أميركا تعرض 10 ملايين دولار مقابل معلومات مالية عن 5 أشخاص مرتبطين بحماس

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 11 دقيقة للقراءة

قبل 26 عاما استخدم الكاتبان ج.دوغلاس بورتيوس وساندرا سميث ولأول مرة في كتابهما مصطلح “دوميسايد” أو “قتل المنازل”، ورغم ما حملته هذه العبارة من مآس “ماضية وحاضرة ومستقبلية” ظلّت تستخدم كمصطلح أكاديمي ولم تفلح دعوات الحقوقيين في إدراجها كجريمة بموجب القانون الدولي.

ومع الكشف بالتدريج عن حجم الدمار الذي حل في قطاع غزة، جراء الضربات التي ينفذها الجيش الإسرائيلي منذ السابع من أكتوبر بعد هجوم حماس، عاد المصطلح ليتردد من جديد عبر وسائل إعلام لتوصيف “جريمة لم يعترف بها”، وتسليط الضوء على آثارها التي لا تترك ندوبا في الأرض فحسب، بل في النفوس. 

وتقول صحيفة “هآرتس” العبرية في تقرير لها، الخميس، إنه وسط الدمار الذي تسببت به الحرب الإسرائيلية في غزة تَظهر “جريمة جديدة ضد الإنسانية”، وهي التدمير الممنهج للبنية التحتية والسكنية، والمعروفة أكاديميا ونسبة للكاتبين المذكورين بـ”دوميسايد”، على غرار “جينوسايد” أو الإبادة الجماعية.

وتنقل الصحيفة عن أورين يفتاشيل أستاذ الجغرافيا والتخطيط الحضري في جامعة بن غوريون، قوله إن “قتل المنازل” يشير في المقام الأول إلى “استحالة العودة إلى الوطن في نهاية الحرب، لأنه لا يوجد مكان للعودة إليه”.

خرائط تكشف حجم الدمار في قطاع غزة

تسببت الغارات الجوية الإسرائيلية، المستمرة منذ أكثر من شهرين، في أضرار جسيمة في قطاع غزة، وخاصة في المنطقة الشمالية، وفق صحيفة واشنطن بوست، التي استندت لدراسة قدمها باحثان أميركيان.

ويضيف زيف بورير، خبير القانون الدولي في جامعة “بار إيلان”، والباحث في مركز بيغن والسادات للدراسات الاستراتيجية، أنه “إذا تم الاعتراف بـ “قتل المنازل” أو “دوميسايد” كجريمة ضد الإنسانية، فإن السلطات القانونية الدولية ستعاقبها”، في إشارة لإسرائيل.

ويتابع أن “الاتهام لن يوجه ضد قائد لواء بتدمير حي فقط، بل سيوجه الادعاء سهامه نحو قيادة الجيش أو الدولة”.

“من أعمق الجروح”

في بداية كتابهما ينقل بورتيوس وسميث قولا لعالم الاجتماع الأميركي، لويس ممفورد: بأن “الناس ترتبط بالأماكن بقدر ارتباطها بالعائلات والأصدقاء”، و “عندما تجتمع هذه الولاءات معا، يتعزز شعور الإنسان بتماسك المجتمع البشري الذي ينتمي إليه”.
 
ويحكيان في كتابهما المشترك “كيف ولماذا يدمر الأقوياء المنازل التي تصادف أنها تقف في طريق المشاريع التجارية والسياسية والبيروقراطية والاستراتيجية”، ويؤكدان على فكرة أن “المنازل هي الأماكن التي تعتبر ملاذا هادئا من العالم الخارجي.. الأماكن التي نكوّن فيها أنفسنا ونعبر فيها عن كياننا ونطورها”.

ولذلك فإن التدمير المتعمد للمنزل الذي يكون “واحدا من أعمق الجروح التي تصيب هوية المرء واحترامه لذاته، لأن كلا من هاتين الدعامتين للعقلانية تكمن جزئيا في الهياكل التي نعتزّ بها”، وفق ما تضمنه الكتاب.

ومنذ تسعينيات القرن الماضي وبعدما تردد مصطلح “Domicide” (قتل المنازل) من قبل بورتيوس وسميف تم ذكره مرارا وتكرارا، ومؤخرا في المؤتمرات الأكاديمية وجلسات الاستماع التي عقدتها المنظمات الدولية، وفي وسائل الإعلام.

المصطلح يشير إلى التدمير المتعمد والمنهجي للمنازل والبنية التحتية الأساسية بطريقة تجعلها غير صالحة للسكن، وهو ما يحصل في غزة حسبما تنقل “هآرتس” عن مراقبين وخبراء. 

وعلى مدى السنوات الماضية لم يأخذ معناه الحالي باعتباره انتهاكا جسيما للحق في السكن والبنية التحتية الأساسية في المناطق السكنية، مما يجعلها غير صالحة للسكن.

