طالب أطباء إسرائيليون جيشهم بقصف المستشفيات في قطاع الغزة، متذرعين بحجة محاربة الإرهاب.
ووقّع عشرات الأطباء في إسرائيل -الذين تأطروا تحت عنوان “أطباء من أجل الجنود”- على عريضة، زعموا فيها “أن من يخلط بين المستشفيات والإرهاب عليه أن يفهم أن المستشفيات ليست مكانا آمنا بالنسبة إليه، ويجب محاربة الإرهاب في كل مكان وبكل طريقة”.
هذه المطالبة أثارت ردود فعل كبيرة ومستهجنة، فالمفروض أن الأطباء غايتهم هي حماية أرواح البشر، لا الدعوة لدكّ المستشفيات بالقنابل وقتل المرضى والكادر الطبي.
من جهتها قالت الدكتورة آية الأسمر -عضو مجلس نقابة أطباء الأسنان الأردنية والأستاذ المشارك في كلية طب الأسنان في الجامعة الأردنية- “كوني إنسانة أولا وطبيبة ثانيا وأكاديمية أربّي أجيالا من الأطباء مهنيا ثالثا، أؤكد أن كل قوانين وشرائع الكون السماوية منها والدنيوية الموضوعة، تتبرّأ من هذا الخطاب النازي المتغطرس والحاقد، ومن هذه المبادئ والقيم غير الإنسانية أولا، وغير الأخلاقية ثانيا، وغير المهنية ثالثا، وغير المقبولة على صعيد أخلاقيات المهنة رابعا”.
وتساءلت الدكتورة آية -في تصريحات خاصة للجزيرة– “أين قَسم أبقراط إذن؟ أين أخلاقيات المهنة؟ أين قانون المسؤولية الصحية والطبية؟”، مؤكدة أنه لا عرق ولا جنس ولا دين يحكم المهن الطبية الإنسانية.
وقسم أبقراط، هو مدونة أخلاقية منسوبة إلى الطبيب اليوناني القديم أبقراط، اعتُمدت دليلا لسلوك مهنة الطب على مر العصور، وما زالت تستخدم في احتفالات التخرج في العديد من كليات الطب. وقد انتقل هذا القسم، أو جزء منه، في إصدارات مختلفة عبر أجيال من الأطباء تحت اسم قسم أبقراط.
ويحدد القسم التزامات الطبيب تجاه طلاب الطب وواجبات التلميذ تجاه المعلم. وفي القسم يتعهد الطبيب بأن لا يصف إلا العلاجات النافعة، حسب قدراته وحكمه. والامتناع عن التسبب في الأذى أو الأذى؛ وأن يعيش حياة شخصية ومهنية مثالية.
وأضافت الدكتورة آية الأسمر -وهي عضو رابطة الكتاب الأردنيين- “نحن أطباء نحتكم إلى الأخلاق والفضيلة والقيم والمبادئ التي تدعو إلى الرحمة والإنسانية وإنقاذ الأرواح ومساعدة المرضى، وهذا خطاب دميم مشوّه مغرق في الحقد والكراهية والروح الانتقامية العنصرية، وهو خطاب منبوذ وشاذ وخارج الإطار المهني والأخلاقي والإنساني، ونحن منه براء”.
جريمة بحق الإنسانية
وقال الدكتور زياد الزعبي نقيب الأطباء في الأردن، إنه “فيما يتعلق بما صدر عن أطباء إسرائيليين عبر وثيقة أرسلت إلى سلطات العدو الصهيوني تطالبهم فيها بتدمير المستشفيات في غزة بحجة استخدامها كملاذات آمنه للمقاتلين فهي جريمة بحق الإنسانية وتتعارض مع اتفاقيات جنيف الأربعة التي أنشئت على أساسها منظمة الصليب الأحمر الدولية والتي تعززت بملاحق عام ١٩٧٧ والتي تنص وتلزم الدول المتحاربة على توفير الحماية للجرحى وأماكن آمنه لعلاجهم “.
