جميعنا نعاني من النسيان في مرحلة ما، ولكن هناك من يتعرض لذلك كثيرا. فمتى تكون مشاكل الذاكرة مثيرة للقلق؟ وفي أي عمر نفقد الذاكرة؟ هذا ما يقوله الأطباء.
وقالت الكاتبة أنخيليس غوميز، في تقرير نشرته صحيفة “الكونفيدينسيال” الإسبانية، إن الذاكرة وظيفة دماغية أساسية لجميع عمليات التعلم التي تحدد هويتنا نحن البشر: التحدث والفهم والتذكر… ولا شك أن الأشخاص الذين يمتلكون ذاكرة قوية يتفاخرون بها، وعندما لا تتناسب قدرتنا على التذكر مع النمط الذي اعتدنا عليه، نشعر بالقلق.
مع مرور السنين تتغير قدرات الذاكرة، فتصبح أقوى فيما يتعلق ببعض الأشياء وأضعف مع بعض الأشياء الأخرى. وعندما ندرك أننا ننسى أكثر مما نتذكر، تراودنا الشكوك: هل أنا مصاب بمرض عصبي؟ هل يجب علي أن أذهب إلى الطبيب؟
على ضوء ذلك، يؤكّد طبيب الأعصاب باسكوال سانشيز، المدير العلمي لمؤسسة “سيين”، أن “مشاكل الذاكرة شائعة جدا، حتى بين الأشخاص الذين يبلغون من العمر 20 عاما، والذين يعترفون بأنهم ينسون الأشياء”.
وأضافت عالمة النفس ماريا خيسوس مارافير، الباحثة في مركز العقل والدماغ والسلوك بجامعة غرناطة، أن “ذاكرتنا هي نظام معقد للغاية، تشارك فيه العديد من هياكل الدماغ، حيث تقوم بتخزين الخبرات والحلقات والتعلم. لذلك، لمجرد أننا لا نتذكر شيئا ما، في لحظة معينة، لا يعني أننا نسينا أشياء أخرى”.
متى يجب أن نقلق؟
يقول خبير الأعصاب سانشيز “يعد فقدان الذاكرة أمرا طبيعيا خاصة مع تقدمنا في العمر حيث تتدهور الوظائف المعرفية – الذاكرة والوظائف التنفيذية، وهي العمليات التي تسمح لنا بالتحكم في انتباهنا وذكرياتنا. النقطة الأساسية، التي يجب أن نقلق بشأنها هي عندما يبدأ النسيان بالتدخل في الحياة اليومية وننسى المهام اليومية. ولكن بين الطبيعي والمرضيّ هناك “بعض العلامات التحذيرية” التي تنبه أطباء الأعصاب :على سبيل المثال، نسيان أشياء حديثة جدا من يوم لآخر، وتكرار المحادثات وما إلى ذلك. وهذا يدل على أن جهاز التسجيل في الدماغ (القدرة على تخزين المعلومات) لا يعمل بشكل جيد. ويثير ذلك القلق لأننا قد نكون أمام بداية مرض ألزهايمر، حيث تتأثر القدرة على تثبيت المعلومات”.
ويشير الخبير إلى أن “فقدان الذاكرة لا يعني مرض ألزهايمر، ذلك أن هناك العديد من الاضطرابات التي يمكن أن تؤثر على هذه الحالة. يعد التوتر أحد العوامل التي لها التأثير الأكبر على القدرة على التذكر لأنه يؤثر على الذاكرة المرتبطة بالوظيفة التنفيذية كما أن التعب أو الخضوع لجراحة لدى شخص مسن يؤثر سلبا على الذاكرة، على الرغم من أنها أمر عابر عادة”.
وأضاف أن “أولئك الذين تقل أعمارهم عن 50 عاما والذين يذهبون إلى الطبيب بسبب فقدان الذاكرة عادةً ما يكونون أشخاصا يعانون من القلق والتوتر وتحت ضغط نفسي. وعلى الرغم من أن الخرف المبكر نادر قبل سن 65 عاما، فإنه لا ينبغي تجاهل أي شيء ويجب علينا دراسة حالة هؤلاء المرضى جيدا”.