“ليس مجرد منزل”

وفي أكتوبر 2022 قال خبير الأمم المتحدة المستقل في مجال حقوق الإسكان أمام الجمعية العامة إنه “ينبغي الاعتراف بالتدمير التعسفي الواسع النطاق لمساكن المدنيين في النزاعات العنيفة باعتباره جريمة بموجب القانون الدولي”.

وأضاف بالاكريشنان راجاجوبال، مقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بالحق في السكن الملائم: “علينا أن نتوقف عن إغماض أعيننا عن التدمير الواسع النطاق أو المنهجي لمنازل المدنيين أثناء النزاع”، مشيرا إلى هذه الأفعال باسم “قتل المنازل” (دوميسايد).

وبينما يحظر القانون الدولي جميع أشكال تدمير المساكن التعسفية والترحيل والتشريد والإخلاء القسري، فقد لاحظ المقرر الخاص استمرارا مثيرا للقلق للانتهاكات الجسيمة للحق في السكن اللائق في أوقات النزاع.

وتابع: “نحن بحاجة إلى وضع حد للإفلات من العقاب على مثل هذه الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان”، وقال أيضا إن ضحايا جرائم الحرب والانتهاكات المنهجية للحق في السكن الملائم يجب أن يتمتعوا بإمكانية الوصول إلى العدالة أو استرداد الحقوق أو التعويض.

“لقد شهدت كيف يمكن لمنزل في ثوانٍ معدودة، وهو تتويج لجهد مدى الحياة وفخر لعائلات بأكملها  أن يُمحى ويتحول إلى أنقاض”، وفق مقرر الأمم المتحدة.

وأوضح أن “التدمير ليس مجرد منزل. دمرت مدخرات عائلات بأكملها. الذكريات وراحة الانتماء”، وإلى جانب ذلك “تأتي صدمة اجتماعية ونفسية يصعب وصفها أو تخيلها”.

ووفق راجاجوبال فإن الحرب الإسرائيلية على غزة دمرت أكثر من 50 ألف وحدة سكنية، أو أكثر من 60 بالمئة من المساكن في أنحاء القطاع المحاصر.

وأضاف في تصريحات صحفية، في نوفمبر الماضي أن هناك أيضا “أضرارا جسيمة في البنية التحتية المدنية والمباني الأخرى المخصصة للاستخدام المدني. على سبيل المثال المباني الدينية أو غيرها أو المباني العامة المخصصة للاستخدام الحكومي”.

وهذا، وفقا لذات المتحدث “يندرج تحت تعريف التدمير المتعمد للمنازل، أو جعل المنازل غير صالحة للسكن، أو أي حرمان منهجي آخر من السكن عند تنفيذ مثل هذه الأفعال”.

ما حجم الضرر في غزة؟

وتكشف تقديرات للأمم المتحدة، نشرت منتصف ديسمبر الماضي، أن نحو 40 ألفا من مباني قطاع غزة، أو تقريبا خمس التي كانت موجودة قبل الصراع، تضررت كليا أو جزئيا منذ اندلاعه في السابع من أكتوبر.

واستندت أحدث التقديرات إلى صور بتاريخ 26 نوفمبر لمركز الأمم المتحدة للأقمار الاصطناعية، حيث فحص محللون صور أقمار اصطناعية عالية الوضوح لرصد المباني المتضررة ونشر خرائط قد توجه أعمال الإغاثة وخطط إعادة البناء أثناء الكوارث الطبيعية والصراعات. 

ومثل هذه التقديرات ربما تقلل من حجم الدمار الفعلي لأنها لا تظهر جميع الأضرار التي لحقت بالمباني، وعلى سبيل المثال، قد يظهر المبنى المنهار لكن سقفه سليم وكأنه غير متضرر.

وقال مركز الأمم المتحدة للأقمار الاصطناعية في بيان حينها: “هناك زيادة 49 بالمئة في العدد الإجمالي للمباني المتضررة، مما يسلط الضوء على التأثير المتصاعد للصراع على البنى التحتية المدنية”.

صور جوية تكشف حجم الأضرار في غزة

تكشف صور الأقمار الصناعية، نشرها موقع هيئة الإذاعة البريطانية، “بي بي سي” حجم الدمار في كامل أنحاء قطاع غزة، وتظهر أن ما يقرب من 98 ألف مبنى تعرض لأضرار.

وأظهر التقييم أن المناطق الأكثر تضررا تتركز في محافظتي غزة وشمال غزة في شمال القطاع واللتين كان بهما 29732 من أصل 37379 مبنى تضرر كليا أو جزئيا أو نحو 80 بالمئة من المجموع.

ونشر عناصر من الجيش الإسرائيلي، خلال الأيام الماضية، وعبر مواقع التواصل الاجتماعي صورا وتسجيلات مصورة توثق إقدامهم على تفجير العشرات من المباني السكنية بجانب بعضها البعض. 