وأضاف الزعبي -في تصريحات خاصة للجزيرة- أن “الصهاينة قد دمروا معظم المستشفيات العاملة في غزة لقتل الجرحى وعدم توفير الفرصة لعلاجهم، فمن لم يتم قتله بالغارات الهمجية على المباني سيموت من عدم توفر العلاج. ليس ذلك فقط وانما تمنع المساعدات القادمة من الخارج سواء كانت على شكل أدوية ومستلزمات طبية أو كوادر طبية”.
وأضاف أن “نقابة الأطباء الأردنية حاولت تقديم المساعدة لغزة، وتطوع لديها ٨٥٠ جراحا وطبيبا منذ الأيام الأولى للعدوان وخاطبنا الأمم المتحدة والصليب الأحمر وأطباء بلا حدود ولم نستطع الدخول لمساندة زملاءنا هناك الذين إما استشهدوا أو جرحوا أو أنهكتهم الحرب”.
وختم بالقول “أين الإنسانية واين حقوق الإنسان وأين المعاهدات الدولية؟ صرخة اوجهها لكل شرفاء العالم أن يساعدونا في انقاذ الجرحى في غزة”.
صدمة وذهول
من جهته عبّر طبيب التقويم الأردني الدكتور مرتضى كريشان عن شعوره بالصدمة والذهول عند سماعه بمطالبة أطباء إسرائيليين بقصف المستشفيات في غزة، فالمفروض “أن الأطباء هم أكثر الناس تقديرا للحياة وقدسيتها، وهم يعرفون معاناة المرضى في المستشفيات، فكيف يطلبون إلقاء القذائف على رؤوسهم؟”.
وأكد كريشان أن دعوة هؤلاء الأطباء هو تسويغ للجيش الإسرائيلي في حربه الممنهجة على المستشفيات والقطاع الطبي في غزة، وإعطائه ذريعة لقتل الكادر الطبي والمرضى.
وشدد كريشان على أن مزاعم الأطباء الإسرائيليين تحمل دعوة لقتل الفلسطينيين، مؤكدا أن ما تفعله غزة هو دفاع عن نفسها وصد للعدوان الإسرائيلي الذي لم يقتصر على الهجوم العسكري، بل سبقته سياسة الحصار والتجويع ومنع إدخال الدواء.
وأضاف الدكتور كريشان أن قصف الاحتلال الاسرائيلي للمستشفيات في غزة هو عملية ممنهجة تهدف للقتل أولا، ثم لتدمير القطاع الطبي بحيث لا يجد الجرحى من يعتني بهم.
وشدد كريشان أن هؤلاء الأطباء الإسرائيليين بدعوتهم لقصف المستشفيات قد خانوا قسم أبقراط، وخانوا إنسانيتهم، وتحولوا إلى محرضين على القتل وشركاء في الجرائم بحق الشعب الفلسطيني.
عقلية عدوانية
من جهته قال رئيس اللجنة الإعلامية في نقابة الأطباء الأردنية الدكتور حازم قرالة “أن هذه الدعوات العنصرية المقيتة لا تنم إلا عن العقلية العدوانية المتأصلة في مجتمعهم الإسرائيلي، وهي خروج صارخ على أهم مبادئ الطب وأخلاقه ورسالته السامية بين الشعوب”.
وأضاف “أن قصف المستشفيات والمنشآت الصحية ومحاولة إخراج أكبر عدد منها من الخدمة هو رسالة واضحة للجميع أن هدف العدو هو الإبادة الجماعية، وقتل أكبر عدد ممكن من سكان قطاع غزة، وما ارتفاع عدد الشهداء من النساء والأطفال إلا دليل واضح على هذه النية”.
وأكد قرالة أنه “كوني طبيبا أحذر من كارثة إنسانية حقيقية في حال تركت مستشفيات قطاع غزة دون مساعدة فورية، فهناك نقص في كل شيء من وقود ومواد ومعدات طبية وكوادر بشرية مرهقة ومستنزفة حتى الرمق الأخير، ومفاضلة بين المرضى في تقديم العلاج وتقديم الخدمة الطبية، ومع الأسف النتيجة عدد وفيات أكبر وسط نقص الدواء والحصار واستهداف الكوادر الطبية”.
