة ستوكهولم”.
ويتفق معه، غانور الذي يؤكد أن “بعض المختطفين الإسرائيليين تعاطفوا مع محتجزيهم من عناصر حماس”.
وبسبب وجود المختطفين في الظلام وعدم تناولهم الغذاء والابتعاد عن المجتمع المعتادين عليه، فقد خلقت تلك الأجواء لدى الرهائن شعور بـ”صلة وطيدة مع الخاطفين”، حسبما يوضح المحلل السياسي الإسرائيلي.
ويتحدث غانور عن “ظهور (متلازمة ستوكهولم) عند عدد كبير من الإسرائيليين الذين أفرجت عنهم حماس”.
و”متلازمة ستوكهولم”، هي ظاهرة نفسية تشير إلى تعاطف المختطف مع الجهة التي تختطفه.
وتتعلق تلك المتلازمة، بواقعة سطو على بنك “كريديت بانكن” الذي كان يقع في أحد المناطق الراقية في ستوكهولم في 23 أغسطس من عام 1973 حيث اقتحم السويدي الهارب من العدالة، جان إريك أولسون، المصرف وأخذ أربع أشخاص رهائن لمدة ستة أيام قبل أن تنجح الشرطة في اعتقاله وتحرير الرهائن.
لكن الرهائن دافعوا عن أولسون، وعن خاطف آخر انضم إليه لاحقا، حسبما ذكر تقرير سابق لصحيفة “واشنطن بوست”.
وكان الشيء الغريب أنه بعد مرور بعض الوقت على عملية السطو، نشأت علاقة تعاطف بين الخاطفين والرهائن.
وقال الرهائن إنهم كانوا يخشون الشرطة أكثر من خاطفيهم، وبعد إطلاق سراحهم، رفضوا الشهادة ضدهما، بل وأنشأوا صندوقا لتغطية مصاريف الدفاع عنهما.
وبعد تلك الواقعة، أطلق نيلز بيجيروت، الطبيب النفسي المختص بعلم الجرائم والأمراض النفسية، الذي كان مستشارا نفسيا للشرطة وقت وقوع الحادث، مصطلح “متلازمة ستوكهولم” الذي اشتهر بعد ذلك، وعكف علماء وأطباء على دراسته.
محاولة للبقاء؟
لكن كريستين إنمارك، التي كانت تعمل بالبنك وقت الواقعة، وتركت عملها بعد ذلك وأصبحت معالجة نفسية، أكدت في مقابلة، عام 2016، أن “علاقة الرهائن بأولسون كانت تهدف فقط إلى البقاء على قيد الحياة”.
وقالت: “أعتقد أن البعض يحاولون إلقاء اللوم على الضحية.. كل الأشياء التي قمت بها كانت نابعة من غريزة البقاء”، بحسب “واشنطن بوست”.
ولذلك يؤكد غانور أن بعض لقطات الوداع كانت “حقيقية وتلقائية” والبعض الآخر كان “من باب المجاملة”.
وكانت لقطات وداع أخرى “قسرية وجبرية”، وتم إجبار الرهائن خلالها على “أداء دور محدد”، وكان الرهائن على استعداد لـ”أداء وتمثيل” هذا الدور حتى يتم “الإفراج عنهم بسلام”، وفق المحلل السياسي الإسرائيلي.
واندلعت الحرب بين إسرائيل وحماس بعد هجوم مباغت شنته الحركة على مواقع عسكرية ومناطق سكنية محاذية لقطاع غزة، أدى إلى مقتل 1200 شخص، معظمهم مدنيون وبينهم نساء وأطفال، وتم اختطاف 239 شخصا، وفق السلطات الإسرائيلية.
وردت إسرائيل بقصف جوي وبحري وبري مكثف على القطاع المحاصر، أتبعته بعملية برية، توقفت مع بدء الهدنة.
وبلغت حصيلة القتلى في غزة 14854 شخصا، بينهم 6150 طفلا وأكثر من 4 آلاف امرأة، فضلا عن إصابة نحو 36 ألف شخص، فيما بلغ عدد المفقودين قرابة 7 آلاف مفقود، بحسب السلطات التابعة لحماس.