وكان آخر التسجيلات وثق قبل أيام تفجير عناصر الجيش الإسرائيلي أفخم منتجعات القطاع أيضا، والمعروف باسم “بلو بيتش”.

“مجتمع غير قابل للحياة”

وعلى الرغم من أن غزة قد تعرضت لأضرار في الصراعات السابقة وأعيد بناؤها، إلى حد كبير بأموال من دول الخليج، فإن الحجم الحالي للدمار هو من نوع مختلف، وفق تقرير سابق لصحيفة “الغارديان”.

الصحيفة أشارت في السابع من ديسمبر الماضي إلى قضية مطروحة وبدأت تثار من قبل قانونيين، وتتعلق بما إذا كان حجم الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية هو نتيجة ثانوية للبحث عن حماس أو جزء من خطة سرية لطرد الفلسطينيين من غزة، مما يمحو إمكانية أن تصبح غزة مجتمعا شبه قابل للحياة في المستقبل المنظور.

وتوضح أن “قتل المنازل وهو مفهوم يحظى بقبول متزايد في الأوساط الأكاديمية لا يعتبر جريمة متميزة ضد الإنسانية بموجب القانون الدولي”.

وتضيف نقلا عن راجاجوبال أن “هناك فجوة في القانون الدولي، لأنه على الرغم من أن حماية منازل المدنيين مشمولة في نظام روما الأساسي الذي أنشأ المحكمة الجنائية الدولية فيما يتعلق بجرائم الحرب في النزاعات بين الدول، إلا أنها ليست مدرجة ضمن الجرائم ضد الإنسانية التي يمكن أن تتخذ إجراءات بخصوصها”.

وتقول إسرائيل إن كل الأضرار التي لحقت بالمباني والخسائر في أرواح المدنيين “أمر مؤسف” ولكنه أصبح ضروريا بسبب اختباء حماس عمدا في المدارس والمستشفيات ورفضها الاستسلام. 

وتضيف أنها تبذل قصارى جهدها لتحذير المواطنين من الهجمات الوشيكة.

لكن ووفق هيو لوفات، من المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية فإن إسرائيل “تدمر بشكل متعمد ومنهجي المؤسسات المدنية والبنية التحتية التي ستكون ضرورية لحكم غزة وتحقيق الاستقرار فيها بعد الصراع”، كما نقلت “الغارديان”.

“تصريحات علنية”

وفي غضون ذلك تشير “هآرتس” إلى أنه لا يوجد نقص في الأدلة على ما يمكن اعتباره قتلا للمنازل ارتكبته إسرائيل عمدا، بما في ذلك التصريحات العلنية لشخصيات في الائتلاف الحاكم. 

وكتبت وزيرة المخابرات جيلا غملئيل مقالا لصحيفة “جيروزاليم بوست” حثت فيه على “تعزيز إعادة التوطين الطوعي للفلسطينيين في غزة، لأسباب إنسانية، خارج القطاع”. 

“هجرة الفلسطينيين وعودة المستوطنين لغزة”.. إدانات عربية ودولية لتصريحات وزيرين إسرائيليين

أعرب المفوض السامي لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة، فولكر تورك، عن “القلق الشديد” إزاء تصريحات مسؤولين إسرائيليين دعوا فيها إلى ترحيل الفلسطينيين من قطاع غزة، وذلك في استمرار لردود فعل رافضة للدعوات الصادرة من مسؤولين يمينيين.

ومن خلال التعبير عن هذه الفكرة، يبدو أن غملئيل قد كشفت عن نية الحكومة، أو أملها، في ألا يعود سكان غزة إلى ديارهم عندما تنتهي الحرب، بل سيهاجرون إلى بلدان أخرى، وهو البعد الثاني الآخر لجريمة “قتل المنازل”، حسب “هآرتس”.

وبالإضافة إلى ذلك، قال وزير التراث، عميحاي إلياهو إن إسقاط قنبلة ذرية على غزة “هو أحد الاحتمالات”. 

وأضاف عضو الكنيست من الائتلاف، يتسحاق كرويزر (عوتسما يهوديت): “يجب تسوية قطاع غزة بالأرض و… محوه من الخريطة”. 

وحتى الميجر جنرال (احتياط) جيورا آيلاند، المدير السابق لمجلس الأمن القومي، والذي يعتبر شخصية معتدلة، قال في مقال نشرته صحيفة “يديعوت أحرونوت” اليومية: “ليس أمام دولة إسرائيل خيار سوى تحويل غزة إلى مكان غير صالح للسكن بشكل مؤقت أو دائم”.

بدوره يقول خبير القانون الدولي البروفيسور عميحاي كوهين، من كلية أونو الأكاديمية لـ”هآرتس”: “يجمع الحقوقيون الدوليون تصريحات من النوع الذي يدلي به الوزراء من أجل رفع دعوى ضد إسرائيل”.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *