قالت منظمة العفو الدولية في تقرير، الأربعاء، إن مصر اعتقلت بشكل جماعي آلاف اللاجئين الفارين من الحرب في السودان ورحَلتهم “بشكل غير قانوني”.
وأثار هذا التقرير تساؤلات بشأن مدى قانونية اعتقال وترحيل مصر اللاجئين الفارين من الحرب، وكيفية تنظيم القانون الدولي لأوضاع اللاجئين في الدول المستقبلة لهم.
وذكرت المنظمة الحقوقية أنها وثقت 12 واقعة رحلت فيها السلطات المصرية ما يقدر بنحو 800 سوداني بين يناير ومارس من العام الجاري، من دون منحهم فرصة لطلب اللجوء أو الطعن على قرارات الترحيل.
وأضافت أيضا أنها وثّقت بالتفصيل حالات اعتقال 27 لاجئا سودانيا، بين أكتوبر 2023 ومارس 2024، ومن بينهم 26 انضموا للمُرحلين بشكل جماعي.
وخلال الأيام الماضية، ضبطت الأجهزة الأمنية المصرية، الخميس، 7 أتوبيسات محملين لاجئين سودانيين خلال دخولهم عن طريق “الهجرة غير الشرعية” وتم ترحيلهم إلى السودان، وفق وسائل إعلام مصرية وسودانية.
وتلقت مديرية أمن قنا “جنوب مصر” إخطارا يفيد بضبط 4 أتوبيسات محملين لاجئين سودانيين بعد كمين طيبة على طريق قنا الجديدة و3 أتوبيسات على كمين قفط عند الكيلو 10، وحاولوا دخول مصر عن طريق “هجرة غير شرعية”، وفق موقع “كايرو 24”.
وقال “مصدر أمني مصري”، أنه تم ضبط اللاجئين السودانين، أثناء مرورهم بـ كمين طيبة في طريق قنا الجديدة، وأثناء الكشف على أوراق السفر الخاصة وجوازات السفر بهم تبين أنهم لا يمتلكون “إقامات مثبتة”، وفق ما ذكرته صحيفة “الدستور”.
ولم تصدر وزارة الداخلية المصرية أي بيان حول الواقعة ولم تكشف عن تفاصيلها، وحاول موقع “الحرة” التواصل معها للتعليق دون رد.
“هجرة غير شرعية”.. ترحيل 700 سوداني من مصر إلى السودان
ضبطت الأجهزة الأمنية المصرية، الخميس، 7 أتوبيسات محملين لاجئين سودانيين خلال دخولهم عن طريق “الهجرة غير الشرعية” وتم ترحيلهم إلى السودان، وفق وسائل إعلام مصرية وسودانية.
أوضاع اللاجئين السودانيين في مصر
وقال المحامي الحقوقي، كريم محمد سلام، لموقع “الحرة” إنه لا توجد إحصاءات رسمية أو حكومية واضحة تحدد عدد السودانيين الذين استقبلتهم مصر إثر الحرب التي بدأت في أبريل عام 2023، لكن تشير بعض الإحصاءات غير الرسمية التي أصدرتها عدد من منظمات المجتمع المدني المعنية بأوضاع اللاجئين في مصر بين 700 ألف و7 ملايين شخص”.
وأضاف أنه “مع نهاية أكتوبر 2023، أصبحت الجنسية السودانية هي الأكثر عددا تليها الجنسية السورية، تليها أعداد أقل من دول أخرى”.
وذكرت الأمم المتحدة، في أبريل الماضي، على موقعها الرسمي أنه “منذ أبريل 2023، تضاعف عدد اللاجئين السودانيين المسجلين لدى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في مصر خمسة أضعاف ليصل إلى 300 ألف شخص، وهو ما يمثل أكثر من 52 في المئة من إجمالي عدد اللاجئين المسجلين في البلاد”.
وأضافت “ينتظر 250 ألف سوداني آخرين التسجيل لدى المفوضية في مصر. ومن المتوقع أن يزداد الطلب على التسجيل بشكل مستمر في الأشهر الستة المقبلة بسبب الوضع المضطرب في السودان، مع عدم وجود آفاق فورية لسلام مستدام في الأفق”.
وأوضحت أن “الحرب في السودان أجبرت حتى الآن أكثر من 1.7 مليون شخص على الفرار إلى البلدان المجاورة، بما في ذلك مصر، التي كانت تعاني بالفعل من استنزاف الموارد وكانت تستضيف أعدادًا كبيرة من اللاجئين قبل الصراع في السودان”.
وتحدثت المنظمة الدولية عن أوضاع اللاجئين السودانيين في مصر، قائلة إنهم “يواجهون العديد من التحديات خلال طريقهم للبحث عن الحماية، ما يضعهم في كثير من الأحيان في مواقف محفوفة بالمخاطر. كما أن العديد من الأطفال والأسر ينفصلون عن ذويهم خلال رحلة اللجوء ويصلون في أمس الحاجة إلى الدعم الطبي والنفسي، فضلا عن استنفاد مدخراتهم القليل التي استطاعوا الهروب بها في مصر سريعا”.
وجددت الأمم المتحدة في مصر وشركاؤها “نداءهم للحصول على 175,1 مليون دولار لتلبية الاحتياجات الأكثر إلحاحا للاجئين السودانيين الذين فروا إلى مصر منذ منتصف أبريل 2023”.
وترى الدول الأوروبية أن مصر تلعب دورا مهما في منع الهجرة الجماعية عبر البحر المتوسط، بحسب رويترز.
وأعلنت مصر والاتحاد الأوروبي، في مارس الماضي، عن شراكة استراتيجية مدعومة بتمويل قدره 7.4 مليار يورو، وهو اتفاق يُنظر إليه على نطاق واسع على أنه مدفوع بمخاوف الدول الأوروبية من الهجرة، وفقا للوكالة.
وأوضحت منظمة العفو في تقريرها أن الاعتقالات جزء من حملة بدأت، في سبتمبر عام 2023، يقوم خلالها أفراد من الشرطة بملابس مدنية بعمليات تفتيش عشوائية على السود واعتقال من لا يحملون وثائق هوية سارية أو تصاريح إقامة.
ووفقا للمنظمة، تجرى عمليات التفتيش بشكل متكرر في العاصمة القاهرة ومحافظة الجيزة، حيث تستقر أعداد كبيرة من السودانيين، وكذلك في مدينة أسوان بجنوب مصر حيث يتوقف العديد من اللاجئين السودانيين في طريقهم إلى الشمال.
القانون الدولي والدستور المصري
وتحدث المحامي الحقوقي، كريم محمد سلام، عن مدى قانونية ترحيل مصر للاجئين، قائلا إن “شروع السلطات الأمنية المصرية في اتخاذ إجراءات بترحيل اللاجئين قسرا إلى دولهم، يعرضهم لخطر كبير، ويخالف الدستور والقانون المصري والمعاهدات والمواثيق الدولية التي انضمت إليها مصر”.
وأضاف أنه “إذا كان من تم ترحيلهم حاصلين بالفعل على أوراق رسمية من مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بصفتهم ملتمسي لجوء، فإن مصر بذلك تنتهك القانون الدولي، لأن هؤلاء أصبحوا يتمتعون بالحماية الدولية الواردة بنصوص اتفاقية 1951 التي صدقت عليها مصر، وتضمن بنودها الحق في عدم الترحيل القسري أو التهديد بذلك”.
وأوضحت منظمة العفو في تقريرها أن اللاجئين يُحتجزون في مصر في ظروف قاسية وغير إنسانية قبل ترحيلهم. وذكرت أن الاعتقالات جزء من حملة بدأت في سبتمبر 2023 يقوم خلالها أفراد من الشرطة بملابس مدنية بعمليات تفتيش عشوائية على أصحاب البشرة الداكنة واعتقال من لا يحملون وثائق هوية سارية أو تصاريح إقامة.
وأشارت إلى أن العدد الإجمالي لعمليات الاعتقال والترحيل غير واضح بسبب غياب الإحصاءات المتاحة.
