لم يكن التصريح الذي أدلى به الناطق باسم “الحرس الثوري” الإيراني، العميد رمضان شريف بشأن الهجوم الذي شنته حماس ضد إسرائيل في السابع من أكتوبر “زلّة لسان” كما يرى مراقبون تحدثوا لموقع “الحرة” بل يحمل دلالات يرتبط جزء منها بالتوقيت.
شريف قال في كلمات لافتة وتناقض الموقف الرسمي السابق وحسب نقلت عنه وسائل إعلام رسمية إن عملية “طوفان الأقصى” كانت إحدى العمليات الانتقامية ردا على مقتل قاسم سليماني.
وقتل سليماني بضربة جوية أميركية في بغداد في الثالث من يناير 2020. وهو كان قائد فليق القدس الموكل العمليات الخارجية في الحرس الثوري، وأحد أبرز منفذي السياسة الإقليمية لطهران.
وفي تباين نادر في العلن، نفت حماس في بيان “صحة ما ورد على لسان المتحدث باسم حرس الثورة الإسلامية العميد رمضان شريف، فيما يخص عملية طوفان الأقصى ودوافعها”.
وجاء في بيانها بعد النفي: “وقد أكدنا مرارا دوافع وأسباب عملية طوفان الأقصى، وفي مقدمتها الأخطار التي تهدد المسجد الأقصى”، مردفا: “كما نؤكد أن كل أعمال المقاومة الفلسطينية تأتي رداً على وجود الاحتلال وعدوانه المتواصل على شعبنا ومقدساتنا”.
ويأتي التصريح اللافت من جانب الناطق باسم “الحرس الثوري” بعد يومين من مقتل القيادي الكبير رضي موسوي في العاصمة السورية دمشق، جراء ضربة بـ3 صواريخ نسبتها طهران إلى إسرائيل، ولم تتبناها الأخيرة حتى الآن.
كما يُعتبر مخالفا للموقف الرسمي الذي اتبعه المسؤولون في طهران بشأن هجوم حماس وما تبعه من الحرب التي بدأتها إسرائيل، والتي ما تزال متواصلة حتى الآن، وتقترب من الدخول بشهرها الثالث.
“ليس زلّة لسان”
وعلى مدى الأسابيع الماضية حافظ المسؤولون الإيرانيون وعلى رأسهم الرئيس، إبراهيم رئيسي وقبله المرشد الأعلى، علي خامنئي ووزير الخارجية، حسين أمير عبد اللهيان على تأكيد “عدم علمهم بشكل مسبق” بالهجوم الذي أطلقته حماس في السابع من أكتوبر.
وما يزالون يؤكدون على المستوى السياسي حتى الآن على عدم ضلوعهم بما حصل، رغم أنهم يشيرون إلى “استمرارهم في دعم المقاومة”، حسب تعبيرهم.
موقع “الحرة” تواصل مع ثلاثة محللين يتبنون الرواية الرسمية في إيران للتعليق على التصريح اللافت والمتناقض للناطق باسم “الحرس الثوري” الإيراني، ورفضوا الخوض بأية تفاصيل نظرا لـ”حساسية الأمر”.
من جانبه يعتقد الباحث السياسي الفلسطيني، الدكتور ماجد عزام أن “التصريح كان لافتا وله دلالات كثيرة”، سواء من جانب إيران، أو فيما يتعلق بالنفي السريع الذي أصدرته حماس”.
عزام يعتبر أن “رد حماس السريع بالنفي متعلق بالتأييد والاصطفاف الواسع في الشارع العربي والإسلامي، ولاسيما هناك رفض لسياسات إيران وممارساتها وسياستها الطائفية في المنطقة وتحديدا في سوريا والعراق”.
ويقول لموقع “الحرة” إنه “يعطي إصرارا على الرواية الفلسطينية بأن الأمر لم يبدأ في 7 أكتوبر بل في 15 مايو في 1948، لمقاومة خنق وقتل غزة ومقاومة الحصار والاستيطان والتهويد وإغلاق كل الآفاق أمام حق الفلسطينيين بدولة مستقلة”.
وفيما يتعلق بإيران يرى عزام أن “تصريح شريف لم يكن زلة لسان”، بل تقف ورائه أسباب وخلفيات واضحة.
ومن بين هذه الأسباب “محاولة الحرس القول إنه رد على مقتل سليماني، مع العلم أنه لم يكن هناك أي شيء من هذا القبيل قبل 3 سنوات”، وفق الباحث الفلسطيني.
ويشير إلى أسباب أخرى، بأن “إيران تريد أن تضع بصمتها، للقول إنها شريكة في الإعداد والمقاومة لطوفان الأقصى شريكة فيه”، وهو ما سبق وأن نفاه مسؤولوها بنفسهم.
“لحفظ ماء الوجه”
وشكّلت حادثة مقتل القيادي الكبير، الأقدم في “الحرس الثوري” الإيراني، رضي موسوي، ضربة كبيرة بالنسبة لطهران، بعدما استهدف في منزل بمنطقة السيدة زينب، بعدما كان قادما من السفارة الإيرانية في دمشق.
وبينما هدد الإيرانيون خلال اليومين الماضيين كثيرا بـ”الرد في المكان والزمان المناسبين”، أوضح مراقبون أن هذه اللغة قد لا تترجم على أرض الواقع، بالنظر إلى خلفية المواجهة بين إيران وإسرائيل في سوريا وأماكن أخرى.
وقال حميد رضا عزيزي، وهو زميل زائر في المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية (SWP) لموقع “الحرة” إن السبب المنطقي وراء استبعاد الرد “يرتبط بإحجام طهران عن الدخول في حرب صريحة مع إسرائيل”.
وفي السياق الحالي على وجه الخصوص وفي خضم الحرب في غزة، يرى المسؤولون الإيرانيون أن الخطوة الإسرائيلية، بما في ذلك اغتيال موسوي “هي محاولة محتملة محسوبة من قبل الإسرائيليين لاستفزاز طهران للدخول في صراع”، حسب عزيزي.
ويعتبر الباحث الأميركي في شؤون الشرق الأوسط، راين بوهل أن تصريح الناطق باسم “الحرس الثوري” يعتبر “بيانا سياسيا على نحو أكبر من اعتراف”.
ويوضح لموقع “الحرة” أن ما يعزز ذلك “بيان حماس بقولها إن السابع من أكتوبر لم يكن انتقاما لسليماني”.
وما إذا كان هناك أي شيء آخر، يشير بوهل إلى أن “إيران قد تحاول إيجاد طرق للمطالبة بالانتقام لسليماني بعد سنوات من وقوعه، نظرا لأن ادعاءاتها بالانتقام في السابق كانت مخيبة للآمال”.
ورغم أن بوهل لا يستبعد أسباب إطلاق التصريح من أجل “حفظ ماء الوجه” بعد مقتل موسوي في دمشق، يتوقع “بعض الانتقام الرمزي في المرحلة المقبلة. ربما صواريخ من سوريا أو هجوم بعيد المدى من لبنان”.
“تصريح لخّص المشهد”
ولا يعرف حتى الآن مآلات مقتل موسوي في دمشق، وهو القيادي الإيراني الأول الذي يقتل خارج الحدود بعد قائد “فيلق القدس” سابقا قاسم سليماني، الذي قضى بضربة أميركية قرب مطار بغداد، مطلع عام 2020.
وإلى جانب نفيها المتكرر والمتواصل لانخراطها في التخطيط لهجوم حماس كانت طهران قد أبلغت زعيم المكتب السياسي لحماس، إسماعيل هنية في نوفمبر بأنها “لن تحارب نيابة عن الحركة”، وفق ما نقلت وكالة “رويترز” عن أكثر من مصدر في وقت سابق.
ولم يقتصر الأمر على ذلك فحسب، حيث أوضح مسؤول من حماس لـ”رويترز” الشهر الماضي أن “الزعيم الإيراني الأعلى خامنئي حثّ هنية على إسكات تلك الأصوات في الحركة الفلسطينية التي تدعو علنا إيران وحليفتها اللبنانية القوية جماعة حزب الله إلى الانضمام إلى المعركة ضد إسرائيل، بكامل قوتهما”.
ويشير الباحث الفلسطيني عزام إلى “الاتهامات التي وجهتها أوساط من حماس لإيران منذ بدء الحرب في غزة بأنها لم ترد ولم تشارك، ولم تعمل على تفعيل حقيقي لوحدة الساحات في سوريا ولبنان”.
ويرى أن تصريح “الحرس الثوري” يصب في إطار محاولته القول “إن إيران حاضرة”.
كما يشير التصريح من جانب آخر إلى أنه “لن يكون هناك رد على مقتل موسوي، وأن إيران غير مضطرة لفعل ذلك بشكل مباشر”.
“حديث شريف لخّص المشهد”، كما يتابع عزام، معتبرا أن هجوم حماس في 7 أكتوبر “حصل بقدرات ذاتية وداخلية من المقاومة، بينما لم تقدم إيران وحلفاؤها شيئا مقارنة بالتصريحات التي أطلقوها خلال السنوات الماضية”.
ولدى إيران تاريخ طويل في تدريب وتسليح الميليشيات المسلحة في المنطقة، من غزة إلى لبنان والعراق وسوريا واليمن.
وكانت قد دعمت حماس وساعدتها في تصميم وإنتاج نظام صاروخي في غزة، القطاع الساحلي الفقير والمكتظ بالسكان.
وبينما كانت تنفي خلال الفترة الأخيرة علمها بهجوم السابع من أكتوبر، اتجهت لتنفي علاقتها بالهجمات التي استهدفت القوات الأميركية في سوريا والعراق، لأكثر 100 مرة، منذ السابع عشر من أكتوبر.
كما انطلقت هجمات من جانب الحوثيين في اليمن، وأسفرت مؤخرا عن شل حركة الملاحة، ما استدعى الولايات المتحدة الأميركية لتشكيل قوة من أجل حماية سفن التجارة العالمية، في أثناء مرورها في البحر الأحمر ومضيق باب المندب.