انسحب الجيش الإسرائيلي الاثنين من مجمع الشفاء الطبي في مدينة غزة الذي طوقه واقتحمه قبل أسبوعين مخلفا كثيرا من الدمار و”عشرات الجثث” في ما كان أكبر مجمع طبي في القطاع، ولفقا لما نقلته وكالة فرانس برس.
“الوضع كارثي بكل ما تحمل الكلمة من معنى”، يقول الصحفي محمد أبو عواد الذي كان من أوائل الذين دخلوا إلى مستشفى الشفاء بعد انسحاب القوات الإسرائيلية منه قبل منتصف ليل الاثنين بقليل.
في 18 مارس، بدأ الجيش الإسرائيلي عملية كانت الثانية له في مجمع الشفاء الطبي منذ اندلاع الحرب في السابع من أكتوبر.
والاثنين، قال الجيش إن قواته انسحبت من مجمع الشفاء الطبي بغزة بعد عملية استمرت أسبوعين قتلت خلالها “مسلحين فلسطينيين في اشتباكات وضبطت أسلحة ووثائق مخابرات، بحسب قوله.
وقال إن عملية تمشيط ما كان أكبر مستشفى في القطاع قبل الحرب انتهت “من دون إلحاق أضرار بالمدنيين والمرضى والفرق الطبية”.
“انتهى إلى الأبد”
لكن المتحدث باسم اللجنة الدولية للصليب الأحمر في قطاع غزة هشام مهنا اعتبر في حديثه مع موقع “الحرة” أن “هذا المستشفى الذي كان الأكبر في الأراضي المحتلة بما فيها قطاع غزة والضفة الغربية انتهى إلى الأبد الآن وأصبح غير صالح تماما لإعادة التشغيل”.
يوضح أبو عواد لموقع “الحرة” أن “الظروف هنا في المستشفى صعبة للغاية، حيث تم إحراق غالبية أقسامه المهمة مثل الاستقبال والطوارئ والجراحات التخصصية والحروق والولادة والكلى”، مضيفا أن “كل هذه الأقسام تعرضت للحرق والأضرار وإطلاق قذائف عليها”، معتبرا أن “المستشفى لم يعد يصلح لأي عمل”.
وانتتشرت صور وفيديوهات لبعض مباني المجمع وقد تضرر بعضها، فيما بدت آثار حرائق على مبان أخرى.
وأشار أبو عواد إلى أنه “تم تجريف الساحتين الأمامية والخلفية ومقبرتين من أصل ثلاثة مقابر كانت قد استحدثت خلال هذه الحرب بسبب عدم قدرة المواطنين على دفن أقاربهم”.
ونشر المدير العام للمنظمة تيدروس أدهانوم غيبرييسوس على حسابه على منصة “أكس” صورة للمجمع بعد انتهاء العملية العسكرية يظهر فيها بعض المباني وقد تعرضت لأضرار كبيرة، مؤكدا أن المستشفيات يجب أن تكون محمية.
Al-Shifa hospital in #Gaza this morning, following the end of the latest Israeli siege.
I repeat: hospitals must be respected and protected; they must not be used as battlefields. pic.twitter.com/gcABzSxrqx
— Tedros Adhanom Ghebreyesus (@DrTedros) April 1, 2024
وقال مههنا إن فريق الصليب الأحمر في قطاع غزة لم يتمكن حتى الآن من الذهاب إلى مستشفى الشفاء الطبي ومعاينة الوضع على أرض الواقع “بسبب عدم حصولنا أو إعطائنا الضوء الأخضر والتدابير الأمنية للذهاب من أجل الوصول إلى المرضى والجرحى هناك وإجراء التقييمات اللازمة وإجرءهم من المجمع”، مشيرا إلى أن “كل التقارير الواردة من هناك تفيد بأن هناك تبعات مرعبة نتيجة العملية العسكرية التي شنتها القوات الإسرائيلية هناك على مدار الأسبوعين الماضيين”.
“عدد هائل من الجثث”
يؤكد مهنا أن “توابع العملية العسكرية الإسرائيلية لم تقف عند حدود المستشفى بل أيضا في محيطه والأحياء حوله، فضلا عن أننا نتحدث عن عدد هائل من الجثث التي تم دفنها في ساحة مجمع الشفاء الطبي”
وقال: “كان هناك حوالي مئة مريض وجريح بالإضافة إلى الفرق الطبية وأهالي المرضى والجرحى الذين كانوا يتخدون من المستشفى ملاذا آمنا”.
وكانت منظمة الصحة العالمية أعلنت الأحد أن المستشفى لا يزال يضم 107 مرضى و50 عاملا في المجال الصحي.
وذكر المدير العام للمنظمة الأحد بأن 21 مريضا توفوا في مجمع الشفاء منذ بدء العملية العسكرية الإسرائيلية.
وقال المتحدث باسم الصليب الأحمر في غزة لموقع “الحرة”: “لم تكن لدينا معلومات تصلنا من داخل المستشفى لكن الإفادات من الأهالي الذين كانوا يتصلون بنا من محيطه يبلغوننا عن قتال محتدم للغاية وغارات في المنطقة نجم عنها للأسف بالطبع إصابة العديد من الأهالي وبالتالي هؤلاء المصابين لم يتمكنوا من الخروج أو الوصول إلى مكان فيه رعاية صحية”.
