توصلت دراسة حديثة إلى أن العمل ليلا -وإن كان لبضعة أيام- يؤثر سلبا على آليات ترتبط بتنظيم نسبة الغلوكوز في الدم، واستقلاب الطاقة والالتهابات، وهي العمليات التي يمكن أن تجعل الشخص أكثر عرضة للإصابة بمرض السكري والسمنة وغيرها من الاضطرابات الأيضية.
وأجرى الدراسة باحثون من جامعة ولاية واشنطن والمختبر الوطني لشمال غرب المحيط الهادي في الولايات المتحدة الأميركية، ونشرت بتاريخ 15 أبريل/نيسان 2024 في مجلة “جورنال أوف بروتيوم ريسيرش”، وكتب عنها موقع يوريك أليرت.
الساعة البيولوجية
الساعة البيولوجية في الجسم هي آلية تتبع إيقاع الليل والنهار، وتتواصل على مدار الساعة، وهو ما يعرف أيضا باسم التواتر اليومي. تساعد هذه الساعة على تنظيم شعورنا باليقظة والنعاس عبر آلياتها التي تستجيب لإشارات ترسلها منطقة الدماغ التي تراقب بدورها الضوء المحيط بنا. وتعتمد كل خلية وعضو ونسيج في الجسم على الساعة البيولوجية، لذلك، يساعد النوم في الوقت المناسب لساعات كافية على إبقائها في حالة عمل.
وقال كبير مؤلفي الدراسة هانز فان دونجن، الأستاذ في كلية إلسون إس فلويد للطب بجامعة ولاية واشنطن، إن “هناك عمليات مرتبطة بالساعة البيولوجية الرئيسية في دماغنا، والتي تقول إن النهار هو نهار والليل هو ليل، وعمليات أخرى تتبع إيقاعات محددة في مكان آخر من الجسم تقول إن الليل هو نهار والنهار هو ليل”. وأضاف: “عندما تكون الإيقاعات الداخلية غير منتظمة، يكون لديك هذا الضغط الدائم في نظامك الذي نعتقد أن له عواقب صحية طويلة المدى”.
وقال فان دونجن إن الدراسة تظهر أن هذه الإيقاعات المضطربة تمكن رؤيتها في أقل من 3 أيام من العمل ليلا.
ماذا يحدث إن أفسدنا انضباط إيقاع الساعة؟
تضمنت الدراسة تجربة مع متطوعين تم وضعهم في جداول محاكاة ليلية أو نهارية لمدة 3 أيام. بعد نوبة عملهم الأخيرة، بقي المشاركون مستيقظين لمدة 24 ساعة في ظل ظروف ثابتة -الإضاءة ودرجة الحرارة ووضعية الجسم وتناول الطعام- لقياس إيقاعاتهم البيولوجية الداخلية من دون تدخل من التأثيرات الخارجية.
وتم تحليل عينات الدم التي تم سحبها على فترات منتظمة طوال فترة 24 ساعة لتحديد البروتينات الموجودة في خلايا الجهاز المناعي في الدم. وكان لبعض البروتينات إيقاعات مرتبطة ارتباطا وثيقا بالساعة البيولوجية الرئيسية، التي تحافظ على إيقاع الجسم على مدار 24 ساعة.
وبالنظر عن كثب إلى البروتينات المشاركة في تنظيم الغلوكوز، لاحظ الباحثون انعكاسا شبه كامل لإيقاعات الغلوكوز لدى المشاركين في المناوبات الليلية.
ووجد الباحثون أيضا أن العمليات المرتبطة بإنتاج الأنسولين، التي تعمل للحفاظ على مستويات الجلوكوز ضمن نطاق صحي، لم تعد متزامنة لدى المشاركين في الورديات الليلية.
من ناحيته، قال العالم في قسم العلوم البيولوجية جيسون ماكديرموت، في المختبر الوطني لشمال غرب المحيط الهادي، “ما أظهرناه هو أنه يمكننا بالفعل رؤية اختلاف في الأنماط الجزيئية بين المتطوعين الذين لديهم جداول زمنية عادية وأولئك الذين لديهم جداول غير متوافقة مع ساعتهم البيولوجية”.
وتشير الدراسة إلى إمكانية التدخل المبكر للوقاية من مرض السكري والسمنة. يمكن أن يساعد مثل هذا التدخل أيضا في تقليل خطر الإصابة بأمراض القلب والسكتة الدماغية، وهو خطر مرتفع أيضًا لدى العاملين في المناوبات الليلية.
وستكون الخطوة التالية للباحثين هي دراسة العاملين الفعليين في الورديات الليلية لتحديد إذا ما كانت نوبات العمل الليلية تسبب تغيرات مماثلة.