جريمة حرب
من جهته قال المحامي والكاتب الأردني محمد العودات، إن هذه التصريحات -دعوة الأطباء الإسرائيليين الجيش لقصف مستشفيات غزة- تخالف اتفاقيات جنيف التي تنص على حماية الأعيان الطبية ومرافقها سواء كانت أعيان طبية ثابتة أو متحركة، وكل ما يتبع لها سواء كانت هذه المستشفيات مستشفيات تابعة للقوات العسكرية المحاربة أو مستشفيات مدنية.
وأضاف “قد جاءت تلك الحماية منصوص عليها في اتفاقية جنيف 1846 واتفاقيات جنيف 1949 والبرتوكول الملحق بها 1977”.
وقال محمد العودات “نصت اتفاقية جنيف 1949 في المادة 6 و18 و19/1 على عدم جواز مهاجمة الوحدات الطبية ووجوب حمايتها والدفاع عنها، كما قرر البرتوكول الإضافي 1977 في المادة 12 و21 منه حماية الوحدات الطبية، وحرمت على أطراف النزاع بألا تكون الوحدات الطبية هدفا لأي هجوم وحماية المركبات الطبية”.
وأكد محمد العودات أن ما دعى له الأطباء يعدّ جريمة من جرائم الحرب المنصوص عليها في المحكمة الجنائية الدولية يمكن ملاحقتهم بموجبها، وقد عرفت جرائم الحرب في المادة 8 ” بالانتهاكات الجسيمة لاتفاقيات جنيف 1949 ” وقد صدر في 2021 قرار بالأغلبية عن المحكمة الجنائية الدولية باختصاصها على الجرائم التي ترتكب في غزة والضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية
وشدد المحامي الأردني على أن فعله الأطباء يخالف إعلان جنيف “قسم الأطباء” الصادر في 1948 الذي جاء في جزء من نصه: أني سأحافظ على أكبر احترام للحياة البشرية، وأني لن أستخدم معرفتي الطبية لانتهاك حقوق الإنسان والحريات المدنية حتى تحت التهديد.
واتفاقيات جنيف وبروتوكولاتها الإضافية معاهدات دولية تضم أكثر القواعد أهمية للحد من همجية الحروب. وتوفر الاتفاقيات الحماية للأشخاص الذين لا يشاركون في الأعمال العدائية (المدنيون، وعمال الصحة، وعمال الإغاثة) والذين توقفوا عن المشاركة في الأعمال العدائية (الجرحى، والمرضى، وجنود السفن الغارقة، وأسرى الحرب)، وهذا وفقا لموقع اللجنة الدولية للصليب الأحمر.
لا يمت إلى الطب بأي صلة
من جهته قال دكتور عماد أبو ريان -استشاري جراحة العظام الذي يحمل البورد الألماني- إن هذا الموقف يتعارض مع مبادئ وقيم الطب كونه مهنة انسانية. وهذا الموقف يتبنى موقفا سياسيا وعسكريا، وهذا ما لا يمت إلى الطب بأي صلة أو علاقة.
وأضاف د. عماد “كما أن هذا الموقف يتنافى مع أخلاقيات المهنة وقسمها، والمعاهدات والأعراف الدولية والمؤسسات الحقوقية التي تُعنى بحقوق الإنسان”.
وأكد عماد أبو ريان أن ما نشهده اليوم من استهداف مستشفيات القطاع في ساعات الذروة واكتظاظ المرضى واستهداف سيارات وفرق الإسعاف هو استهداف ممنهج. ما نسمعه الآن عبر وسائل الإعلام الحرة من استهداف بيوت الأطباء ومديري المستشفيات وأساتذة كليات الطب لا يدع مجالا للشكل بأن القطاع الصحي في غزة مستهدف، وما يحدث الآن ما هو إلا ترجمة صريحة للإضرار الممنهج بالرعاية الصحة وبنيتها التحتية وعناصرها العاملة، رغم أنها محمية ومصانة بالقانون والعرف الدولي. لذلك لا بد من أن يكون هناك تحرك دولي لضمان أمن هذه المؤسسات الصحية والعاملين بها.