وبشأن دور الصليب الأحمر، قال “كانت هناك محاولات ومن بينها فريق من أطباء الصليب الأحمر كان على أهبة الاستعداد للذهاب إلى المستشفى أو المنطقة المحيطة به والعمل على إخراج المرضى منه إلى المستشفى الأهلي العربي (المعمداني) لكن للأسف هذا الأمر لم يكلل بالنجاح ولم يتم تمكيننا من إتمام ذلك الأمر”.
وأضاف: “كنا نتلقى اتصالات هاتفية بشكل يومي من المناطق المحيطة بالمجمع من الأهالي العالقين الذين طلبوا الخروج من المنطقة بشكل آمن، وللأسف لم نتمكن من الاستجابة لكل هذه الطلبات، وعدد الطلبات التي نجحنا في الحصول على التنسيقات اللازمة من أجل إخراجها كانت ضئيلة للغاية مقارنة بعدد الاستغاثات التي تلقيناها”.
رحلة البحث عن المرضى
بعد انسحاب قوات الجيش الإسرائيلي، “بدأ بعض الناس الناس في التوافد إلى المستشفى في ساعات الصباح الباكر، حيث كان همهم أن يتفقدوا أقاربهم الذين كانوا هنا ويحاولوا معرفة مصيرهم وفي ما إذا كانوا أحياء أو تم اعتقالهم”، بحسب ما عايشه أبو عواد.
أما البعض الآخر “فكانوا يبحثون عن المرضى الذين تم احتجازهم في مبنى التنمية البشرية وكانوا منشغلين بنقلهم إلى مستشفى المعمداني وغيره من المستشفيات وآخرون كانوا يتفقدون في آثار الدمار وكل شيء”.
وعن حديث الجيش الإسرائيلي بأنه لم يلحق ضرر بالمدنيين ولا بالفرق الطبية، قال “هذه ادعاءات باطلة، الكثير من القتلى هنا من المدنيين خاصة في محيط مجمع الشفاء وداخله، المرضى أنفسهم تم احتجاز بعضهم في مبنى التنمية البشرية المتهالك من الأساس والذي لا يصلح للحياة وكانوا يتعرضون للضرب والاعتداء بشكل متكرر ومستمر ومنهم نساء”.
وأضاف: “حتى الفرق الطبية لم تسلم من التحقيقات الميدانية وكل الأسئلة كانت عن عناصر حركة حماس وأماكن تواجدهم وكأن المستشفى تحول في نظر الجيش الإسرائيلي مكان فقط لقيادة حركة حماس”.
بدوره يقول مهنا إنه “لم يعد هناك نظام رعاية صحية في قطاع غزة بأكمله. هناك مستشفى واحد فقط في غزة حاليا هو القادر على إجراء خدمات متقدمة وهو مستشفى غزة الأوروبي في جنوب القطاع الذي يتواجد فيه طاقم متخصص من الصليب الأحمر”.
ومنذ اندلاع الحرب منذ ستة أشهر تقريبا، شنّ الجيش الإسرائيلي عددا من العمليات التي طالت مستشفيات ومرافق طبية والأحياء المحيطة بها، متهّما حماس باستعمالها كستار لنشاطاتها. لكن الحركة نفت بشدة استخدام مقاتليها الشفاء وغيره من المرافق الصحية.
وأعلنت منظمة الصحة العالمية الأحد مقتل أربعة أشخاص وإصابة 17 آخرين في قصف إسرائيلي على مستشفى شهداء الأقصى في مدينة دير البلح وسط القطاع.
من جهته، قال الجيش الإسرائيلي إن طائرة تابعة لسلاح الجو “قصفت مركز قيادة عملياتيا تابعا لحركة الجهاد الإسلامي وإرهابيين متمركزين في باحة مستشفى الأقصى في منطقة دير البلح”.
وأضاف “بعد هذه الضربة الدقيقة، لم يتضرر مبنى مستشفى الأقصى ولم تتأثر وظيفته”.
وتوازيا مع العملية في الشفاء، أفادت حماس بأنّ القوات الإسرائيلية موجودة في مجمّع مستشفى ناصر، فيما ذكر الهلال الأحمر الفلسطيني أنّ عمليات تجري في مستشفى الأمل، وكلاهما في مدينة خان يونس.
منذ بداية الحرب على قطاع #غزة فقدنا 26 فردا من طواقمنا، منهم 15 فردا استهدفهم الاحتلال وهم يؤدون عملهم الإنساني ويرتدون شارة الهلال المحمية. #لست_هدفا ❌
— PRCS (@PalestineRCS) March 29, 2024
وبينما يعاني نظام الرعاية الصحية في قطاع غزة، فقد وصل ثلث سكانه إلى حافة المجاعة، حيث توقفت عمليات تسليم المساعدات عبر المعابر البرية إلى غزة بسبب القيود العسكرية الإسرائيلية والأعمال العدائية المستمرة وانهيار النظام العام، وفقا للأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة الدولية.
ولم يرد الجيش الإسرائيلي على اسئلة موقع “الحرة” بشأن التقارير الواردة من مجمع الشفاء الطبي عن العثور على جثث في ساحة المستشفى بعد انسحابه منها ولا عن سبب حريق بعض المباني.