بالإضافة إلى الاختبارات المعرفية، يساعد اختبار الدم في العثور على التغيرات الهرمونية (الغدة الدرقية) التي تؤثر على الذاكرة، إن وجدت، وعلاجها. ودون أن ننسى أن شهادات الأشخاص الذين يعيشون مع المتضررين مهمة جدا لأنهم هم الذين يدركون حقا أن هناك مشكلة.
في أي عمر نفقد الذاكرة؟
لا تحمل الباحثة ماريا خيسوس مارافير أخبارا سارة لأولئك الذين يعتقدون أنهم في مأمن من فقدان الذاكرة لأنهم بعيدون عن سن 65 عاما. قبل الكشف عن العمر الرئيسي، تفضل أن تأخذ منعطفا معينا مذكرة أن مرحلة الشباب، في حدود سن 25 إلى 30 عاما، هي التي نصل فيها إلى مرحلة النضج الدماغي وتصل الوظائف المعرفية إلى ذروتها. ومن هنا يبدأ فقدان الخلايا العصبية الوظيفية الطبيعية، بطريقة صحية، وتقل قدرتها، وتتسارع هذه العملية بعد سن 65 عاما”.
تبدأ ذاكرة الإنسان في التراجع بعد سن الـ30، ولكن “على الرغم من توقف الخلايا العصبية عن التكاثر، فإن هناك الكثير من الأبحاث الحديثة التي تثبت أن هناك بعض مناطق الدماغ، وتحديدا الحصين، حيث تم الكشف عن مستوى معين من النيروجينيسيس (تكوّن الخلايا العصبية الجديدة)”. ويُضاف إلى ذلك مرونة الدماغ (القدرة على إعادة التنظيم)، التي تسمح باستعادة وظائف معينة.
وعلى الرغم من التقدم في السن، “تستمر أدمغتنا في الحفاظ على القدرة على التعلم والعمل ومعالجة المعلومات والحفاظ على الذاكرة في حالة وظيفية لسنوات عديدة أخرى. وللحفاظ على الدماغ في حالة جيدة، ابتداء من سن الـ30 “من المهم أن نبذل جهدا حتى تظل الخلايا العصبية لدينا نشطة وتزداد اللدونة العصبية”.
هل يمكن تدريب الذاكرة؟
هذا جانب مثير للجدل لأن هناك أصواتا تؤكد أن الذاكرة لا يمكن تدريبها وكأنها عضلة. وتوضح الخبيرة النفسية أن “التدريب لا يؤدي إلى زيادة قدرة الذاكرة وإنما يقويها. ولا يمكن للتدريب المكثف أن يحسن القدرة على ربط المفاهيم بل ما يمكن تعزيزه هو الإستراتيجيات والعمليات التي نستخدمها لتذكر المعلومات”.
وحسب الخبير سانشيز يكون ذلك “من خلال النشاط المعرفي والاجتماعي، والخروج، وممارسة الهوايات، وكل ما يحافظ على لياقة أدمغتنا!”.
أفضل المكملات الغذائية للذاكرة
يتفق كل المتخصصين على أنه “بشكل عام، ليست هناك حاجة إلى مكملات الفيتامينات والمعادن بالنسبة للأشخاص الأصحاء الذين لا يعانون من أي نقص”، وهما يشككان في الفوائد المزعومة لبعض المركبات في مواجهة النقص الإدراكي الخفيف لأنها “تفتقر إلى الأدلة”.
ومن جهتها، توصي الباحثة “بقضاء ساعات أقل في مشاهدة التلفزيون والمزيد من القراءة والقيام بالأنشطة مع الآخرين”. كما تِؤكد على فوائد اتباع نظام غذائي صحي وممارسة التمارين البدنية.