ويرى سلام أن “الاحتجاز التعسفي يفتقر للسند القانوني في مصر وقوانينها ودستورها، ويخالف المواثيق والأعراف الدولية، والتزامات مصر تجاه اللاجئين، وعلى رأسها أن يحظوا بمعاملة تحترم القانون الدولي للاجئين وقانون حقوق الإنسان، وتضمن الحماية من تهديدات السلامة الجسدية، والسماح بالوصول للقضاء، والمساعدة في توفير الاحتياجات البدنية والمادية الأساسية”.
وفيما يتعلق بما ينص عليه القانون الدولي بالنسبة لحماية اللاجئين، قال المحامي الحقوقي أنه “ينص على ضرورة أن يتمتع اللاجئون بحرية التنقل والحق في لم شمل أفراد العائلة، هذا بالإضافة لما تنص عليه المادة (31) من اتفاقية 1951، والتي وقعت مصر عليها، من أنه على الدول المتعاقدة ألا تفرض عقوبات على اللاجئين القادمين من أراضٍ قد تكون فيها حياتهم أو حريتهم مهددة بسبب دخولهم أو وجودهم فيها بصورة غير شرعية، بشرط أن يقدموا بأنفسهم دون تأخير للسلطات الوطنية سببًا مقنعًا لدخولهم. وعلى الدول المتعاقدة ألا تفرض على تحركات هؤلاء اللاجئين قيودًا خلاف القيود الضرورية”.
ووفقا للموقع الرسمي للمفوضية اللاجئين، فإن “اتفاقية عام 1951 الخاصة بوضع اللاجئ وبروتوكولها للعام 1967 هما الوثيقتان القانونيتان الأساسيتان اللتان تشكلان جوهر عمل المفوضية”.
وأوضحت أنه “مع وجود 149 دولة طرفا في أي من الاتفاقية والبروتوكول أو في كليهما، فإن الاتفاقية وبروتوكولها يعرّفان مصطلح ‘اللاجئ’ ويحددان حقوق اللاجئين، فضلا عن الالتزامات القانونية للدول بتوفير الحماية لهم”.
وأكدت المفوضية أن “المبدأ الأساسي يتمثل في عدم الإعادة القسرية، والذي يؤكد على أنه لا ينبغي إعادة اللاجئ إلى بلد يمكن أن يواجه فيه تهديداً خطيراً لحياته أو حريته. ويعتبر ذلك الآن قاعدة من قواعد القانون الدولي العرفي”.
وبالنسبة للقانون المصري، قال سلام إن “احتجاز السودانيين يخالف أيضا دستور جمهورية مصر العربية الذي منع الاحتجاز دون سند قانوني في المادة 54 منه، وكذلك المواد (36)، (40)، (41)، (42)، (43)، من قانون الإجراءات الجنائية التي تشترط ألا يكون الاحتجاز تعسفيا، وموافاة المحتجز بمعلومات عن أسباب احتجازه وحقه في الحصول على المساعدة القانونية والحق في الطعن على احتجازه، مع عدم الاحتجاز في سجون يختلط داخلها بالمجرمين المدانين، كما يجب أن تكون ظروف الاحتجاز إنسانية”.
وأضاف أنه “باحتجاز السودانيين وترحيلهم قسريا، تكون السلطات المصرية قد انتهكت المادة رقم 33 من اتفاقية 1951 المتعلقة بتحديد وضع اللاجئين، ومبدأ عدم الرد والطرد”.
أوضاع السودانيين في مصر
أدت الحرب، التي اندلعت في أبريل من العام الماضي بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع شبه العسكرية، إلى أكبر أزمة نزوح في العالم إذ نزح أكثر من تسعة ملايين داخل السودان أو عبروا إلى البلدان المجاورة، بحسب وكالة “رويترز”.
وتقول المنظمة الدولية للهجرة إن أكثر من 500 ألف شخص، أو نحو 24 بالمئة من إجمالي الذين غادروا السودان، عبروا إلى مصر.
وبعد أقل من شهرين على بدء الحرب، علَقت مصر التزامها بموجب معاهدة بإعفاء النساء والأطفال والرجال السودانيين الذين تزيد أعمارهم عن 49 عاما من الحصول على تأشيرة، ما أدى إلى تباطؤ الدخول، وفقا لـ”رويترز”.
ويثير وصول الوافدين توترات من حين لآخر، ويحمل بعض المصريين مسؤولية رفع أسعار الإيجارات للسودانيين وغيرهم من الأجانب. ويشير مذيعو التلفزيون المصري إلى ما يشكله ملايين المهاجرين من “عبء” في وقت يرتفع فيه التضخم والضغوط الاقتصادية، بحسب الوكالة.
ونقلت الوكالة عن محامين وشهود قولهم إن السلطات ألقت القبض على العديد من الأجانب بعد تفاقم أزمة نقص العملة الأجنبية في مصر، العام الماضي، لعدم حيازتهم أوراقا رسمية واحتجزتهم في ظروف مزرية وطلبت منهم دفع رسوم بالدولار لتجنب الترحيل.
“ترحيل اللاجئين”.. ما وراء الحملة على السودانيين والسوريين في مصر؟
“يضرون بالأمن القومي، وتسببوا في ارتفاع الأسعار، ويأخذون وظائفنا، ولذلك يجب ترحيلهم عن البلاد”، تلك فحوى دعوات مصرية تطالب بترحيل اللاجئين السودانيين والسوريين عن الأراضي المصرية، فما أسباب تلك الحملة؟، وهل يقف هؤلاء “الضيوف” حقا وراء الأزمات التي تشهدها مصر؟
مصر تنفي
ولم ترد الهيئة العامة للاستعلامات في مصر على طلب موقع “الحرة” للتعليق.
وذكرت منظمة العفو الدولية أن المجلس القومي لحقوق الإنسان في مصر نفى النتائج التي توصلت إليها بشأن ارتفاع عدد عمليات الاعتقال والترحيل للاجئين السودانيين، وأكد في رده على المنظمة أن السلطات المصرية تحترم القانون الدولي.
وقال اللواء أركان حرب وأستاذ القانون الدولي، عبدالمنعم إبراهيم، لموقع “الحرة” إن “مصر تستقبل آلاف السودانيين منذ بداية الحرب بإرادتها بدون أي إجبار أو ضغط من أي جهة، والدليل على ذلك ما نراه في الشوارع وفي كل مكان في مصر من ترحيب لهم على المستويين الشعبي والرسمي”.
وفند أستاذ القانون التقارير التي تتحدث عن قيام السلطات المصرية والجيش بترحيل اللاجئين الحاصلين على صفة لاجئ من المفوضية، قائلا إن “مصر لا يمكنها بأي حال من الأحوال ترحيل أي شخص يحمل صفة لاجئ لأن ذلك يعد خرقا لالتزاماتها الدولية، ويمكن إثبات ذلك بسهولة ومقاضاة مصر وفرض عقوبات عليها من قبل المنظمات الدولية التي تطبق القانون الدولي”.
وأضاف أنه “يجب التفريق بين الذي يتسللون عبر الحدود واللاجئين، لأن من حق مصر حماية حدودها وإيقاف الهجرة غير الشرعية والتهريب البشري وغيره من أشكال التهريب مثلها مثل جميع دول العالم، وهذا يختلف عن استقبال مصر للاجئين والذي قامت به طوعا وإيمانها منها بضرورة الوقوف مع الأشقاء العرب وعلى رأسهم السودانيين والفلسطينيين والسوريين”.
وتساءل عن سبب “قيام مصر بترحيل السودانيين على وجه التحديد، وعدم فعل هذا الأمر مع السوريين على سبيل المثال والذي تستضيفهم مصر بالآلاف منذ سنوات عدة ولديهم كافة الحرية في التعليم والعمل والتجارة والتنقل”، ولذلك يرى أنه “ليس من الطبيعي حاليا أن تقوم السلطات نفسها بترحيل السودانيين قسريا بدون أسباب”.